السيفُ البتّارُ لمن نسبَ لله اسم السَّتّار !

ملتقى الإيمان

بِسْمِ اللهِ الرَّحمن ِالرَّحيمِ
أولاً : سببُ طرحي لهذا الموضوعِ ما قام به أحدُ الإخوةِ من الحديثِ في أسماء الله ، حيثُ أنَّهُ طرحَ قضيةً لا أرى طرحها في مثل هذهِ المنتدياتِ والتي أغلبُ أهلها من عوامّ النَّاس ، فقضية أسماءِ الله وصفاتهِ من القضايا العقديةِ والتي ضلت فيها كثيرٌ من الطوائفِ كالمعتزلةِ والرافضيةِ والكرامية .. إلخ فقضية اشتقاق صفاته من اسمائه أو اشتقاق اسمائهِ من صفاته من القضايا المتعلقةِ بذات الله ، والتي أرشدنا إليها في كثيرٍ من آياته البينات .
وسأضربُ لذلكَ أمثلةً للتوضيح ، بينَ الإسهاب والإطناب ، سالكاً نهجَ السلفِ الصالحِ ، ملتزماً الكتاب والسنة ، فلنَ أصورُ الحقَ في صورةِ باطلٍ ، ولا الباطل في صورةِ حقٍ .
ثانياً : الصحيح أنه لا يصح اشتقاق الاسم مِن الصِّفَة ، والذي عليه عامة أهل العلم أنَّ الاسم يُشتق مَنه صِفَة ولا عكس َ.
فلا يصحُ اشتقاقُ اسمِ ( السَّتار ) مِن صِفّة " السّتر ِ" .
كما لا يصح اشتقاق اسم ( الْمَاكِر ) مِن صِفَة " المكر " ، وهي صِفَة ثابتة لله عَزّ وَجَلّ .
ولا اسم ( الخادع ولا المخادِع ) مِن صِفَة " الخداع " .
وكذلك صِفَة الاستهزاء بالكافرين والمنافقين .
وكذلك صِفَة الكلام وصِفة الغضب ..
ومَن قالَ باشتقاقِ الاسمِ مِن الصّفةِ لَزِمَهُ أنْ يُثبتَ هذهِ في الأسماءِ ، وهذا لا يقول به أحد مِن أهل السنة .
والعلماء يُثبِتون لله عَزّ وَجَلّ صِفَة السّتر ، واسم " السّتّير " ، ولا يُثبِتون اسم الساتر .


وذلك لأن أسماء الله توقيفية ، لا يُسمّى الله عَزّ وَجَلّ إلاّ بما سمى نفسه به ، وبِما سَمَّاه به رسوله
_ صلى الله عليه وسلم _ .
قال الإمام السمعاني :
اعْلَم أن أسماء الله تعالى على التوقيف ، فإنه يُسَمَّى جَواداً ولا يُسَمَّى سَخِيًّا ، وإن كان في معنى الجواد ، ويُسَمَّى رَحِيمًا ولا يُسَمَّى رَقيقاً ، ويُسَمَّى عَالِمًا ولا يُسَمَّى عَاقِلاً
وقال ابن القيم : ويجب أن يُعلم هنا أمور :
أحدها : أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كالشيء والموجود والقائم بنفسه ، فإنه يُخْبَر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصِفاته العليا .
فنقولُ : الله موجود ولانقول " موجود " اسم أو صفةٌ لله !
والله قائمٌ بنفسه ولا نقولُ " قائم بنفسه" اسمٌ أو صفةٌ لله !
الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمالٍ ونقص ٍلم تدخل بمطلقها في أسمائه ، بل يُطْلَق عليه منها كمالها ، وهذا كَالْمُرِيد والفَاعِل والصانع ، فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ، ولهذا غَلِط مَن سَمَّاه بالصانع عند الإطلاق ، بل هو الفَعَّال لِمَا يُريد ، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ، ولهذا إنما أطْلَق على نفسه مِن ذلك أكْمَله فِعْلا وخَبَرا .
الثالث : أنه لا يلزم مِن الإخبار عنه بالفِعل مُقَيَّدًا أن يُشْتَقّ له منه اسْم مُطْلَق ، كمَا غَلِط فيه بعض المتأخرين ، فجعل من أسمائه الحسنى (الْمُضِلّ ) ، و( الفَاتِن ) ،و(الْمَاكِر ) ، تعالى الله عن قولهم ، فإن هذه الأسماء لم يُطْلَق عليه سبحانه منها إلاَّ أفعال مخصوصة مُعَيَّنة ، فلا يجوز أن يُسَمَّى بِأسْمَائها .
ثالثاً: في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة مانصهُ :
أسماء الله توقيفية ، فلا يُسَمَّى سبحانه إلاَّ بما سَمّى به نفسه ، أو سَمَّاه به رسوله _ صلى الله عليه وسلم _ ، ولا يجوز أن يُسْمَّى باسْم عن طريق القياس ، أو الاشتقاق مِن فِعْل ونحوه ، خِلافا للمعتزلة والكُرّاميّة ، فلا يجوز تسميته ( بَنّاءً )، ولا ( مَاكِرا ) ، ولا ( مُسْتَهْزئا ) ؛ أخْذًا مِن قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) ، وقوله :
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) ، وقوله : (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، ولا يجوز تسميته: ( زارِعا) ولا ( مَاهِدا ) ، ولا ( فَالِقًا) ، ولا (مُنْشِئًا) ، ولا ( قَابِلاً )، ولا (شَدِيداً ) ، ونحو ذلك ؛ أخْذًا مِن قوله تعالى :
{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ }
وقوله: { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }
وقوله: { أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ) ، وقوله تعالى : (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) ، وقوله :
(وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) ؛ لأنها لم تُسْتَعْمَل في هذه النصوص إلاَّ مُضَافة ، وفي إخبارٍ على غير طريق التسمي ، لا مُطْلَقة ، فلا يجوز استعمالها إلاَّ على الصفة التي وَرَدَت عليها في النصوص الشرعية .
" فيجب ألاَّ يُعَبَّد في التسميةِ إلاَّ لاسْمٍ من الأسماءِ التي سَمَّى بها نفسه صريحاً في القرآن ، أو سَمَّاه بها رسوله
_ صلى الله عليه وسلم _ فيما ثبت عنه مِن الأحاديث ".
وفيها أيضا : سَمَّى الله نفسه بأسماءٍ في مُحْكَمِ كِتابه ، وفيما أوْحَاه إلى رسوله _ صلى الله عليه وسلم_ مِن السنةِ الثابتةِ ، وليس مِن بينها اسمُ ( الفَضِيل ) ، وليس لأحدٍ أن يُسَمّيه بذلك ؛ لأن أسْمَاءه تعالى توقيفية ، فإنه سبحانه هو أعلم بما يَليق بِجَلاله ، وغيره قاصِر عن ذلك ، فمن سَمَّاه بغير ما سَمّى به نفسه أو سَمَّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ألْحَد في أسمائه ، وانْحَرَف عن سواء السبيل .
رابعاً : صفات الله لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله فلا يشتق من صفة المشيئة اسم ( الشائي) ، ولا من صفة المجيء اسم ( الجائي ) ، ولامن صفة النزول اسم ( النازل )
فلانتبعدُ الله بها ونقول : يا جائي اغفر لي ، ولا يا نازل ارحمني ، ولا يا شائي وفقني ! .
قال الإمام أحمد - رحمه الله- : "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
ولا مجال للعقل فيها فلا يسمى الله عز وجل إلا بما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل قاصر عن معرفة مايستحقه الله تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص والدليل قوله تعالى:
(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) فوجب سلوك الأدب مع الله والاقتصار على ما جاء ت به النصوص فهذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد ؛ ولذا لا يسمى الله سبحانه بالعارف ولا يوصف بالعاقل ولا يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة اسماً لله تعالى ، مثل اسم (المنتقم) ؛لأنه لم يرد إلا مقيداً في قوله تعالى:
( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُون )
والخلاصة: أن التوقيف في أسماء الله معتبر، والإذن في جوازها منتظر، فلايسمى الله إلا بما ورد به الخبر.
و باب الصفات أوسع من باب الأسماء .
فكل اسم من أسماء الله يجوز أن يشتق منه صفة لله عز وجل ، فالعليم يشتق منه صفة العلم، والحكيم يشتق منه صفة الحكمة ، ولكن ليس كل صفة يؤخذ منها اسم لله , مثل الكلام صفة لله عز وجل ولكن الله سبحانه ليس من أسمائه المتكلم ! ومن أجل ذلك كان باب الصفات أوسع من باب الأسماء ، فالله يوصف بصفات كالكلام، والإرادة، والاستواء، والنزول، والضحك، ولا يشتق له منها أسماء ، فلا يسمى بالمتكلم ، والمريد، والمستوي، والنازل، والضاحك، لأنها لا تدل في حال إطلاقها على ما يحمد الرب به ويمدح ، وفي المقابل هناك صفات ورد إطلاق الأسماء منها كالعلو، والعلم، والرحمة والقدرة ، لأنها في نفسها صفات مدح والأسماء الدالة عليها أسماء مدح فمن أسمائه: العلي، والعليم، والرحيم، والقدير.
و الأسماء الحسنى لا تحدّ بعدد ولا تدخل تحت حصر ، فإنَّ لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما في قوله صلى الله عليه وسلم :
(أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ).
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح أسماء الله الحسنى
(فإن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة))
فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: "إنَّ أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة" أو نحو ذلك إذن فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله: (من أحصاها دخل الجنة) جملة مكملة لما قبلها، وليست مستقلة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة .
خامساً : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف قال شيخ الإسلام ابن تيميه في (الفتاوى) (ص 383 جـ6) من (مجموع ابن قاسم): تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وقال قبل ذلك ص 379: إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه .
وقال ابن حجر في (فتح الباري) (ص215 جـ11) ط السلفية: ليست العلة عند الشيخين (البخاري ومسلم)، تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج ولما لم يصح تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه، وروي عنهم في ذلك أنواع وقد جمعت تسعة وتسعين اسماً مما ظهر لي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
فلا يُشْتَقّ له مِن كل فِعْل اسْم ، وإنما يُشْتَقّ له مِن كُل اسْم صِفة ، مثل الرحمن الرحيم ، يُشْتَقّ منهما صِفَة الرحمة ، .وأما قول : " يا ستار يارب " فليس فيه إثبات اسم( الستّار ) ، وهو مِن باب الدعاء ، وباب الدعاء أوسَع مِن باب الأسماء ؛ لأن الله يُدْعَى بأسمائه وصفاته .
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا السؤال :
هل يجوز قول الإنسان عند الاستعانة مثلا - بالله عز وجل : يا مُعِين ، يا رب ، أو عند طلب التيسير ، : يا مسهل ، أو يا ميسر يا رب ، وما الضابط في ذلك ؟ وما حكم من يقول ذلك ناسيًا أو جاهلا أو متعمدًا ؟
فأجابتْ اللجنة : يجوز لك أن تقول ما ذكرت ؛ لأن المقصود من المعين والمسهل والميسر في ندائك هو الله سبحانه وتعالى ؛ لتصريحك بقولك : يا رب ، آخر النداء ، سواء قلت ذلك ناسيًا أو جاهلا أو متعمدًا . وبالله التوفيق . والله تعالى أعلم .
14
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نور S
نور S
جزاك الله خير
أمل بعد ألم
أمل بعد ألم
*اللهم ارزقني حسن الخاتمة*
*اللهم ارزقني الموت وأنا ساجد لك يا ارحم الراحمين*
*اللهم ثبتني عند سؤال الملكين*
*اللهم اجعل قبري روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار*
*اللهم إني أعوذ بك من فتن الدنيا*
*اللهم أني أعوذ بك من فتن الدنيا*
*اللهم أني أعوذ بك من فتن الدنيا*
*اللهم قوي إيماننا ووحد كلمتنا وانصرنا على أعدائك أعداء الدين*
*اللهم شتت شملهم واجعل الدائرة عليهم*
*اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان*
*اللهم ارحم إبائنا وأمهاتنا واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وأدخلهم فسيح جناتك**
*وبارك اللهم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم*
القــــرآن في قلبي
اميرة بدلالي
اميرة بدلالي
جزاك الله خيرا
نسكافه بالحليب
نفع الله بك