السباق إلى العقول الحلقة (43) الجزء الثاني

ملتقى الإيمان

السباق إلى العقول بين أهل الحق وأهل الباطل (43) الجزء الثاني

الوسيلة السابعة : القدوة الحسنة.

إن من أهم وسائل السباق إلى العقول، القدوة الحسنة التي يراها الناس ويلمسونها في صاحب الحق، بحيث يرون صاحب المبدأ يطبق مبدأه في واقع حياته وتصرفاته..

فإذا كان المقام يحتاج منه إلى الكرم أقدم إلى البذل والعطاء، وإذا كان المقام يحتاج منه إلى خلق الشجاعة رآه الناس مقداماً غير هياب، وإن اختبروه في صفة الصدق لم يجربوا عليه كذباً، وإن التمسوا عدالته لم يجدوا منه ظلماً، وإن أرادوا معرفة تقواه ألفَوه يدع ما لا بأس به خشية من الوقوع فيما به بأس، لشدة تحرجه من الوقوع في المأثم، فضلاً عن إتيانه الأوامر الواجبة وتركه المحرمات.

والخلاصة:
أنه يتحرك في نشاطه كله بالقرآن والسنة، فإذا رآه الناس مداوماً على ذلك مالوا إلى الاقتداء به ولو لم يتكلم، لأن الحق بذاته يدعو الناس إلى ذاته، فكيف إذا رأوه مطبقاً في حياة أهله ورأوا ثمار تطبيقه في الحياة..؟

ويبدأ المعاند المناوئ للحق يفكر في سيرة صاحب الحق ويتدبر ويقارن بين الحق الذي يراه مطبقاً في حياة صاحبه، وبين الباطل الذي يزاوله هو.

ويترتب على ذلك أحد أمرين :

الأمر الأول : اتباع الحق والعمل به، ونبذ الباطل.

الأمر الثاني : الإصرار على الباطل، مع تيقنه أنه باطل، وترك الحق مع تيقنه أنه حق، وفائدة ذلك انكسار نفس صاحب الباطل أمام صولة الحق، وإقامة الحجة العملية عليه.

أما إذا كان الداعي إلى الحق لم يلتزم هو نفسه به ولم يطبقه في حياته، فإن الناس ينصرفون عنه ولا يشغلون عقولهم بالتفكير فيما يدعو إليه، لمعرفة كونه حقا فيُتَّبَع أو باطلاً فيُجتَنَب.

وهذه هي القدوة السيئة التي تُنَفِّر من المبدأ وإن كان حقاً، كما هي عادة غالب الناس، وقد يوجد من يفكر في المبدأ الذي لا يكون الداعي إليه قدوة حسنة في تطبيقه، فيعلم أنه حق ويتبعه، ولكن ذلك ليس من وسائل السباق الناجعة إلى العقول.

لهذا كان للقدوة الحسنة منزلتها في الإسلام.. وكان رسل الله وأنبياؤه والداعون إلى هداه، كلهم قدوة حسنة، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمن سبقه من إخوانه المرسلين..

قال تعالى: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )) .

وأرشد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الاقتداء بنبيه إبراهيم عليه السلام ومن معه..

فقال تعالى: (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ..)) .

وقال تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ.. )) .

وحث تعالى هذه الأمة حثا مؤكدا على الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم الذي جمع كل قدوة حسنة سبقه الأنبياء وزاده الله من فضله..

فقال تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) .

ولقد كانت الأمة الإسلامية في ماضي عهدها، قدوة حسنة في إيمانها وفي عبادتها ومعاملاتها وسلوكها، وفي عهودها ومواثيقها وفي الأخذ بأسباب القوة والعزة..

فكان ذلك سببا في سرعة وصول الحق الذي يحملونه إلى عقول الأمم في مشارق الأرض ومغاربها، فسارع الناس إلى الاقتداء بهم واتباع دينهم، حتى ترك أهل الديانات الأخرى دياناتهم، ووقف رعايا الطغاة ضد طغاتهم إيثارا للحق على الباطل، ونصرةً لأهل الحق على أهل الباطل..

فوصل الإسلام إلى لشبونة وفينا وبلغراد وموسكو وبلاد الصين والفلبين وإندونيسيا وإفريقيا، بدون قتال في غالب تلك البلدان، لأن القدوة الحسنة تجعل اتباع الحق سهلا ميسرا لرؤيته مطبقا في واقع الحياة، يطبقه البشر.

وذلك على عكس ما عليه الأمة الإسلامية اليوم، حيث يغلب عليها القدوة السيئة التي جعلت الأمم تنفر منها ومن دينها، وجعلت أعداء الإسلام يستغلون تلك القدوة السيئة، فيبرزونها في مؤتمراتهم وندواتهم ومناهج تعليمهم وإعلامهم وفي كل مناسبة تسنح لهم.

يسمع الناس أن الإسلام يدعو إلى الصدق، ولكنهم يرون في كثير من المسلمين الكذب.

ويسمعون أن الإسلام دين القوة والعزة، ولكنهم لا يرون في المسلمين الا الضعف والذلة.

ويسمعون أن الدين الإسلامي يدعو إلى الجماعة والوحدة وأن الأمة الإسلامية أمة واحدة، ولكنهم يرون المسلمين متفرقين مختلفين، يسب بعضهم بعضا، ويعتدي بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضا.

ويسمعون أن الإسلام دين الرحمة وأن المسلمين رحماء فيما بينهم، ولكنهم لا يجدون في كثير من المسلمين إلا القسوة والعنف يأكل القوي منهم الضعيف.

ويسمعون أن الإسلام دين العدل، ولكنهم يرون الظلم بين المسلمين هو السائد.

ويسمعون أن الإسلام يدعو إلى الشجاعة، ولكنهم يرون المسلمين جبناء تضيع حقوقهم وتغتصب بلادهم من قبل عدوهم القليل فيستسلمون له ويخضعون وهم كثر.

فكان ذلك سببا في نفور الناس عن هذا الدين الذي صار أهله قدوة سيئة فيه.

وأقول - إنصافا للحق - :
إنه يوجد في المسلمين من هو قدوة حسنة ولكن ليس على مستوى الأمة.

والقدوة الحسنة عندما تكون على مستوى الأمة، تبرز معاني الإسلام في السياسة والحكم والاقتصاد والسلوك والنواحي الاجتماعية والعسكرية والقوة الصناعية وغيرها.

أما ما يكون على مستوى الأفراد والأسر وبعض الجماعات الصغيرة، فإنه قدوة حسنة، ولكنه محدودة غير بارز للعالم الذي لا يطلع إلا على ما تبرزه وسائل الإعلام وإمكانات الدول.

والذي يراه الناس الآن في المسلمين هو الإسراف في المحرمات ومحاربة أغلب حكوماتهم للإسلام والدعاة إليه، والتأخر في الشؤون الإدارية والاقتصادية، مع كثرة الخيرات في بلدانهم وسعة أراضيهم..

كما يرون تقتيل أعدائهم لهم وإخراجهم من ديارهم، وهدم مساجدهم وانتهاك أعراضهم، وهم سادرون في غيهم يرقصون ويغنون ويمثلون ويتعرون، يقضي في أمورهم غيْرُهم، وكأنهم غير موجودين على ظهر الأرض:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم
،،،،،،، ولا يستأذنون وهم شهود

فأين هي القدوة الحسنة فيهم، حتى يكونوا من السباقين بالحق إلى العقول، وعقولهم مأوى للباطل ..؟!!!
0
392

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️