
تستوعب احتياجات شريك حياتها في ظل متاعب العمل وأعباء الحياة..
«الزوجة المتعلمة»..تطيل عمر الرجل!

التعليم والثقافة والوعي عند المرأة عامل استقرار عاطفي عند الزوج
أبها، تحقيق- مريم الجابر
العلاقة الزوجية في مفهومها الخاص والشامل علاقة شائكة ومعقدة، بل وتحتاج إلى فهم الشريكين لمعنى تأسيس أسرة وتكوين حياة جيل، والتأثير في صياغة عقول، عبر فهمهما للمتغيرات وتكوين المجتمع، فالثقافة وتقاربها وتناغمها وثقافة الحوار عندهما تصنع حياة زوجية منتجة وجيدة.
أبحاث عديدة يجريها العلماء والباحثون لدراسة العلاقة بين الرجل والمرأة، منها عن السعادة الزوجية أو اختيار الزوج المناسب، ولكنّ علماء آخرين تطرقوا الى أبعد من ذلك وقرروا دراسة الأشياء التي تطيل العمر.
زوجة متعلمة
علماء «سويديون» خاضوا هذا المجال اكتشفوا أن عمر الرجل مرتبط بالمستوى التعليمي لزوجته، وتبين لهم بعد أبحاث عديدة، أن الرجل المتزوج من امرأة حققت مستوى أفضل وأعلى من التعليم يعيش أطول من الرجل المتزوج من امرأة نالت قسطاً أقل منه بنسبة (25%)، وذكرت الدراسة التي شملت حوالي 1.5 مليون سويدي تتراوح أعمارهم ما بين 30 و59 عاماً، أن المرأة المتعلمة بإمكانها فهم المشكلات الصحية التي تحتاجها عائلتها أكثر من نظيرتها الأقل تعليماً، وأضافت الدراسة التي نشرتها «مجلة علم الأوبئة والرعاية الصحية في المجتمع»، إلى أن الوضعين التعليمي والاجتماعي للمرأة من العوامل الأساسية لبقاء الرجل حياً لفترة أطول، حيث تأثيرها المباشر على معدل الوفيات وبشكل مباشر على المهنة والأجور، مضيفين أن للتعليم تأثيراً غير مباشر على اختيار الشخص للشريك الآخر.
توافق زوجي
يقول «د.أسامة حسن جابر» أستاذ علم النفس المساعد بكلية التربية بجامعة نجران: لا تقصد الدراسة أن الزوجة المتعلمة قد تطيل عمرالزوج بالمعنى الحرفي للمفهوم في النظرية، بل قد تقصد أن الزوجة المتعلمة تلعب دوراً فعالاً في التوافق الزواجي، ومن ثم تأثير ذلك على زوجها بشكل إيجابي، متمثلاً في طريقة تناول الموضوعات الزوجية وطريقة ونوع الحوار، ومواجهة الصراعات والاختلافات الزوجية بشكل آمن، ومن ثم تحقيق السعادة الزوجية وعدم وجود الضغوط التي تؤثر بدورها على الزوج والزوجة، والتي قد تسبب وصول الفرد إلى اضطرابات النفس الجسمية، وهى اضطرابات جسمية نفسية المنشأ.
يسهل عملية التواصل
وأضاف: يمكن القول إن أسعد ما في الحياة هو ما تأتي به حياة زوجية سعيدة، كما أن الحياة الزوجية التعيسة قد تكون سر شقاء الإنسان طوال حياته، وبالتالي يكون التوافق الزواجي هو أفضل ما يشعر به الزوج اذا كانت الزوجة تدافع عن هذا وتحافظ على استمراره، ولا يتحقق إلا بوجود التفاهم بين الزوجين، بل لا يوجد التفاهم إلا بوجود مستوى تعليمي يفعّل ذلك التفاهم، ذاكراً أنه قد يقول البعض: إن التفاهم قد يوجد بدون تعليم، وهذا صحيح ولكن أقول بأن التفاهم يكون فعالاً وقوياً بوجود التعليم، فعندما يتوفر للزوجة مستوى تعليم مناسب، فإن هذا يسهل عملية التواصل بينها وبين زوجها، وهو أحد العوامل المؤثرة، مشيراً إلى أن التفاعل ولغة التفاهم تنقل أفكار كل منهما ومشاعره ورغباته واتجاهاته إلى الآخر سواء كانت صريحة أو ضمنية، بل وتحدد شكل التفاعل وتوجهه وجهة ايجابية إذا كانت جيدة وسلبية أو إذا كانت مشوشة.
فوائد نفسية واجتماعية
أما «د.منصور العسكر» أستاذ مشارك في علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية والمهتم بقضايا الأسرة والزواج فيقول: للزواج فوائد عديدة نفسية واجتماعية وصحية ودينية، ومن ذلك ما يتعلق بالسعادة الزوجية وخصوصاً عندما تكون الزوجة واعية ومتعلمة، وكلما زاد تعليم الزوجة كلما ساهم ذلك في زيادة التفاهم بين الزوجين في كثير من شؤون حياتهم، وخصوصاً فيما يتعلق بالنواحي الصحية والمعاشية، فقد أثبتت الإحصاءات مثلاً أن نسبة الوفيات بين العزاب أكبر منها بين المتزوجين أياً كانت مرحلة العمر التي هم فيها، بمعنى أن الموت يعصف بالعزاب أكثر مما يعصف بالمتزوجين، موضحاً أنه تبين مثلاً من الإحصاء في إحدى الدول الأوروبية، أن كل ألف مواطن
أعزب ممن عمرهم 25 عاماً، يموت منهم خمسة، في حين أن العدد نفسه من المتزوجين الذين هم من ذات العمر لا يموت منهم سوى ثلاثة، بل إنه في الفئة ذات الخمسة وثلاثين عاماً من العمر، تكون النسبة بين المتزوجين 4.5، بينما تصل بين العزاب إلى 8 أي إلى الضعف تقريباً، ذاكراً أنه أتضح أن عدداً معيناً من العزاب ذوي الخمسة والعشرون عاماً، يعصف الموت بنصفه في سن الستة والستين، في حين أن نفس العدد من المتزوجين من نفس السن، ينقص بفعل الموت إلى النصف في سن الثانية والسبعين، وفي سن الخامسة والستين تكون نسبة الوفاة بين العزاب 46، وتكون من بين المتزوجين 31 وهكذا.
مزايا الحياة الزوجية
وأوضح «د.العسكر» أن أحد العلماء الفرنسيين يرى أن انخفاض نسبة الوفيات بين المتزوجين عنها بين العزاب، يرجع على مزايا الحياة الزوجية، مضيفاً أن ما لاحظه علماء الإحصاء منذ نصف قرن، هو أن انخفاض نسبة الوفيات في المتزوجين عنها في العزاب أكبر بمراحل من انخفاض نسبتها في المتزوجات عنها في الآنسات، حتى أن عالماً فرنسياً قرر أن الزواج يحمي الرجل أكثر مما يحمي المرأة، وأن استعداد الرجل للاستغناء عن المرأة لا يوجد بذات القدر الذي يوجد عليه استعداد المرأة للاستغناء عن الرجل.
الذكاء الاجتماعي
ويبدي «د.تامر جمال» -أخصائي الطب النفسي في مركز اشراق للدراسات الاستشارية والتربوية- اتفاقاً مع هذه الدراسة، ويقول: إن المرأة المتعلمة والمثقفة هي القادرة على استيعاب زوجها واحتياجاته في ظل متاعب العمل وأعباء الحياة، أو حتى في ظل أزماته النفسية والصحية، وذلك في جميع دول العالم سواء في السويد أو في غيرها، فتكون هي الأقدر على ممارسة كل الأدوار الزوجة والأخت والأم، وكذلك شريكة العمل، كل هذه الأدوار وأكثر من ذلك، من أجل أن تريح زوجها، وفهمه من خلال نظراته، مضيفاً: «الزوجة الواعية للحياة والتي لديها الكثير من الذكاء الاجتماعي، نجدها لا تحمّل زوجها الكثير من الأعباء عن مشاكل الأبناء والبيت، طالما أنها قادرة على ايجاد حلول لها، وتمثل نقطة فارقة في أسلوب حياة عائلتها، وكذلك عاداتهم الغذائية، فكل الأطراف تلجأ اليها، حتى الزوج ينقصه الكثير اذا ما توقفت عن العطاء بعض الشيء».
معادلة بسيطة
وذكر «د.تامر» أن المعادلة بسيطة، فعندما تترك الزوجة الواعية والمثقفة زوجها ليعمل في مجاله وتخفف عنه أعباء العمل بذكاء ووعي، فإنها ستنجح في صنع حياة أسرية هادئة، حتى وإن اضطرت في سبيل ذلك أن تحمل نفسها المزيد، ولكن طالما أنها مثقفة وواعية فهي الأقدر على التحمل، وهنا يطول عمر الزوج وتتحسن صحته النفسية والبدنية، مؤكداً أنه ليس الزوج فقط الذى يستفيد، ولكن الأبناء أيضاً، فنجدهم أكثر صحة، وعلى النقيض نجد أن الزوجة التي لم تنل قسطاً مناسباً من التعليم وليس لديها موهبة الذكاء الاجتماعي والوجداني، أن الزوج يصاب بأمراض «نفسجسمية» وهى أمراض التعاسة الزوجية، خاصةً وإن كان هذا الزوج لدية بعض الوعى أو الذكاء الاجتماعي، وتلك الأمراض تعطل الحياة وتغير مسارها وتوقف دائماً أي احتمال للتقدم.
فهم طبيعة الرجل
ويرى «د.محمد فتحي» أستاذ علم الإجتماع المشارك في جامعة نجران، أنه ما من شك في أن التعليم يرقى بالسلوك ويلطف الأخلاق ويوسع مدارك المرأة، وكما يقولون إنها نصف المجتمع، وهي التي تلد النصف الآخر، فالمرأة هي المجتمع بأسره، أو بعبارة أدق هي التي تصيغ المجتمع، وبصفة عامة المرأة المتعلمة لديها القدرة على فهم طبيعة الرجل أكثر من غيرها، كما أنها قادرة على فهم طبيعة الحياة ومتغيراتها، واعية في تصرفاتها، حكيمة في قرارها غير متسرعة، قادرة على إقامة وإدارة حوار بناء مع الرجل، حوار يتسم بالموضوعية، بل وتستطيع أن تعبر عن وجهة نظرها بحجة قوية وحسن بيان، مضيفاً أن لديها قدرا معقولا من قبول الآخر واحتوائه، فالرجل كما يقولون كالطفل تستطيع المرأة الذكية أن تروضه، بل قادرة على أن تغيرعاداته السيئة -أحياناً- وتهذب من سلوكه الجانح.
الحب والهدوء
وأوضح «د.فتحي» أن المرأة المتعلمة تعرف جيداً الحقوق الزوجية، كطاعة الزوج والتعاون معه في تربية الأبناء، وتراعي مشاعره وتجيد التعامل معه، إلى جانب أنها توفر الحب والهدوء والراحة للأسرة، وتدرك أسرارالحياة الزوجية وما تحمله من مسؤوليات وحقوق، بل وتستطيع أن تتجاوز عن الصغائر حتى تستمرالحياة، مشيراً إلى أنها تستطيع أن تتجاوز الأزمات والمشكلات، كي تسير بأسرتها إلى بر الأمان، بالإضافة إلى أنها تنظم حياة أسرتها وفق ما تراه مناسباً لإسعاد من حولها، وتستطيع أن تحصل على حقوقها بأدبٍ جم وتحت راية الأخلاق وفي منطق الحياء.
نقلاً من جريدة الرياض