( السنة في الفتنة )
(السلوك الواجب علينا اتباعه)
....................................................
الحمدلله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...
تسير الدنيا بلا توقف ، وتسير معها مقادير الله التي لا يقف أمامها جبروت متجبر ،أو قوة مستعلٍ ، فما نراه اليوم قد كتبه الله في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وما هي إلا حلقة من حلقات السلسلة الدنيوية التي بدأت بالبناء وستنتهي بالفناء ، وما إن تنتهي حتى يعقبها حلقة أخرى لا نعلم ما موضوعها حتى نقرأها في صفحات حاضرنا
قال تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها )الحديد 22
ومن هنا نعلم أن الأقدار مسترسلة متواصلة بالمحن أو بالمنح ، بالهزيمة أو بالنصر ، بالفرح أو بالترح ، فالأمر لا أن نجادل في وجود القدر ، ونخوض في مجرياته ؛ ولكن في أن نعلم ما هو دورنا تجاهه ، وما الواجب علينا مقتضاه ، فكل من أدرك هذا سيهرع سائلا باحثا عن الهدي النبوي ، والنهج السلفي في كل حال ، ومن لم يدركه غرق في أعماق التيه والضلال .
** قواعد لابد من ترسيخها في معتقداتنا :
1/ أن أقدار الله جارية رضوا الناس أم أبوا ، فلا رادع لها ولا قامع ، فلا تقف أمامها بل سر معها بالشرع المنصوص والهدي المصفوف
قال تعالى ( والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ) الرعد :41
2/ اعلم أن الخطوب والنوازل تسير وفق حكمة وعلم وخبرة ؛ وليس خبط عشواء ؛ فلم ينزل الله شر محض ، فما ولد اليسر إلا من رحم العسر.
قال تعالى ( فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ) الانشراح : 5،4
وقال عليه الصلاة والسلام ( واعلم أن الصبر مع الكرب والفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا )
3/ ما سكن متحرك ، ولا تحرك ساكن إلا بإحاطة العليم الخبير ، وبمشيئة العزيز الحكيم ، فلو لم يشأ ذلك ما قدرت أكبر قوة في الكون من إحداثه ؛ فما جرى وما يجري وما سيجري إنما بعلم وإرادة و منه سبحانه .
( ولو شاء الله ما فعلوه ) الأنعام 137
( إن الله يحكم ما يريد ) المائدة :1
4/ اعلم أن صلاح الأمة وفسادها لا يزيد ولا ينقص في ملك الله شيئا ، فالله هو الغني ونحن الفقراء إليه ، فلو عاث في الأرض فسادا لأبدل الله القوم بقوم آخرين غير عاجزٍ ولا آبه .
(يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)المائدة 54
قال عليه الصلاة والسلم فيما يرويه عن ربه ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، ولو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا ) رواه مسلم .
5/ خلق الله هذا الكون وجعل له سنن تقع على من حام حول حماها ، فسنة الله فيمن أعرضوا عن دينه ، واشتغلوا بالفاني عن الباقي، ولم يعظموا شعائر الله ،أن يصيبهم بالخور والضعف ، ويجعل كثرتهم كزبد البحر المتزايد بصورته المتلاشي بحقيقته، ويقوي عليهم عدوهم .
قال عليه الصلاة والسلام (إذا تبايعتم بالعينة، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع، و تركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) السلسة الصحيحة
6/ لا تنتظر أن يأتي الزمن بأمثال زمن الأولين ، واعلم أن كل قرن آجل هو خير من قرن عاجل ، فما هو كائن خير مما سيكون وهكذا إلى أن تنقضي الحياة .
عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال ( اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري في صحيحه
7/ مهما طال الليل ، وادلهمت الخطوب ، وحجب نور الحق ؛ فكن على يقين أن النصرة لله ولرسوله والمؤمنين ، وإن امتلك العدو ما امتلك من عدة وعتاد ، هذا وعد من لا يخلف الميعاد.
قال تعالى : {{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }} ((غافر51))
8/ اعلم أنك أحد الذين شاركوا في وقوع الفتنة ، وانحدار الأمة ، ونزول البليِّة ، وما كان ذلك إلا بإصرارك على المعصية ، فلا استغفار ولا توبة ، وإن كان فاستغفار المستهزىء ودعاء القلب الغافل الَّاه.
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم ) آل عمران 165
9/ لا سلام ولا استسلام لمن عاد الله ورسوله ، فالحق لا يقبل التنازل ولو كان التنازل جزئيا
قال تعالى ( ولا تهنوا ولا تحنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( آل عمران 139)
11/ اعلم أن الدماء التي أريقت هي ضريبة التقاعس والتثاقل إلى الأرض ، وسيظل نهر الدماء جارٍ إلى أن يأتي من يبني السد .
مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثقالتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا
من الآخرة )التوبة 38
12/ تدافع الحق والباطل سنة من سنن الحياة ، ولن تهدىء قعقعات الحروب حتى تكون كلمة الله هي العليا ، فالحق لا يقبل أن يكون له شريكا ولا غالبا
وقال تعالــى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغـه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ).الأنبياء 18
13/ كما أن الجنة حفت بالمكاره فاعلم أن طريق العزة ليس مفروشا بالورود ولا مكللا بالياسمين ؛ بل طريقا لا يسير فيه إلا الأبطال ولا يجتازه إلا الذين انتصروا في الجهاد الأكبر.
قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معـه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) .البقرة 214
14/ لو أُنفق ملء الأرض ذهبا لإسكات الحق ، ودحض رعاة الجهاد ، ماكان لهم ذلك ، وستظل راية الجهاد خفاقة ما بقي في الحياة حياة .
(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم كذلك ) أخرجه مسلم في السلسلة الصحيحة
15/ ليس شرطا أن يوافق الشرع هواك فترضخ لما تريد وتعرض عن مالا تريد ، فالشرع بكل أصوله وفروعه لازما واجبا إلا ما خرج عن إطار الوجوب واللزوم ،
ومن هذا المنطلق اعلم أن التوحيد لا يصح بدون عقيدة الولاء والبراء فعي القول .
)ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) المائدة 80
** ما دورنا في حال الفتن :
1/لا تسمع لقول القائل بأن الدعاء أضعف الإيمان بل هو العبادة ، فادعوا ما استطعت ، وصوب سهام الليل حيث شئت فأنت تملك السهم الذي لا يخطىء وجهته _ بإذن الله _
( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلا ما تذكرون)النمل 62
2/ لا يثبطك كثرة اللاهون ، فتنشغل بهم عن نفسك ، فاعمل ما عليك ، فكل محاسب عن نفسه ، ففضل العبادة في مثل هذا الوضع عظيم
عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( العبادة في الهرج كهجرة إليّ ) رواه مسلم
وقال فيما رواه مسلم أيضا : (وكل الناس يغدو فمعتق نفسه فمعتقها أو موبقها )
3/تسلح بالعلم الشرعي فهو النجاة من هوجاء الفتن والمخرج من ظلام التيه ،قبل أن يأتي اليوم الذي تتخبط مع المتخبطون .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه:" إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم ".
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى: " فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاة الهدى".
4/الزم الجماعة وانتبه الحيز عنهم فالمخرج عند حدوث الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين، والجماعة ليست بالكثرة ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة.
يقول عبد الله بن مسعود: لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة.
قال حذيفة رضي الله عنه:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير كنت أسأله عن الشر مخافة أن يد ركني، فقلت: يا رسول الله إنَّا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه ؟ قال قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك هذا الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " متفق عليه
5/التف حول العلماء وطلبة العلم فهم النور الذي يبقى حينما يسود ظلام الزيغ
ذكر ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت: " وكنا إذا إشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ".
6/ اعتصم بالكتاب والسنة فلن تجد مثلهما مثيلا ولا بديلا ، فبقدر اعتصامك بهما بقدر نجاتك وخلاصك.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم أمرين؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) اسناده حسن
ويقول صلى الله عليه وسلم: " إنها ستكون فتنة، قالوا: وما نصنع يا رسول الله، قال: ترجعون إلى أمركم الأول ". حديث صحيح ( السلسلة الصحيحة )
7/اصبر وصابر فزمن الفتن تحتاج إلى مصابرة ومكابدة فالأمر ليس باليسير ولا بالهين ، فلن يُمضي تعجلك أمرا فكل شيء عند الله بقدر.
لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بالصبر ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
8/ عليك بالصمت ولا تكثر اللغط فيما سيؤخذ عليك لا لك ،واترك الأمر لمن هو يجيدون حل المشكلات وفك المعضلات بما علمهم الله من الفقه وحسن السياسة .
قال عمر رضي الله عنه:" إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف".
9/ احذر مواطن الفتن ، تجنبها ما استطعت ، فإنها الهلاك فإنها الهلاك .
قال عليه الصلاة والسلام (إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي. قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني، قال: كن كابن آدم ) صحيح الترمذي
قال النووي رحمه الله تعالى:" معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها".
10/استعذ بالله دوما من الفتن ، فلن تجد مثل الله وليا ونصيرا ، فكان المعصوم عليه الصلاة والسلام يعتصم منها عقب كل صلاة ؛ فنحن بهذا أحرى .
قال عليه الصلاة والسلام (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال ) رواه مسلم( السلسلة الصحيحة )
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت ربي في أحسن صورة فذكر الحديث إلى أن قال قال يا محمد قلت لبيك وسعديك فقال إذا صليت قل اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) صحيح الترغيب.
11/الزم بيتك فإنها الآمان حين تتلاحم الخطوب ، والمأوى حين تتهاوى المحن ، فالزم بقعتك حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده
عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الساعي قالوا فما تأمرنا ؟ قال : كونوا أحلاس بيوتكم ) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح
هذا والله أعلى وأعلم
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والله ما قرأت موضوعا شاملا كافيا كهذا ..
ونحن في أشد الحاجة للالتزام بكل كلمة في المقال ..
وما أناشد به أخواتي هنا أن يقرأن المقال بتجرد من كل شيء إلا الإسلام ..
بارك الله فيك ونفع بك الأمة ..