لا يستقيم طويلاً وَضعُ الأشياء في غير مواضعها.. ولا نقل الأشجار إلى بيئات لا تناسب طبائعها..
والزواج من أجنبية كذلك..
وأول من يتضرر منه المرأة نفسها..
إنها تتعب جداً..
وإذا تعبت فسوف تُتءعِبء زوجها بلاشك..
وإذا كان هناك أطفال فقد يلاحق الزوجين التعب مدى الحياة..
تبعاً لما يحدث بينهما من خلاف وتعب، وما ينتهي إليه هذا الزواج في الغالب من طلاق، ثم صراع طويل مزعج على الأولاد.. وهو صراع كالنار التي تلتهم الجميع:
الزوج..
والزوجة
والأولاد..
وهذا يحدث في كثيرٍ من الأحيان..
777إن السبب في كون الزوجة الأجنبية تتعب جداً.. واضح جداً..
إنه مفارقتها لأهلها، ووطنها، وحياتها التي ألفتها، وعاداتها التي سارت عليها، إلى أهلٍ لا تعرفهم، وبلدٍ لا تنتمي إليه، وحياة لم تألفها، بل هي غريبة عليها، ومتناقضة معها في كثير من الأحيان..
الغربة مرة ولو كانت أسابيع.. فكيف بالسنوات الطوال.. بل طوال العمر.. وكيف إذا صاحبها مطالبة بلسان الحال والمقال بنسيان عاداتها وتقاليدها، وماضيها وحياتها، والتطبع من جديد بعادات وتقاليد بلد زوجها، والخضوع للحياة الجديدة بكل ما فيها من مفارقات لا تقتنع بها، ولا تستطيع - في واقع الأمر - انتهاجها باستمرار..
لا يكلف الله نفساً إلا وُسءعَها..
إن الزواج بحد ذاته.. ومن بنت الوطن نفسه.. يحتاج إلى فترة طويلة للتأقلم والتفاهم.. والانسجام.. فإن السنة الأولى من الزواج تكون عادةً صراعاً بين شخصيتين.. وتمزقاً - خفياً أو ظاهراً - بين عائلتين.. و لا يحصل الانسجام إلا بعد اعتماد التضحيات المتبادلة.. والتنازلات المختلفة.. وقد لا يحصل أيضاً هذا الانسجام أبداً.. وينتهي الزواج بالطلاق الفعلي.. أو يستمر بلا تفاهم ولا حب ولا سعادة..
هذا والزوجة من نفس الوطن.. وربما تكون قريبة من الأهل.. فكيف بالحال والزوجة ليست من الوطن.. ولا تنتمي إليه.. ولا تعرف المجتمع.. ولا تستطيع - في الواقع - العيش فيه.. إن الانسجام هنا بعيد المنال.. والطلاق قريب وإن طال الزمان.. فالأعباء النفسية التي يتحملها زوجان من بلادين مختلفتين.. كبيرة جدا.. وتضاف الى اعباء الزواج نفسه.. فتكون ضغثا على إبالة!
777الزوجة الأجنبية حين ينقلها زوجها إلى وطنه وأهله.. تحس أنها قدمت تضحية كبيرة..
وتضغط على أعصابها بالليل والنهار لكي تتوافق مع عادات هذا المجتمع و تقاليده، وتتفاهم ولو قليلاً مع سكانه، ومع أهل الزوج وأقاربه خاصة.. كل هذا يتم ويدور تحت ضغط شديد على أعصابها، والضغط المستمر يولد الانفجار..
إنك لن تزرع نخلة في القطب الشمالي المتجمد، ولن تزرع فراولة في لهيب شمس الصحراء الحارقة.. ولكن هذا ما يحاول عمله الذين يتزوجون من أجنبيات، وينقلون الواحدة منهن إلى وطن غريب عنها، وإلى مجتمع لا تعرفه ولا يعرفها، ويقطعون عروقها من وطنها الأم، ومن مجتمعها الذي ألفته وألفتها، ويعملون على تغيير عاداتها التي تربت عليها منذ نعومة أظفارها، وصارت جزءاً من وجودها وشخصيتها تجري في دمائها، الذين حاولوا ذلك.. والذين يحاولون.. يتعبون أنفسهم جداً.. ويتعبون الزوجة الأجنبية فوق ما يتصورون.. إنه تعب مزدوج لا يسلم من غباره المجتمعان والوطنان: مجتمع الزوج ووطنه، ومجتمع الزوجة ووطنها، فالمشكلات تتداخل هنا وهناك، وحضانة الأولاد، وقد تصل الأمور إلى المحاكم المختلفة، وإلى استخدام العنف في الاحتفاظ بالأولاد، وقد تصل القضايا إلى وسائل الإعلام، ويتم المتاجرة بها أحياناً كما رأينا في بعض الدول الغربية التي تزوج منها سعوديون، ثم انتهى زواجهن بالطلاق، أو فرت زوجاتهم بالأولاد، أو فرت وحدها وأقامت الدنيا وأقعدتها تطالب بالأولاد! قضايا دولية شائكة! ومشاكل لا حصر لها!.. لأول لها ولا آخر!
ولا أدري لماذا يوقع بعض الرجال أنفسهم في هذه (الورط) الحقيقية؟
أمن قلةٍ في بنات الوطن؟
كلا طبعاً..
أمِن مزايا للزوجة الأجنبية؟
كلا أيضاً..
بل العكس هو الصحيح.. المزايا الجميلة كلها.. لبنت وطنك، فوق أنها منك.. وفيك.. تفهمها وتفهمك.. عاشت كما عشت.. وتربت على ما تربيت عليه.. وتعرفها وتعرف أهلها وأقاربها وماضيها وأصلها وفصلها!
وتعرف من يكونون أخوال عيالك.. وتعرف (مدخالك) قبل (مخراجك) كما يقولون!
وتكسب أهلاً آخرين وأسرة أخرى تقف معك إلى جانب أسرتك..
ولا تشكو لك بنت وطنك - كما تشكو الأخرى وهي إذا شكتء لا تُلام - من مرارة الغربة والشعور بالاختناق، ولا تبكي بليل حنيناً إلى أمها وأبيها وأسرتها وصديقاتها - وهي إن بكت جديرة بذلك - ولا ترفع يديها أمامك معددة تضحياتها الجسام وقد تغربت.. لأجلك.. وتركت وطنها لأجلك.. وانصلت عن مجتمعها.. لأجلك.. وغادرت أهلها.. لأجلك.. ويجب أن تقدر ذلك كل التقدير وأن تعمل لها كذا وكذا وكيت وكيت وأن تجعلها تسافر إلى بلدها كلما اشتد بها الحنين!
الزوجة الأجنبية تفعل كل هذا..
وأكثر منه.. وهي معذورة:
شكوت وما الشكوى لمثلي عادةٌ
ولكنء تفيض النفس عند امتلائها
ونفسها فائضة حتى الثمالة!.. فهي في غربة عن الأهل، وبعد عن الوطن، وانقطاع عن المجتمع، ويأس من لقاء الأقارب والصديقات.. وصراع مع مجتمع جديد.. وتقاليد جديدة.. ووجوه غريبة.. كل هذا يجعلها تشكو باستمرار لأن نفسها تفيض.. وكل هذا يجعلها عرضة للتعب الشديد الذي سوف ينتقل لا محالة لزوجها.. وكل هذا يصيبها بالإحباط والاكتئاب.. ولا أظن أن هناك عاقلاً سوف يلومها!
وبنت وطنك.. أيا كان وطنك فنحن لا نتحدث عنا فقط.. المشكلة عامة.. بنت الوطن لا تشكو من غربة، لأنها ليست غريبة، ولا تعاني من بعد الأهل والصديقات.. لأنهم بقربها.. ولا يوجد لديها فصام اجتماعي.. ولهذا فإن همها موجه لإنجاح زواجها.. وجهدها مركز على إسعاد زوجها.. أما الزوجة الأجنبية فأنى لها تركيز اهتمامها أو توحيد جهددها، وهي ممزقة لاهنا.. ولا هناك.. مُفَرَّقة.. روحها في مكان.. وجسدها في آخر.. وهمومها تأكل معها وتشرب.. وفصامها الاجتماعي يقلقها ويجعلها تتصنع في حياتها، وتحاول التطبع بغير طباعها، فهي تعيش بغير سجيتها، وتضيع نفسها من نفسها، فكيف تجد الصفاء وهدوء البال لتحقيق السعادة الزوجية والانسجام وهي أصلاً تفتقد ذلك كله في حياتها ووضعها، وفاقد الشيء لا يُعطيه..
777والطامة إذا حصل الطلاق من الزوجة الأجنبية وهناك أطفال.. وهذا الطلاق يقع في أكثر الأحوال.. وإن كان هناك زواجات من هذا النوع مستمرة.. ولكنها الاستثناء.. كما أن استمرار أي زواج لا يعني سعادته واستقراره..
إذا حصل الطلاق حصل النزاع على الأطفال.. وامتد من محكمة إلى محكمة.. ومن بلد إلى بلد.. فهنا القلق كل القلق.. وهنا الجناية على هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم.
منتدى الكتّاب> مقالات الفن والثقافة > عبدالله الجعيثن
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️