راية السنة *
راية السنة *
المبحث الرابع:الكب والخيانة

رغب الإسلام في الصدق و حذر من الكذب حيث قال الله تعالى" :يا أيٌها الٌذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصٌادقين"(سورة التوبة , الآية : 119.).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي قال :" إنالصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة, وان الرجل ليصدق حتى يكون صديقا, وإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, وان الرجل ليكذب حتى يكتبعند الله كذابا"(( متفق عليه ).).
وإذا كان الصدق مطلوباً على كل حال فانه آكد وأولى في الحياة الزوجية .
فالحياة الزوجية التي تقوم على الكذب والخداع لاشك أنها ستنهار سريعا وسيصبح الوالدان قدوة سيئة للأبناء . روى عبد الله بن عامر رضي الله عنه انهقال : " رسول الله صلىالله عليه وسلم في بيتنا و أنا صبي , قال : فذهبت أخرج لألعب . فقالت أمي : يا عبدالله تعال أعطيك. فقال رسول الله :"وما أردت أن تعطيه؟"قالت : أعطيه تمرا. قال: فقال رسول الله :" إما إنك لو لم تعطه شيئاكتبت عليك كذبة"(مسند الإمام أحمد ج3 /447))
فالصدق والوضوح والصراحة لا بد أن يكونوا من أركان الحياة الزوجية فرب كذبة من أحد الزوجين تجعله يفقد الثقة في الآخر طوال العمر .
قال الشاعر :
عود لسانك قول الصدق تحظ به * * * إن اللسان لما عودت معتادُ

والصدق لا يكون في الأقوال وفقط ؛ إنما يكون في الأقوال والأفعال والمشاعر .
فعن ‏ ‏أسماء بنت أبي بكر ‏- رضي الله عنها - ‏قالت :" ‏جاءت إلى النبي ‏ ‏ ‏ ‏امرأة فقالت يا رسول الله إني على ضرة فهل علي جناح أن أتشبع من زوجي بما لم يعطني فقال رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي ‏ ‏زور"(( متفق عليه ).).
فقد حذر النبي صلى اله عليه وسلم هذه المرأة التي أرادت أن تكذب على ضُرتها وتدعي أن زوجها أعطاها وخصها بأشياء وهو لم يعطها . فشبه النبي صلى اله عليه وسلم ذلك بمن يلبس ثوبين من الزور والكذب والبهتان .
وأما ما ورد من الرخصة في الكذب بين الزوجين كما روى من حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت :" رخص النبي من الكذب في ثلاث : في الحرب و في الإصلاح بين الناس و قول الرجل لامرأته ( و في رواية ) : و حديث الرجل امرأته و حديث المرأة زوجها "(أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 404 ) "السلسلة الصحيحة" 2 / 74 .).
فإن ذلك مقيد وليس على إطلاقه فالمقصود بالكذب بين الزوجين هو ترضية أحدهما للآخر، ومجاملته بالكلمات والعبارات ليشعر كلمنهما الآخر أنه أفضل زوج وأنها أجمل زوجة.
فالرخصة هنا لا تتعدى مواضعها ولا تؤتى في غير ما شرعت من أجله .
روي أن ابن أبي عذرة الدؤلي وكان في خلافة عمر رضي الله عنه كانيخلع النساء اللاتي يتزوج بهن فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علمبذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتى أتى به إلى منزله ثم قال لامرأته‏:‏ أنشدكبالله هل تبغضيني قالت‏:‏ لا تنشدني قال‏:‏ فإني أنشدك الله قالت‏:‏ نعم فقال لابنالأرقم‏:‏ أتسمع ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه فقال‏:‏ إنكم لتحدثون إنيأظلم النساء وأخلعهن فأسأل ابن الأرقم فسأله فأخبره فأرسل إلى امرأة بن أبي عذرةفجاءت هي وعمتها فقال‏:‏ أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه فقالت‏:‏ إني أول منتاب وراجع أمر الله تعالى إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب أفأكذب يا أمير المؤمنينقال‏:‏ نعم فاكذبي فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوتالذي بيني على الحب ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب(الغزالي : الإحياء 3/138، الفسوي : المعرفة والتاريخ 1/392).
وأما الأمانة في الحياة الزوجية فهي صفة لازمة لنجاحها . : "إنٌ الله يأمركم أن تؤدوا الأماناتإلى أهلها"(سورة النساء , الآية : 58.).
وقال : " يا أيٌها الٌذين آمنوا لاتخونوا الله و الرٌسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون"(سورة الأنفال : 27)
وعن عبد الله بن عمرورضي الله عنه- أن النبي, , قال " أ ربع من كنفيه كان منافقا خالصا, وما كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها, إذا اؤتمن خان, و إذا عاهد غدر, و إذا خاصم فجر"((متفق عليه).).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ :مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ إِلاَّ قَالَ:"لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ."(أخرجه أحمد 3/135(12410).
فالخيانة في الحياة الزوجية من أهم أسباب تدميرها , فلن يقبل زوج شريف على نفسه أن تخونه زوجته وإلا كان ديوثاً , وكذا لن تقبل امرأة شريفة عاقله على زوجها أن يخونها .
ذكر الإمام ابن القيم (روضة المحبين ونزهة المشتاقين ص 477) : أن الإمام الحافظ ابن الجوزى قال بلغني عن بعض الأشراف انه اجتاز بمقبرة وإذا بجاريه حسناء كأنها البدر أو أسنى وعليها ثياب سود فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب لها :
قد كنت أحسب إن الشمس واحدة ‍* * * والبدر في نظري بالحسن موصوف
حتى رايتك في أثواب ثاكلة ‍* * * سود وصدغك فوق الخد معطوف
فرحت والقلب منى هائم دنف ‍* * * والكبد حرى ودمع العين مذروف
ردى الجواب ففيه الشكر واغتنمي * * * وصل المحب الذي بالحب مشغوف


ورمى بالرقعة إليها فلما رأتها كتبت
إن كنت ذا حسب ذاك وذا نسب * * * ‍ إن الشريف بغض الطرف معروف
إن الزناة أناس لا خلاق لهم * * * ‍ فاعلم بأنك يوم الدين موقوف
واقطع رجاك لحاك الله من رجل* * * فأن قلبي عن الفحشاء مصروف


فلما قراء الرقعة زجر نفسه وقال أليس امرأة تكون أشجع منك ثم تاب ولبس مدرعة من الصوف والتجاء إلى الحرم ينما هو في الطواف وإذا بتلك المرأة عليها جبة من صوف فقالت له ما أليق هذا بالشريف هل لك في المباح فقال : قد كنت أروم هذا قبل أن اعرف الله وأحبه والآن فقد شغلني حبه عن حب غيره فقالت : أحسنت .
ولله در الشافعي الذي قال :
عفوا تعف نساؤكم في المحرم * * * وتجنبوا ما لايليق بمســــــلم
إن الزنا دين فإن أقرضته * * * كان الوفا من أهل بيتكفاعلــــــــم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا * * * سبل المودة عشت غيرمكــــرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد * * * ما كنت هتاكا لحرمة مســـــــلم
منيزن يزن به ولو بجداره * * * إن كنت يا هذا لبيبا فافهـــــــــم
من يزن في قومبألفي درهم * * * يزن في أهل بيته ولو بالدرهـم

فالكذب والخيانة من الأسباب التي تؤدي إلى الخلاف بين الزوجين , بل إلى الوصول بالحياة الزوجية إلى طريق مسدود . </B>






راية السنة *
راية السنة *

المبحث الخامس:التدخلات الخارجية


التدخلات الخارجية من بعض الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء في الحياة الزوجية قد يفسدها ويسير بها إلى طريق آخر غير الذي وجدت من أجله .
فالحياة الزوجية حياة لها طبيعتها الخاصة, ولها أسرارها التي لا ينبغي لأحد أن يعرفها , ويكفيها وصف الله تعالى لها بقوله : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ..)((187) سورة البقرة.).
فهناك بعض من لا دين لهم ولا خلق من الأقارب أو من الجيران أو من الأصدقاء أو ربما من زملاء العمل , يحاولون الوقيعة بين الرجل وزوجته بغرض إفساد العلاقة بينهما , وتشتيت أسرة وضياعها .
ولقد حذرنا النبي من ذلك فقال , فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده "(( صحيح ) انظر حديث رقم : 5437 في صحيح الجامع .).
وتلك أحبولة من حبائل الشيطان لإفساد العلاقات الأسرية المتماسكة .
فعن أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ :إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ ، وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ.قَالَ الأَعْمَشُ : أُرَاهُ قَالَ : فَيَلْتَزِمُهُ. وفي رواية : إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ ، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً.(أخرجه مسلم (8/138)، وأحمد (3/314).).
وإذا كان الإسلام قد نهي المسلم أن يخطب على خطبة أخيه , فما بالنا بمن يفسد زوجة على زوجها ؟ .
عن عطاء بن السائب عن ميسرةقال كان رجل من بني إسرائيل من عباد بني إسرائيل يعمل بالمسحاة وكانت لهامرأة من أجمل نساء بني إسرائيل فبلغ جبارا من جبابرة بني إسرائيل جمالهافأرسل إليها عجوزا فقال خببيها عليه وقولي لها ترضين أن تكوني عند مثل هذاالذي يعمل بالمسحاة ولو كنت عندي لحليتك بالذهب وكسوتك بالحرير وأخدمتكالخدم يعني فقالت لهاوكانت تقرب إليه فطره وتفرش له فراشا فلم تفعلوتغيرت عليه فقال يا هنتاه ما هذا الخلق الذي لا اعرفه قالت هو ما ترى قالفطلقها فتزوجها جبار بني إسرائيل فلما دخلت عليه وأرخيت الستور عمي وعميتفأهوى بيده ليلمسها فجفت يده وأهوت بيدهاتلمسه فجفت يدها وصما وخرسا ونزعت منهما الشهوةفلما أصبحا رفعت الستور فإذا هم صم عمي خرس فرفع خبرهما إلى نبي بنيإسرائيل فرفع خبرهما إلى الله تعالى فقال إني لست أغفر لهما أبدا ظنا أنليس بعيني ما عملا بصاحب المسحاة (ابن الجوزي : ذم الهوى 287.).
قال عثمان بن عطاء: كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلم، وإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر وكبرت امرأته. فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه امرأته بطعام فيأكل.فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم أتى البيت فكبر وسلم فلم تجبه، وإذا البيت فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت به في الأرض. فقال لها: مالك؟فقالت: الناس كلهم بخير، وأنت أبو مسلم!!- تعني فقير- فلو أنك أتيت معاوية، فيأمر لنا بخادم، ويعطيك شيئاً نعيش به.. فقال أبو مسلم!: اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره.قال: وكانت أتتها امرأة فقالت: أنت امرأة أبي مسلم، فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم!!قال: فبينا هذه المرأة في بيتها والسراج يزهر، إذ أنكرت بصرها. فقالت: سراجكم طفئ؟قالوا : لا قالت: إنا لله، ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم، فرق لحالها، ودعا الله طويلاً فرد إليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالها (أبو نعيم الأصبهاني : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 2/ 130 , ابن الجوزي : صفة الصفوة 4/212).).
والملاحظ أن كثيراً من الخلاف والشقاق الذي قد يحدث بين بعض الأزواج اليوم قد يكون سببه التدخلات الخارجية , وقد يكون ذلك ربما من اقرب الناس إلى الزوجين .
فقد يتدخل أحد الوالدين في تلك العلاقة فيفسدها ربما بقصد أو بغير قصد .
وما على الزوجين ألا أن يجعلا لحياتهما الزوجية خصوصية وسياج لا يقترب منه أحد , وإذا ما حدث خلاف حاولا حله داخل البيت ، دون تدخل قريب أو بعيد في هذا الخلاف .
وقع بين الأعمش وزوجته وحشة ، فسأل بعض أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح ما بينهما .فدخل إليها وقال : إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه ، وضعف ركبتيه ، وجمود كفيه .فقال له الأعمش: قبحك الله ، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه. (الراغب الأصفهاني :محاضرات الأدباء 1/494).).