سعادة أهل الحق بقبول الحق وشقاوة أهل الباطل برفضه.
================================
وقد سعد قوم بهذه الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله بالحق لإيمانهم بها، كما سعدوا بأولئك الرسل الذين أرسلهم بالحق لطاعتهم لهم واتباع منهجهم، ففازوا بالفلاح في الدنيا والآخرة. كما قال تعالى: ((ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون))
وشقي آخرون بإنزال تلك الكتب وإرسال أولئك الرسل، لعدم إيمانهم بالحق الذي نزلت به تلك الكتب، وعدم طاعتهم لأولئك لرسل الذين جاءوهم بالحق من ربهم. كما قال تعالى: ((وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين..))
وقال تعالى: ((وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا..))
وقال تعالى: ((واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يُرجعون..))
والحق ضد الباطل والضلال. جاء الرسل بالحق ودعوا إليه وجاء الشيطان وأتباعه بالباطل والضلال ودعوا إليه، والحق تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل.
كما قال تعالى: ((فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون...))
وقال تعالى: ((ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون...))
وقال تعالى: ((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق..))
ويعترف أهل الحق بالحق عندما ينالون رضا الله اعتراف شكر وغبطة وسرور في جنات عدن. كما قال تعالى: ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون...))
ويعترف أهل الباطل بالحق، عندما ينالون جزاء إنكارهم له في الدنيا، وهم في نار جهنم يتمنون أن يجدوا شفيعا ينفعهم أو إذنا لهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا عملا يكون أساسه الحق وليس الباطل. كما قال تعالى: ((يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون...))
والذي كانوا يفتر ونه، هو الباطل الذي آمنوا به في الدنيا، والكفر بالحق الذي أقروا به بعد دخولهم النار كما قال تعالى: ((والذين أمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون..))
والباطل هو الضلال الذي يقابل الحق والهدى، وكل ما عدا الحق والهدى فهو باطل وضلال. كما قال تعالى: ((فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..))
وقال تعالى: ((ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين...))
وقال تعالى: ((أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم...))
والحق يطلق على الثابت المستقر، والباطل يطلق على نقيض الحق، وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه
والضلال أيضا ضد الهداية، وهو العدول عن الصراط المستقيم والزائل المضمحل.
وحيث إن الباطل هو ضد الحق-وكذلك الضلال-فإن بيان الحق يوضح معنى الباطل-وكذلك الضلال-.
وقد فصل الإمام رحمه الله معاني الحق في القرآن الكريم، فقال: (أصل الحق المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة. والحق يقال على أوجه:
الأول: يقال لموجِد الشيء، بسبب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق، قال الله تعالى: ((و ردوا إلى الله مولاهم الحق...)) وقيل بعيد ذلك: ((فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..))
والثاني: يقال: للموجَد، بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله حق. وقال تعالى: ((هو الذي جعل الشمس ضياءً ا والقمر نورا...)) إلى قوله تعالى: ((ما خلق الله ذلك إلا بالحق...))
وقال في القيامة: ((ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق..))
وقوله عز وجل: ((الحق من ربك..)) ((وإنه للحق من ربك..))
والثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق، قال الله تعالى: ((فهدى الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق...))
والرابع: للفعل والقول، بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق، وقولك حق.
قال الله تعالى: ((كذلك حقت كلمة ربك..)) ((حق القول مني لأملأن جهنم..))
وقوله عز وجل: ((ولو اتبع الحق أهواءهم...)) يصح أن يكون المراد به الله تعالى، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.
ويقال: أحققت كذا، أي أثبته حقا، أو حكمت بكونه حقا.
وقوله تعالى: ((ليحق الحق..)) فإحقاق الحق على ضربين: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات، كما قال تعالى: ((وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)) أي حجة قوية. والثاني: بإكمال الشريعة وبثها في الكافة، كقوله تعالى: ((والله متم نوره ولو كره الكافرون..)) ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله..)) انتهى كلام الأصفهاني
ومما ذكره الإمام الأصفهاني رحمه الله يتبين أن الله تعالى هو الحق، كما أطلق ذلك على نفسه في كتابه، وهو تعالى الموجد للكون كله بحسب ما تقتضيه الحكمة، أي جميع مخلوقاته تعالى قد أوجدها وفق الحكمة الكاملة التامة. وأن فعله تعالى حق لأن كل شيء أوجده إنما أوجده بالحق، وأن كل ما جاء به الرسل من عند الله تعالى حق، من عقيدة وشريعة وخلق....
وأن قوله تعالى وكلماته كلها حق.
وأن كل ما خالف الحق-على تنوع إطلاقاته-ضلال وباطل.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️