الزواجر والروادع
الزواجر والروادع وهي تسمى في لغة علماء الحروب الخطوط الدفاعية ، وهي عند علماء السنة والجماعة أربع زواجر ، وهي حواجز وموانع تمنعك أن تقع في المعصية ، إذا اجتمعت فيك سدَّدتك بإذن الله ، وحفظتك بعون الله ، فلا تعصي الله :.
الزاجر الأول :.
(( زاجر المراقبة )) مراقبة الحي القيوم الذي لا ينام ، قال تعالى } الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين { سورة الشعراء الآية – 218- 219 – هذا هو الزاجر الأول الذي يزجرك عن المعصية .
وهو أن تستشعر مراقبة الله تبارك وتعالى ، وهو أعلى درجة للموحدين ، وهو الذي يسمى في السنة وفي الشريعة ، درجة الإحسان .
يقول تبارك وتعالى عن هذه الدرجة } وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى { سورة النازعات – 40 – 41 – إذا أتيت تعصي الله فتذكر من هو الله ، وعظمة الله ، وقدرة الله حينها سوف تكفُّ ، بإذن الله عن المعصية .
يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث عمر : (( اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .
يقول الشيخ حافظ الحكمي عن شرح درجة الإحسان
هو رسوخ القلب في الإيمان **** حتى يكون الغيب كالعيان
وهي أن تتصور أنك ترى الله ، فإذا لم تستطع هذا التصور فاعلم أن الله تبارك وتعالى يراك ولا محالة .
وثبت عن علي في ( التراجم ) وفي ( السير ) أنه قال على منبر الكوفة يوم الجمعة وهو يخطب الناس وقد بللت الدموع خده الطاهر : (( والله لو كشف الله لي الغطاء ، ورأيت الجنة والنار ، ورأيت الله على عرشه ، ما زاد على إيماني مقدار ذرة )) ..
هذا هو رسوخ الإيمان ، وهذه هي درجة الإيقان ، وهذه هي مرتبة الإحسان .
وثبت في كتاب ( الزهد ) للإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول على المنبر : (( يا أيها الناس ، استحيوا من الله حق الحياء ، فوالله إني لأذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي )) ..
وهذه هي الدرجة العظيمة التي بلّغت أبا بكر رضي الله عنه تلك المنزلة العالية التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لو وزن إيمان الأمة وإيمان أبي بكر ، لرجح بإيمانهم إيمان أبي بكر رضي الله عنه )) ..
هذه هي درجة المراقبة ، فنحن لو تصورنا مراقبتنا لله تبارك وتعالى لرأيناها في الحضيض ولرأيناها زهيدة وضعيفة وقليلة ، نستحي أن نعرضها أمام الله تبارك وتعالى ، والواحد منا لو راجع نفسه لعلم أنه يستحيي من الناس أكثر من استحيائه من الله ، ويراقب الناس في حركاته وسكناته ومجالسه وفي كلماته وتصرفاته أكثر من مراقبة الله تبارك وتعالى .
وثبت في ترجمة ابن عباس ، رضي الله عنهما : أنه كان يقطّع الليل من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر باكياً مصلياً في الحرم حتى الصباح .
يقول عطاء : والله إني كنت أنظر إلى جفن ابن عباس كأنها شراك النعلين الباليين من كثرة البكاء .
هذا هو الإيمان الراسخ ..
ولذلك ذكر ابن جرير في تفسيره ، وابن كثير : أن ابن عباس ، رضي الله عنهما كان إذا قرأ قوله تعالى } والراسخون في العلم { آل عمران – 7 – قال أنا من الراسخين في العلم ، وصدق ، ورضي الله عنه ، فهو من الراسخين في العلم ، وإذا لم يكن هو من الراسخين في العلم وفي خشية الله فمن يكون إذن ؟ ...
فالرسوخ في العلم هو مراقبة الله تبارك وتعالى ، ولذلك يقول الإمام مالك كما ذكر عنه صاحب الحلية يقول : ليس العلم بكثرة الرواية ، إنما العلم نور يقذفه الله في القلب .
ليس العلم أن يحفظ الرجل النصوص الجامدة ، وأن يجمع الشهادات العالية ، ثم إذا نظرت إليه رأيت السنة في واد وهو في واد .
فقلبه أقسى من الحجر ، وتعامله بغيض ، وروحانيته ضعيفة ، وعبادته مضمحلة ، إذا صلى فبشرود وذهول ، لا يحافظ على الصلوات ، ولا يجمع قلبه للأوقات ولا ينتهي عن الشهوات والمحرمات ..
أهذا علم ؟ بل هو الجهل بعينه ..
إذا ما لم يُفدك العلم شيئاً *** فليتك ثم ليتك ما علمت
فرأس العلم تقوى الله حقاً *** وليس بأن يقال لقد رَؤُستَ
وللحديث بقية .......
منقول من كتاب الشيخ عائض بن عبدالله القرني (( إلى الذين أسرفوا على أنفسهم )) ..
البطبوطة @albtbot
عضوة جديدة
هذا الموضوع مغلق.
شروق
•
جزاك الله كل خير على هذا الموضوع القيم .. وجعله في موازين حسناتك
البطبوطة
•
أسفة نسيت أقول أن للموضوع بقية أتمنى أن تتابعيه وإن شاء الله سأضعه يوم السبت لأنه غير جاهز للآن .
البطبوطة
•
تتمة الموضوع ..
أما الزاجر الثاني والرادع الثاني بعد المراقبة هو زاجر استشعار عظمة الله تبارك وتعالى والوقوف بين يديه عز وجل وهذا زاجر ثابت عند علماء السنة والجماعة ..
ذكر الإمام الذهبي في (( سير أعلام النبوة )) في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري الإمام العالم الزاهد العابد : أنه كان يقوم في الليل يصلي فيردد قوله تعالى : } ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر { سورة التكاثر – 1 – 2 – حتى الصباح ..
وفي ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب يقول في ترجمة عبدالغني المقدسي ذاك الإمام العَلَم الذي كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين ، صاحب كتاب (( الكمال في أسماء الرجال )) في علم الحديث النبوي ..
يقول ابن رجب : سُجن عبد الغني ومعه أناس من اليهود في السجن ، فقام يصلي من الليل ، وكلما صلى ركعتين بكى وقطع بالبكاء صوته ثم عاد وتوضأ فصلى ركعتين وبكى ثم عاد وتوضأ وهكذا حتى الصباح فلما رآه اليهود وهم معه مسجونون أسلموا في الصباح ، فسألهم السجان لماذا أسلمتم ؟ قال أحدهم والله لقد مرت علينا ليلة ما مرت علينا في حياتنا والله لقد صوَّر لنا هذا اليوم الآخر .
فأُخرجوا من السجن وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
هذه هي الدعوة المخلصة ، دعوة البكاء ، دعوة التهجد ، دعوة القيام في جنح الليل .
أما الزاجر الثالث فهو زاجر تذكر الموت وهذا أكبر زاجر عند الموحدين وأعظم ما يحجزك عن معاصي الله تبارك وتعالى ، وإذا لم تصدق هذه النظرية فجرد نفسك واخرج كلما آنست من نفسك قسوة ومن قلبك شدة ، واجلس بين المقابر ، وتذكر أين العظماء الذين دفنوا هنا في هذه المقابر فما كأنهم مشوا مع الناس وما كأنهم تكلموا مع الناس وما كأنهم تنعموا ولا ضحكوا ولا استأنسوا ولا ترفهوا .
إن هذا هو زاجر الموت الذي سماه علماء السنة زاجر الموت العظيم حينما نتذكره نعود إلى الله تبارك وتعالى ولا نعصيه أبدا .
ورد أن أحد العبّاد جلس عنده أحد الناس فوقع هذا الرجل في عرض بعض المسلمين يتكلم فيه بالغيبة ويأكل لحمه في المجلس ، فبكى العابد ، فقال له هذا الجالس المغتاب : لماذا تبكي ؟ قال أبكي من غرورك ، تغتاب ولا تذكر حين يوضع القطن على عينيك ، ويوضع الطين تحت رأسك في القبر ، فبكى هذا المغتاب وقال : أُشهد الله ، ثم أُشهدك ألا أغتاب بعدها أبداً .
وأورد ابن كثير في تفسيره قوله تبارك وتعالى } وحيل بينهم وبين ما يشتهون { سورة سبأ – 54 - ، أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول حيل بينهم وبين ما يشتهون ، ولذلك أورد صاحب (( الحِلية )) أن أحد العباد الأولياء مر بقبر فقال : لا إله إلا الله ثم ذهب ونام تلك الليلة فرأى في منامه ذاك الميت فقال : يا عبدالله مررت بي اليوم وقلت لا إله إلا الله والله لو تعلم بنفع وفائدة لا إله إلا الله لقطعت بها عمرك كله والله لقد حيل بيني وبين لا إله إلا الله } وحيل بينهم وبين ما يشتهون { سورة سبأ – 54 - ، ونحن إذا تذكرنا هذه الروادع وزاجر الموت وما بعد الموت ربما نهاب إن كان في قلوبنا خشية وإن كان الله يريد بنا خيراً .
أما الزاجر الرابع فهو تذكر آلآء ونعم الله .. أنظر في جسمك وفي كيانك وفي صورتك .. من سواك ومن رزقك ومن أبدعك في هذه الصورة ؟ ثم بعدها تقتحم حدود الله وتنتهك محرمات الله وكأنه ليس لله تبارك وتعالى نعمة عندك .
يقول عز وجل مؤنباً للمجرمين في خطاب لاذع يدخل إلى القلوب ويخاطب شغافها } ألم نجعل له عينين { البلد – 8 – هذا المجرم الذي عصى الله يقول تبارك وتعالى } ألم نجعل له عينين { هاتان العينان الجميلتان كيف ما تذكر الله بها ؟ فعصى الله بها ونظر إلى الحرام ..
فمن الذي أعطاه هاتين العينين الجميلتين ؟
} ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين { البلد – 8 – 10 – لقد أخطأ هذا المجرم خطأ كبيراً حينما نسي أنها أمانة عنده وخالفنا مخالفة ظاهرة سافرة وتعدى حدودنا .
ما الذي غرك ؟ وما الذي خدعك بالله ؟ وم الذي أنساك نعم الله ؟ وعظمة الله ؟ وقدرة الله ؟ حتى فعلت هذه الأفاعيل ، وهذه المعاصي والمخالفات .
إنها والله من أعظم الزواجر تذكر آلآء الله ولذلك سُئل سهل التستري : هل اغتبت أحداً ؟ قال : ما اغتبت منذ عقلت رشدي . قيل : أخفت الله أم ماذا ؟ قال : كل ما أردت أن أغتاب تذكرت ألآء الله ونعم الله .
هذا هو الزاجر العظيم .
ويا من انطوى وسار في ركاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويا من متعه الله بسمعه وبصره ويا من جعل الله له عينين ولساناً وشفتين وهداه النجدين ويا من ركبه الله في أحسن صورة وسواه وعدله .
هذه من الزواجر العظيمة التي إذا أتيت لتقتحم حدود الله فتذكرها فإنها حتماً ستردعك .
منقول من كتاب الشيخ عائض بن عبدالله القرني (( إلى الذين أسرفوا على أنفسهم )) ..
أما الزاجر الثاني والرادع الثاني بعد المراقبة هو زاجر استشعار عظمة الله تبارك وتعالى والوقوف بين يديه عز وجل وهذا زاجر ثابت عند علماء السنة والجماعة ..
ذكر الإمام الذهبي في (( سير أعلام النبوة )) في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري الإمام العالم الزاهد العابد : أنه كان يقوم في الليل يصلي فيردد قوله تعالى : } ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر { سورة التكاثر – 1 – 2 – حتى الصباح ..
وفي ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب يقول في ترجمة عبدالغني المقدسي ذاك الإمام العَلَم الذي كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين ، صاحب كتاب (( الكمال في أسماء الرجال )) في علم الحديث النبوي ..
يقول ابن رجب : سُجن عبد الغني ومعه أناس من اليهود في السجن ، فقام يصلي من الليل ، وكلما صلى ركعتين بكى وقطع بالبكاء صوته ثم عاد وتوضأ فصلى ركعتين وبكى ثم عاد وتوضأ وهكذا حتى الصباح فلما رآه اليهود وهم معه مسجونون أسلموا في الصباح ، فسألهم السجان لماذا أسلمتم ؟ قال أحدهم والله لقد مرت علينا ليلة ما مرت علينا في حياتنا والله لقد صوَّر لنا هذا اليوم الآخر .
فأُخرجوا من السجن وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
هذه هي الدعوة المخلصة ، دعوة البكاء ، دعوة التهجد ، دعوة القيام في جنح الليل .
أما الزاجر الثالث فهو زاجر تذكر الموت وهذا أكبر زاجر عند الموحدين وأعظم ما يحجزك عن معاصي الله تبارك وتعالى ، وإذا لم تصدق هذه النظرية فجرد نفسك واخرج كلما آنست من نفسك قسوة ومن قلبك شدة ، واجلس بين المقابر ، وتذكر أين العظماء الذين دفنوا هنا في هذه المقابر فما كأنهم مشوا مع الناس وما كأنهم تكلموا مع الناس وما كأنهم تنعموا ولا ضحكوا ولا استأنسوا ولا ترفهوا .
إن هذا هو زاجر الموت الذي سماه علماء السنة زاجر الموت العظيم حينما نتذكره نعود إلى الله تبارك وتعالى ولا نعصيه أبدا .
ورد أن أحد العبّاد جلس عنده أحد الناس فوقع هذا الرجل في عرض بعض المسلمين يتكلم فيه بالغيبة ويأكل لحمه في المجلس ، فبكى العابد ، فقال له هذا الجالس المغتاب : لماذا تبكي ؟ قال أبكي من غرورك ، تغتاب ولا تذكر حين يوضع القطن على عينيك ، ويوضع الطين تحت رأسك في القبر ، فبكى هذا المغتاب وقال : أُشهد الله ، ثم أُشهدك ألا أغتاب بعدها أبداً .
وأورد ابن كثير في تفسيره قوله تبارك وتعالى } وحيل بينهم وبين ما يشتهون { سورة سبأ – 54 - ، أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول حيل بينهم وبين ما يشتهون ، ولذلك أورد صاحب (( الحِلية )) أن أحد العباد الأولياء مر بقبر فقال : لا إله إلا الله ثم ذهب ونام تلك الليلة فرأى في منامه ذاك الميت فقال : يا عبدالله مررت بي اليوم وقلت لا إله إلا الله والله لو تعلم بنفع وفائدة لا إله إلا الله لقطعت بها عمرك كله والله لقد حيل بيني وبين لا إله إلا الله } وحيل بينهم وبين ما يشتهون { سورة سبأ – 54 - ، ونحن إذا تذكرنا هذه الروادع وزاجر الموت وما بعد الموت ربما نهاب إن كان في قلوبنا خشية وإن كان الله يريد بنا خيراً .
أما الزاجر الرابع فهو تذكر آلآء ونعم الله .. أنظر في جسمك وفي كيانك وفي صورتك .. من سواك ومن رزقك ومن أبدعك في هذه الصورة ؟ ثم بعدها تقتحم حدود الله وتنتهك محرمات الله وكأنه ليس لله تبارك وتعالى نعمة عندك .
يقول عز وجل مؤنباً للمجرمين في خطاب لاذع يدخل إلى القلوب ويخاطب شغافها } ألم نجعل له عينين { البلد – 8 – هذا المجرم الذي عصى الله يقول تبارك وتعالى } ألم نجعل له عينين { هاتان العينان الجميلتان كيف ما تذكر الله بها ؟ فعصى الله بها ونظر إلى الحرام ..
فمن الذي أعطاه هاتين العينين الجميلتين ؟
} ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين { البلد – 8 – 10 – لقد أخطأ هذا المجرم خطأ كبيراً حينما نسي أنها أمانة عنده وخالفنا مخالفة ظاهرة سافرة وتعدى حدودنا .
ما الذي غرك ؟ وما الذي خدعك بالله ؟ وم الذي أنساك نعم الله ؟ وعظمة الله ؟ وقدرة الله ؟ حتى فعلت هذه الأفاعيل ، وهذه المعاصي والمخالفات .
إنها والله من أعظم الزواجر تذكر آلآء الله ولذلك سُئل سهل التستري : هل اغتبت أحداً ؟ قال : ما اغتبت منذ عقلت رشدي . قيل : أخفت الله أم ماذا ؟ قال : كل ما أردت أن أغتاب تذكرت ألآء الله ونعم الله .
هذا هو الزاجر العظيم .
ويا من انطوى وسار في ركاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويا من متعه الله بسمعه وبصره ويا من جعل الله له عينين ولساناً وشفتين وهداه النجدين ويا من ركبه الله في أحسن صورة وسواه وعدله .
هذه من الزواجر العظيمة التي إذا أتيت لتقتحم حدود الله فتذكرها فإنها حتماً ستردعك .
منقول من كتاب الشيخ عائض بن عبدالله القرني (( إلى الذين أسرفوا على أنفسهم )) ..
الصفحة الأخيرة