السلاام عليكم
كيفكم ان شاء الله تمااام
الله يعافيكم ابي مساعده بسيطه وسهله
بس يمكن صعبه علي لقلت خبرتي بالنت
ابي مقال بسيط عن السيده عائشه رضي الله عنهاا زوجت الرسول
الله يرحم والديكم اللي عنده لا يبخل
وتسلموون لي يارب
الاسم @alasm
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية القرشية. أمها أم رومان بنت عمرو ابن عامر, من بني مالك, من كنانة. تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة وعقد عليها في مكة وهي بنت ست سنين وبنى بها بعد قدومه إلى مكة وهي بنت تسع, وكان بناؤه بها في شهر شوال من السنة الأولى للهجرة وكناها بأم عبد الله وهو اسم ابن أختها عبد الله بن الزبير كانت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه وأكثرهن رواية عنه. توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة وكان مكثه معها تسع سنين. نقمت على عثمان في حياته ثم غضبت بعد مقتله على علي بن أبي طالب وثارت عليه مع عبد الله بن الزبير وطلحة بن عبيد الله مطالبة بدم عثمان, وكان لها في الوقعة هودج على جمل فسميت الموقعة بوقعة الجمل. توفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع.
اخوكم قلب الليل.
اخوكم قلب الليل.
usha
•
وجدت لك اختي
وان اردت شيئ محدد لا تترددي واسأليني
رواية الإمام أحمد في زواجه -صلّى الله عليه وسلَّم- من عائشة
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سلمة ويحيى قالا: لما هلكت خديجة جاءت خَوْلَة بنت حكيم امرأة عثمان بن مَظْعُون قالت: يا رسول الله! ألا تزوّج؟ قال: (مَنْ ؟)، قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً، قال: (فَمَنِ البِكْرُ ؟) قالت: ابنة أحبّ خلق الله عزّ وجلَّ إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: (ومَنِ الثَّيّيبُ ؟) قالت: سَودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتّبعتك على ما تقول، قال: (فاذهبي، فاذكريهما عليَّ).
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمّ رُومان! ماذا أدخل الله - عزّ وجلّ - عليكم من الخير والبركة، قالت: وما ذلك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطبُ عليه عائشة، قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلحُ له؟ إنما هي ابنة أخيه.
فرجعت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فذكرت له ذلك، قال: (ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج.
قالت أم رُومان: إن مُطعِم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قطّ فأخلفه، لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قُحافة! لعلّك مُصْبٍ صاحبنا مُدخِله في دينك الذي أنت عليه إن تزوّج إليك، قال أبو بكر للمُطعم بن عديّ: أقولَ هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله - عزّ وجلّ - ما كان في نفسه من عِدَته التي وعده، فرجع، فقال لخولَة: ادعي لي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فزوّجها إيّاه، وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين. (ص: 174)
فلما هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة خلّف أهله وبناته، ثم إنهم قدموا المدينة، كما ذكرنا آنِفاً، فنزلت عائشة -رضي الله عنها- مع عيال أبي بكر بالسُّنح، فلم تلبث أن وُعِكَت - أي أصابتها الحمّى - فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدخل عليها قيُقبِّل خدّها ويقول: كيف أنت يا بُنية؟ قالت عائشة: فتَمَرَّق شعري - تساقط - فوفَى جُمَيْمَة - كثر - فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟ فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-: (الصَّداقُ)، فأعطاه أبو بكر خمسمائة درهم.
قالت عائشة: فجاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ضحى فدخل بيتنا، فأتتني أمّي أمّ رُومان، وإني لفي أُرْجُوحَة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأُنْهِج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذتْ شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقُلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهنّ، فأصلحن من شأني، فلم يَرْعني إلاّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فأسلمتني إليه، وهي يومئذ بنت تسع سنين ولُعبها معها.
وايضا
رواية أخرى في زواجه -صلّى الله عليه وسلَّم- من عائشة
وفي رواية أخرى: قالت عائشة -رضي الله عنها-: ثم أقبلت أمّي بي تقودني، ثم دخلت بي على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فإذا رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فاحتبستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك، فوثب الرجال والنساء، قالت عائشة: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتنا.
وفي رواية أخرى عنها قالت: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتي هذا الذي أنا فيه، وهو الذي توفّي فيه النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-.
قالت عائشة: ما نُحِرت عليّ جَزور، ولا ذُبحت عليّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عُبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إذا دار على نسائه. (ص: 175)
وكانت أسماء بنت يزيد بن السَّكَن -رضي الله عنها- ممّن هيّأ عائشة -رضي الله عنها- وأدخلتها على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في نسوة معها، قالت أسماء: فوالله ما وجدنا عنده قِرى، إلاّ قدحاً من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية وخفضت رأسها، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: لا تَرُدّي يد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- خُذي منه، فأخذته على حياء فشربت منه، ثم قال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (ناولي صواحبك)، قالت أسماء: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه، ثم ناوَلَنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم طفِقت أُديره وأتّبعه بشفتي لأُصيب منه مَشْرب النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- ثم قال لنسوة عندي: (ناوِليهِنَّ)، فقُلنَ: لا نشتهيه، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (لا تجْمَعنَّ جُوعاً وكذباً)، فقلت: يا رسول الله! إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه يُعدّ ذلك كذباً؟ قال: (إنَّ الكذبَ يُكْتَبُ كَذِباً، حتى الكُذَيْبَة كُذَيْبَة).
وايضا
لطف النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بعائشة
وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُلاطف عائشة -رضي الله عنها- ويباسطها، ويراعي صغر سنّها، روي عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: وكانت تأتيني صَواحبي فكنّ ينقمعن - يتسترن - من رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: فكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُسَرِّبُهُنّ إليّ.
وكان يأذن لها أن تلهو يوم العيد وتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فقد روي عنها أن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تُدَفِّفان وتضرِبان، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- مُتَغَشّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- عن وجهه فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنَّها أيّام عيد، وتلك الأيام أيام منى)، وقالت عائشة: رأيت النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- يستُرني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالمسجد، فزجرهم عمر، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (دَعْهُم، أَمْناً بَني أَرْفِدَةَ) يعني: من الأمن.
وعنهما أيضاً قالت: خرجت مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمِل اللّحم ولم أبدُن، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا، ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقته، فسكت عنّي، حتى إذا حملت اللحم، وبدُنت ونسِيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا، ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك).
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تكنى بأمّ عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير، روي عنها أنها قالت: يا رسول الله! كلّ صواحبي لهنّ كُنى، قال: (فاكتَنِي بابنِكِ عبد اللهِ). (ص: 176)
وايضا
كانة عائشة -رضي الله عنها- وبعض فضائلها:
كانت عائشة -رضي الله عنها- أحبّ نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- إليه، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- سُئلَ: مَن أحبّ النّاس إليك؟ قال: (عائشَةُ)، فقيل: لا نعني أهلك، قال: (أبو بكرٍ).
وكان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يعطي أمّهات المؤمنين عشرة آلاف عشرة آلاف، ويزيد لعائشة في العطاء ويقول: أُفضِّلها لحبّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إيّاها.
وروي عن عامر الشَّعبي قال: أتاني رجل فقال لي: كلّ أمهات المؤمنين أحبّ إليّ من عائشة، قلت: أمّا أنت فقد خالفت رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- كانت عائشة أحبَّهنّ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-.
وقد كانت عائشة -رضي الله عنها- من أكبر النّاس عقلاً، وأفقههم، وأفصحهم كلاماً، وأعلمهم بالحلال والحرام والشّعر والطّبّ، ومن أحفظ أهل زمانها لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-.
روي عن الزّهري قال: لو جُمع عِلم النّاس كلّهم ثم علم أزواج النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- لكانت عائشة أوسعهم علماً.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حديث قطّ فسألنا عائشة إلاّ وجدنا عندها فيه علماً.
وعن القاسم بن محمّد عن عائشة قالت: فضِّلتُ على نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بعشر، قيل: ما هنّ يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكراً قطّ غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله - عزّ وجلّ - براءتي من السّماء، وجاءه جبريل بصورتي من السّماء في حريرة وقال: تزوّجها فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلّي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحْري ونحْري، ومات في الليلة التي كان يدور عليّ فيها، ودُفن في بيتي.
وكانت مدة مقامه معها - عليه الصلاة والسلام - تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة، وتوفّيت -رضي الله عنها- سنة سبع وخمسين للهجرة ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر، ودُفنت من ليلتها بالبقيع لخمس عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وصلّى عليها أبو هريرة زمن خلافة معاوية - رضي الله عنهما - ودخل في قبرها عبد الله وعروة ابنا محمّد بن أبي بكر وكانت -رضي الله عنها- تُحدّث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- وأبي بكر -رضي الله عنه- فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حَدَثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدُفنت بالبقيع. (ص: 177)
*** وجدت في: حديث الإفك:.
وفي أعقاب غزوة المصطلق، في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وقعت حادثة الإفك التي كانت محنة خطيرة للمؤمنين.
ولنستمع إلى السيدة عائشة أم المؤمنين تروي لنا خبر الإفك كاملاً، كما رواه عنها الإمام البخاري:
قالت السيدة عائشة: كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرجت معه.
فلما كانت (غزوة بني المصطلق) خرج سهمي عليهن، فارتحلت معه.
قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلْنَ العلق، لم يهيجهن اللّحم فيثقلْنَ، وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم فيحملونني، يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه، ثم يضعونه على ظهر البعير ويشدّونه بالحبال، وَبَعْدَئذٍ ينطلقون.
قالت: فلما فرغ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- من سفره ذاك، توجه قافلاً، حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فباتَ فيه بعض الليل، ثم أذّنَ مؤذّنٌ في النّاس بالرحيل، فتهيؤوا لذلك، وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقدٌ لي، فلما فرغت انسلّ من عنقي ولا أدري، ورجعت إلى الرحل فالتمست عقدي فلم أجده! وقد أخذ الناس في الرّحيل، فعدتُ إلى مكاني الذي ذهبت إليه، وجاء القوم الذين كانوا يُرْحِلُونَ لي البعير - وقد كانوا فرغوا من إعداده - فأخذوا الهودج يظنّون أنّي فيه كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدّوه على البعير، ولم يشكّوا أنّي به ثم أخذوا برأس البعير وانطلقوا.
ورجعت إلى المعسكر وما فيه داعٍ ولا مجيب؟ لقد انطلق النّاس! قالت: فتلففتُ بجلبابي ثمّ اضطجعت في مكاني وعرفتُ أنّي لو افتقدت لرجع الناسُ إلي، فوالله إني لمضطجعة، إذ مرّ بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلّف لبعض حاجته، فلم يبت مع النّاس، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف عليّ - وقد كان يراني قبل أن يضربَ علينا الحجاب - فلما رآني قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ظعينة رسول الله؟ - وأنا متلففة في ثيابي - ما خلّفك يرحمك الله؟
قالت: فما كلمته، ثم قرّب إليَّ البعير وقال: اركبي، واستأخر عني. (ص: 249)
قالت: فركبتُ وأخذ برأس البعير منطلقاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزلوا، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير، فقال أهل الإفك ما قالوا.
وارتجّ العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك؛ وكان عبد الله بن أبيّ جالساً في جماعةٍ في أصحابه، فيهم مِسطح بن أثاثة وحسّان بن ثابت، لمّا مرّ بهم صفوان بن المعطل يسوق البعير بعائشة فقال الشّقي: هذا صفوان بن المعطّل مع بنت أبي بكر، والله ما سلمت منه ولا سلم منها.
وقال أصحابه مثل قوله وفشا القول في النّاس.
النفاق.. نتيجة لازمة للحسد:
كل العداوات قد ترجى إزالتها * إلا عداوة من عاداك بالحسد
كانت كل مصاهرات النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بركةً وخيراً
عادت على الأمة بالخير العميم.
أمراض الجاهلية.. قد تعود للظهور
وواجب الدعاة أن يكونوا لها بالمرصاد.
لسان الحاسد فاجر خبيث
لا يفريه إلا حلم الدعاة وطول أنفاسهم
كثير من الفتن تموت بالإهمال... واهتمامك بها تشجيع لها
وما شيء أحب إلى سفيه * إذا شتم الكريم من الجواب
رباط العقيدة أقوى من رباط النسب
والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومن آبائهم.
بالحكمة المجردة ثم تجريد العدو من سلاحه
ورجاله.
كان النبي حريصاً على العدل في كل شيء
وعدله بين نسائه صورة عدله في العالمين.
الإشاعة الكاذبة من أخبث وسائل الطاغوت
ودعوة الحق معرضة لكل أنواع الإشاعة الكاذبة.
ثم قدمنا المدينة، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة - مرضاً شديداً - ولَيْسَ يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله وإلى أبوي، وهم لا يذكرون منه كثيراً ولا قليلاً، إلاّ أنّي قد أنكرت من رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بعض لُطفه في شكواي هذه. (ص: 250)
فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل عليّ وعندي أُمّي تمرضني، قال: كيف تيكم؟ لا يزيد على ذلك.
قالت: حتى وَجدت في نفسي - غضبت - فقلتُ: يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جفائه لي -: لو أذنت فانتقلت إلى أمي؟ قال: (لا عليك)، قالت: فانقلبت إلى أمّي ولا علم لي بشيءٍ ممّا كان، حتى نقهت من وجعي بَعْدَ بضعٍ وعشرين ليلة، وكنا قوماً عرباً، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنّما كنّا نخرج في فسح المدينة، وكانت النساء يخرجْنَ كل ليلةٍ في حوائجهن، فخرجت ليلةً لبعض حاجتي ومعي أمّ مِسطح، فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها - ثوبها - فقالت: تعس مسطح؟ فقلت: بئس - لعمر الله - ما قلت لرجلٍ من المهاجرين شهد بَدْراً! !
قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قلتُ: ما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كانَ من أهل الإفك.
قلت: أوقد كان هذا؟ !، قالت: نعم، والله لقد كان.
قالت عائشة: فوالله ما قدرتُ على أَنْ أقضيَ حاجتي، ورجعت، فوالله ما زلتُ أبكي حتى ظَنَنْتُ أن البكاءَ سيصدع كبدي.
وقلتُ لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدّثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟ قالت: أي بنيّة، خففي عنك فوالله لقلّ ما كانت امرأة حسناء عند رجلٍ يحبّها، ولها ضرائر، إلاّ كثرن وكثر الناس عليها.
قالت: وقد قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيّها الناس ما بال رجالٍ يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق؟ والله ما علمت عليهم إلاّ خيراً، ويقولون ذلك لرجلٍ والله ما علمتُ منه إلاّ خيراً ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلاّ وهو معي !).
قالت: وكان كبر ذلك - أصل الفتنة - عند عبد الله بن أبيّ في رجالٍ من الخزرج مع الذي قال: "مسطح" و"حمنة بنت جحش"، وذلك أنّ أختها زَينب بنت جحش كانت عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ولم تكن امرأةً من نسائِهِ تناصبني في المنزلة عندَهُ غيرها، فأمّا زينب فعصَمَها الله بدينها فلم تقل إلاّ خيراً، وأمّا "حمنة" فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارّني بأختها.
فلمّا قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- تلك المقالة، قال أسيد بن حُضير: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن نضربَ أعناقهم.
فقام سعد بن عبادة - وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً - فقال: كذبت - لعمر الله - ما تضرب أعناقهم، إنك ما قلتَ هذه المقالة إلاّ وقد عرفتَ أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.
فقال أسيد: كذبت - لعمر الله - ولكنك منافق تُجادلُ عن المنافقين. (ص: 251)
وتساوَرَ الناس حتى كادَ يكون بين هذين الحيّين شرّ، فجعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يقول: يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم وما زال بهم حتى تفرقوا، ونزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فدخل عَليّ ودعا عليّ بنَ أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأمّا أسامة فأثنى خيراً ثم قال: يا رسول الله، أهلُكَ، وما نعلم منهم إلاّ خيراً. وهذا الكذب والباطل!
وأمّا عَليٌّ فقال: يا رسول الله إن النّساء لكثير، وإنّك لقادرٌ على أن تستخلفَ، وسَلِ الجارية فإنها تصدقك.
فدعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بَرِيرة يسألها، وقام إليها عليٌّ فقال: اصدقي رسول الله! فتقول: والله ما أعلم إلاّ خيراً وما كنت أعيب على عائشة إلاّ أنّي كنت أعجنُ عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه فتأتي الشاة وتأكله! !
قالت: ثم دَخَلَ عَليَّ رسول الله وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا عائشة إنّه قد كانَ ما بلغك من قول النّاس، فاتقي الله، وإن كنت قد قارفتِ سوءاً ممّا يقول الناس، فتوبي إلى الله يقبل التوبة عن عباده).
قالت: فوالله، إن هو إلاّ أن قال لي حتى قلص دمعي، فما أحسّ منه شيئاً، وانتظرتُ أبواي أن يجيبا عنّي فلم يتكلما!
قالت عائشة: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأناً من أن ينزل الله فيّ قرآناً، لكنّي كنت أرجو أن يرى النبيّ - عليه الصلاة والسلام - في نومه شيئاً يكذّب الله به عني، لما يعلم من براءتي، أمّا قرآناً ينزل فيَّ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك.
قالت: فلمّا لم أرَ أبويَّ يتكلمان! قلت لهما: ألا تُجيبان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فقالا: والله لا ندري بم نجيبه؟ قالت: والله ما علم أهل بيتٍ دَخَلَ عليهم ما دَخَلَ على آل أبي بكرٍ في تلك الأيام.
ثم قالت: فلمّا استعجما علي - سكتا - استعبرت فبَكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله ممّا ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررتُ بما يقول الناس - والله يعلم إنّي بريئة - لأقولنّ ما لم يكن، ولئن أنا أنكرتُ ما يقولون لا تصدقونني. (ص: 252)
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره، فقلت: أقول ما قال أبو يوسف: {فَصَبرٌ جَميلٌ واللهُ المُستعانُ على ما تَصِفونَ} .
فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتى تغشّاه من الله ما كان يتغشّاه، فسُجي بثوبه ووضعت وسادة تحت رأسه، فأمّا أَنَا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، وقد عرفتُ أنّي بريئة، والله غير ظالمي، وأمّا أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّي - كشف - عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حتى ظننتُ لتخرجنّ أنفسهما فَرَقاً - خوفاً - أن يأتيَ من الله تحقيق ما قال الناس، ثم سرّي عن رسول الله فجلس، وإنّه لينحدر من وجهه مثل الجمان - المطر - في يومٍ شاتٍ من شدة العرق، فجلس يمسح العرق عن وجهه ويقول: (أبشري يا عائشة، قد أنزل الله - عزّ وجلّ - براءتك)، فقلتُ: الحمد لله، ثم خرجَ إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم الآياتِ: {إنَّ الّذينَ جاؤوا بالإفكِ عُصبةٌ مِنكُم لا تَحْسَبوهُ شرّاً لكُمْ بل هوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلّ امرئٍ مِنْهُم ما اكتسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذي تولَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عذابٌ عظيمٌ} .
ثم أمرَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بِمِسطح بن أثاثة وحسّان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممّن أفصح بالفاحِشةِ فجلدوا حَدَّ القذف. (ص: 253)
وايضا
دأ مرض النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- منذ مطلع السنة السابعة حين قدمت له يهودية في خيبر شاة مسمومة، فأكل منها - صلّى الله عليه وسلَّم - فما استساغها، ولكنها أصابت بعض أحشائه، فكان يشتكي منها - صلّى الله عليه وسلَّم - كل عام، كما قال: (مازالت أكلة خيبر تُعاودني في كل عام حتى آن أوان انقطاع أبهري).
وعقب عودته - صلّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة بعد حجة الوداع أواخر السنة العاشرة عاوده الألم الذي كان يجده وكان ذلك أول مرض الموت. (ص: 369)
ولما اشتد المرض برسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- استأذن أزواجه أن يُمرَّضَ عند عائشة، فأذنَّ له، فخرج إلى بيتها محمولاً بين رجلين من أصحابه، ومع ذلك كان - صلّى الله عليه وسلَّم - حريصاً على أن يُصلي بالمسلمين كلما حضرت الصلاة، وأن يعظهم وينصحهم كلما وجد في نفسه قوة، وحضرت الصلاة ذات يوم وقد اشتد به وجعه، وكاد أن يُغمى عليه فقال: (أهريقوا عليَّ سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم)، ففعلوا ذلك، وخرج - صلّى الله عليه وسلَّم - وجلس على المنبر، فكان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد فأكثر الصلاة عليهم واستغفر لهم ثم قال: (إنّ عبداً من عباد الله خَيَّره اللهُ بين الدنيا وبين ما عنده فاختارَ ما عند الله)، عندها بكى أبو بكر -رضي الله عنه- وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-: (على رِسلك يا أبا بكر لا تبك)، ثم قال: (أيها الناس، إن أمنَّ الناس عليّ في صحبتي ومالي أبو بكر، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده).
ولم يزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حريصاً على أن يصلي بالناس، حتى غلبه المرض وأعجزه عن الخروج، فقال: (مُرُوا أبا بكر فليصلِ بالناس)، فصلى أبو بكر بهم سبع عشرة مرة.
وزادت شدة المرض بالنبي -صلّى الله عليه وسلَّم- وقالت فاطمة: واكرب أبتاه! ! فقال لها- صلّى الله عليه وسلَّم -: (لا كَربَ على أبيكِ بعد اليوم).
ودخل عليه أسامة بن زيد وقد عجز عن الكلام، فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها عليه ويدعو له.
ولما كان يوم الاثنين الأخير، خرج - صلّى الله عليه وسلَّم - إلى الناس، وهم يصلون الصبح خلف أبي بكر، وجعل ينظر إليهم وهو يبتسم، فانتبه المسلمون فكادوا يُفتتنون في صلاتهم فرحاً برؤيته، فأشار إليهم أن اثبتوا، وتبسمَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- وعاد إلى حجرته.
وظن النّاس أن هذا الخروج يُبشر بشفائه، فلما قضيت الصلاة، سار الناس في حوائجهم، وخرج أبو بكر إلى بعض نواحي المدينة لحاجته. (ص: 370)
وعاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إلى حجرة عائشة، وخرج عليٌّ إلى الناس فقالوا له: كيف أصبح رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً، ولكنها كانت صحوة الموت، ثم ثقل المرض برسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فاضطجع في حجرة عائشة، وجعل ينظر إلى سواك في يد رجل، فناولته عائشةُ إياه بعد أن لَيَّنتْهُ، وجعل يستاك به استياكاً شديداً، ثم وضعه وبه رهق شديد، ثم ثوى رأسه الشريف على كتف عائشة واشتد منه النزع، وكان من آخر ما سُمع من كلامه:
الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم...
استوصوا بالنساء خيراً...
ثم أرغى فمه بآخر كلمة سُمعت منه:
بل الرفيق الأعلى من الجنة! !
وفاضت روحه- صلّى الله عليه وسلَّم -.
ونزل الخبر كالصاعقة على أسماع المسلمين، فانطلقت عواطفهم المكبوتة في ثورة جامحة، وصاروا كالقطيع الهائج في الليلة الشاتية.
وقام عمر بن الخطاب، فاخترط سيفه وصعد على المنبر وقال: إن أُناساً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات، وإن رسول الله لن يموت حتى يُفني المنافقين، وإنما غاب أربعين ليلة كعدة موسى في بني إسرائيل، وأيما رجل قال إن محمداً قد مات ضربته بسيفي هذا! !. وكانت ساعة عصيبة قاسية.
ثم حضر أبو بكر الصديق وكان بظاهر المدينة في بعض حاجته، وعمر على المنبر، فمشى حتى دخل حجرة عائشة، فكشف الغطاء عن وجهه - صلّى الله عليه وسلَّم -، فقبَّله من بين عينيه وقال: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حياً وميتاً، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موت أبداً).
ثم خرج حتى أتى المنبر وعليه عمر بن الخطاب يتهدد الناس، فقال: على رِسلك يا عمر، حتى نزل عمر بن الخطاب، وقام أبو بكر على المنبر فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت !.
ثم قرأ: {وما مُحَمَّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلَتْ مِن قبلِهِ الرُّسلُ أفإن ماتَ أو قُتِلَ انقلبتُم على أعقابكُم ومن ينقلب على عقبيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شيئاً وسَيَجزي اللهُ الشاكرين} .
فقال عمر بن الخطاب: فوالله كأن الآية ما نزلت إلا يومئذٍ، وكأني لم أقرأها من قبل، وقرأ أيضاً: {إنَّك مَيّتٌ وإنَّهُم مَيّتونَ} (ص: 371)
وان اردت شيئ محدد لا تترددي واسأليني
رواية الإمام أحمد في زواجه -صلّى الله عليه وسلَّم- من عائشة
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سلمة ويحيى قالا: لما هلكت خديجة جاءت خَوْلَة بنت حكيم امرأة عثمان بن مَظْعُون قالت: يا رسول الله! ألا تزوّج؟ قال: (مَنْ ؟)، قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً، قال: (فَمَنِ البِكْرُ ؟) قالت: ابنة أحبّ خلق الله عزّ وجلَّ إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: (ومَنِ الثَّيّيبُ ؟) قالت: سَودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتّبعتك على ما تقول، قال: (فاذهبي، فاذكريهما عليَّ).
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمّ رُومان! ماذا أدخل الله - عزّ وجلّ - عليكم من الخير والبركة، قالت: وما ذلك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطبُ عليه عائشة، قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلحُ له؟ إنما هي ابنة أخيه.
فرجعت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فذكرت له ذلك، قال: (ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج.
قالت أم رُومان: إن مُطعِم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قطّ فأخلفه، لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قُحافة! لعلّك مُصْبٍ صاحبنا مُدخِله في دينك الذي أنت عليه إن تزوّج إليك، قال أبو بكر للمُطعم بن عديّ: أقولَ هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله - عزّ وجلّ - ما كان في نفسه من عِدَته التي وعده، فرجع، فقال لخولَة: ادعي لي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فزوّجها إيّاه، وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين. (ص: 174)
فلما هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة خلّف أهله وبناته، ثم إنهم قدموا المدينة، كما ذكرنا آنِفاً، فنزلت عائشة -رضي الله عنها- مع عيال أبي بكر بالسُّنح، فلم تلبث أن وُعِكَت - أي أصابتها الحمّى - فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدخل عليها قيُقبِّل خدّها ويقول: كيف أنت يا بُنية؟ قالت عائشة: فتَمَرَّق شعري - تساقط - فوفَى جُمَيْمَة - كثر - فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟ فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-: (الصَّداقُ)، فأعطاه أبو بكر خمسمائة درهم.
قالت عائشة: فجاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ضحى فدخل بيتنا، فأتتني أمّي أمّ رُومان، وإني لفي أُرْجُوحَة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأُنْهِج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذتْ شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقُلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهنّ، فأصلحن من شأني، فلم يَرْعني إلاّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فأسلمتني إليه، وهي يومئذ بنت تسع سنين ولُعبها معها.
وايضا
رواية أخرى في زواجه -صلّى الله عليه وسلَّم- من عائشة
وفي رواية أخرى: قالت عائشة -رضي الله عنها-: ثم أقبلت أمّي بي تقودني، ثم دخلت بي على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فإذا رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فاحتبستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك، فوثب الرجال والنساء، قالت عائشة: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتنا.
وفي رواية أخرى عنها قالت: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتي هذا الذي أنا فيه، وهو الذي توفّي فيه النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-.
قالت عائشة: ما نُحِرت عليّ جَزور، ولا ذُبحت عليّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عُبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إذا دار على نسائه. (ص: 175)
وكانت أسماء بنت يزيد بن السَّكَن -رضي الله عنها- ممّن هيّأ عائشة -رضي الله عنها- وأدخلتها على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في نسوة معها، قالت أسماء: فوالله ما وجدنا عنده قِرى، إلاّ قدحاً من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية وخفضت رأسها، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: لا تَرُدّي يد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- خُذي منه، فأخذته على حياء فشربت منه، ثم قال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (ناولي صواحبك)، قالت أسماء: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه، ثم ناوَلَنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم طفِقت أُديره وأتّبعه بشفتي لأُصيب منه مَشْرب النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- ثم قال لنسوة عندي: (ناوِليهِنَّ)، فقُلنَ: لا نشتهيه، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (لا تجْمَعنَّ جُوعاً وكذباً)، فقلت: يا رسول الله! إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه يُعدّ ذلك كذباً؟ قال: (إنَّ الكذبَ يُكْتَبُ كَذِباً، حتى الكُذَيْبَة كُذَيْبَة).
وايضا
لطف النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بعائشة
وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُلاطف عائشة -رضي الله عنها- ويباسطها، ويراعي صغر سنّها، روي عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: وكانت تأتيني صَواحبي فكنّ ينقمعن - يتسترن - من رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: فكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُسَرِّبُهُنّ إليّ.
وكان يأذن لها أن تلهو يوم العيد وتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فقد روي عنها أن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تُدَفِّفان وتضرِبان، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- مُتَغَشّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- عن وجهه فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنَّها أيّام عيد، وتلك الأيام أيام منى)، وقالت عائشة: رأيت النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- يستُرني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالمسجد، فزجرهم عمر، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (دَعْهُم، أَمْناً بَني أَرْفِدَةَ) يعني: من الأمن.
وعنهما أيضاً قالت: خرجت مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمِل اللّحم ولم أبدُن، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا، ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقته، فسكت عنّي، حتى إذا حملت اللحم، وبدُنت ونسِيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا، ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك).
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تكنى بأمّ عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير، روي عنها أنها قالت: يا رسول الله! كلّ صواحبي لهنّ كُنى، قال: (فاكتَنِي بابنِكِ عبد اللهِ). (ص: 176)
وايضا
كانة عائشة -رضي الله عنها- وبعض فضائلها:
كانت عائشة -رضي الله عنها- أحبّ نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- إليه، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- سُئلَ: مَن أحبّ النّاس إليك؟ قال: (عائشَةُ)، فقيل: لا نعني أهلك، قال: (أبو بكرٍ).
وكان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يعطي أمّهات المؤمنين عشرة آلاف عشرة آلاف، ويزيد لعائشة في العطاء ويقول: أُفضِّلها لحبّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إيّاها.
وروي عن عامر الشَّعبي قال: أتاني رجل فقال لي: كلّ أمهات المؤمنين أحبّ إليّ من عائشة، قلت: أمّا أنت فقد خالفت رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- كانت عائشة أحبَّهنّ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-.
وقد كانت عائشة -رضي الله عنها- من أكبر النّاس عقلاً، وأفقههم، وأفصحهم كلاماً، وأعلمهم بالحلال والحرام والشّعر والطّبّ، ومن أحفظ أهل زمانها لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-.
روي عن الزّهري قال: لو جُمع عِلم النّاس كلّهم ثم علم أزواج النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- لكانت عائشة أوسعهم علماً.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حديث قطّ فسألنا عائشة إلاّ وجدنا عندها فيه علماً.
وعن القاسم بن محمّد عن عائشة قالت: فضِّلتُ على نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بعشر، قيل: ما هنّ يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكراً قطّ غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله - عزّ وجلّ - براءتي من السّماء، وجاءه جبريل بصورتي من السّماء في حريرة وقال: تزوّجها فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلّي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحْري ونحْري، ومات في الليلة التي كان يدور عليّ فيها، ودُفن في بيتي.
وكانت مدة مقامه معها - عليه الصلاة والسلام - تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة، وتوفّيت -رضي الله عنها- سنة سبع وخمسين للهجرة ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر، ودُفنت من ليلتها بالبقيع لخمس عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وصلّى عليها أبو هريرة زمن خلافة معاوية - رضي الله عنهما - ودخل في قبرها عبد الله وعروة ابنا محمّد بن أبي بكر وكانت -رضي الله عنها- تُحدّث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- وأبي بكر -رضي الله عنه- فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حَدَثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدُفنت بالبقيع. (ص: 177)
*** وجدت في: حديث الإفك:.
وفي أعقاب غزوة المصطلق، في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وقعت حادثة الإفك التي كانت محنة خطيرة للمؤمنين.
ولنستمع إلى السيدة عائشة أم المؤمنين تروي لنا خبر الإفك كاملاً، كما رواه عنها الإمام البخاري:
قالت السيدة عائشة: كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرجت معه.
فلما كانت (غزوة بني المصطلق) خرج سهمي عليهن، فارتحلت معه.
قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلْنَ العلق، لم يهيجهن اللّحم فيثقلْنَ، وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم فيحملونني، يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه، ثم يضعونه على ظهر البعير ويشدّونه بالحبال، وَبَعْدَئذٍ ينطلقون.
قالت: فلما فرغ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- من سفره ذاك، توجه قافلاً، حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فباتَ فيه بعض الليل، ثم أذّنَ مؤذّنٌ في النّاس بالرحيل، فتهيؤوا لذلك، وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقدٌ لي، فلما فرغت انسلّ من عنقي ولا أدري، ورجعت إلى الرحل فالتمست عقدي فلم أجده! وقد أخذ الناس في الرّحيل، فعدتُ إلى مكاني الذي ذهبت إليه، وجاء القوم الذين كانوا يُرْحِلُونَ لي البعير - وقد كانوا فرغوا من إعداده - فأخذوا الهودج يظنّون أنّي فيه كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدّوه على البعير، ولم يشكّوا أنّي به ثم أخذوا برأس البعير وانطلقوا.
ورجعت إلى المعسكر وما فيه داعٍ ولا مجيب؟ لقد انطلق النّاس! قالت: فتلففتُ بجلبابي ثمّ اضطجعت في مكاني وعرفتُ أنّي لو افتقدت لرجع الناسُ إلي، فوالله إني لمضطجعة، إذ مرّ بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلّف لبعض حاجته، فلم يبت مع النّاس، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف عليّ - وقد كان يراني قبل أن يضربَ علينا الحجاب - فلما رآني قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ظعينة رسول الله؟ - وأنا متلففة في ثيابي - ما خلّفك يرحمك الله؟
قالت: فما كلمته، ثم قرّب إليَّ البعير وقال: اركبي، واستأخر عني. (ص: 249)
قالت: فركبتُ وأخذ برأس البعير منطلقاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزلوا، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير، فقال أهل الإفك ما قالوا.
وارتجّ العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك؛ وكان عبد الله بن أبيّ جالساً في جماعةٍ في أصحابه، فيهم مِسطح بن أثاثة وحسّان بن ثابت، لمّا مرّ بهم صفوان بن المعطل يسوق البعير بعائشة فقال الشّقي: هذا صفوان بن المعطّل مع بنت أبي بكر، والله ما سلمت منه ولا سلم منها.
وقال أصحابه مثل قوله وفشا القول في النّاس.
النفاق.. نتيجة لازمة للحسد:
كل العداوات قد ترجى إزالتها * إلا عداوة من عاداك بالحسد
كانت كل مصاهرات النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بركةً وخيراً
عادت على الأمة بالخير العميم.
أمراض الجاهلية.. قد تعود للظهور
وواجب الدعاة أن يكونوا لها بالمرصاد.
لسان الحاسد فاجر خبيث
لا يفريه إلا حلم الدعاة وطول أنفاسهم
كثير من الفتن تموت بالإهمال... واهتمامك بها تشجيع لها
وما شيء أحب إلى سفيه * إذا شتم الكريم من الجواب
رباط العقيدة أقوى من رباط النسب
والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ومن آبائهم.
بالحكمة المجردة ثم تجريد العدو من سلاحه
ورجاله.
كان النبي حريصاً على العدل في كل شيء
وعدله بين نسائه صورة عدله في العالمين.
الإشاعة الكاذبة من أخبث وسائل الطاغوت
ودعوة الحق معرضة لكل أنواع الإشاعة الكاذبة.
ثم قدمنا المدينة، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة - مرضاً شديداً - ولَيْسَ يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله وإلى أبوي، وهم لا يذكرون منه كثيراً ولا قليلاً، إلاّ أنّي قد أنكرت من رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بعض لُطفه في شكواي هذه. (ص: 250)
فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل عليّ وعندي أُمّي تمرضني، قال: كيف تيكم؟ لا يزيد على ذلك.
قالت: حتى وَجدت في نفسي - غضبت - فقلتُ: يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جفائه لي -: لو أذنت فانتقلت إلى أمي؟ قال: (لا عليك)، قالت: فانقلبت إلى أمّي ولا علم لي بشيءٍ ممّا كان، حتى نقهت من وجعي بَعْدَ بضعٍ وعشرين ليلة، وكنا قوماً عرباً، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنّما كنّا نخرج في فسح المدينة، وكانت النساء يخرجْنَ كل ليلةٍ في حوائجهن، فخرجت ليلةً لبعض حاجتي ومعي أمّ مِسطح، فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها - ثوبها - فقالت: تعس مسطح؟ فقلت: بئس - لعمر الله - ما قلت لرجلٍ من المهاجرين شهد بَدْراً! !
قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قلتُ: ما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كانَ من أهل الإفك.
قلت: أوقد كان هذا؟ !، قالت: نعم، والله لقد كان.
قالت عائشة: فوالله ما قدرتُ على أَنْ أقضيَ حاجتي، ورجعت، فوالله ما زلتُ أبكي حتى ظَنَنْتُ أن البكاءَ سيصدع كبدي.
وقلتُ لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدّثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟ قالت: أي بنيّة، خففي عنك فوالله لقلّ ما كانت امرأة حسناء عند رجلٍ يحبّها، ولها ضرائر، إلاّ كثرن وكثر الناس عليها.
قالت: وقد قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيّها الناس ما بال رجالٍ يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق؟ والله ما علمت عليهم إلاّ خيراً، ويقولون ذلك لرجلٍ والله ما علمتُ منه إلاّ خيراً ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلاّ وهو معي !).
قالت: وكان كبر ذلك - أصل الفتنة - عند عبد الله بن أبيّ في رجالٍ من الخزرج مع الذي قال: "مسطح" و"حمنة بنت جحش"، وذلك أنّ أختها زَينب بنت جحش كانت عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ولم تكن امرأةً من نسائِهِ تناصبني في المنزلة عندَهُ غيرها، فأمّا زينب فعصَمَها الله بدينها فلم تقل إلاّ خيراً، وأمّا "حمنة" فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارّني بأختها.
فلمّا قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- تلك المقالة، قال أسيد بن حُضير: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن نضربَ أعناقهم.
فقام سعد بن عبادة - وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً - فقال: كذبت - لعمر الله - ما تضرب أعناقهم، إنك ما قلتَ هذه المقالة إلاّ وقد عرفتَ أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.
فقال أسيد: كذبت - لعمر الله - ولكنك منافق تُجادلُ عن المنافقين. (ص: 251)
وتساوَرَ الناس حتى كادَ يكون بين هذين الحيّين شرّ، فجعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يقول: يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم وما زال بهم حتى تفرقوا، ونزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فدخل عَليّ ودعا عليّ بنَ أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأمّا أسامة فأثنى خيراً ثم قال: يا رسول الله، أهلُكَ، وما نعلم منهم إلاّ خيراً. وهذا الكذب والباطل!
وأمّا عَليٌّ فقال: يا رسول الله إن النّساء لكثير، وإنّك لقادرٌ على أن تستخلفَ، وسَلِ الجارية فإنها تصدقك.
فدعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بَرِيرة يسألها، وقام إليها عليٌّ فقال: اصدقي رسول الله! فتقول: والله ما أعلم إلاّ خيراً وما كنت أعيب على عائشة إلاّ أنّي كنت أعجنُ عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه فتأتي الشاة وتأكله! !
قالت: ثم دَخَلَ عَليَّ رسول الله وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا عائشة إنّه قد كانَ ما بلغك من قول النّاس، فاتقي الله، وإن كنت قد قارفتِ سوءاً ممّا يقول الناس، فتوبي إلى الله يقبل التوبة عن عباده).
قالت: فوالله، إن هو إلاّ أن قال لي حتى قلص دمعي، فما أحسّ منه شيئاً، وانتظرتُ أبواي أن يجيبا عنّي فلم يتكلما!
قالت عائشة: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأناً من أن ينزل الله فيّ قرآناً، لكنّي كنت أرجو أن يرى النبيّ - عليه الصلاة والسلام - في نومه شيئاً يكذّب الله به عني، لما يعلم من براءتي، أمّا قرآناً ينزل فيَّ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك.
قالت: فلمّا لم أرَ أبويَّ يتكلمان! قلت لهما: ألا تُجيبان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فقالا: والله لا ندري بم نجيبه؟ قالت: والله ما علم أهل بيتٍ دَخَلَ عليهم ما دَخَلَ على آل أبي بكرٍ في تلك الأيام.
ثم قالت: فلمّا استعجما علي - سكتا - استعبرت فبَكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله ممّا ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررتُ بما يقول الناس - والله يعلم إنّي بريئة - لأقولنّ ما لم يكن، ولئن أنا أنكرتُ ما يقولون لا تصدقونني. (ص: 252)
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره، فقلت: أقول ما قال أبو يوسف: {فَصَبرٌ جَميلٌ واللهُ المُستعانُ على ما تَصِفونَ} .
فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتى تغشّاه من الله ما كان يتغشّاه، فسُجي بثوبه ووضعت وسادة تحت رأسه، فأمّا أَنَا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، وقد عرفتُ أنّي بريئة، والله غير ظالمي، وأمّا أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّي - كشف - عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حتى ظننتُ لتخرجنّ أنفسهما فَرَقاً - خوفاً - أن يأتيَ من الله تحقيق ما قال الناس، ثم سرّي عن رسول الله فجلس، وإنّه لينحدر من وجهه مثل الجمان - المطر - في يومٍ شاتٍ من شدة العرق، فجلس يمسح العرق عن وجهه ويقول: (أبشري يا عائشة، قد أنزل الله - عزّ وجلّ - براءتك)، فقلتُ: الحمد لله، ثم خرجَ إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم الآياتِ: {إنَّ الّذينَ جاؤوا بالإفكِ عُصبةٌ مِنكُم لا تَحْسَبوهُ شرّاً لكُمْ بل هوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلّ امرئٍ مِنْهُم ما اكتسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذي تولَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عذابٌ عظيمٌ} .
ثم أمرَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بِمِسطح بن أثاثة وحسّان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممّن أفصح بالفاحِشةِ فجلدوا حَدَّ القذف. (ص: 253)
وايضا
دأ مرض النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- منذ مطلع السنة السابعة حين قدمت له يهودية في خيبر شاة مسمومة، فأكل منها - صلّى الله عليه وسلَّم - فما استساغها، ولكنها أصابت بعض أحشائه، فكان يشتكي منها - صلّى الله عليه وسلَّم - كل عام، كما قال: (مازالت أكلة خيبر تُعاودني في كل عام حتى آن أوان انقطاع أبهري).
وعقب عودته - صلّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة بعد حجة الوداع أواخر السنة العاشرة عاوده الألم الذي كان يجده وكان ذلك أول مرض الموت. (ص: 369)
ولما اشتد المرض برسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- استأذن أزواجه أن يُمرَّضَ عند عائشة، فأذنَّ له، فخرج إلى بيتها محمولاً بين رجلين من أصحابه، ومع ذلك كان - صلّى الله عليه وسلَّم - حريصاً على أن يُصلي بالمسلمين كلما حضرت الصلاة، وأن يعظهم وينصحهم كلما وجد في نفسه قوة، وحضرت الصلاة ذات يوم وقد اشتد به وجعه، وكاد أن يُغمى عليه فقال: (أهريقوا عليَّ سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم)، ففعلوا ذلك، وخرج - صلّى الله عليه وسلَّم - وجلس على المنبر، فكان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد فأكثر الصلاة عليهم واستغفر لهم ثم قال: (إنّ عبداً من عباد الله خَيَّره اللهُ بين الدنيا وبين ما عنده فاختارَ ما عند الله)، عندها بكى أبو بكر -رضي الله عنه- وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-: (على رِسلك يا أبا بكر لا تبك)، ثم قال: (أيها الناس، إن أمنَّ الناس عليّ في صحبتي ومالي أبو بكر، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده).
ولم يزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حريصاً على أن يصلي بالناس، حتى غلبه المرض وأعجزه عن الخروج، فقال: (مُرُوا أبا بكر فليصلِ بالناس)، فصلى أبو بكر بهم سبع عشرة مرة.
وزادت شدة المرض بالنبي -صلّى الله عليه وسلَّم- وقالت فاطمة: واكرب أبتاه! ! فقال لها- صلّى الله عليه وسلَّم -: (لا كَربَ على أبيكِ بعد اليوم).
ودخل عليه أسامة بن زيد وقد عجز عن الكلام، فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها عليه ويدعو له.
ولما كان يوم الاثنين الأخير، خرج - صلّى الله عليه وسلَّم - إلى الناس، وهم يصلون الصبح خلف أبي بكر، وجعل ينظر إليهم وهو يبتسم، فانتبه المسلمون فكادوا يُفتتنون في صلاتهم فرحاً برؤيته، فأشار إليهم أن اثبتوا، وتبسمَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- وعاد إلى حجرته.
وظن النّاس أن هذا الخروج يُبشر بشفائه، فلما قضيت الصلاة، سار الناس في حوائجهم، وخرج أبو بكر إلى بعض نواحي المدينة لحاجته. (ص: 370)
وعاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إلى حجرة عائشة، وخرج عليٌّ إلى الناس فقالوا له: كيف أصبح رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً، ولكنها كانت صحوة الموت، ثم ثقل المرض برسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فاضطجع في حجرة عائشة، وجعل ينظر إلى سواك في يد رجل، فناولته عائشةُ إياه بعد أن لَيَّنتْهُ، وجعل يستاك به استياكاً شديداً، ثم وضعه وبه رهق شديد، ثم ثوى رأسه الشريف على كتف عائشة واشتد منه النزع، وكان من آخر ما سُمع من كلامه:
الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم...
استوصوا بالنساء خيراً...
ثم أرغى فمه بآخر كلمة سُمعت منه:
بل الرفيق الأعلى من الجنة! !
وفاضت روحه- صلّى الله عليه وسلَّم -.
ونزل الخبر كالصاعقة على أسماع المسلمين، فانطلقت عواطفهم المكبوتة في ثورة جامحة، وصاروا كالقطيع الهائج في الليلة الشاتية.
وقام عمر بن الخطاب، فاخترط سيفه وصعد على المنبر وقال: إن أُناساً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات، وإن رسول الله لن يموت حتى يُفني المنافقين، وإنما غاب أربعين ليلة كعدة موسى في بني إسرائيل، وأيما رجل قال إن محمداً قد مات ضربته بسيفي هذا! !. وكانت ساعة عصيبة قاسية.
ثم حضر أبو بكر الصديق وكان بظاهر المدينة في بعض حاجته، وعمر على المنبر، فمشى حتى دخل حجرة عائشة، فكشف الغطاء عن وجهه - صلّى الله عليه وسلَّم -، فقبَّله من بين عينيه وقال: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حياً وميتاً، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موت أبداً).
ثم خرج حتى أتى المنبر وعليه عمر بن الخطاب يتهدد الناس، فقال: على رِسلك يا عمر، حتى نزل عمر بن الخطاب، وقام أبو بكر على المنبر فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت !.
ثم قرأ: {وما مُحَمَّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلَتْ مِن قبلِهِ الرُّسلُ أفإن ماتَ أو قُتِلَ انقلبتُم على أعقابكُم ومن ينقلب على عقبيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شيئاً وسَيَجزي اللهُ الشاكرين} .
فقال عمر بن الخطاب: فوالله كأن الآية ما نزلت إلا يومئذٍ، وكأني لم أقرأها من قبل، وقرأ أيضاً: {إنَّك مَيّتٌ وإنَّهُم مَيّتونَ} (ص: 371)
الصفحة الأخيرة
برجع لك بامطلوب اختي
ان شاء الله