الأخلاق والادآب والرقائق من الكتاب والسنة (4)
4- (من أكبر الكبائر سبُّ الوالدين):
"روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعنَ الرجلُ والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجلُ والديه قال يسبُ الرجل أبا الرجل فيسبُ أباه ويسبُ أمه فيسبُ أمه".
• التعليق على الحديث:
قد تبين من خلال هذا الحديث أن من الأمور المحرمة تحريماً شديداً وتعتبر من الكبائر أن يتسبب المسلم في لعن والديه أو أحدهما، فكيف بمن لعن والديه أو أحدهما بنفسه مباشرةً، لا شك أن ذلك لو وقع لكان أقبح وأقبح وأشد تحريماً.
وقد جاء الحديث بلفظ:( أن يلعنَ الرجلُ) كما سبق وفي الأدب المفرد للبخاري بلفظ: (أن يسبَ الرجلُ) وفي لفظٍ آخر: (أن يشتمَ الرجلُ) مما يدل على عدم اشتراط لفظ اللعن بل كل لفظ يحصلُ به الانتقاص من قدرهما والإساءة إليهما وإحتقارهما فهو داخلٌ في كون ذلك من الكبائر.
وسيأتي في الموضوع السادس أن عقوق الوالدين من أكبرِ الكبائر، وسبٌ الوالدين فرض من أفراض العقوق.
ومن الملاحظ أنه قد كَثُرَ في هذه الأيام التساهل في تبادل السب بين الناس موجهاً إلى الوالدين اللذين لا ذنب لهما فيما وقع بين المتشاجرين من المغاضبة التي أدت إلى اللعن والسب والشتم، فليعلم كل متساهلٍ في هذا الأمر أنه قد ارتكب أمراً عظيماً وظلم والديه ظلماً شديداً كبيراً كثيراً حين تسبب في لعنهما وكان الأجدر به صيانة عرضهما عن التعرض للسب والشتم وما إلى ذلك من الإساءات إن كان حقاً من أهل بر الوالدين.
ولهذا استبعد الصحابة رضي الله عنهم وقوع هذا الفعل من صاحب طبعٍ مستقيم فبين عليه الصلاة والسلام أن السب وإن لم يقع من البناء في حق الآباء بأنفسهم مباشرةً فإنه قد يقع منهم التسبب فيه.
وهذا الحديث دليل لقاعدةٍ شرعيةٍ عظيمة النفع غايةٍ في الأهمية وهو أصلٌ في تلك القاعدة التي هي: (سدٌ الذرائع) والتي معناها إغلاق الأبواب أمام كل أمر يمكن أن يؤدي إلى ضرر كبير ومنكرٍ عظيمٍ وإن كان ذلك الأمر الذي يجب علينا أن نغلق أمامه الأبواب: أمراً جائزاً مباحاً.
فلننتبه إلى ذلك أشد الانتباه فإن كثيراً من الناسِ يظنون أن أي أمرٍ مباح يمكن فعله بدون حرجٍ وأنهم لا يؤاخذون على ما يمكن أن يتسبب فيه فعله لأنهم من وجهة نظرهم قد فعلوا مباحاً وهم غيرُ مسئولين في زعمهم عن نتائج ذلك الفعل وآثاره.
وهذا من أعظم أخطاء الناس في هذه الأيام فإن من أدى فعله المباح إلى محرمٍ: فقد ارتكب حراماً وإن لم يقصد إلى ما يَحرُم كما يعتذر المخطئون ويقولون: لم يكن هذا قصدنا.
ومن أدلة هذه القاعدة من القرآن قوله تعالى في الآية 108 من سورة الأنعام: "ولا تسُبٌوا اللذين يدعونَ من دونِ الله فيسبوا اللهَ عدواً بغير علم".
فإن هذه الآية الكريمة دلت على أن سب المعبودات المزعومة التي يعبدها المشركون من دون الله وإن كان أمراً مباحاً لأنها لا تستحق من العبادة شيئاً: فإن ذلك حرامُ ُ لأنه يؤدي إلى أن يرد المشركون على سب آلهتهم المزعومة بسب الله العظيم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وعليه فيحرم مثلاً على بائع العصير أن يبيعه لمن يتحقق أنه يتخذه خمراً كما يحرم على بائع السلاح أن يبيعه لمن يتحقق أنه يمارس به القتل والإفساد في الأرض وليس قصده من شرائه الدفاع عن نفسه أو أهله وولده.
وفي الحديث من الفوائد:
1- الدليل على عِظَمِ حق الأبوين.
2- جواز العمل بالغالب لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه ويجوز أن لا يفعل، لكن الغالب أن يجيبه بنحوِ قولهِ أو يزيدُ عليه.
3- جواز مراجعة الطالب لشيخِهِ أو أستاذِهِ أو معلمِهِ فيما يقوله مما يصعب عليه فهمه أو لا يكون واضحا.
وإلى اللقاء في الدرس القادم إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
برجاء إرسال هذا الدرس إلى كل من تعرف مع وصية من الجميع بإرساله إلى كل من يعرفون ليعظم أجركم ويزداد ثوابكم وفقكم الله.
لمزيد من الاستفسار حول ذات الموضوع الاتصال على saiedshalan@hotmail.com
حق الخالق والمخلوق
إعداد: سعيد شعلان
أم البنيين @am_albnyyn
عضوة نشيطة
الدرس الرابع من سلسلة الأخلاق والآداب والرقائق لفضيلة الشيخ سعيد بن يوسف شعلان
0
313
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️