لعلنا نعطر هذه الصفحه بحديث الشيخ المغامسي عن أفضل خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلة والتسليم
مقتطفات من برنامج الكلمة الطيبة حلقة (( إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) مع الشيخ صالح المغامسي
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
(( نود منكم فضيلة الشيخ أن تسبحوا بنا في بحر من الإيمان وفي بحر من العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والحب للمصطفى صلى الله عليه وسلم فتفضلوا بارك الله فيكم . ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . و بعد .
فإن الإنسان إذا أدرك يقيناً أنه عبد لربه تبارك وتعالى . عبد وابن عبد وابن أمة . انتصب لما أمره الله جلّ وعلا به , وأذعن لما بلغه الله جل وعلا إياه على ألسنة رسله . وأن مما أفاءه الله علينا معشر المسلمين معشر هذه الأمة أن جعلنا الله جل وعلا حظاً لهذا النبي عليه الصلاة والسلام من الأمم كما جعله عليه الصلاة والسلام حظنا من النبيين . وهو عليه الصلاة والسلام بشارة أخيه عيسى عليه السلام ودعوة أبيه إبراهيم عليه السلام من قبل ورؤيا أمه التي رأت في منامها لما وضعته أن نوراً خرج منها أضاءت له بصرى من أرض الشام صلوات الله وسلامه عليه . والحديث عنه ليس كالحديث عن كل أحد من الخلق وإن كان صلى الله عليه وسلم من جملة الخلق ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) فلا يتعدى به ما وضعه الله جل وعلا فيه من المقام الرفيع ومن المنزلة الجليلة له صلوات الله وسلامه عليه , إلا أن من رحمة الله جل وعلا بنا أن جعلنا من أمته نسأل الله الثبات على ذلك حتى الممات وأن يحشرنا الله جل وعلا يوم القيامة في زمرته . نسمع كثيراً المؤذن يقول " أشهد أن محمد رسول الله " فتتعلق قلوبنا وتهفو أفئدتنا إلى ذلك المعنى الجميل الذي ينطوي تحت هذه الشهادة المباركة وإن أعظم ما يفيء إلينا وهذا يشترك فيه المؤمنون أجمعون وهو قضية أن الإنسان يتمنى لو قدر له لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا أمر قد مضى قدراً بقدر الله جل وعلا ورحمته ونحن دائماً وأبداً مؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره , فإن كان فاتنا شرف الصحبة فقد بقي لنا شرف الإتباع .
أقول إن قول المؤذن "أشهد أن محمد رسول الله " يضع المؤمن أمام تاريخ مجيد وشخصية فريدة وعبد وأي عبد , أثنى الله عليه في الملأ الأعلى بل جعله الله جل وعلا أمنة لأهل الأرض من العذاب , قال الله جل وعلا عن طغاة الأرض يومئذ وهم كفار قريش قال عنهم أو قال لهم : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (( الأنفال ( 33 ) .
مع أن تعذيب الأمم السابقة سنة ماضية لم تتغير إلا بعد مبعثه صلوات الله وسلامه عليه .
كما أنه عليه الصلاة والسلام عرج به ربه بواسطة جبريل إلى الملأ الأعلى والمحل الأسنى , وتجاوز مقاماً يسمع فيه صرير الأقلام , كل ذلك من احتفاء الله وإظهار كرامة هذا النبي عند ربه . ولقد قال الله تعالى على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام مثنياً على مقامه عند ربه عندما قال لأبيه (( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً )) مريم ( 47 ) , فكيف الاحتفاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن كان خليل الله إبراهيم لا يبعد كثيراً عن منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الذي دفعنا إلى هذا القول كله إن هذه الواقعة التي وقعت سنتحدث عنها تفصيلاً بعد تجاوز مسألة إيمانية أقول قد يشتاق كل مؤمن لو نال شرف الصحبة .
على هذا أستأذنكم في وصفه أو نقل ما وصفه به أصحابه الذين كان لهم شرف رؤية هذا النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم وجملة ما قالوه :
أنه كان صلى الله عليه وسلم سبط الشعر بمعنى أن شعره لم يكن مسترسلا ولم يكن ناعماً , أقنى الأنف أجلى الجبهة , في جبينه أو في جبهته عرق يدره الغضب , إذا غضب في ذات الله امتلئ هذا العرق دماً , كان أذج الحواجب في غير قرن , أشم الأنف , طويل أشفار العينين , ضليع الفم أي كبير الفم , مهذب الأسنان , كث اللحية , الشيب فيه ندرة صلوات الله وسلامه عليه وأكثر شيبه في صدغيه الأيمن والأيسر وأكثر شيبه أسفل شفته السفلى في عنفقته , عريض المنكبين , كأن عنقه إبريق فضه , من وهدة نحره إلى أسفل سرته شعر ممتد ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره , كان ينعت بقوله دقيق المسربة ( أي لا يوجد في بطنه وصدره شعر سوى من وهدة نحره إلى سرته خط دقيق من الشعر ) , إذا أشار , أشار بيده كلها , وإذا تعجب من شيء قلب كفيه و قال ( سبحان الله ) . وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ( أنه كان إذا تعجب من شيء عض على شفتيه ) صلوات الله وسلامه عليه , من رآه من بعيد هابه . ومن رآه من قريب أحبه , يقول علي رضي الله عنه " لم أر قبله ولا بعده أفضل منه " . ونحن على ما قال علي رضي الله عنه من المصدقين المؤمنين .
فما حملت من ناقة فوق رحلها . . . . أبر و أوفى ذمة من محمد
صلى الله عليه وسلم , ضخم الكراديس أي عظام المفاصل , إذا مشى يمشي يتكفأ تكفؤاً كأنه يتكئ على أمشاط قدميه , عاش صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون عاماً ( 63 ) , أربعون منها قبل أن ينبئ , ثم نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر , وتوفي على رأس ثلاث وستون سنة من عمره الشريف الطاهر صلوات الله وسلامه عليه .
عاش منها ثلاثة عشر عاماً نبياً ورسولاً في مكة , يدعو إلى الله ويجاهد في الله حق جهاده . وضع على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد سلا الجزور وهو يوم ذاك وقد كان من قبل وما زال أفضل الخلق عند الله جل وعلا ومع ذلك بقي ساجداً حتى علمت فاطمة رضي الله عنها وحملته عن ظهره صلى الله عليه وسلم . وهو عند الله في المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام الجليل صلوات الله وسلامه عليه . أنزل الله عليه القرآن منجماً في ثلاثة وعشرين عاماً . لم يخاطبه الله جل وعلا بالقرآن كله باسمه الصريح . ليس في القرآن يا محمد إنما في القرآن (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) , (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )) . كل ذلك من دلائل مقامه وجلال شرفه وعلو منزلته عند ربه تبارك وتعالى .
عرج به إلى سدرة المنتهى ثم عاد صلوات الله وسلامه عليه في نفس الليلة ثم بعد ثلاث سنين أو أكثر أو أقل هاجر إلى المدينة فمكن الله له هناك , وأقام دولة الإسلام , مكث في المدينة عشر سنين , جاهد في الله حق جهاده , شج رأسه يوم أحد , وسال الدم على وجهه , وكسرت رباعيته وهو يقول وينظر إلى قريش ) : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ) صلوات الله وسلامه عليه .
في العام العاشر أذن في الناس أنه عليه الصلاة والسلام عازم على الحج . فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته . فأنزل الله عليه في يوم عرفة : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً )) المائدة ( 3 ) . فعلم أن الأجل قاربه , فأخذ يودع الناس ويقول : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) . ثم رجع إلى المدينة بعد أن أكمل نسكه و أتم حجه . وفي أوائل شهر ربيع الأول من ذلك العام أصيب صلى الله عليه وسلم بصداع ودخل على عائشة رضي الله عنها وهي تقول : ( ورأساه ) قال : ( بل أنا ورأساه ) ثم أخذ يشكو المرض حتى حانت ساعة الوفاة في يوم الاثنين من ذلك الشهر . دخل عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه يسأله أن يدعو له فرفع يديه يدعو دون أن يظهر صوتاً وهو سيد الفصحاء وإمام البلغاء , ثم دخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه في الساعات الأخيرة وفي يد عبدالرحمن سواك فأخذ صلوات الله وسلامه عليه يحدق النظر في السواك كأنه يريده ففهمت عائشة رضي الله عنها مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت السواك وقضمته وطيبته وأعطته نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستاك في الساعات الأخيرة قبل أن تغيب روحه إلى ربه تبارك وتعالى ثم جاءه الملك يخيره فسمعته عائشة رضي الله عنها وهو يقول : (( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً )) النساء ( 69 ) , ( بل الرفيق الأعلى قالها ثلاثا ) , ففاضت روحه إلى الملأ الأعلى في أعلى عليين في المحل الأسنى والملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه عليه .
هذا على وجه الإجمال أيها الأخ المبارك والأخت المباركة سيرة نبيكم عليه الصلاة والسلام . نبذة عن نفسه مما علق قلوبنا بحبه بعد حب الله تبارك وتعالى . فنحن نحبه وأن الله أختاره واصطفاه واجتباه والله جل وعلا يقول : (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) القصص ( 68 ) .
وهو عليه الصلاة والسلام رسول رب العالمين ونبي الأميين وأفضل أهل الأرض وأفضل أهل السماء صلوات الله وسلامه عليه .
قال شوقي ونعم ما قال :
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا * يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً * يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي * جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ * لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
إلى أن قال :
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً * حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ * وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
إِن قُلتَ في الأَمرِ(لا)أَو قُلتَ فيهِ(نَعَم) * فَخيرَةُ اللهِ في«لا»مِنكَ أَو«نَعَمِ»
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ * وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ * وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ * يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ * وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ * كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ * وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ * عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ * لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ * وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها * عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
هذا على وجه الأجمال نبي الرب الكبير المتعال , نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
و أكرر أسأل الله أن يثبتنا في الدنيا على دينه وسنته و أن يحشرنا يوم القيامة في زمرته .
((عندما جهلنا وجهل كثير من المسلمين هذه المعاني التي تطرقتم لها كان ذلك سبباً في عدم القيام بحقنا تجاه رسولنا صلى الله عليه وسلم وبالتالي كان ما كان من هذا الاستهزاء الذي حصل من أولئك القوم . هنا وقد ألمحتم في بداية حديثكم إلى أننا نود تحرير هذه المسألة ( مسألة الاستهزاء ) تحريراً علميا ))
استهزاء أهل الرذيلة بأهل الفضيلة سنة ماضية قال الله تعالى عن أول رسله نوح : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ )) القمر ( 9 ) , وقال تعالى في آية أشمل (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ )) الفرقان ( 31 ) , فهذه سنة الله , ماضية لله تبارك وتعالى في خلقه . ونبينا صلى الله عليه وسلم في الذروة من أهل الفضل . وما وقع أخيراً من الصحافة الدنماركية من سخرية واستهزاء لنبينا صلى الله عليه وسلم إنما هم في الحقيقة إنما ينبئون عما في قلوبهم .
للحديث تتمه
لعلنا نعطر هذه الصفحه بحديث الشيخ المغامسي عن أفضل خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله عليه أفضل...
مقتطفات من برنامج الكلمة الطيبة حلقة (( إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) مع الشيخ صالح المغامسي
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
(( نود منكم فضيلة الشيخ أن تسبحوا بنا في بحر من الإيمان وفي بحر من العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والحب للمصطفى صلى الله عليه وسلم فتفضلوا بارك الله فيكم . ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . و بعد .
فإن الإنسان إذا أدرك يقيناً أنه عبد لربه تبارك وتعالى . عبد وابن عبد وابن أمة . انتصب لما أمره الله جلّ وعلا به , وأذعن لما بلغه الله جل وعلا إياه على ألسنة رسله . وأن مما أفاءه الله علينا معشر المسلمين معشر هذه الأمة أن جعلنا الله جل وعلا حظاً لهذا النبي عليه الصلاة والسلام من الأمم كما جعله عليه الصلاة والسلام حظنا من النبيين . وهو عليه الصلاة والسلام بشارة أخيه عيسى عليه السلام ودعوة أبيه إبراهيم عليه السلام من قبل ورؤيا أمه التي رأت في منامها لما وضعته أن نوراً خرج منها أضاءت له بصرى من أرض الشام صلوات الله وسلامه عليه . والحديث عنه ليس كالحديث عن كل أحد من الخلق وإن كان صلى الله عليه وسلم من جملة الخلق ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) فلا يتعدى به ما وضعه الله جل وعلا فيه من المقام الرفيع ومن المنزلة الجليلة له صلوات الله وسلامه عليه , إلا أن من رحمة الله جل وعلا بنا أن جعلنا من أمته نسأل الله الثبات على ذلك حتى الممات وأن يحشرنا الله جل وعلا يوم القيامة في زمرته . نسمع كثيراً المؤذن يقول " أشهد أن محمد رسول الله " فتتعلق قلوبنا وتهفو أفئدتنا إلى ذلك المعنى الجميل الذي ينطوي تحت هذه الشهادة المباركة وإن أعظم ما يفيء إلينا وهذا يشترك فيه المؤمنون أجمعون وهو قضية أن الإنسان يتمنى لو قدر له لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا أمر قد مضى قدراً بقدر الله جل وعلا ورحمته ونحن دائماً وأبداً مؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره , فإن كان فاتنا شرف الصحبة فقد بقي لنا شرف الإتباع .
أقول إن قول المؤذن "أشهد أن محمد رسول الله " يضع المؤمن أمام تاريخ مجيد وشخصية فريدة وعبد وأي عبد , أثنى الله عليه في الملأ الأعلى بل جعله الله جل وعلا أمنة لأهل الأرض من العذاب , قال الله جل وعلا عن طغاة الأرض يومئذ وهم كفار قريش قال عنهم أو قال لهم : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (( الأنفال ( 33 ) .
مع أن تعذيب الأمم السابقة سنة ماضية لم تتغير إلا بعد مبعثه صلوات الله وسلامه عليه .
كما أنه عليه الصلاة والسلام عرج به ربه بواسطة جبريل إلى الملأ الأعلى والمحل الأسنى , وتجاوز مقاماً يسمع فيه صرير الأقلام , كل ذلك من احتفاء الله وإظهار كرامة هذا النبي عند ربه . ولقد قال الله تعالى على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام مثنياً على مقامه عند ربه عندما قال لأبيه (( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً )) مريم ( 47 ) , فكيف الاحتفاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن كان خليل الله إبراهيم لا يبعد كثيراً عن منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الذي دفعنا إلى هذا القول كله إن هذه الواقعة التي وقعت سنتحدث عنها تفصيلاً بعد تجاوز مسألة إيمانية أقول قد يشتاق كل مؤمن لو نال شرف الصحبة .
على هذا أستأذنكم في وصفه أو نقل ما وصفه به أصحابه الذين كان لهم شرف رؤية هذا النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم وجملة ما قالوه :
أنه كان صلى الله عليه وسلم سبط الشعر بمعنى أن شعره لم يكن مسترسلا ولم يكن ناعماً , أقنى الأنف أجلى الجبهة , في جبينه أو في جبهته عرق يدره الغضب , إذا غضب في ذات الله امتلئ هذا العرق دماً , كان أذج الحواجب في غير قرن , أشم الأنف , طويل أشفار العينين , ضليع الفم أي كبير الفم , مهذب الأسنان , كث اللحية , الشيب فيه ندرة صلوات الله وسلامه عليه وأكثر شيبه في صدغيه الأيمن والأيسر وأكثر شيبه أسفل شفته السفلى في عنفقته , عريض المنكبين , كأن عنقه إبريق فضه , من وهدة نحره إلى أسفل سرته شعر ممتد ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره , كان ينعت بقوله دقيق المسربة ( أي لا يوجد في بطنه وصدره شعر سوى من وهدة نحره إلى سرته خط دقيق من الشعر ) , إذا أشار , أشار بيده كلها , وإذا تعجب من شيء قلب كفيه و قال ( سبحان الله ) . وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ( أنه كان إذا تعجب من شيء عض على شفتيه ) صلوات الله وسلامه عليه , من رآه من بعيد هابه . ومن رآه من قريب أحبه , يقول علي رضي الله عنه " لم أر قبله ولا بعده أفضل منه " . ونحن على ما قال علي رضي الله عنه من المصدقين المؤمنين .
فما حملت من ناقة فوق رحلها . . . . أبر و أوفى ذمة من محمد
صلى الله عليه وسلم , ضخم الكراديس أي عظام المفاصل , إذا مشى يمشي يتكفأ تكفؤاً كأنه يتكئ على أمشاط قدميه , عاش صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون عاماً ( 63 ) , أربعون منها قبل أن ينبئ , ثم نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر , وتوفي على رأس ثلاث وستون سنة من عمره الشريف الطاهر صلوات الله وسلامه عليه .
عاش منها ثلاثة عشر عاماً نبياً ورسولاً في مكة , يدعو إلى الله ويجاهد في الله حق جهاده . وضع على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد سلا الجزور وهو يوم ذاك وقد كان من قبل وما زال أفضل الخلق عند الله جل وعلا ومع ذلك بقي ساجداً حتى علمت فاطمة رضي الله عنها وحملته عن ظهره صلى الله عليه وسلم . وهو عند الله في المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام الجليل صلوات الله وسلامه عليه . أنزل الله عليه القرآن منجماً في ثلاثة وعشرين عاماً . لم يخاطبه الله جل وعلا بالقرآن كله باسمه الصريح . ليس في القرآن يا محمد إنما في القرآن (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )) , (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )) . كل ذلك من دلائل مقامه وجلال شرفه وعلو منزلته عند ربه تبارك وتعالى .
عرج به إلى سدرة المنتهى ثم عاد صلوات الله وسلامه عليه في نفس الليلة ثم بعد ثلاث سنين أو أكثر أو أقل هاجر إلى المدينة فمكن الله له هناك , وأقام دولة الإسلام , مكث في المدينة عشر سنين , جاهد في الله حق جهاده , شج رأسه يوم أحد , وسال الدم على وجهه , وكسرت رباعيته وهو يقول وينظر إلى قريش ) : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ) صلوات الله وسلامه عليه .
في العام العاشر أذن في الناس أنه عليه الصلاة والسلام عازم على الحج . فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته . فأنزل الله عليه في يوم عرفة : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً )) المائدة ( 3 ) . فعلم أن الأجل قاربه , فأخذ يودع الناس ويقول : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) . ثم رجع إلى المدينة بعد أن أكمل نسكه و أتم حجه . وفي أوائل شهر ربيع الأول من ذلك العام أصيب صلى الله عليه وسلم بصداع ودخل على عائشة رضي الله عنها وهي تقول : ( ورأساه ) قال : ( بل أنا ورأساه ) ثم أخذ يشكو المرض حتى حانت ساعة الوفاة في يوم الاثنين من ذلك الشهر . دخل عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه يسأله أن يدعو له فرفع يديه يدعو دون أن يظهر صوتاً وهو سيد الفصحاء وإمام البلغاء , ثم دخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه في الساعات الأخيرة وفي يد عبدالرحمن سواك فأخذ صلوات الله وسلامه عليه يحدق النظر في السواك كأنه يريده ففهمت عائشة رضي الله عنها مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت السواك وقضمته وطيبته وأعطته نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستاك في الساعات الأخيرة قبل أن تغيب روحه إلى ربه تبارك وتعالى ثم جاءه الملك يخيره فسمعته عائشة رضي الله عنها وهو يقول : (( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً )) النساء ( 69 ) , ( بل الرفيق الأعلى قالها ثلاثا ) , ففاضت روحه إلى الملأ الأعلى في أعلى عليين في المحل الأسنى والملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه عليه .
هذا على وجه الإجمال أيها الأخ المبارك والأخت المباركة سيرة نبيكم عليه الصلاة والسلام . نبذة عن نفسه مما علق قلوبنا بحبه بعد حب الله تبارك وتعالى . فنحن نحبه وأن الله أختاره واصطفاه واجتباه والله جل وعلا يقول : (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) القصص ( 68 ) .
وهو عليه الصلاة والسلام رسول رب العالمين ونبي الأميين وأفضل أهل الأرض وأفضل أهل السماء صلوات الله وسلامه عليه .
قال شوقي ونعم ما قال :
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا * يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً * يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي * جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ * لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
إلى أن قال :
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً * حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ * وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
إِن قُلتَ في الأَمرِ(لا)أَو قُلتَ فيهِ(نَعَم) * فَخيرَةُ اللهِ في«لا»مِنكَ أَو«نَعَمِ»
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ * وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ * وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ * يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ * وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ * كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ * وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ * عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ * لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ * وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها * عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
هذا على وجه الأجمال نبي الرب الكبير المتعال , نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
و أكرر أسأل الله أن يثبتنا في الدنيا على دينه وسنته و أن يحشرنا يوم القيامة في زمرته .
((عندما جهلنا وجهل كثير من المسلمين هذه المعاني التي تطرقتم لها كان ذلك سبباً في عدم القيام بحقنا تجاه رسولنا صلى الله عليه وسلم وبالتالي كان ما كان من هذا الاستهزاء الذي حصل من أولئك القوم . هنا وقد ألمحتم في بداية حديثكم إلى أننا نود تحرير هذه المسألة ( مسألة الاستهزاء ) تحريراً علميا ))
استهزاء أهل الرذيلة بأهل الفضيلة سنة ماضية قال الله تعالى عن أول رسله نوح : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ )) القمر ( 9 ) , وقال تعالى في آية أشمل (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ )) الفرقان ( 31 ) , فهذه سنة الله , ماضية لله تبارك وتعالى في خلقه . ونبينا صلى الله عليه وسلم في الذروة من أهل الفضل . وما وقع أخيراً من الصحافة الدنماركية من سخرية واستهزاء لنبينا صلى الله عليه وسلم إنما هم في الحقيقة إنما ينبئون عما في قلوبهم .
للحديث تتمه