شبهة من شبهات الخوارج والرد عليها
أن العلماء لا ينكرون على الحكام علانية ولا يناصحونهم
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء لا يبينون الأحكام لولاة الأمر ولا ينكرون عليهم علانية أمام الناس ، فهم مقصرون في ذلك ، وكاتمون للعلم خوفاً على مناصبهم ووظائفهم .
وهذا الطعن باطل من وجوه : الوجه الأول : أن النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (). قال أبونعيم الأصبهاني :" من نصح الولاة والأمراء اهتدى ومن غشهم غوى واعتدى
فكيف يقصر العلماء في النصيحة ولا يؤدونها على وجهها ؟!!
والوجه الثاني : أنَّ النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج :
إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها ويدل عليه ما رواه عِيَاض قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ " ().
وروى شَقِيق عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ :قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ " ().
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى - معلقاً على أثر أسامة رضي الله عنه : لما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه . نسأل الله العافية ().
وعن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ أنه قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى فقُلْتُ له : إِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ قَالَ فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فَإِنْ قَبِلَ مِنْـكَ وَإِلَّا فَدَعْـهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ " ().
فتأملوا كيف أن الصحابي الجليل ابن أبي أوفى رضي الله عنه منعه من الكلام في السلطان وأمره بنصيحته سراً دون العلانية . وقال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف ، وأنهاه عن المنكر ؟ فقال ابن عباس : إن خفت أن يقتلك فلا . قال سعيد : ثم عدت فقال لي مثل ذلك . ثم عدت فقال لي مثل ذلك .
وقال ابن عباس : إن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ففيما بينك وبينه " (). فتدبروا موقف هذا الصحابي الجليل حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المسألة العظيمة حيث أمره بالسرية في النصح .
وقيل لمالك بن أنس : إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون ؟ فقال : يرحمك الله فأين التكلم بالحق() .
وقال الشوكاني :" ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولايظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله " ().
وقال أئمة الدعوة :ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق واتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس().
وسئل الشيخ صالح الفوزان : ما هو المنهج الصحيح في المناصحة وخاصة مناصحة الحكام أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟
فأجاب حفظه الله : العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالحكام بشر يخطئون ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم حتى وإن جاروا وإن ظلموا حتى وإن عصوا ما لم يرتكبوا كفراً بواحاً كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ()،وإن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة للمسلمين وحماية لبلاد المسلمين وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة أعظم من المنكر الذي هم عليه يحصل ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك . ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء ، لا ، بل نعالج ولكن تعالج بالطريقة السليمة بالمناصحة لهم سراً والكتابة لهم سراً . وليست بالكتابة التي تكتب ويوقع عليها جمع كثير وتوزع على الناس هذا لا يجوز بل تكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تسلم لولي الأمر أو يكلم شفوياً أما الكتابة التي تكتب وتصور وتوزع على الناس فهذا عمل لا يجوز؛ لأنه تشهير وهو مثل الكلام على المنابر بل هو أشد بل الكلام يمكن أن ينسى ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي فليس هذا من الحق . وأولى من يقوم بالنصيحة لولاة الأمور هم العلماء وأصحاب الرأي والمشورة وأهل الحل والعقد قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)() فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء بل هو من إشاعة المنكر والفاحشة في الذين آمنوا ولا هو من منهج السلف الصالح وإن كان قصد صاحبها حسناً طيباً وهو إنكار المنكر بزعمه لكن ما فعله أشد منكراً مما أنكره وقد يكون إنكار المنكر منكراً إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله تعالى ورسوله r ؛ لأنه لم يتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلمالشرعية التي رسمها حيث قال صلى الله عليه وسلم :"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ().
فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس ثلاثة أقسام : منهم : من يستطيع أن يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة أي ولي الأمر أو من وكل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة .
والقسم الثاني : العالم الذي لا سلطة له فينكر بالبيان والنصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة وإبلاغ ذوي السلطة بالطريقة الحكيمة .
والقسم الثالث : من لا علم عنده ولا سلطة فإنه ينكر بقلبه فيبغضه ويبغض أهله ويعتزلهم() اهـ
والوجه الثالث : أن النصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً : فضيحة وليست بنصيحة وهي محرمة لا تجوز للأمور التالية : 1- مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم رضي الله عنه الذي فيه الأمر بالإسرار . 2- مخالفتها لآثار السلف كأسامة بن زيد وعبدالله بن أبي أوفى وغيرهما. 3- لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله " ().
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى - :" إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته ، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه ـ يريد الإسرار بالنصيحة ـ لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يَغْشَوْنَهم " ().
وقال الشيخ أحمد النجمي : الإنكار العلني على الولاة أمر محدث ولم يكن من أصول السنة فالنبيصلى الله عليه وسلم يقول :" ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي ولا ينزعن يداً من طاعة " ().
هكذا يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم إذاً فلا يجوز الإنكار العلني على المنابر ؛ لأن الأضرار التي تترتب عليه أكثر من فائدته() اهـ .
والوجه الرابع : أن العلماء لا يذكرون ما يفعلونه مع الولاة للناس خوفاً من المفسدة
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - : بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان :
المفسدة الأولى : أن الإنسان يخشى على نفسه من الرياء فيبطل عمله .
المفسدة الثانية : أن الولاة لو لم يطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا وحصل مفسدة أكبر() اهـ
والوجه الخامس : أنَّ ذكر أخطاء الولاة في المجالس والمواعظ والخطب محرم لا يجوز لما يلي : لأنها من باب إشاعة الفاحشة والله عز وجل يقول :(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَوَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
المدارج في كشف شبهات للخوارج ... لكاتبه الشيخ / أحمد بن عمر بازمول

شبهة من شبهات الخوارج والرد عليها
أن العلماء عملاء للدولة وأنهم مباحث
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء يعملون لصالح الدولة ،وأنهم ينقلون الأخبار لولاة الأمر .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول : إن كان المراد بأنهم يعملون للدولة أي أنهم يفتونهم بغير الحق مداهنة أو مضغوطاً عليهم ؛فعلماؤنا - بحمد الله - أهل دين وورع وتقوى ,وقد مرَّ الجواب على هذه الشبه الباطلة في الجواب عن الطعن الأول والثاني . وإن كان المراد بأنهم يعملون في هذه الدولة فهل هذه الدولة كافرة !! ؟؟ ثم ما الفرق بينهم وبين كل من يعمل في هذه الدولة ، وهذه مغالطة تدل على خبث الطوية وسوء النية .نسأل الله العافية من الهوى والضلال .
قال الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله تعالى - : محاولة التلبيس على الشباب ليعلنوا لهم أنهم هم العلماء وهم الدعاة وأن غيرهم مع السلطة . افرض أننا ـ جميعاً ـ مع السلطة ، هل السلطة كافرة ؟ نحن مع السلطة والسلطة معنا . أنتم مع السلطة ، والسلطة معكم . أين تعيشون أنتم ألستم تعيشون تحت هذه السلطة ،موظفون في هذه السلطة . لماذا هذا الكذب ، من منكم بعيد عن السلطة ، تتعاملون معهم . يا سبحان الله هل هي سلطة كافرة . أما تحمد الله أنك تعيش تحت سلطة إسلامية يرجع حكامها وقضاتها عند إصدار الحكم إلى قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا يجوز هذا التلبيس ! راقبوا الله ربَّ العالمين ماهذا () ؟ اهـ
وقال الشيخ أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ :ما يقوله بعض السفهاء في بعض طلاب العلم أن كل من يذكر الحكام بخير أو يدعو لهم أو يقول : إنها دولة إسلامية ؛ أنه من العملاء ومن كذا وكذا ! هذا كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه . كلام ساقط لا يقوله إلا الساقطون . نحن لا نخفي الولاء ، نعلن بالولاء ، فيجب أن نعلن ـ نحمد الله ـ أن كنا في ولاء حكام مسلمين لا نبالي من هذه الأقوال الرخيصة ولا نلتفت إليها وهكذا يجب على طلاب العلم وأهل الفضل أن لا يلتفتوا إلى مثل هذه الكلمات الساقطة وأن يكونوا صرحاء في الدعوة للحكام ومحاولة التقريب بين الراعي والرعية ليتحاببوا ويتعاونوا هذا الذي ندين الله به() ا هـ .
والوجه الثاني : أن قولهم فلان مباحث ؛ هذا يدل على أن عندهم أمراً لا يريدون أن يطلع عليه أحد ،وإلا فالحق واضح ، والشرع والحكم بما أنزل الله قائم - بحمد الله تعالى - ، ومن عنده أمر مريب خاف من كل قريب .
والوجه الثالث : هل جهة المباحث جهة سيئة !!؟؟ هذه مغالطة ، فرجال هذه الجهة يراقبون الأوضاع الداخلية ، ويأخذون بيد كل مفسد يريد أن ينشر الفساد في الأرض ،كل من تسول له نفسه قتل الأبرياء أوالاعتداء على الضعفاء ، أما من كان بعيداً عن الفساد في الأرض فرجال هذه الجهة لا علاقة لهم به ،فمن ديدنه دائماً فلان مباحث ،هذا رجل عنده أمر سيئ ؛ فساد وريبة يخاف أن يطلع عليه أحد .
والوجه الرابع : أن الواجب على كل مسلم مستطيع ، اطلع على من تسول له نفسه الفساد في الأرض أن يبلغ ولاة الأمر ليكفوا شره ،ويأخذوا بيده ،وينتشر الأمن ويعم الأمان . ومن كتم وسكت عن أمثال هؤلاء أهل الفساد والشر فقد خان الأمانة ، ولم ينصح لولي الأمر .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - معلقاً على قول عوف بن مالك - راداً على من قال : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء - : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه"- : هذا من إنكار المنكر ، ومن النصيحة لولاة الأمور ، فالمسلم يبلغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ؛ لئلا يخلوا بالأمن ويفرقوا الكلمة ، فتبليغ ولاة أمور المسلمين كلمات المنافقين ودعاة السوء ، الذين يريدون تفريق الكلمة ، والتحريش بين المسلمين ؛ هو من الإصلاح ومن النصيحة لا من النميمة() ؛ () ، ().
وسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - عن فتوى تقول بجواز قتل رجال المباحث ؛ لأنهم مرتدون ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - : هذا مذهب الخوارج ، فالخوارج قتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا يقتل رجال الأمن ؟؟ هذا هو مذهب الخوارج ، والذي أفتاهم يكون مثلهم ومنهم نسأل الله العافية() .
المدارج في كشف شبهات للخوارج ... لكاتبه الشيخ / أحمد بن عمر بازمول
أن العلماء عملاء للدولة وأنهم مباحث
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء يعملون لصالح الدولة ،وأنهم ينقلون الأخبار لولاة الأمر .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول : إن كان المراد بأنهم يعملون للدولة أي أنهم يفتونهم بغير الحق مداهنة أو مضغوطاً عليهم ؛فعلماؤنا - بحمد الله - أهل دين وورع وتقوى ,وقد مرَّ الجواب على هذه الشبه الباطلة في الجواب عن الطعن الأول والثاني . وإن كان المراد بأنهم يعملون في هذه الدولة فهل هذه الدولة كافرة !! ؟؟ ثم ما الفرق بينهم وبين كل من يعمل في هذه الدولة ، وهذه مغالطة تدل على خبث الطوية وسوء النية .نسأل الله العافية من الهوى والضلال .
قال الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله تعالى - : محاولة التلبيس على الشباب ليعلنوا لهم أنهم هم العلماء وهم الدعاة وأن غيرهم مع السلطة . افرض أننا ـ جميعاً ـ مع السلطة ، هل السلطة كافرة ؟ نحن مع السلطة والسلطة معنا . أنتم مع السلطة ، والسلطة معكم . أين تعيشون أنتم ألستم تعيشون تحت هذه السلطة ،موظفون في هذه السلطة . لماذا هذا الكذب ، من منكم بعيد عن السلطة ، تتعاملون معهم . يا سبحان الله هل هي سلطة كافرة . أما تحمد الله أنك تعيش تحت سلطة إسلامية يرجع حكامها وقضاتها عند إصدار الحكم إلى قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا يجوز هذا التلبيس ! راقبوا الله ربَّ العالمين ماهذا () ؟ اهـ
وقال الشيخ أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ :ما يقوله بعض السفهاء في بعض طلاب العلم أن كل من يذكر الحكام بخير أو يدعو لهم أو يقول : إنها دولة إسلامية ؛ أنه من العملاء ومن كذا وكذا ! هذا كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه . كلام ساقط لا يقوله إلا الساقطون . نحن لا نخفي الولاء ، نعلن بالولاء ، فيجب أن نعلن ـ نحمد الله ـ أن كنا في ولاء حكام مسلمين لا نبالي من هذه الأقوال الرخيصة ولا نلتفت إليها وهكذا يجب على طلاب العلم وأهل الفضل أن لا يلتفتوا إلى مثل هذه الكلمات الساقطة وأن يكونوا صرحاء في الدعوة للحكام ومحاولة التقريب بين الراعي والرعية ليتحاببوا ويتعاونوا هذا الذي ندين الله به() ا هـ .
والوجه الثاني : أن قولهم فلان مباحث ؛ هذا يدل على أن عندهم أمراً لا يريدون أن يطلع عليه أحد ،وإلا فالحق واضح ، والشرع والحكم بما أنزل الله قائم - بحمد الله تعالى - ، ومن عنده أمر مريب خاف من كل قريب .
والوجه الثالث : هل جهة المباحث جهة سيئة !!؟؟ هذه مغالطة ، فرجال هذه الجهة يراقبون الأوضاع الداخلية ، ويأخذون بيد كل مفسد يريد أن ينشر الفساد في الأرض ،كل من تسول له نفسه قتل الأبرياء أوالاعتداء على الضعفاء ، أما من كان بعيداً عن الفساد في الأرض فرجال هذه الجهة لا علاقة لهم به ،فمن ديدنه دائماً فلان مباحث ،هذا رجل عنده أمر سيئ ؛ فساد وريبة يخاف أن يطلع عليه أحد .
والوجه الرابع : أن الواجب على كل مسلم مستطيع ، اطلع على من تسول له نفسه الفساد في الأرض أن يبلغ ولاة الأمر ليكفوا شره ،ويأخذوا بيده ،وينتشر الأمن ويعم الأمان . ومن كتم وسكت عن أمثال هؤلاء أهل الفساد والشر فقد خان الأمانة ، ولم ينصح لولي الأمر .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - معلقاً على قول عوف بن مالك - راداً على من قال : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء - : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه"- : هذا من إنكار المنكر ، ومن النصيحة لولاة الأمور ، فالمسلم يبلغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ؛ لئلا يخلوا بالأمن ويفرقوا الكلمة ، فتبليغ ولاة أمور المسلمين كلمات المنافقين ودعاة السوء ، الذين يريدون تفريق الكلمة ، والتحريش بين المسلمين ؛ هو من الإصلاح ومن النصيحة لا من النميمة() ؛ () ، ().
وسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - عن فتوى تقول بجواز قتل رجال المباحث ؛ لأنهم مرتدون ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - : هذا مذهب الخوارج ، فالخوارج قتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا يقتل رجال الأمن ؟؟ هذا هو مذهب الخوارج ، والذي أفتاهم يكون مثلهم ومنهم نسأل الله العافية() .
المدارج في كشف شبهات للخوارج ... لكاتبه الشيخ / أحمد بن عمر بازمول

شبهة من شبهات الخوارج والرد عليها
أن العلماء يداهنون الحكام ويجاملونهم
ومعنى هذا الطعن : أنَّ العلماء حين يتعاملون مع الحكام بالمعروف ويسمعون ويطيعون لهم - في غير معصية الله - أنهم يفعلون ذلك من أجل الدنيا والمناصب ، وخوفاً على مراتب الوظيفة .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
وهذا الطعن باطل من وجوه : الوجه الأول : أن طاعة واحترام العلماء لولاة الأمر هو ما جاءت به السنة النبوية ، وما عليه عمل سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - ومن تبعهم بإحسان من التابعين فمن بعدهم . فقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعة الأمير من طاعته صلى الله عليه وسلم كما قَالَ صلى الله عليه وسلم :" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي " ().
وولي الأمر رجل بذل نفسه ووقته لرعاية مصالح أمته وتوفير سبل الراحـة لهم ودفع المخاطر والسوء عنهم بإذن الله تعالى ؛ فالواجب علينا تقديره واحترامه بل ومحبته لما يقوم به من الأعمال الشاقة والمسئولية الكاملة فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ رضي الله عنه قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ " ().
ومَنْ أَجَلَّ وأكرم السلطان أكرمه الله يوم القيامة ومن لم يجله أهانه الله يوم القيامة فعَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ :" انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ " (). فتأملوا كيف أن أبا بكرة رضي الله عنه اعتبر الكلام في ولي الأمر والقدح فيه من إهانتـه وقد علق الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - على هذه القصة بقوله : أبوبلال هذا خارجي ومن جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق(). وبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن من دخل على السلطان يريد توقيره فهو ضامن على الله كما قال مُعَاذ رضي الله عنه:" عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ " ().
وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : من إجلال الله إجلال السلطان المقسط وهو أحد السبعة الذين يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله() اهـ .
وقال ابن قيم الجوزية : عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه ! فقال :أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده أكان خطأً أم واقعاً موقعه ؟ قالوا : بلى . قال : فالأب يربي ولده تربية خاصة . والسلطان يربي العالم تربية عامة فهو بالإكرام أولى () اهـ فكيف يصف مسلم : عمل العلماء بالسنة النبوية وما عليه السلف الصالح بأنه مداهنة وتزلف للحكام بالباطل !!!؟؟ هذا لا يقوله مسلم يفهم ويعي ما يقول .
والوجه الثاني : أنه لا يجوز للمسلم أن يذل ويحتقر ولي الأمر ، فمن أذل ولي الأمر فقد ثَغَرَ ثَغْرَةً في الإسلام ولا تقبل توبته حتى يعيدها كما قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:" لما خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة لقيه ركب من أهل العراق فقالوا يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت . فقال : مهلاً ، مهلاً يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" سيكون بعدي سلطان فأعزوه ، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت " ().
فاحترام وتقدير العلماء لولي الأمر هو السنة وهدي السلف الصالح ، بخلاف ما يدعيه بعض الجهال من أن احترام العلماء لولي الأمر هو من أجل المناصب أو مداهنة الأمراء أو عمالة للحكام .
قال أئمة الدعوة :" مما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم والدين بالمداهنة والتقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحـانه وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين وإثم واضح مبين قال تعالى ]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنـَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُـوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً
أن العلماء يداهنون الحكام ويجاملونهم
ومعنى هذا الطعن : أنَّ العلماء حين يتعاملون مع الحكام بالمعروف ويسمعون ويطيعون لهم - في غير معصية الله - أنهم يفعلون ذلك من أجل الدنيا والمناصب ، وخوفاً على مراتب الوظيفة .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
وهذا الطعن باطل من وجوه : الوجه الأول : أن طاعة واحترام العلماء لولاة الأمر هو ما جاءت به السنة النبوية ، وما عليه عمل سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - ومن تبعهم بإحسان من التابعين فمن بعدهم . فقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعة الأمير من طاعته صلى الله عليه وسلم كما قَالَ صلى الله عليه وسلم :" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي " ().
وولي الأمر رجل بذل نفسه ووقته لرعاية مصالح أمته وتوفير سبل الراحـة لهم ودفع المخاطر والسوء عنهم بإذن الله تعالى ؛ فالواجب علينا تقديره واحترامه بل ومحبته لما يقوم به من الأعمال الشاقة والمسئولية الكاملة فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ رضي الله عنه قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ " ().
ومَنْ أَجَلَّ وأكرم السلطان أكرمه الله يوم القيامة ومن لم يجله أهانه الله يوم القيامة فعَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ :" انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ " (). فتأملوا كيف أن أبا بكرة رضي الله عنه اعتبر الكلام في ولي الأمر والقدح فيه من إهانتـه وقد علق الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - على هذه القصة بقوله : أبوبلال هذا خارجي ومن جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق(). وبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن من دخل على السلطان يريد توقيره فهو ضامن على الله كما قال مُعَاذ رضي الله عنه:" عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ " ().
وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : من إجلال الله إجلال السلطان المقسط وهو أحد السبعة الذين يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله() اهـ .
وقال ابن قيم الجوزية : عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه ! فقال :أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده أكان خطأً أم واقعاً موقعه ؟ قالوا : بلى . قال : فالأب يربي ولده تربية خاصة . والسلطان يربي العالم تربية عامة فهو بالإكرام أولى () اهـ فكيف يصف مسلم : عمل العلماء بالسنة النبوية وما عليه السلف الصالح بأنه مداهنة وتزلف للحكام بالباطل !!!؟؟ هذا لا يقوله مسلم يفهم ويعي ما يقول .
والوجه الثاني : أنه لا يجوز للمسلم أن يذل ويحتقر ولي الأمر ، فمن أذل ولي الأمر فقد ثَغَرَ ثَغْرَةً في الإسلام ولا تقبل توبته حتى يعيدها كما قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:" لما خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة لقيه ركب من أهل العراق فقالوا يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت . فقال : مهلاً ، مهلاً يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" سيكون بعدي سلطان فأعزوه ، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت " ().
فاحترام وتقدير العلماء لولي الأمر هو السنة وهدي السلف الصالح ، بخلاف ما يدعيه بعض الجهال من أن احترام العلماء لولي الأمر هو من أجل المناصب أو مداهنة الأمراء أو عمالة للحكام .
قال أئمة الدعوة :" مما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم والدين بالمداهنة والتقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحـانه وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين وإثم واضح مبين قال تعالى ]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنـَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُـوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً

شبهة من شبهات الخوارج والرد عليها
أن العلماء لا يفقهون واقع الشباب وأنهم تركوا الشباب ولم يهتموا بأمرهم وأهملوهم حتى تولدت لديهم الأفكار
ومعنى هذا الطعن : أن العلماء قصروا في تربية الشباب ولم يلقوا لهم بالاً وأن ما حصل للشباب سببه بُعْدُ العلماء عنهم .
وهذا الطعن باطل من وجوه :
الوجه الأول : نسألهم أين يعيش العلماء أفي السماء ، أم تحت الأرض ؟ العلماء يمشون على ظهر الأرض ، تأتي العالم في المسجد أو في بيته أو في مكتبه فتسأله في أي وقت حتى بالهاتف تتصل به تجده .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - : العلم له أبواب ، وله حملة ، وله معلمون ، فلا بد من انضمامكم لحلق التدريس ، سواء كانت في المساجد أو في المدارس أو في المعاهد أو في الكليات المهم أن نأخذ العلم عن العلماء ، ما داموا موجودين وما دامت الفرصة ممكنة() .
والوجه الثاني : هل تريدون من العالم أن يأتي إلى الشباب والأطفال ويبحث عنهم ويحاورهم ؟؟؟!! هذا سفه ؛ فالعلم يؤتى ولا يأتي فإن الأصل أن الشباب صغاراً وكباراً يلتفون حول العلماء ويتلقون عنهم أحكام دينهم .
والوجه الثالث : أن دروس العلماء قائمة ، ومحاضراتهم مستمرة ، وبيوتهم ومكاتبهم مفتوحة لمن أراد الاتصال بهم والتلقي منهم .
والوجه الرابع : أنكم أنتم - يا دعاة الصحوة - الذين ربيتم الشباب على هذه المناهج الفاسدة العفنة ، التي تخالف ما عليه السلف الصالح ومن تبعهم من أئمة الدعوة السلفية . ولما بينوا العلماء الحق وردوا المناهج الفاسدة وبينوا فسادها وكشفوا حال أصحابها ، انبريتم لهم بالتهم والألقاب الشنيعة ، ولم تقبلوا قول العلماء فيها ؛ فرددتم الحق ، وقبلتم الباطل ودافعتم عن أهل البدع والضلال مدافعة مستميتة .
والوجه الخامس : أن الذين خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وصارت الفتنة التي حدثت ، هل الصحابة لم يقوموا بالبيان لهم ، عثمان لم ينصح لهم ؟! والله لقد نصحوهم غاية النصيحة لكن هؤلاء نفوسهم منحرفة من الأصل . فهكذا هؤلاء الذين في هذا العصر قد جعل هؤلاء المربون بين الشباب والعلماء حاجزاً منذ القدم فربوهم على أمورٍ يطعنون بها على العلماء :
أن العلماء هؤلاء مباحث ، فإن لم يستطيعوا أن يطعنوا في العالم بأنه من المباحث ، قالوا : يحضر مجلس هذا العالم رجال من المباحث فلا تحضروا مجالسه .
ثم طعنوا في العالم بقولهم : هؤلاء العلماء لا يفقهون الواقع ، ولا يفهمون ما يدار من حولهم ، وأنهم اشتغلوا عن القضايا المصيرية ، ما عندهم إلا الحيض والنفاس ودخول الشهر وخروجه() .
أن العلماء لا تهمهم إلا وظائفهم والسيارات الفخمة فهم علماء دنيا ، علماء قول بلا عمل .
فإن قيل : لِمَ صرفوا الشباب عن العلماء ؟ فالجواب : أن من خطط دعاة الصحوة تنفير الشباب من العلماء وتزهيدهم فيهم ؛ لاحتواء الشباب وبث أفكارهم ولئلا يسمع الشباب من العلماء ما ينقض ويرد ويهدم مناهجهم ومذاهبهم الفاسدة ؛ لأن الشاب إذا سمع من العالم بخلاف ما يقوله المربي أو المنظم أو المرشد أو المشرف على الجماعة ؛ فسيرد كلامه فيؤثر في السمع والطاعة لهم . وهذا المنع من سماع الحق هو عين ما فعله الخوارج حين منعوا اتباعهم من الاستماع لابن عباس ، فقالوا : لا تناظروه ؛ فإنه من قريش ، وقريش أهل لسان ، أي سيحرفكم إلى ما هو عليه . فهؤلاء الدعاة الحركيون كانوا يخشون من هذا الأمر ؛ فجعلوا العقبة والسد المنيع بين العالم والشباب من قديم ؛ لذلك لا يستغرب عندما نرى حضور عدد قليل من الشباب في دروس العلماء ومحاضراتهم ، وحضور الجم الغفير من الشباب مما قد لا تتسع له المساجد الكبيرة في محاضرات دعاة الصحوة ودروسهم .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - : كم يحاول أعداء الإسلام وكم يحاول شياطين الإنس والجن أن يفصلوا بين الأمة وبين علمائها ، وأن يوقعوا العداوة بينهم من أجل أن يتمكن الأشرار من قيادة الأمة إلى الهلاك ، فلنحذر من هذا ونقبل على طلب العلم من أهله العلماء ، ونسأل أهل العلم إذا أشكل علينا شيء في أمور ديننا وأمور دنيانا ، نسأل أهل العلم أهل البصيرة الذين يتكلمون عن علم ويفتون عن الدليل ، هؤلاء المرجع وهؤلاء هم القدوة وهؤلاء هم الدعاة إلى الخير ، لا نزهد فيهم ؛ لأنه في هذا الوقت كثر القيل والقال والوقيعة بين أهل العلم وبين الناس ، وبين العوام وبين طلبة العلم وصاروا يتكلمون في العلماء ، ويتهمونهم اتهامات ويروجون عليهم الأكاذيب من أجل أن يفصلوا بين الأمة وعلمائها ، حتى يسهل عليهم الدخول في شبهاتهم وضلالتهم في إغواء الناس وتفريق الكلمة ، هذا ما يريدونه فلنكن منهم على حذر() .
وقال - حفظه الله تعالى - أيضاً : بعض المخدوعين أو المغرضين يقول هؤلاء علماء الحيض والنفاس !! ؛ للتهوين من شأنهم ، وهذا ما يريد الأعداء من المسلمين يرون أن يفصلوا العامة عن العلماء ويريدون أن يفصلوا شباب الأمة عن العلماء بحيث لا يتعلمون العلم من العلماء ، وعند ذلك تسنح لهم الفرصة ؛ لتقطيع جسم الأمة والسطو عليه؛ لأنه لا يقف في وجوههم إلا العلماء فإذا حالوا بين العلماء وبين الشباب وبين عامة الناس وعزلوا بعضهم عن بعض حينئذٍ سنحت الفرصة لأعداء الله ورسوله للانقضاض على أمة المسلمين وما كان يقف في وجوه الظلمة وما كان يقف في وجوه الكفار والزنادقة والمنافقين إلا أهل العلم يبطلون شبهاتهم ويدمغون أقوالهم بالكتاب والسنة يوقفونهم عند حدهم ويردون عليهم الشبهات().
والوجه السادس : أن الذي أوقع الشباب في هذا الانحراف الخطير - بعد إبعادهم عن العلماء - تربيتهم على الكتب الفكرية المليئة بالبدع والضلال() .
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - : عندنا بعض الإخوة ينصحون من حولهم من الشباب بالحرص على قراءة كتب سيد قطب وحسن البنا وأن يهتموا بها اهتماماً كبيراً ! فهل ما يقومون به من هذا العمل صحيح ؟ فأجاب - رحمه الله تعالى - : لا . غير صحيح ، الصحيح أن يدلهم على الكتاب والسنة ن وعلى كتب شيخ الإسلام وابن القيم . وسئل - رحمه الله تعالى - أيضاً :
ما هو قول سماحتكم في رجل ينصح الشباب السني بقراءة كتب سيد قطب ويخص منها "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" و"لماذا أعدموني" دون أن ينبه على الأخطاء والضلالات الموجودة في هذه الكتب ؟ فأجاب - رحمه الله تعالى - : أنا أرى - بارك الله فيك - أن من كان ناصحاً لله ولرسوله وللمسلمين أن يحث الناس على قراءة كتب الأقدمين في التفسير وغير التفسير فهي أبرك وأنفع وأحسن من كتب المتأخرين . وأما تفسير سيد قطب - رحمه الله - ففيه طوام ، لكن نرجو الله أن يعفو عنه ، فيه طوام ، كتفسيره الاستواء وكتفسير سورة قل هو الله أحد ، وكذلك وصف بعض الرسل بما لا ينبغي أن يصفه به() .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - : يوم أن كان أهل هذه البلاد مرتبطين بعلمائهم ، شباباً وشيباً ، كانت الحالة حسنة ومستقيمة ، وكانت لا تأتي إليهم أفكار من الخارج وكان هذا هو السبب في الوحدة والتآلف ، وكانوا يثقون بعلمائهم وقادتهم وعقلائهم وكانوا جماعة واحدة ، وعلى حالة طيبة ، حتى جاءت الأفكار من الخارج على سبيل الأشخاص القادمين أو عن سبيل بعض الكتب أو بعض المجلات أو بعض الإذاعات وتلقاها الشباب وحصلت الفرقة ؛ لأن هؤلاء الشباب الذين شذوا عن المنهج السلفي في الدعوة ، إنما تأثروا بهذه الأفكار الوافدة من الخارج . أما الدعاة والشباب الذين بقوا على صلة بعلمائهم ، ولم يتأثروا بهذه الأفكار الواردة فهؤلاء - الحمد لله - على استقامة كسلفهم الصالح ، فالسبب في هذه الفرقة يرجع إلى الأفكار والمناهج الدعوية من غير علماء هذه البلاد ، من أناس مشبوهين أو أناس مضللين ؛ يريدون زوال هذه النعمة التي نعيشها في هذه البلاد من أمن ، واستقرار ، وتحكيم للشريعة ، وخيرات كثيرة في هذه البلاد ، لا توجد في البلاد الأخرى ، ويريدون أن يفرقوا بيننا ، وأن ينتزعوا شبابنا ، وأن ينزعوا الثقة من علمائنا ، وحينئذٍ يحصل - والعياذ بالله - ما لا تحمد عقباه ، فعلينا علماء ودعاة وشباباً وعامة بأن لا نتقبل الأفكار الوافدة ، ولا المبادئ المشبوهة حتى وإن تلبست بلباس الحق والخير - لباس السنة - فنحن لسنا على شك من وضعنا - ولله الحمد - نحن على منهج سليم وعلى عقيدة سليمة وعندنا كل خير - ولله الحمد - فلماذا نتلقى الأفكار الواردة من الخارج ، ونروجها بيننا وبين شبابنا ؟؟ فلا حل لهذه الفرقة إلا بترك هذه الأفكار الوافدة ، والإقبال على تنمية ما عندنا من الخير والعمل به والدعوة إليه ، نعم عندنا نقص ، وبإمكاننا أن نصلح أخطاءنا ، من غير أن نستورد الأفكار المخالفة للكتاب والسنة وفهم السلف من الخارج أو من ناس مشبوهين - وإن كانوا في هذه البلاد - أو مضللين ، الوقت الآن وقت فتن ، فكلما تأخر الزمان تشتد الفتن ، عليكم أن تدركوا هذا ولا تصغوا للشبهات ، ولا لأقوال المشبوهين والمضللين الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها ، ونكون مثل البلاد الأخرى في سلب ونهب وقتل وضياع حقوق وفساد عقائد ، وعداوات ، وحزبيات . وأقول لا يقع في أعراض العلماء المستقيمين على الحق إلا أحد ثلاثة : إما منافق معلوم النفاق ، وإما فاسق يبغض العلماء ؛ لأنهم يمنعونه من الفسق ، وإما حزبي ضال يبغض العلماء ؛ لأنهم لا يوافقونه على حزبيته وأفكاره المنحرفة () .
المدارج في كشف شبهات للخوارج ... لكاتبه الشيخ / أحمد بن عمر بازمول
الصفحة الأخيرة
السائل : في هذه الأيام هناك من يفتي الناس بوجوب الجهاد ، ويقول لا يُشترط للجهاد إمام ولا راية ، فما رأي فضيلتكم في هذا الكلام ؟
الجواب :
هذا رأي الخوارج ، الذي يحب يذهب لرأي الخوارج يروح مع هذا الذي يفتي .
لابد من راية ، ولابد من إمام ، هذا منهج المسلمين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي يفتي بأنه لا إمام ولا راية ، وكلٌ بهواه ، هذا رأي الخوارج . الشيخ الفوزان حفظه الله شريط : الجهاد وضوابطه الشرعية - وجه ب
منقول