السباق إلى العقول الحلقة (38)

ملتقى الإيمان

السباق إلى العقول بين أهل الحق وأهل الباطل الحلقة (38)

ما تجب مراعاته في وضع المناهج.

ويجب أن يراعى في وضع المناهج الأمور الآتية:

الأمر الأول: السبر الشامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من العلوم:
وهي كل العلوم التي تمكنها من النهوض والتقدم واعتلاء مقعد القيادة الربانية للبشرية، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالخليفة: (( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة )) .

سواء كانت تلك العلوم من:
فروض العين: وهي التي تتعلق بجميع المكلفين ولا يكفي أن يقوم بها أحد عن آخر، كأركان الإسلام وأركان الإيمان.

أو فروض الكفاية: وهي التي تسقط عن بقية الأمة، إذا قامت بها طائفة كافية عددا وسدَّ حاجة، كالعلوم السياسية، والقضائية، والاقتصادية، والهندسية والطبية، والصناعية، والحِرفية، والفلكية، والعسكرية، وغيرها.

ثم يوضع لكل علم منهجه الخاص به من قبل ذوي الكفاءة فيه والاختصاص، ويخصص له من الزمن ما يكفيه.

الأمر الثاني: أن يراعى في وضع المناهج ما يتناسب مع العصر:
ويشمل ذلك جميع المواد والمفردات المطلوب دراستها، بحيث يكون الدارس على وعي وخبرة بما يتعلق بالعلم الذي يدرسه في واقع الحياة، مع المقارنة والموازنة والترجيح بالحجة والبرهان..

ولا تكون دراسته دراسة نظرية تلقينية تقليدية جامدة، تجعله إذا خالط الناس واصطدم بما عندهم من أفكار ونظريات ومبادئ، كأنه بدوي دعي لحضور مؤتمر تتصارع فيه نظريات الفلاسفة والسياسيين والاقتصاديين، مع أن بعض تلك النظريات تتعلق بتخصصه.

وسأضرب بعض الأمثلة لتوضيح هذا المعنى:

المثال الأول:
وجد في هذا العصر إلحادٌ مادي قوي ينكر وجود الخالق - فضلاً عن استحقاقه العبادة واتباع رسله وتحكيم شرعه - قامت على أساس هذا الإلحاد دول ووضعت له فلسفات ومناهج تعليم وإعلام، واتخذت لنشره والدعوة إليه وسائل تبدأ بالإعلام وتنتهي بالسلاح، وخدعت به عقول واستجابت له حكومات.

والجديد في هذا الإلحاد هو انتشاره وقيام دول على أساسه، وقد كان في الأزمان الماضية مغموراً لا يوجد إلا لدى أفراد أو جماعات قليلة، لا وزن لها بين الناس.

وكان إقرار الأمم بالخالق دليلَ الرسل على قومهم المقرين به، بأن الخالق الذي أقرت به تلك الأمم هو وحده الإله المعبود الذي يستحق العبادة.

ولهذا لم تكن الرسل في حاجة إلى أن يَنْصَبُوا في دعوة أممهم إلى الإقرار بوجود خالق لهذا الكون، لأن ذلك من تحصيل حاصل ومن تبديد الجهد في غير مكانه.

كما قال تعالى: (( قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ )) .

والله الخالق العليم عالم الغيب والشهادة، قد أودع في كتابه من الحجج والبراهين الدالة على وجوده وأنه رب كل شئ ومالكه، ما لا يدع لمنكره منفذاً يفر من براهينه وحججه، سواء قل المنكرون أو كثروا، وحججه وبراهينه منتزعة من آياته الكونية ومخلوقاته، فالكتاب المقروء يَنْصِب للجاحدين الكتابَ المفتوح وهو الكون كله.

كما قال تعالى: (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ ))

وقال تعالى: (( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) .

ومع هذا كله - أي مع كون وجود الخالق الذي كانت الأمم تعترف به، وكانت الرسل تستدل بهذا الاعتراف على وجوب عبادته وحده وعدم الإشراك به..

ومع وجود كثرة الحجج والبراهين في الكتاب المقروء والكتاب المفتوح، على وجوده وأنه خالق هذا الكون..

ومع بسط علماء المسلمين في القديم والحديث الكلام عن هذا المعنى..

ومع وجود دول إلحادية في هذا العصر قامت على إنكار هذا الأصل الذي كان بالأمس مُقَرًّا به لدى عامة أمم الكفر.. وأصبح الآن محل إنكار -..

مع هذا كله وجد من ينتسب إلى العلم ويزعم أنه لا داعي لإدخال هذا الأصل الذي سمَّاه علماء الإسلام "توحيد الربوبية" في مباحث العقيدة لإبرازه والدعوة إليه، لأنه هو الدليل على توحيد الألوهية فهو بدهي، والرسل لم تكن تدعو أممها إليه!!!

أيعقل هذا الكلام؟!

إذا أنكر مراض القلوب وضعاف النفوس ما كان في الأصل دليلاً..

أفلا ندعوهم إلى الإقرار بهذا الدليل الذي أقرت به الأمم وتظاهرت عليه آيات الكون ومخلوقاته كلها؟!

وإذا أصبح الدليل مُنكَرًا ولم نقم الحجج على منكريه ونجعل عقولهم تقربه، فهل هذه مزية لنا؟ وهل نعد متبعين حقا للرسل الذين كانوا يستدلون بهذا الأصل على وحدانية الله وعبادته بلا شريك معه؟!

ألم يكن نبي الله موسى عليه السلام يعلم أن فرعون كان – في الواقع – مستيقناً بأن الله هو خالق السماوات والأرض، وأن الآيات التي جاء بها موسى كانت حقاً، وأن إنكاره وجحده ما كان إلا مكابرة منه؟!

كما قال تعالى: (( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )) .

ومع ذلك فإن موسى عليه السلام أقام الحجة على فرعون عندما ادعى الربوبية وسخر من دعوة موسى إلى الإيمان بربه..

فقال كما ذكر الله تعالى عنه: (( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ )) فأجابه موسى بقوله. (( قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )) .

لقد خلت مناهج بعض المعاهد والجامعات والمدارس الإسلامية، في هذا العصر الذي ظهر فيه هذا الإلحاد، واستفحل وانتشر عن طريق التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد وعلوم النفس وعلوم الاجتماع، وعن طريق الغزو المسلح والإكراه على إنكار وجود الله..

خلت تلك المناهج من بحوث يتسلح بها الطلاب ودعاة الإسلام، في إقامة الحجج والبراهين، على تفاهة هذا الإلحاد وإزالة ما علق بعقول عدد كبير من الناس، ومنهم بعض ذراري المسلمين..

ووقف كثير ممن تخرجوا في تلك المؤسسات الإسلامية عاجزين عن رد شبهات إلحادية كثيرة بثها الملحدون في مناهج التعليم وكتبه في بعض البلدان الإسلامية، إلا من اجتهد من أولئك المتخرجين اجتهاداً ذاتياً فدرس بعض المؤلفات وقرأ بعض البحوث التي ألفها بعض الغيورين من دعاة الإسلام، أو لازم بعض هؤلاء الدعاة واستفاد منهم، فإنهم انطلقوا بحجج وبراهين مثل الصواريخ تدمر كل شئ أتت عليه من مبادئ وأفكار وشبهات أولئك الملاحدة.

ومع ذلك فقد اجتهد بعض دعاة الإسلام، فوضعوا في مناهج بعض المدارس بحوثاً وكتباً مزودة بأدلة علمية وحجج وبراهين قوية في هذا المعنى، استأصلوا بها شجرة الإلحاد من بلادهم وقد كادت تمد جذورها فيها، وكان ذلك تحصينا لطلابها وسلاحا يهاجمون به أساطين الإلحاد في عقر دارهم..

.

ما تجب مراعاته في وضع المناهج.

الأمر الثاني: أن يراعى في وضع المناهج ما يتناسب مع العصر:

المثال الثاني:
أن أعداء الإسلام قد بلغوا شأواً عظيماً في هذا العصر من القوة المادية والصناعية، وأصبح عندهم من السلاح ما أخافهم هم أنفسهم من أن يتفجر بينهم في صراعاتهم على زعامة العالم، وما يُطِيش عقولهم في أن يتقاتلوا بذلك السلاح ويدمروا به أنفسهم وبلدانهم وما بنوه من حضارة مادية في مدة طويلة من الزمن.

وهم متفقون جميعاً على أن عدوهم الحقيقي هو الإسلام الذي يخشون أن يولد من أبنائه من يُعلِي الله به رايتَه في الأرض، فينطلق الإسلام انطلاقة لا قبل لهم بإعاقته، ولا قدرة لكل السدود التي وضعوها ولا زالوا يضعونها في طريقه، على صده ومنعه عن الانسياب في الأرض..

سابقاً بعقيدته وأخلاقه ومعاملاته الشاملة، إلى عقول الناس التي لو وصل إليها صحيحاً غير مشوه، لأسرعت إلى قبوله ورفضت كل العقائد والمبادئ والأنظمة التي تخالفه والتي شقيت البشرية بها في الأرض، وبخاصة أنه مهيأ ليحل محل تلك المبادئ والأنظمة التي جربت كلها ففشلت، والعالم يترقب ما ينقذه مما حل به من دمار.

وأعداء الإسلام يعلمون أن هذا الدين دين عقيدة صحيحة وأخلاق فاضلة وأنظمة سامية، يدعو إلى العلم الشامل علم الدنيا وعلم الآخرة، وأنه دين المساواة والعدل والحرية والصدق..

ويعلمون بأن حضارتهم المادية مبنية على عقائد فاسدة، وتحلل اجتماعي، وأنظمة اقتصادية مدمرة، وأنظمة سياسية لا قدرة لها على الوقوف طويلاً أمام سياسة الإسلام، إذا طبقت في الأرض، ديدنهم العدوان على الضعيف وظلمه وهم يزعمون أنهم دعاة سلام وعدل..

فإذا طبق الإسلام في الأرض ظهرت عيوب مدنيتهم وانكشف زيف ما يلصقونه بالإسلام من مثالب زوراً وبهتاناً.

ولذلك فهم يخافون من الإسلام خوفاً شديداً، ويحيكون للأمة الإسلامية كل المؤامرات، ويعدون العدة لاختلاق الذرائع لشن غاراتهم العسكرية المباشرة على أي دولة إسلامية يخشون من تطبيقها الشريعة الإسلامية تطبيقاً صادقاً، وليس مجرد دعوى..

أو يخشون من امتلاكها قوة عسكرية واقتصادية - وإن كانت علمانية - خشية من أن ترث تلك القوة قيادة مسلمة تعلي بها كلمة الله!.

ولهذا دمر اليهود المفاعل النووي في العراق، وأغْرَتْ الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا نظام البعث العراقي بغزو الكويت، من أجل القضاء على ما يملك من قوة..

وقد فعلوا ولا زالوا يفعلون، ويهددون جمهورية باكستان الإسلامية ويحيكون لها المؤامرات لتدمير ما تملك من قوة نووية، ولا يعترضون على قوة الهند الوثنية النووية..!!!

ويواصلون دعمهم لليهود ولامتلاكهم مزيداً من القوة النووية، ولا يطيقون أن تملك أي دولة من الدول الإسلامية قوة متميزة ولو كانت غير نووية..

كل ذلك من أجل أن يضمنوا تفوقهم العسكري في كل لحظة، على جميع الدول في البلدان الإسلامية، ويريدون لجميع الدول في الشرق الإسلامي أن تكون ضعيفة في سلاحها وجيشها واقتصادها، ما عدا الدولة اليهودية التي احتلت أرض المسلمين في فلسطين، فإنهم يدعمونها بكل وسائل القوة، ليسيطروا على بلاد المسلمين واقتصادهم سيطرة كاملة، وليضطروهم إلى عدم التفكير في إقامة دين الله في الأرض بتطبيق شريعته.

ومع وضوح هذا العداء السافر ضد الإسلام والمسلمين، من الدول النصرانية والدولة اليهودية وغيرهم من أعداء الإسلام:

ـ فإن مناهج المدارس والمعاهد والجامعات في أغلب البلدان الإسلامية، قد أهملت فقه الجهاد في سبيل الله الذي يوجب على الأمة الإسلامية أن تعد العدة اللازمة لإرهاب أعداء الله، حتى لا يعتدوا على هذه الأمة، وحتى تحطم الأمة الإسلامية كل الطواغيت الذين يصدون الناس عن الدخول في دين الله.

ـ وكذلك أغفلت تلك المناهج في أغلب البلدان الإسلامية قاعدة الولاء والبراء التي أبدى فيها القرآن الكريم وأعاد، موضحاً أعداء الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى والوثنيين ومكايدهم التي لا يكفون عنها إلى يوم القيامة..

ـ بل إن بعض الحكومات في بعض البلدان الإسلامية أمرت بحذف ما كتب من آيات في بعض المقررات الدراسية مما يتعلق باليهود والنصارى حتى لا يتنبه التلاميذ لهذه القاعدة من فهمهم لتلك الآيات..

وقد نبه على ذلك بعض كتاب المسلمين في بعض الصحف العلمانية، بعنوان.

المثال الثالث:
إذا تأمل المتابع لحركة التدبير العالمي وجدها تعتمد على ثلاثة أسس جوهرية، وهي:

( 1 ) السياسة.

( 2 ) الاقتصاد.

( 3 ) القوة العسكرية بكل فروعها.

وقد أنشئت لكل واحد من هذه الأسس معاهد وكليات ومؤسسات ومراكز بحث ومراكز تدريب، وخصصت لها ميزانيات هائلة في بلدان العالم الغربي بالذات..

وكذلك في بلدان العالم الثالث - كما يطلق عليه هذه التسمية الغربيون احتقاراً له وتثبيطاً من التفكير في النهوض - ومنه دول العالم الإسلامي، وكلها تعتمد على المنهج العلماني إلا ما ندر في بعض البلدان الإسلامية..

ولهذا سيطرت النظريات السياسية والاقتصادية العلمانية على العالم بدعم من القوة العسكرية، وترى المثقفين ورجال الإدارة والحكم في العالم الإسلامي قد فتنوا بتلك النظريات ورأوا فيها مثالاً يحتذى وقدوة تتبع..

سواء طبقوا ما فتنوا به أو خالفوه بحسب أهوائهم ومصالحهم، ولم يلتفتوا إلى ما في مصادر دينهم من قواعد السياسة والاقتصاد، بل وقر في أذهانهم أن الدين الإسلامي كغيره من الأديان المحرفة صلة بين العبد وربه، ولا دخل له في حياة البشر الإدارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها..

ولم يخرج عن هذه القاعدة التي سار عليها المثقفون من أبناء الأمة الإسلامية إلا من هيأ الله له السبيل، فتربى تربية إسلامية على أيدي علماء الدعوة الإسلامية، ودرس كتبهم ورجع إلى مصادر العلوم الإسلامية فتفقه في دين الله وتيقن أن الإسلام منهج كامل لحياة البشر.

ومع ذلك لا تجد في العالم الإسلامي كله كلية واحدة للاقتصاد الإسلامي، ولا كلية واحدة للسياسة الشرعية، بل لا تجد في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارية، مقارنة جادة بين النظريات الاقتصادية والنظريات السياسية، وبين السياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي..

بل مما يؤسف له أن المعاهد والجامعات الإسلامية لم تعط هذين العلمين المهمين في الإسلام - السياسة والاقتصاد - ما يستحقانه من العناية والاهتمام، وإن كانت بعض الجامعات قد أنشأت ما يسمى بقسم السياسة الشرعية، فإن الدراسة فيها دراسة جامدة تعتمد على مذكرات ونصوص جزئية لا تمت إلى حياة البشرية المعاصرة بصلة قوية.

وكان الأجدى بالجامعات الإسلامية أن تنشئ كليات للسياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي، وأن توجد أساتذة مؤهلين يجمعون بين الفقه الإسلامي من مصادره في هذين المجالين، وبين النظريات السياسية والاقتصادية المشهورة في العالم اليوم..

وأن تدرس موادها بتوسع ليتخرج فيها ذوو كفاءات مؤهلون لإدارة البلدان الإسلامية سياسياً واقتصادياً، وليظهر للعالم ما في هذا الدين من مزايا يُحَل بها كثير من المشكلات العويصة، ويقضى بها على أزمات مستعصية..

وأن وسطية هذا الدين في السياسة والاقتصاد جديرة بالدراسة والمقارنة والتطبيق الذي:

سيقضي على مفاسد الديمقراطية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من محاسن..

كما سيقضي على الدكتاتورية والاستبداد مع اشتماله على ما قد يكون فيهما من ضبط وعدم تسيب..

وسيقضي على مفاسد الرأسمالية الربوية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حرية فردية محكومة..

وسيقضي على مفاسد الاشتراكية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حفظ حق الجماعة بدون اعتداء على حقوق الأفراد.

فهل ننتظر من الجامعات الإسلامية اهتماما بذلك؟!
0
431

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️