ذات ليلة تذاكرت مع بعض المحبين الصلاة في الروضة، المعروفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدودة بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ولست منكرا الصلاة فيها، ولكن سألت عن فضل الصلاة فيها، هل ذلك أفضل من الصلاة في سواها من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولم أجد جوابا شافيا، فرأيت بحث القضية خيرا من اللت والعجن، فأهل مكة أدرى بشعابها، أعني بهم الأئمة العلماء رحمهم الله، فوجدت في المسألة قولين للعلماء:
الأول: ان المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ان البقعة ذاتها ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة(1) قال ابن عبدالبر: وقد استدل المالكية على ان المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث، وركبوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) وهذا لا دليل فيه على شيء مما ذهبوا إليه، لانه صلى الله عليه وسلم أراد ذم الدنيا، وأراد الزهد فيها، والترغيب في الآخرة، كقوله عز وجل: (من ان تأمنه بقنطار) لم يرد القنطار بعينه، وانما أراد الكثير (ومنهم من ان تأمنه بدينار) لم يرد الدينار بعينه، وانما أراد القليل(2). انتهى. وهذا القول مجرد اجتهاد من القائلين به في فهم نص الحديث، هكذا فهموه على الظاهر من اللفظ، وقد يكون فهما جيدا، لو لم يرد من قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صرفه عن ظاهره، وهو ما ذهب اليه المعارضون لهذا الفهم، أصحاب القول الثاني، ومن عوام الناس من يظن انها بحالتها الراهنة قطعة من الجنة، فهو يتعبد فيها على هذا الاعتقاد، ولو كان هذا الفهم صحيحا، لكان الأولى بذلك الموضع الذي دفن فيه أشرف الخلق واكرمهم على الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو ساكن الجنة قطعا، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما المشهود لهما بالجنة، شهادة حق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يقول ان الروضة الحالية أفضل من مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!.
القول الثاني: ان ذلك على سبيل المجاز لا الحقيقة، قال أبو عمر بن عبدالبر: كأنهم يعنون انه لما كان جلوسه صلى الله عليه وسلم، وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك، شبه ذلك الموضع بالروضة، لكرم ما يجنى فيها، وأضافها إلى الجنة لانها تقود إلى الجنة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجنة تحت ظلال السيوف) يعني ان ذلك عمل يتوصل به إلى الجنة، وقوله: (الجنة تحت اقدام الأمهات) وقوله: (الأم باب من أبواب الجنة) يعني ان بر الأم يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء الفرائض، وقوله: (من أحب ان يرتع في رياض الجنة فليكثر من الذكر) وقوله: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) قال ابن حجر: في نزول الرحمة، وحصول السعادة، بما يحصل بملازمة حلق الذكر، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم، فيكون تشبيها بغير أداة، والمعنى ان العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، فيكون مجازا(3). انتهى. ولعلم المهتدي وفقنا الله واياه، ان ما نقلنا من النصوص، مفسر للمراد من حديث الروضة، ومبين المقصود منه، ولا تأويل ولا اجتهاد مع النص، ويتخرج على تلك النصوص، ان حلق الذكر في كل شبر من الأرض هي من رياض الجنة، سميت بذلك مجازا لما فيها من الخير الذي يؤدي بصاحبه إلى الجنة، فكل موقع يدرس فيه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يؤمر فيه بمعروف أو ينهي عن منكر، فهو من رياض الجنة، بذلك الاعتبار، ولو حملنا ذلك على الحقيقة لصح ان نقوله في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من زار أخاه المؤمن خاض في رياض الجنة حتى يرجع)(4) ان دور المرضى والمصحات الطبية من رياض الجنة على الحقيقة، لان المرض من أسباب الزيارة، ولا يقول بذلك عاقل، لانه مفسر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضا، أو زار أخا في الله، ناداه مناد ان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا) فالمراد عاقبة الأمر، وانه يكون من أهل الجنة، فجميل ان يتواضع المسلم للحق، ولا تأخذه العزة بالاثم، وعلى هذا فلا فضل للروضة على سائر المسجد النبوي،
هذا مانشرته جريدة المدينة في عددها اليوم الاثنين
صاحب المقال هو مرزوق بن هياس الزهراني
على الرابط
http://www.almadinapress.com/index....rticleid=160141
دمعه وحزن @dmaah_ohzn
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️