(الرجاء 3) الشيخ سعيد شعلان

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:--
أولاً: أجاب الأخوان الفاضلان "خالد بابكر" و"عبد الله العمودي" عن سؤال الأمس حول الفرق بين الرجاء وحسن الظن بالله، فأجادا وأفادا، فجزاهما الله تعالى خير الجزاء، آمين.
ثانيًا: جوابي على هذا السؤال هو: أن الرجاء فَرْعٌ عن حسن الظن بالله؛ لأن حسن الظن بالله ينشأ عن قوة المعرفة بأسماء الله وصفاته، وعن العلم بأن رحمة الله تغلب غضبه سبحانه، فإذا كان العبد حسن الظن بربه وأنه وإن كان مُقَصِّرًا إلا أن رحمة ربه به تسبق غضبه عليه، فإن الرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته وتوفيقه وهدايته ونصره وتأييده وتثبيته ينشأ عن حسن الظن بالله الناشئ عن العلم بأن لله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وأقداره وخيراته.
ومما يتفق مع كلام الأخوين "خالد" و"عبد الله": أني قلتُ: "وإن كان مُقَصِّرًا" ولم أقل: وإن كان مُعْرِضًا عن طاعة الله، متهاونًا متكاسلاً، لا، فهذه رجاء صاحبها هو التمني، والتمني كما قال ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان": رأس مال المفاليس.
ثالثًا: تكملة موضوع الرجاء:--

1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: "إن رحمتي غلبت غضبي". ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
حاشية: البخاري -الفتح 6- "3194" واللفظ له، ومسلم "2751".
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد". ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
حاشية: مسلم "2755".
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
سعيد شعلان: هذا الحديث يدل على أن الرجاء لا يستلزم التهاون والكسل والإهمال، بل يستلزم عملاً دائبًا لا نهاية له دون الموت، وهذا العملُ يُكْسِبُ الرجاء معناه الحقيقي.
وقد مَرَّ بنا ما نقله الحافظ ابن حجر عن أبي عثمان الجيزي قال:
من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو.
ويدل الحديث أيضًا على أن الأعمال الخبيثة لا تستلزم اليأس من رحمة الله مهما تناهت في قُبْحِها.
3- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال: "الله أكثر".
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
حاشية: الترمذي "3573" وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول "9/512" وهو حديث صحيح. ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
4- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: يا رسول الله أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: "وإن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة".
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
حاشية: البخاري -الفتح 13- "7423".
ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ
سعيد شعلان: ومن هذا الحديث نعرف أن دعاء البعض بلفظ: "أسألك الفردوس الأعلى" خطأ؛ لأنه يوهم أن الفردوس منه ما هو أعلى ومنه ما هو دون ذلك، وليس الأمر كذلك؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ" ولم يقل: "فسلوه الفردوس الأعلى"، والله أعلم.
اللهم املأ قلوبنا رجاءً يصحبه علمٌ وعملٌ، آمين
1
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بياض الثلج 1
بياض الثلج 1
جزاك الله خير