الخوف من الموت

ملتقى الإيمان

وقال تعالى : { ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون } .

فالموت في نظر العقلاء والمؤمنين انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.

وإذا كان كذلك فأي معنى بقي لفكرة انحلال الجسد واستحالته إلى تراب وعظام؟
إن كثيرا من الناس تشكل أجسادهم عبئا نفسيا عليهم ، فيلجأ بعضهم إلى أطباء التجميل رغم ما يعتري أفعالهم من آلام مبرحة تلحق الأجساد ، فكيف يكون شأن من أجريت له عملية تجميل دون أي شعور بألم ؟ ! .
وتسألني متى ذلك؟
يكون ذلك يوم البعث ، يوم يبعث الناس جميعا ، ويخص الله المؤمنين بتحسين الوجه والهيئة ، تبارك الله أحسن الخالقين .
قال تعالى واصفا وجوه المؤمنين : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " .
وقال تعالى : " فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة وسرورا " .
وقال تعالى : " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " .
والنضرة حسن يلحق بالوجه .
قد يقول قائل : إن الموتيحمل معه فكرة الفراق والحرمان من مشاهدة الأحبة والالتقاء بهم . وهذا يعني فقدان التوازن النفسي للإنسان .
أقول : نعم ، ولكنه بعد الموت.
ولو سألت ميتا منذ آلاف السنين بعد بعثه كم لبثت؟
ليقولن يوما أو بعض يوم .
فراق هذا شأنه لا ينبغي أن يترك خوفا في النفس من الموت، بل غاية ما يتركه دمعة حزن تحمل الرحمة وطلب المغفرة.
فقد بكى النبي -صلى الله عليه وسلم-على سعد بن عبادة فقال :
((
ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه - أو يرحـم )) .
وبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ولده إبراهيم فقال له عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه-:وأنت يا رسول الله ؟ فقال
( يا ابن عوف إنها رحمة.إن العين تدمع ، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .
فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوفمن الموت.
فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة،لقاء يعقبه محبة ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي.
أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس ،وأما لقاء الكافرين والفاجرين والفسقة فهو لقاء بغضاء ولعنة وتبرؤ .
قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .
وقال تعالى : { إذ تبرأ الذين اُتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} .
وإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فلا لقاء بينهم البتة لاختلاف المصير ، أما المنافقون فيحال بينهم وبين المؤمنين بعد بعثهم فتجدهم يتوسلون إلى المؤمنين طمعا للاهتداء بنورهم ولا مجيب لهم .
قال الله تعالى : { يوم ترى المؤمنون والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا : بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور } .
فاحرص على تأسيس بيتك على التقوى وعاشر الأتقياء وتلمس خطاهم حتى تحشر معهم.
تقول إنك تخاف من الموتلأنك تخاف على عيالك الضيعة .
فمن حقك أن تخاف ،فقد قال تعالى : { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله }.
ولكن هل تركت عيالك لغير الله ؟ لو فعلت ذلك لكنت معك في هذا الخوف؟ أما وأنك قد تركتهم على الله فإن الله لن يضيعهم ؟ فكم من يتيم أصبح من أغنى الناس ، ألم تسمع بقصة الغلامين اليتيمين في سورة الكهف.
وكيف أن الله حفظ مال والديهما بعد وفاتهما رحمة منه وفضلا.
وتذكر دائما أن الله هو الرازق ذو القوة المتين وأنه أخذ على نفسه رزق العباد فقال:{ فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون }.
بقي لك أن تقول : أخاف الموتخوفا من المعاصي التي ارتكبتها ، أقول : إن خوفك هذا دليل على إيمانك.
والمؤمن الحق هو الذي يجمع بين الخوفوالرجاء والمحبة، وما اجتمعت في قلب مؤمن قط إلا أعطاه الله ما يرجو و آمنه مما يخاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وما حفظت حدود الله ومحارمه ووصل الواصلون إلى الله بمثل خوفه ورجائه ومحبته ،ومتى خلا القلب من هذه الثلاث فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا ،ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانه بحسبه).
وقال أبو حامد الغزلي: ( فالخوف والرجاء دواءان يداوى بهما القلوب فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى والاغترار به ،أخذ الإنسان بالخوف. وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله فالرجاء أفضل.وذلك لتحقيق التوازن بينهما ).
قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أن أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا }.
لم يكن ما تقدم من أمور إلا مواد أولية عاجلة قدّمت للمؤمنين للتخفيف من وطأة الخوفوالتهوين من المخاوف المترتبة عليه.
وهناك مندوبات ومستحبات تُسهم في تخفيف من عبء هذا المخوف على النفس الإنسانية.
1-
ذكر الموتبزيارة القبور والمشاركة في الجنازات .
قال رسول الله - صلىّ الله عليه وسلّم- (أكثروا من ذكر هادم اللذات).
وعن بريدة بن الحصيب –رضي الله عنه-قال :قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
((
إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة )).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
((
كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنه ترق القلب ، وتدمع العين وتذكرالآخرة ولا تقولوا هجرا)).
2-
تعريض المصاب لرؤية الجنائز والأموات والجثث والدماء ومناظر الإغماء يسهم في التغلب على هذه المخاوف الطبيعية ، وهي من الوسائل التربوية لكثير من أصحاب المذاهب الحديثة في التربية.
يقول أحد علماء النفس : ( افعل الشيء الذي تتهيبه فإذا موت الخوفمحقق).
وإذا استعرضت حياة الصحابة في أثناء تأديتهم للمهام القتالية رأيت كيف يفر الموتمنهم،فرار الخائف من أسد هصور.
وقد قيل : (اطلب الموتتوهب لك الحياة ).
3-
القيام برحلات طويلة منفردة للقضاء على الخوفمن الفراق والذي يحمل معه دائما فكرةالموتوهذا جائز للضرورة .
وقد علق ابن الحجر رحمه الله-على قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحدة)).
فقال : (( وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة))
ولما كانت الضرورة تقضي بالسفر لا مانع من ذلك شريطة عدم وقوع ضرر أكثر من الخوفالمطلوب علاجه.
4-
المعالجة بطريقة العزل في بيوت الصحة منفردين عن عائلاتهم،وهي طريقة -واير ميتشل -.
ويماثل هذه الطريقة ما يقوم به الآباء من جعل غرف نوم خاصة لأطفالهم الصغار بعيدة عنهم حيث تعطي هذه الطريقة أُكلها باعتماد الطفل على نفسه وتخفف من وقع فراقه لأمه حتى يصبح الفراق أمرا طبيعيا.
5-
تقبل الأمر المحتوم بالرضى والتسليم.
قال –صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن ،إن أمره كله له خير ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
ولو استعرضنا تاريخ أبطالنا وكبار قادة المسلمين في الفتوحات الإسلامية والمعارك التاريخية الفاصلة ، لوجدنا أن معظمهم قد أدركه أجله على فراشه مع ما يمثله القادة عادة من قيمة معنوية عند الجنود في المعركة ،مما يجعلهم هدفا للأعداء قبل غيرهم.
ولعل أشهر مقولة عرفها التاريخ العسكري الإسلامي بهذا الصدد مقولة خالد بن الوليد –رضي الله عنه-وأرضاه، وهو على فراش الموت:
((
شهدت مائة زحف أو زهاها ،وما بقي في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير ،فلا نامت أعين الجبناء )).
و اختصر طرق العلاج فيما يلي:




1
ـ معرفة السبب الحقيقي الذي ادى الى استفحال ذلك الخوف .

2
ـ توضيح الامر المتعلق بنوعية ذلك الخوفوتخفيفه عن المصابوبيان
بان الموتحتمي لا مفر منه وان اختلف الناس انما يختلفون في الوقت والزمان الذي يحين اجله .
3
ـ اقناعالمريض بان خوفه من الموتلا يمنع وقوع الموتلانه امر حتمي
على الجميع( قل إن الموتالذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) صدق الله
العظيم
.
4 ـ تشجيع المصاب بمرض الخوفعلى قبول تلك الحقيقة وذلك باعطاءه
امثلةعديدة من واقع الحياة وان الانبياء والاوصياء والاغنياء والفقراء جميعهم
معرضون للموت بالرغم من مناصبهم ومواقعهم بين المجتمع .
5
ـ ممارسة تمارين الاسترخاء كلما طرات فكرة الخوفمن الموت .
6
ـ اشغال المريض بما يلهيه عن التفكير بالموت .
7
ـ ممارسة الرياضة البدنية التي تحمي المريض من التفكير بالموت .
8
ـ القراءة عن الموتوحالاتالموتالطبيعية التي تساعد على تقبل حادثة الموت .
9
ـ زرع الثقة بالنفس والاعتماد عليها .
10
ـ جعل الطفل ينام في غرفته الخاصة كي يتعود على الاهتمام والعناية بنفسه دون اللجوء الى والديه بالصغيرة والكبيرة .
11
ـ تشجيع المصاب على تقبل حقيقة الموت( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) صدق الكريم .
12
ـ السيطرة على القلق الذي يتعلق بالموت بالطرق المتاحة للمصاب
والتي تتناسب مع صحته وطبيعة حياته .
13
ـ زرع التفاؤل في نفس المصاب والابتعاد عن التشاؤم الذي يعقد الامر .
14
ـ التخلص والابتعاد عما يثير الحزن والكآبة قدر الامكان .
15
ـ التخلص من التفكير بالموت .
16
ـ الابتعاد عن المكتئبين والذين يتحدثون عن الموت .
17
ـ تجنب مشاهدة الافلام او البرامج او الاخبار التي تتناول الحديث عن الموت .
18
ـ تجنب الجلوس على الانفراد .
19
ـ الاستعانة بالايات القرانية التي تؤدي الى الراحة النفسية والاطمئنان
للخائفو( كل نفس ذائقة الموتثم إلينا ترجعون )

م ن
2
806

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

شبيهة جوجو
شبيهة جوجو
الله يجزاك خير
*ام جوجو*
*ام جوجو*
اموت حق لؤ تععددت الاساب