المتن المشروح
فَصْلٌ
وَيَجِبَ اَلْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) وَصَحَّ بِهِ اَلنَّقْلُ عَنْهُ فِيمَا شَاهَدْنَاهُ, أَوْ غَابَ عَنَّا, نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ, وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا عَقِلْنَاهُ وَجَهِلْنَاهُ, وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ, مِثْلَ حَدِيثِ اَلْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَكَانَ يَقَظَةً لَا مَنَامًا, فَإِنَّ قُرَيْشًا أَنْكَرَتُهُ وَأَكْبَرَتَهُ, وَلَمْ تُنْكِرْ اَلْمَنَامَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ لَمَّا جَاءَ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- لِيَقْبِضَ رُوحِهِ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ, فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ
ومن ذلك اشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله وخروج ياجوج وماجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من نغربها وعذاب القبر ونعيمة حق وقد استعاذ النبي (صلى الله عليه وسلم) منه وامر به فى كل صلاة.
وفتنة القبر حق وسؤال منكير ونكير حق والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (يّـس:51) وَيُحْشُرُ اَلنَّاسُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بِهِمَا, فَيَقِفُونَ فِي مَوْقِفِ اَلْقِيَامَةِ, حَتَّى يَشْفَعَ فِيهِمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم ) وَيُحَاسِبَهُمْ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَتُنْصَبُ اَلْمَوَازِينُ, وَتُنْشُرُ اَلدَّوَاوِينُ, وَتَتَطَايَرُ صَحَائِفُ اَلْأَعْمَالِ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَالشَّمَائِلِ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه ِ.فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب الى أهله مسرورا . وأما من أوتى كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبورا . ويصلى سعيرا) (الانشقاق: 7-12) وَالْمِيزَانُ لَهُ كِفَّتَان وَلِسَانٌ, تُوزَنُ بِهِ اَلْأَعْمَالُ :(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون:103)
وَلِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَوْضٌ فِي اَلْقِيَامَةِ, مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اَللَّبَنِ, وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ, وَأَبَارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ, مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا, وَالصِّرَاطُ حَقٌّ, يَجُوزُهُ اَلْأَبْرَارُ, وَيَزِلُّ عَنْهُ اَلْفُجَّارُ, وَيَشْفَعُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم ) فِيمَنْ دَخَلَ اَلنَّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْكَبَائِرِ, فَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَتِهِ بَعْدَمَا اِحْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا وَحُمَمًا, فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ, وَلِسَائِرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةِ شَفَاعَاتٌ قَالَ تَعَالَى: ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(الانبياء: من الآية28) وَلَا تَنْفَعُ اَلْكَافِرَ شَفَاعَةُ اَلشَّافِعِينَ
وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ فَالْجَنَّةُ مَأْوَى أَوْلِيَائِهِ, وَالنَّارُ عِقَابُ لِأَعْدَائِهِ,
وأهل الجنة مخلدون (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (الزخرف:74) (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (الزخرف:75)
وَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ, فَيُذْبَحُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَالنَّارِ, ثُمَّ يُقَالُ "يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ اَلنَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ"
قال المؤلف ( ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيماشاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع علىحقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرتهوأكبرته ولم تكن تنكر المنامات ).
انتقل المؤلف أن من لوازم الإيمان ومن لوازم صحة المعتقد الإيمان بالأمور الغيبية بل هذا هو المحك بين المؤمن وبين غير المؤمن، المنافق والكافر ، الإيمان بالغيب , فإذا انكشف الغطاء وبانت الحقيقة لا ينفع الإنسان إيمانه لم يكن قد آمن من قبل، ولهذا إذا غرغرت الروح لا ينفعه الإيمان ,كذلك إذا طلعت الشمس من مغربها انتهى الإيمان بالغيب , فمن أعظم ما يتميز به المؤمن عن غيره: الإيمان بالغيب كالإيمان مثلا بالأخبار السابقة كالإيمان بالإسراء والمعراج أمر غاب عنا وقد لا تدركه عقولنا لكن مادام أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا به ومادام أن الله عز وجل ذكر لنا منه علما ً فيجب علينا الإيمان أدركته عقولنا أم لم تدركه عقولنا كذلك الإيمان عن الأمم السابقة وما حصل لهم مما قصه الله علينا في كتابه أو بما اخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم أو ما اخبرنا الله عز وجل أو رسوله عما سيأتي كأشراط الساعة، كعذاب القبر ونعيمه، كالأخبار التي ستحصل أو ما سيحصل في عرصات القيامة ،صفة الجنة صفة النار وما اخبرنا الله عز وجل عن نفسه ، كل هذه من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها ويجب التصديق بها، و بها يتميز المؤمن عن غيره
ولهذا قال المؤلف ( ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل . )
يجب الإيمان به مادام ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن نصدقه سواء شاهدناه في الواقع أو غاب عنا بما مضى أو غاب عنا فيما هو مستقبلا ً( ألم *ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين*الذين يؤمنون بالغيب) بل أنه قلما يذكر الله عز وجل الإيمان به إلا ويذكر الإيمان بالغيب .
يقول المؤلف ( فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق .)
يعني مصدق بذاته ,عمدتنا في هذا وقاعدتنا في هذا قصة الصديق مع المشركين: إن كان قال أنه ذهب فقد صدق إنما أنا بشك فقط في نقلكم ,إن كان فعلا ً النبي صلى الله عليه وسلم اخبر أنه أسري به فقد صدق , وهذا هو منهج المسلم في كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم , وفي هذا رد على بعض معتزلة اليوم وعقلاني اليوم الذين بدءوا وأحيوا لنا مذهب المعتزلة الثاني وبدءوا يزنون نصوص الكتاب والسنة بعقولهم .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله ( وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه )
نعم عندنا قاعدة عامة أن الأنبياء لا يمكن أن تأتي بما تحيله العقول لكن قد تأتي بما تحار فيه العقول , قد يحتار فيه العقل لكن لا يحيله العقل , ولهذا إذا احتار عقلك في هذا المسألة فصدق وآمن لكن قد لا يحتار فيه عقل ذاك الإمام أو ذاك العالم ، فلا يجوز أن تكون عقولنا هي ميزان الكتاب والسنة كما هو منهج أهل البدع هذا منهج المعتزلة ، هذا منهج الفلاسفة الذين جعلوا العقل هو ميزان الخبر ولهذا إذا جاءتهم نص في القرآن أو نص في السنة جاءوا وعرضوه على عقولهم فإذا صدقته عقولهم قبلوه وإذا حارت فيه عقولهم ردوه , نقول : لا، يجب الإيمان والتصديق والتسليم سواء أدركه العقل أو لم يدركه .
يقول المؤلف ( وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراءوالمعراج )
إسراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس على البراق ثم عرجوه إلى السماء في المعراج والقصة ثابتة في القران وصريح السنة (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )
اختلف أهل العلم في الإسراء على ثلاثة أقوال :
القول الأول وهو القول الراجح وهو الذي ذكره المؤلف ولهذا رجحه وبين وجه الترجيح: أن الإسراء كان يقظة لا مناما ً، أسري بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس مرة واحدة قبل الهجرة , وهذا هو الذي تشهد له النصوص .
هناك قول آخر أن الإسراء كان مناما ً وهذا الأمر ليس فيه كثير إعجاز وما كان المشركون يكذبون بأخبار المنام فالمشركون كذبوا واستعظموا هذا الأمر لما اخبرهم أنه بنفسه بروحه وجسده ذهب إلى بيت المقدس ثم عرج إلى السماء .
وهناك قول ثالث : أنه مرة كان يقظة ومره كان منام وكل هذه الأقوال ضعيفة .
بل الصحيح ما رجحه المؤلف رحمه الله وهو الذي تشهد له الأدلة فالتصديق بالإسراء والمعراج من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها والتصديق بها والجزم أنه فعلا ًوقع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم دون أدنى شك أو تردد وهذا من لوازم الإيمان بالغيب .
ثم قال المؤلف ( ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجعإلى ربه فرد عليه عينه )
الحديث هذا ثابت في صحيح البخاري ولا شك أنكره العقلانيون من المعتزلة القدامى وبعض عقلانيي عصرنا , فمنهم من رد الحديث بحجه انه خبر الآحاد يستحيل ويحيله العقل ومنهم من أوَّل الحديث.
والحديث صحيح ثابت يجرى على ظاهره وفعلا نؤمن أن موسى لما جاءه ملك الموت يريد أن يقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فأخبره فرد الله عينه ثم قال له: ارجع ومرًّ موسى فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعره تحت يده سنة من عمره . قال له موسى: ثم بعد ذلك . قال له: الموت. قال:لا إذن اقبض إذا كان مآلي الموت الآن اقبض روحي .
الشاهد: أننا نؤمن أن موسى لطم ملك الموت ففقأ عينه نؤمن بذلك نصدق نستيقن أن هذا الأمر حصل , فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر به فنصدقه أدركته عقولنا أو لم تدركه عقولنا , جبريل عليه السلام ألم يكن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة شاب كان يأتي ويشاهده الصحابة ويروه كما في حديث جبريل المشهور كان يأتي أحيانا ً في صورة دحية .
ثم قال المؤلف ( ومن ذلك أشراط الساعة )
أي من الإيمان بالغيب الذي يجب على المؤمن الإيمان بها :الإيمان بها أشراط الساعة , وأشراط الساعة هي إماراتها وعلاماتها وأهل العلم يذكرونها فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر وهي وان كانت ليست من اليوم الآخر إلا أنها مقدمات و ارهاصات لليوم الآخر ولهذا يذكرها أهل العلم في كتب العقائد في باب الإيمان باليوم الآخر يذكرون أشراط الساعة فهي مقدمات لقيام القيامة الكبرى وقيام الناس لرب العالمين والله عز وجل أشار إلى بعض هذه الأشراط في قوله (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ) وقول الله عز وجل (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) .
أشراط الساعة قسمها أهل العلم إلى قسمين هذا من حيث صفاتها فهناك العلامات الصغرى وهي كثيرة : منها مبعث النبي صلى الله عليه وسلم , النبي صلى الله عليه وسلم قال : فمبعثه عليه الصلاة و السلام من أشراط الساعة ولهذا في حديث الجساسة لما سأل الدجال هل بعث فيكم؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال إذن يوشك أن يؤذن لي فأخرج .
فدل على أن مبعث النبي من علامات الساعة . من علامات الساعة الصغرى ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وأشراط الساعة الصغرى كثيرة وقد ألف فيها أهل العلم استقلالا ً منها كتاب الإشاعة في أشراط الساعة ومن أجمعها كتاب إتحاف الجماعة في أشراط الساعة وكتاب أشراط الساعة وما صح من أشراط الساعة للشيخ يوسف الوابل وهو من المعاصرين وكتاب النهاية لابن كثير .
وهناك العلامات الكبرى وهي التي تقع عند قرب القيامة وهي العلامات العظمى التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا وقع أولها صارت كعقد انقطع نظامه تتابع مباشرة
وهي على سبيل الإجمال خروج المهدي الذي من نسب النبي صلى الله عليه وسلم يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك خروج المسيح الدجال ومن ذلك خروج المسيح عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها، هذه شروط الساعة الكبرى وثبتت بعضها في الكتاب والسنة وبعضها في صحيح السنة فيجب الإيمان بهذه الأشراط .
أشراط الساعة الصغرى وقع بعضها وانتهى كمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكالنار التي خرجت في أرض الحجاز ومنها ما هو الآن ربما موجود ومنها ما هو سيقع , أما أشراط الساعة الكبرى فإنها لم تقع بعد .
يقول المؤلف ( ومثل ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ) وهو من أشراط الساعة الكبرى وقد ثبت في صحيح السنة .
( ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام،)
حديث الدجال ثابت كحديث الجساسة في صحيح مسلم وحديث ابن صياد وغيرهم وحديث بل حديث الدعاء الذي علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقوله دبر كل صلاة فهذا دليل على ثبوت خروج المسيح الدجال . أيضا نزول عيسى ابن مريم ثبت في صريح السنة وثبت في القران أما القران استدل أهل العلم على نزوله بقوله تعالى (ويكلم الناس في المهد وكهلا) فكلامه في المهد آية من آيات الله ، أما كلامه في الكهل كونه رفع ثم ينزل ويكلم الناس كهلا، وإلا كونه يتكلم كهل فكل الناس يتكلمون في الكهل فهو استدلال مستنبط أيضا قوله عز وجل (وإن منهم إلا ليؤمنن به قبل موته ) يعني النصارى فاستدل أهل العلم بهذه الآية على نزول عيسى ابن مريم أن من النصارى من سيؤمن به إذا نزل في آخر الزمان إما ثبوته في السنة فكثير حتى كتب أهل العلم في هذه المسألة استقلالا ً .
ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، كما ثبت في صحيح السنة أن الذي يقتل المسيح الدجال هو عيسى ابن مريم عند باب لُد في بيت المقدس .
وخروج يأجوج ومأجوج . وهذا ثبت في القران والسنة ودليلها من القرآن (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) وثبت أيضا ً في السنة أنهم يخرجون في آخر الزمان وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن السد الذي أقامه ذو القرنين هو ما بين يأجوج ومأجوج وما بين الناس ففي آخر الزمان يأذن الله عز وجل لهم الخروج فينهار هذا السد فيخرجون ويعيثون في الناس فسادا ً ثم يأذن الله أن يطهرهم من الأرض فيرسل عليهم وباء ً من السماء فيمتون في ليلة واحده
وخروج الدابة . التي تسم الناس وهذه أيضا ثبتت في القران والسنة (وإذا وقع عليهم القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يؤمنون)
وطلوعالشمس من مغربها. وهذا ثابت في صحيح السنة وثابت في القرآن في قول الله عز وجل (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) ذكر أهل العلم أن المقصود بذلك طلوع الشمس من مغربها .
وأشباه ذلك مما صح به النقل .فمن لوازم الإيمان بالغيب الإيمان بأشراط الساعة الصغرى والكبرى.
تفريغ شريط رقم (4) لشرح كتاب ( لمعة الإعتقاد ) للشيخ حمد التويجري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
يقول المؤلف رحمه الله تعالى : ( وفتنةُ القبر حقٌ وعذاب القبر ونعيمه حقٌ وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منه وأمر بهِ في كُل صلاة ) لازال الكلام فيما يتعلق بالإيمان بالغيب وذكر المؤلف مما يجب الإيمان به من الغيب الإيمان باليوم الآخر , ومما أخبر الله به عزوجل عن اليوم الآخر عذاب القبر ونعيمه وهو من مقدمات اليوم الآخر . قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من مات فقد قامت قيامته ) فأول منازل الآخرة واول خطوة يخطوها العبد إلى الدار الآخرة يوم أن تفارق روحه جسده ويُودع هذا المسكِن أو المنزل الأول . لاشك أن من لوازم الإيمان بالغيب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه . وهذا ثابت في الكتاب والسنة والإجماع . أما في الكتاب فقول الله عزوجل عن آل فرعون :{ النار يُعرضون عليها غُدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخِلوا آل فرعون أشد العذاب } وقوله سبحانه { النار يُعرضون عليها غُدواً وعشياً } هذا في حياة البرزخ قبل يوم القيامه لأنَّهُ قال { ويوم تقوم الساعة أدخِلوا آل فرعون أشد العذاب } أيضا مما استدل بهِ أهلُ العلم قول الله عزوجل وقد إستدل به حَبرُ الأُمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنه :{ ولنُذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجِعون} الشاهد من الآية { ولَنُذيقنَّهم من العذاب الأدنى } لكن ألا يُشكِل على هذه الآية آخِروها ؟ قول الله عزوجل { لعلهم يرجِعون } ؟ أليس هذا فيه إشكال ؟ الذي أُودع القبر لايمكن أن يرجع , هو يتمنى الرجوع والله عزوجل يقول هنا لعلهم يرجعون . كيف يستدل إبن عباس بهذه الآية على عذاب القبر وآخر الآية مُشكِل ؟ وَضُحَ الإشكال ؟ طيب , الجواب ؟ ابن القيم يقول ( ماكان هذا يغيب عن حَبرُ الأمة وترجمان القرآن - ابن عباس ) يحتاج هذا إلى فهم دقيق . الله عزوجل قال هنا : ولنذيقنهم العذاب الأدني أو من العذاب الأدنى ؟ من العذاب الأدني . مِن هنا عند العرب تبعيضية فالعذاب الأدنى قسمان : قسم قبل الموت وماسُلط عليهم من الحروب والآفات ونقص في الأموال ونقص في الثمرات , وجُزء من هذا العذاب سيؤجر لهم بعد الموت وهو عذاب القبر . الرجوع متعلق بالعذاب الذي قبل القبر . {من العذاب الأدنى } إذاً , العذاب الأدنى ينقسم إلى قسمين : قسم قبل الموت وقسم بعد الموت . أيضا مما يدل على إثبات عذاب القبر من السنة : قول النبي صلى الله عليه وسلم في غيرما حديث , عذاب القبر متواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواتراً معنوياً ومن ذلك ماثبت في صحيح مُسلم , بل في الصحيحين : ( لما مرَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قبرين , قال : إنهما لَيعذبان , ومايعذبان في كبير . أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرء من بوله ) الشاهد : إنهما ليُعذبان ومايُعذبان في كبيرة . وسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوتاً فقال : ( يهود تُعذَّب في قبورها ) فهذه أدلة صريحة على إثبات عذاب القبر .
نعيمهُ أيضا تابع للعذاب وهذا ثبت في أحاديث كثيرة منها حديث خروج الروح الطويل الذي ثبت في السُنن .
يقول المؤلف : ( وقد إستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه , وأمر به في كل صلاة كما ثبت في صحيح مُسلم . إستعيذوا بالله من أربع : من فتنة المحيا , من فتنة الممات , من فتنة القبر , ومن فتنة المسيح الدجال ) أنكر بعضُ المُعتزلة - بعضهم وليس كُلهم – عذاب القبر إستناداً إلى قاعدتهم التي دائماً مايتمسكون بها , أن هذا يتنافى مع العقل أن هذه الحفرة تتسع أو تضيق أو يُنعَّم صاحبها أو يُعذَّب ويقولون نحن نشاهد الآن , نضع الميت في قبره ونأتي بعد يوم يومين لم يتحرك , أين السؤال ؟ أين العذاب ؟ أين النعيم ؟ ويقولون : ماحال من أكلته السباع ؟ أو احترق أو أو من الإيرادات العقلية . ونرد عليهم أن عذاب القبر ونعيمه أمر غيبي يجب التسليم له , كيف ذلك ؟ الله أعلم . فكل من مات سينال حظه من النعيم أو العذاب , قُبرَ أو لم يُقبر , أكلته السباع , أكلته الطيور , إحترق , طار في الهواء , فإنه سينال حظه من ذلك , مِصداق لقول الله وقول رسوله . كيفية ذلك ؟ اللهُ أعلم .
إبن القيم يقول ( ويمكن أن يُرد على هؤلاء بمثال حِسي وإن كان البون شاسعاً لأن الأُمور المتعلقة باليوم الآخر يجب الا تقاس على أمور الدنيا – الأمر يختلف تماماً فوق مايتصوره العقل , لأن العقل محدود , وهذه أمور غيبية يجب التسليم لها . وهنا كما أسلفنا في الدرس الماضي يأتي دور الإيمان الحق , يأتي دور المؤمن الحق , الذي لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن ذلك قال آمنت بالله , أدركه عقلي أو لم يدركه عقلي . مادام النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك نُسلِّم به ونُصدق وإلا لو كُشِفت هذه المسألة للناس ماكان هناك ميزة للإيمان بالغيب . ولهذا إذا حضرت الملائكة لإنتزاع هذه الروح وغرغرت الروح وشاهد الإنسان الحقيقة هل ينفعه الإيمان ؟ لا , { لاينفع نفسٌ إيمانها لم تكن آمنت من قبل } انتهى الإيمان بالغيب . الآن شاهدت الحقيقة ولذا الكل يؤمن . أعظم الملاحدة وإمام الملاحدة فرعون –عليه لعنة الله- الذي يقول : ماعلمت لكم من إله غيري . لما حضره الموت ماذا قال ؟ { آمنت أنه لا إله الا الذي آمنت به بنو إسرائيل } الآن وقد عصيت من قبل ؟ لاينفع وهذا دليل على أهمية الإيمان بالغيب . يقول إبن القيم ( هناك مثال حِسي – مثال تقريبي لعذاب ونعيم القبر – لماذا نصدق هذا ونكذب هذا ؟ النائم أليس يرى في منامه مايسوئه ومايسره ؟ بل أحيانا يصحى النائم وآثار مارأه باديه على وجهه بل على جسمه ومع ذلك هو أمامك لا ترى أي حركة منه وهو يعيش في عالم وأنت تعيش في عالم آخر تماماً . وهذه حالة بسيطة من حالات الدنيا . أمور الآخرة تختلف تماماً. بل يَذكُر أن النائِمَين , اثنان أحدهما بجانب الآخر – ملاصق للأخر , هذا يعيش في نعيم لايعلم به الا الله مما يراه من النعيم , وذاك يعيش في عذاب ونكال لايعلم به إلا الله وهما بجانبا بعض هذا لايؤثر على هذا ) هذا مثال تقريبي , علماً أن مافي الآخرة يختلف تماماً . ومعلوم أن تعلُق الروح بالجسد له عدة حالات : التعلق الأول تعلق الروح بالجسد لمَّا كان الإنسان جنيناً في بطن أمه وهذا له أحكام تخصه , وهناك تعلُق الروح بالجسد في حال الحياة الدنيا ولهذا قالوا الأحكام في الدنيا على الجسد والروح تبعاً له , وهناك تعلُّق الروح بالجسد في أثناء النوم , وهناك تعلُّق الروح بالجسد بعد الموت في البرزخ وهنا الأحكام متعلقة بالروح والجسد تبعٌ لها , وهناك تعلُّق الروح بالجسد في الدار الآخرة والأحكام متعلقة بالإثنين معاً )
يقول المؤلف : ( وفتنة القبر حقٌ , وسؤال منكر ونكير حقٌ , والبعثِ بعد الموت حقٌ وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } )
وفتنة القبر حق لما ثبت في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن هذه الأمة تُفتَتَن في قبورها – استُثني من ذلك صنفان : من ؟ الشهيد , استثناه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( كفى ببارقة السيوف فتنة ) واستُتني أيضا المرابط , فقد ثبت في حديث حسن ( أنه يؤمَن فتَّان القبر ) أما ماعداهم فكل إنسان سيُفتَتَن في هذا القبر . يُفتتن بماذا ؟ بسؤال هذين الملكين . واختلف أهل العلم بتسميتهما بمنكر ونكير والصحيح أنه ثابت في غير ماحديث كما عند إبن أبي عاصم وغيره .
( البعثُ بعد الموت حقٌ ) نعم فكل ميت سيفتتن في قبره وسيُسئل من قبل هذين الملكين كما جاء في أحاديث كثيرة . يُسئل عن دينه , ونبيه , وماذا كان يعبُد . فالمؤمن يُثبته الله عزوجل كما ثبته في الحياة . لما ثبت في الحياة أمام الفتن بتثبيت الله عزوجل , ثبته الله عزوجل بعد الممات . ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في قصة البرزخ ذكر هذه الفتنة تلى قول الله عزوجل { يُثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المشيعين لهذا العبد المدفون أن يدعو له بالتثبيت فقال ( لأنه الآن يُسئل ) لهذا يشرع بعد دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره ويسأل الله له التثبيت لأن الآن بدأ في هذه الفتنة العظيمة .
يقول المؤلف ( والبعث بعد الموت حقٌ ) نعم هذا ثابت في الكتاب والسنة والإجماع والعقل وهو القيامة الكبرى . والبعث جاء ذكر في القرآن متنوعاً , بل قلما يذكر الله سبحانه وتعالى الإيمان به إلا ويقرنه بالإيمان باليوم الآخر . هذا اليوم العظيم الذي جاء في تفاصيله وأحداثه نصوص كثيرة لاتعد ولا تحصى . وقد استدل الله عزوجل عليه بأدلة كثيرة منها قوله سبحانه في الرد على منكري البعث { وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } رد الله عزوجل { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم }هذا دليل عقلي أ ن الذي خلق الأجساد أول مرة من لاشيء قادر على إعادتها مرة أخرى واستدل الله عزوجل بدليل أعظم { أليس الله الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلَّاق العليم , واستدل بدليل ثالث { وهو الذي انشأ لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون } هذا دليل عقلي حسي على اثبات اليوم الآخر . من الأدلة الحسية التي أكثر الله من ذكرها وهو أيضا دليل عقلي أن الله عزوجل ضرب مثلاً بهذه الأرض { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } كما أن الله عزوجل قادر على إحياء هذه الأرض فهو قادر على إحياء هذه الأجساد من قبورها . أيضا أورد الله سبحانه وتعالى عن اناس أحياهم وهذا دليل حسي على قدرة الله عزوجل على بعث الناس في اليوم الآخر كقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها {قال أنى يُحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه } وأيضا قصه أهل الكهف وقصه أصحاب موسى حيث أمرهم الله عزوجل أن يقتلوا أنفسهم ثم أحياهم والأمثلة على هذا كثيرة . وايضا قصة أبراهيم عندما قال ربي أرني كيف تحيي الموتى فقال الله له أن يأخذ أربعة من الطير ويعجن لحمهن ثم يجعل على كل جزء منهن على جبل ثم يدعهن يأتينه سعياً . هذا دليل حسي على قدرة الله على احياء الموتى ونفخ الروح .
يقول المؤلف( وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور{ فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } )
واسرافيل هو الملك العظيم الموكل بالنفخ في الصور ولهذا هو الملك المقدم مع جبريل عليه السلام ولهذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية هؤلاء , اللهم رب جبرائيل واسرافيل وميكائيل الموكل بحياة الأرض ولهذا قال أهل العلم توسل إلى الله عزوجل بأسماء هؤلاء وبربوبية هؤلاء لأن الحياة متوقفة عليهم فجبريل متوقف عليه حياة القلوب حياة الأرواح وميكائيل حياة الأرض الأرزاق واسرافيل حياة الناس بعد الموت يوم القيامة . والنفخ في الصور ذهب بعض أهل العلم إلى أن النفخ نفختان ومنهم من قال ثلاث نفخات : نفخة الفزع ويستدلون بقوله تعالى { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات والأرض إلا من شاء الله وكٌل أتوه داخرين } ونفخة الصعق ونفخة البعث ويستدلون بقول الله عزوجل { ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وعلى كل حال سواء كان النفخات ثلاث او اثنتان فهما ثابتتنان في الكتاب والسنة . الثلاث نفخة الفزع , نفخة الصعق ونفخة البعث . النفخة الأولى يوم يفزع الناس , النفخة الثانية يوم يصعقون وهي التي جاء فيها الحديث : أن الناس إذا نفخ في الصور مات كل حي حتى الملائكة ثم يقول الله عزوجل { لمن الملك اليوم } فيجيب نفسه سبحانه { لله الواحد القهار } ثم يحيي اسرافيل فيأمره الله أن ينفخ في الصور فيقوم الناس لرب العالمين . وقد جاء النفخ في الصور في آيات كثيرة { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكته واحدة } إلى آخر هذه الآيات .
يقول المؤلف ( ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرلاً بُهما ) وهذا تقدم أن الناس إذا قاموا لرب العالمين , وجاء في الحديث أن أول من تنشق عنه الأرض النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات أنه يقوم وهو ينفض الغبار عن رأسه ويقول أُمتى أُمتى في الحديث ( فإذا أنا بموسى باطش بقائمة من قوائم العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أم جُوزي بصعقة الصور ) الشاهد أن أول من تنشق عنه الأرض الرسول صلى الله عليه وسلم . ثم يُحشر الناس حفاة : أي غير منتعلين , عراة : غيرُ مكتسين , غُرلاً : غير مختونين , بُهماً : على خلاف قيل بهماً أي ليس معهم شيء من متاع الدنيا كما هو حال المسافر في الدنيا يأخذ شيء من المتاع . لا هؤلاء يأتون إلى الله يأتون إلى أرض المحشر كما وجِدوا وكما جائوا أول مرة خرجوا من بطون أمهاتهم هل يحملون شيئاً من أمور الدنيا ؟ أبداً , خرجوا حفاة عراة غُرلاً بُهما وسيعودون إلى الله عزوجل كذلك . ولهذا تعجبت عائشة رضي الله عنها قالت : ( الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض . قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الأمر أعظم من ذلك ياعائشة ) أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض . يأتون إلى أرض المحشِر كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قاعاً صفصفا كالخبزة , ينفُذهم البصر ويُسمعه الداعي فيجتمعون في صعيدٍ واحد ولهذا قال المؤلف ( فيقفون في موقف القيامة { يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض } الأرض ليست هذه الأرض . الحشر لن يكون على هذه الأرض ستؤجج بحارها ناراً وستكون جبالها كالعهن المنفوش يأذن الله عزوجل بزوالها ثم تُبدل الأرض ليقف الناس في أرضٍ سيُحاسبون عليها وأرضٌ لم يعصى فيها الله عزوجل لمجيء الرب سبحانه وتعالى إليها وهي كما ذكرت لكم , أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها قاعاً صفصفا كالخبز ينفُذهم : يعني لافيها أرتفاع ولا إنخفاض , ينفذهم البصر ويُسمعهم الداعي . حتى يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى . يقفون في أرض المحشر كما في الحديث وتدنو الشمس منهم ويُلجمهم العَرَق على قدر أعمالهم . يقفون في يوم كان مقدارهُ خمسين ألف سنة فيطول قيامهم ويشتد عليهم الأمر فيتشاورون فيما بينهم ويتراجع بعضهم القول مع بعض فيرجع القول بهم إلى أن يستشفعوا بما يرون أنهم أقرب الناس إلى الله عزوجل وأصلح الناس على أن يُنجيهم الله عزوجل ويُخَلِّصهم من هذا الموقف لأن هذا اليوم في هذه المدة الطويلة وقُوفاً على أقدامهم لايأكلون , لايشربون , لايستظلون , الشمس دانية منهم فيأتون نوح كما في حديث الشفاعة الطويل فيأتون آدم فيعتذر أنه نُهي عن أكل الشجرة فأكل منها ويقول ( أن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعدهُ مثله إذهبوا إلى نوح أول الرسل ) فيأتون نوح فيعتذر , فيُحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر , فيُحيلهم إلى موسى فيعتذر , فيُحيلهم إلى عيسى فيعتذر ولم يذكر له خطيئة فيُحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول عبدٌ غفر الله له ماتقدم وماتأخر فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه أن يشفع لهم عند الله عزوجل فيقول أنا لها أنا لها , وفي الحديث فيأتي ويسجد تحت العرش بما فتح الله عليه من المحامد مالا يُحسنه آنذاك يقول الله عزوجل { إرفع رأسك فسل تعطه وأشفع تُشفَّع } فيأتي الله عزوجل فيشفع للناس في هذا الموقف العظيم .
يقول المؤلف ( ويحاسبهم الله تبارك وتعالى ) نعم , ثبت الحساب . ولكن الناس في الحساب ثلاثة أقسام :
- أما الكفار فحسابهم عرض أعمالهم عليهم وإقرارهم بها فقط . لماذا ؟ لأنه ليس معهم حسنات . فيه موازنة . فالمسألة مآلهم إلى النار . من عدل الله عزوجل وإظهار عدله أنه يأتي ويُقِر الكافر . هذا عمله , ألم أرسل إليكم رسول ؟ , ألم أنزل عليكم كتاب ؟ ألم أطلب منك أن توحدني ؟ ثم يقر بأعماله ثم يُؤمر به إلى النار .
- القسم الثاني : من المؤمنين والذين لايُحاسبون . هؤلاء أُستُثنوا من سائر البشر , من سائر العباد , وهذا جاء ذكرهم في الحديث عن السبعين ألف الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب ومنهم عُكَّاشة بن محصن رضي الله عنهم .
- القسم الثالث : وهم سائر المؤمنين وهؤلاء يُعرِّفهم الله بحسناتهم وسيئاتهم . فمنهم من تغلب حسناته سيئاته فيدخل الجنة , ومنهم من تغلب سيئاته حسناته ولكن يتجاوز عنه الله عزوجل ويقول سترتها عليك في الدنيا وهاأنا أسترها عليك في الآخرة , ومنهم من تتساوى حسناته وسيئاته ولكن لايناقشون الحساب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من نوقش الحساب فقد عُذب . وأيضا لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله عزوجل .
يقول المؤلف ( وتُنصب الموازين ) وهي من الأمور الغيبية التي ثبتت في الكتاب والسنة والإجماع على خلاف بين أهل العلم , هل هي موازين متعددة أم ميزان واحد ؟ ولعل كثير من أهل العلم ذهب أن الميزان ميزان واحد الذي توزن فيه الأعمال , أنما جائت بصيغة الجمع في الأيات { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } الجمع بحسب الموزون لا بحسب الميزان . وثبت في السنة أنه ميزان حقيقي له كفتان ولسان كما في حديث البطاقة المشهور الطويل . ماالذي يوزن في هذا الميزان ؟ ثبت أن الأعمال التي هي أعراض توزن كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : ( كلمتان خفيفتان على اللسان , ثقيلتان في الميزان , حبيبتان إلى الرحمن , سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) هذه الأعمال أعراض ومع ذلك ثبت أنها توزن . أيضا ورد أن الصحف التي دونتها الملائكة توزن . صحف دون فيها الحسنات وهذا ماكتبة الملك الذي على يمين الشخص وهناك صحف دون فيها السيئات والتي كتبها الملك الذي على عاتقه الأيسر . هذه أيضا ثبت أنها توزن . والدليل على ذلك , ماالدليل ؟ حديث البطاقة الحديث الطويل : فيؤتى ببطاقة كتب عليها لا إلى الا الله , يمد له سجلات مد البصر وليس فيها ولا حسنة , كلها سيئات , فيُعرَّف بهذه السيئات فيقر بها , فيقال له : هل لك من حسنة فيقول : لا , فيقال : بلى , لك حسنة لاتُظلَم اليوم , فتُخرَج له بطاقة فيها لاإله إلا الله . الرجل يقول مامقام هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيُقال : توزن , هذا مقام عدل . فتوضع السجلات في كِفة وتوضع البطاقة في كِفة فترجع البطاقة . فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا لايثقل كلمة لاإله إلا الله- أو كلمة الإخلاص- شيء ) وهذا دليل على أن الصُحُفَ توزن . وأيضا مما ثبت أنه يوزن ويوضع في الميزان , الإنسان نفسه . في الحديث ( يؤتى بالرجل العظيم فيوزن فلا يزن عند الله جناح بعوضة ) وفي الحديث الآخر حديث ابن مسعود لما تسلق شجرة ليجني عود الأراك وتكفئت الريح إزارة ورأى بعض الصحابة دقة ساقيه ضَحِكوا . سأل النبي صلى الله عليه : مما تضحكون , فأخبروه أنهم يضحكون من دقة ساقيه . قال ( والذي نفسي بيده لهي أثقل في الميزان من جبل أُحد ) فهذا دليل على أن العامل أيضا يوزن . إذاً ثبت في صحيح السُنة أن الذي يوزن ثلاثة أشياء : العامل وعمله وصحائفه . كُل هذه توزن . أنكَرَ بعض المعتزله - وليس كلهم – الميزان ولهذا رد عليهم إمامهم القاضي عبدالجبار في كتابه الاصول الخمسة وقال : أنكر بعض أصحابنا الميزان لكنه خالفهم في ذلك . وزعموا على قاعدتهم – عرض كل الامور العيبية على العقل - فقالوا : الميزان لايحتاج إليه إلا البقَّال , مافائدة الميزان ؟ فقال أهل العلم : لو لم يكن في إثبات الميزان إلا إظهارعدل الله سبحانه وتعالى لكفى , فليس هناك أعظم من أن يُحِب أن يظهر المعاذير غير الله عزوجل . ولهذا جعل الملائكة يكتبون عن بني آدم , وأتى بالصحف يوم القيامة { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها } وهذا من باب إظهار عدل الله عزوجل . أيضا من مظاهر عدل الله يوم القيامة , أن الله يختم على لسان الإنسان ويأمر جوارحه أن تشهد له أو عليه لأن الإنسان يقول : لا أرضى إلا بشهيد من عندي , من نفسي . الله عزوجل يقول { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم } هذا من باب إظهار العدل لله عزوجل . أيضا من باب إظهار الله العدل شهادة الملائكة . من باب إظهار الله العدل نصب الموازين , هذه أعمالك وهذا أنت , هذه حسناتك وهذه سيئاتك . فهذا من باب إظهار عدل الله عزوجل . ومافي ذلك من الحكم التي لانعلمها الشيء الكثير .
يقول المؤلف ( وتنشر الدواوين ) التي هي الصحف وذكرت لكم قول الله عزوجل { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه } وتتطاير صحف الأعمال يقول الله عزوجل { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاب يلقاه منشورا * أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } مما يظهر عدل الله عزوجل . أيضا تطاير الصحف مما ثبت في القرآن والسنة .
يقول المؤلف ( أما صحف الأعمال فتتطاير عن الأيمان والشمائل { فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسير * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراك ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا }) في هذه الآية ذكر أن الصنف الآخر يأخذ كتابه من وراء ظهره وفي الآيه الثانية بشماله و الجمع بين ذلك كما قال أهل العلم : أنه يأخذها بشماله من وراء ظهره .
يقول المؤلف ( والميزان له كِفَّتان ولسان توزن به الأعمال { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } وتقدم الكلام على ذلك .
يقول المؤلف ( ولنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حوض في القيامة , مائُه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبدا )
أحاديث الحوض التي في عرصات القيامة من الأمور المتواترة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن أنكرها الخوارج والمعتزلة . فثبت في صحيح السنة أن لكل نبي حوضا وأكبر هذه الأحواض هو حوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقد قالت الأنصار كما ثبت في الصحيح في حُنَين ( أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) في الحديث الآخر ( أنا فرطكم على الحوض ) يعني : أنا أول من يرد على الحوض ويستقبل أمته على الحوض . وثبت في صحيح السنة أن طوله شهر وعرضه شهر وأنه يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر الذي أُعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة . وأن مائه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل , من شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبدا . وثبت أيضا في صحيح السنة أن أمته يردون عليه عُطاشا في عرصات القيامة . ويعرف أمته من بين سائر الأمم أنهم غُراً مُحَجَّلين . وثبت أيضا في صحيح السنة أن من أمته من يُذاد عن الحوض . يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعرفهم ويعرفوني . فينادي الملائكة الذين ذادوا هؤلاء – أبعدوهم – عن الحوض فيقول ( أمتي أمتي ) فيقال : ماتدري ماذا أحدثوا بعدك . فأقول ( سُحقاً سُحقا وبُعداً بُعدا ) وهنا فيه لطيفة : أختلف أهل العلم لأن هناك حديث آخر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أحداث يوم القيامة فرتَّبها وذكر أن الحوض بعد الصراط في القنطرة . فأختلف أهل العلم : هل الحوض قبل الصراط في عرصات القيامة أم بعد الصراط في القنطرة . فمنهم من قال : لا , الحوض بعد الصراط واستدلوا بهذا الحديث . ومن أهل العلم من قال : الحوض قبل الصراط والذي ورد في الحديث النبي لم يرد بذكر الحوض الترتيب . والقول الراجح أن هناك حوضان : الحوض الذي قبل الصراط في عرصات القيامة ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فيذاد عنه أناس من أمتي ) هؤلاء الذين يُذادون لن يجاوزا الصراط لأنهم هم الذين غيروا وبدلوا وأرتدوا بعده , لايمكن أن يجتازوا الصراط , وهذا دليل على أن هذا حوض . وهناك حوض كما ذكر النبي في الحديث بعد الصراط وذلك أن أمته يردون الحوض الأول إذا جائوا في عرصات القيامة واشتد بهم العطش . وايضا يحتاجون الماء إذا جاوزا الصراط عند القنطرة التي قبل الجنة , فيحتاجون الماء فهناك حوض لنبيهم يردون عليه . هذا لعله القول الراجح والجمع بين الأدلة . أما من أنكر الحوض فيرد عليه بهذه الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول المؤلف ( والصراط حقٌ يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار ) الصراط : هو الجسر الممدود على متن جهنم جائت الإشارة إليه في قول الله عزوجل في حديث عبدالله بن رواحة في سورة مريم { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجي الذين أتقوا .... } جاء في بعض الأحاديث أنه أدق من الشعر وأنه دحض مزلة وأن الناس يجاوزونه على قدر أعمالهم . والذين يُعرضون على الصراط المؤمنون والمنافقين لكن المؤمنون يجاوزونه أما المنافقون فيحال بينهم وبين تجاوز الصراط . من المؤمنين من يسقط لا يجاوز الصراط وهؤلاء الذين يُطهَّرون بالنار على قدر ذنوبهم ثم من يجاوزه كما في الحديث كالجواد وكالريح المرسلة وكالبرق ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم من تصيبه النار فينجيه الله عزوجل . وقد سألت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح : ( أيعرف أحد أحدَ أو أيعرف بعضنا بعضاً في عرضات القيامة قال : ( أما في ثلاثة مواضع فلا : عندما توضع الموازين فلا يدري الانسان أيثقل ميزانه أم يخف , وعندما تتطاير الصحف فلا يدري أيأخذ كتابه بيمينه أم بشماله , وعندما ينصب الصراط على ظهر جهنم فلا يدري أيجاوزه أم لا ) هذه المواضع من شدتها وهولها يذهل الانسان عن الانسان الأخر فلا يعرف أحدٌ أحد . ولهذا جاء في الحديث أن الأنبياء على جنبات الصراط ويجاوزون وهم يقولون اللهم سَلِم سَلِم إلا نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يقول ( اللهم أمتي أُمتي ) والمعتزلة هم من أنكروا الصراط فقد أولو الميزان بالعدل وأولو الصراط بالطريق لكن قالوا : بهذه الصفات التي جائت في الحديث أنه أدق من الشعر وأنه دحض مزله قالوا العقل مايقبل أن الانسان يمشي على شيء بهذه الصفة . نقول : الذي أقدرهم على المشي على أقدامهم في الدنيا قادر على أن يُمشيهم على الصراط بهذه الصفة . المسألة متعلقة بقدرة الله عزوجل ليست متعلقة بعقولنا .
يقول المؤلف(ويشفع نبينا r فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحما وحمما () فيدخلون الجنة بشفاعته ())
الشفاعة حق ثبتت في الكتاب والسنة والإجماع وأنكرها الخوارج والمعتزلة لأن نصوص الشفاعة تتعارض مع أصولهم وذلك أن مرتكب الكبيرة عندهم إذا مات على كبيرته فهو خالد مخلد في النار لايمكن أن يخرج منها لابشفاعة الشافعين ولا برحمة أرحم الراحمين فأحاديث الشفاعة تتعارض مع هذا الأصل عندهم ولهذا أنكروا أحاديث الشفاعة , وأحاديث الشفاعة حجة ودليل وبرهان ساطع يرد به على الخوارج والمعتزلة ويرد به أيضا على المرجئة , والمرجئة زعموا أن مرتكب الكبيرة لاتضره يدخل الجنة من أول وهله , فأحاديث الشفاعة ترد عليهم أن هؤلاء موحدون ومع ذلك دخلوا النار ويخرجون منها بهذه الشفاعة , الشفاعة يوم القيامة أقسام هناك شفاعات خاصة بنبينا وهي ثلاث شفاعات هذه لايشاركه فيها أحد :
1- شفاعته في أهل الموقف (وهذه التي يحمده الناس وكل الخلق عليها وهي المقام المحمود التي جاءت في قوله تعالى (عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا).وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري . هذه شفاعة لايشاركه فيها احد .
2- شفاعته لأهل الجنة إذا جاوزوا الصراط ووقفوا في القطرة قبل دخول الجنة فلا يدخلون إلا بشفاعته فيأتي فيشفع لهم فتفتح أبواب الجنة وهذه خاصة به.
3- شفاعته لعمه أبي طالب في أن يخفف الله عز وجل عنه من العذاب , اله تعالى قال عن حال الكفار (فما تنفعهم شفاعة الشافعين )لكن في صحيح البخاري ان ابن عباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم(هل نفعت عمك الشيخ الذي كان يحوطك ويرعاك بشيء, قال نعم , شفعت له – في مامعنى الحديث – فهو في ضحضاح من نار وفي رواية في نعلين من نار يغلي بها دماغة ولم لم يكن ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار فالنبي صلى الله عليه وسلم شفع في تخفيف العذاب عن عمه وإن كان من أهل الكفر كن لم تنفعة شفاعة الشافعين في الخروج من النار .. هو باقي , خالد ولكن خفف عنه العذاب , أما بقية الشفاعات فهي مشتركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الملائكة والأنبياء والمؤمنين والأطفال وغير ذلك فكل هؤلاء يشفعون .
- يُشفع لأناس تساوت سيئاتهم وحسناتهم أن لايدخلوا النار فالأصل أن من تساوت سيئته وحسناته لايدخل الجنة ولايدخل النار فيشفع لهؤلاء أن لايدخلوا النار ويدخلوا الجنة .
- ويُشفع لأناس دخلوا النار أن يخرجوا منها .
- ويُشفع لأناس رجحت سيئاتهم بحسناتهم واستحقوا دخول النار ولكنهم لم يخلوها فيشفع لهم أن لايدخلوها.
وكل هذه الشفاعات ثابته في الكتاب والسنة . لكن ينبغي أن يعلم أن لهذه الشفاعات شروط وهي :
1- إذن الله للشافع.(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )
2- ورضاه عن المشفوع له.(ولايشفعون إلا لمن ارتضى )
بخلاف الشفاعة في الدنيا عند الملوك تقع بغير إذن الشافع وبغير رضى المشفوع له . أما يوم القيامة فلا , لايشفع أحد لأحد إلا أن يأذن الله للشافع وأن يشفع ويرضى عن المشفوع فإذا توفر هذان الشرطان وقعت الشفاعة وإلا فلا.
ولهذا المشروع أن ندعوا الله تعالى أن يشفع فينا نبيه صلى الله عليه وسلم وان يشفع فينا أبنائنا الذين ماتوا صغارا وأن يشفع فينا أهل الإيمان , لكن لاتطلب الشفاعة منهم في الدنيا لأنهم لايملكونها , لايملكونها الآن وليست بأيديهم وليست إليهم حتى النبي صلى الله عليه وسلم ليس له من الشفاعة في الدنيا شيء الشفاعة له في الآخرة , لهذا نسأل الله دائما وأبدا أن يشفعه فينا لأن الي يملك الشفاعة هو الله عز وجل .
يقول المؤلف ( ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات ) وهذا ذكرته لكم كما ثبت في الصحيح ,
يقول (قال الله تعالى : " يعلم مابين أيديهم وماخلفهم ولايشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين . )
لقول الله عز وجل " ولا تنفعهم شفاعة الشافعين " وقد يعترض على ذلك بحديث أب طالب , لكن ذكرت لكم أن أهل العلم جمعوا بين ذلك , منهم من قال هذا مستثنى من العموم هذا نص وابوطالب مستثنى من هذا العموم ولكن الأرجح أن أباطالب خفف عنه العذاب ولم ينتفع بهذه الشفاعة بالخروج من هذا العذاب إذن الشفاعة تنال من ؟ تنال الموحدين فقط , الشفاعة لايستفيد منها إلا الموحدين . أما الكفار فما تنفعة الشفاعة ولايمكن أن تنفعة , فالله عز وجل قطع عنهم الشفاعة بهذه الآيه " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " .
يقول المؤلف : (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ، فالجنة مأوى أوليائه ، والنار عقاب لأعدائه ، وأهل الجنة فيها مخلدون" إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون * لايُفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون ")
الجنة والنار مخلوقتان لاتفنيان أي الآن موجودتان مخلوقتان خلافا للمعتزلة , ذهب المعتزلة إلى أن النار واجنة لم تخلقا بعد حجتهم في ذلك –ابدا ماعندهم قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم –قالوا مافائدة ****ئها الآن .. عبث - سبحان الله !! اعتراض على الله . الله عز وجل يقول في الجنة (أعدت للمتقين ) وفي النار (أعدت للكافرين ) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به أنه أطلع على النار وأيضا ليلة الخسوف فرأى أكثر من في النار النساء , ورأى الذي سيب السوائب عمروا ابن لحيي يجر قصبه في النار , ودخل الجنة ورأى فيها القصر الذي أعد لعمر وسمع خشخشة المرأة وسمع خشخشة أيضا نعل بلال , الشاهد أنها مخلوقة الآن معده الآن هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة , لاتفنيان , ذهب الجهم بن صفوان من المعتزلة ألى أن الجنة والنار تفنيان وقالوا بهذا استنادا لأصلهم منع تسلسل احوادث في المستقبل أي المسألة عويصة , الشاهد أنهم شذوا بين الأمة وزعموا أن الجنة والنار تفنيان , سيأتي علها وقت تفنى ويفنى أهلها وأبوهذيل العلاف خالف الجهم في قضية الفناء , الجهم بن صفوان قال خلاص تفنى والله ينهي الجنة ومن فيها وينهي النار ومن فيها وابو هذيل العلاف قال لا , ماتفنى ولكن يصبح أهلها جمادات لايتلذذون ولايتعذبون بالجنة ولا بالنار , وعلى كل حال النصوص صريحة في أن الجنة والنار باقيتان لاتفنيان ابد الآباد وأهلها فيها خالدون هؤلاء منعمون وأولئك معذبون , هل يتنافى هذا مع قول الله (هو الأول والآخر ) وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء)؟
ج- لا لايتعارضان , ان بقاء الله بذاته أنه واجب الوجوب بذاته أما الجنة والنار فبقائهما بإبقاء الله لهما فليستا هما الآخر فبقائهما مرتبط ببقاء الله وبهذا جمع أهل العلم .
أبو الهذيل العلاف والجهم بن صفوان قالوا : لا , تفنى ويفنى أهلها , ونحن نقول : النصوص الصريحة والصحيحة ترد على هذا القول الباطل , ولهذا قال ابن حزم ان قولهما هذا خالفا فيه جميع المسلمين وجمهور المسلمين لم يوافقهم فيها أحد (القول بفناء الجنة والنار ) . أيضا يدل على ذلك الحديث الذي سيذكره المؤلف وهو ثابت في الصحيحين (أنه يؤتى بالموت على صورة كبش أملح ، فيقال يأهل النار فيشرئبون فيقال أتعرفون هذا فيقولون نعم وقد رأوه من قبل هذا الموت , فيرجون أنه سيسلط عليهم فيرتاحون ولهذا يدخلهم شيء من الفرح والسرور , ويقال لأهل الجنة ينادون أهل الجنة فيشرئبون فيقال لهم أتعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وقد رأوه من قبل فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال (يأهل الجنة خلود فلا موت ويأهل النار خلود فلا موت ))
هذا دليل صريح ان الجنة والنار باقيتان لا تفنيان ابدا .
توقعت أن أحدكم يسأل عما نقل عن شيخ الإسلام في مسألة فناء النار وهي مسألة كبيرة كتب فيها أهل العلم وكتب فيها الصنعاني رسالة وكتب غيره . نعم , روي عن عمر قبل شيخ الاسلام ان النار تفنى ونقل عنه انه لوبقي اهل النار في النار عدد رمل عالج لأتى عليها وقت يخرجون منها وقال " ليأتين على النار يوم تصطفق فيها أبوابها ليس فيها أحد " هذا قول مروي عن عمر رضي الله عنه , ونقل أيضا عن شيخ الاسلام القول بفناء النار .
نأتي أولا إلى قول عمر , أجاب أهل العلم أن المقصود بالنار التي ذكر عمر وتبعه في ذلك بعض السلف أنها نار الموحدين , لا شك أن النار درجات فنار المشركين تختلف عن نار الموحدين , كما أن نار المنافقين تختلف عن نار المشركين, الله عز وجل ذكر ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار فنار الموحدين سيأتي عليها يوم بعدما يخرج منها الموحدون سيأتي عليها يوم تصطفق فيها ابوابها ليس فيه احد , فيحمل قول عمر على ذلك ومن تبع قول عمر , أما شيخ الاسلام فالقول عنه في هذه المسألة فيه اضطراب والصحيح والذي صرح عنه في غير ماموضع منها المجلد الثالث والعشرون من الفتاوى ذكر أن هناك أشياء لاتفنى ولاتبيد وذكر منها الجنة والنار , وقد طُبع رسالة أخيرة في تقرير للدكتور محمد السمهري منسوبة لشيخ الاسلام في بقاء الجنة والنار , وحقق المحقق أنها فعلا لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله . الذين قالوا ونسبوا القول لشيخ الاسلام في فناء النار اعتمدوا في ذلك على كلام تلميذه ابن القيم في آخر حادي الارواح وقد اطال الكلام في بقاء النار , هل تبقى , هل تخلد ؟ وكلامه فيها كلام عام ليس بصريح , وأشارإلى أن شيخه رأى في فناء النار والصحيح خلاف ذلك .
() حمما ، أي: سودا.
() لقد ورد في الشفاعة أحاديث كثيرة صحيحة ، رواها البخاري ومسلم وغيرهما. وروى أبو داود والترمذي عن أنسقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وهو حديث صحيح.

الدورة العلمية @aldor_alaalmy
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ملخص الدرس السابع
https://d2s63a22uzwg40.cloudfront.net/hw-uploadcenter/up/sites/up.hawaaworld.com/files/links/1992bbbcc2056db1cbf064934f207473.docx
بارك الله فيكِ
ملخص الدرس السابع
https://d2s63a22uzwg40.cloudfront.net/hw-uploadcenter/up/sites/up.hawaaworld.com/files/links/1992bbbcc2056db1cbf064934f207473.docx
بارك الله فيكِ

الصفحة الأخيرة
فبارك الله فيك وكثر من امثالك