ليس هناك من مفر أو مهرب من النقد، طالما كان الإنسان منتجًا وفعَّالًا وناجحًا وطموحًا، فكما قيل في المثل قديمًا: (الشجرة المثمرة لابد وأن تُقذف بالحجارة).
تختلف أنواع النقد بحسب اختلاف دوافعه, ونستطيع أن نقسمه إلي قسمين رئيسيين وهما:
1. النقد الموضوعي أو البناء:
وهو الذي يخلو من التجريح الشخصي ويشيد بجوانب الكمال في العمل، وبعدها يركز على جوانب النقص فيه دون مبالغة, ولا يكتفي بهذا بل تجده يضع الحلول المناسبة ويوضح كيفية استكمال العمل على أتم وجه.
2. النقد الظالم المغرض أو الهدَّام:
وهو ذاك النقد الذي يستغل النقص في العمل من أجل النيل ممن قام به، وتجريحه والتشفي منه ورميه بما ليس فيه، مع عدم الاهتمام بتصويب العمل أو التبني لما فيه من كمال وحق, وهذا هو النوع الذي يجب على كل سائر في طريق الناجحين أن يتغلب عليه، ولكني أبشرك بأن هذا النوع ما هو إلا مدح خفي، فكما يقول الشاعر:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهموا ومات أكثرنا غيظًا بما يجد
من أي الفرق أنت؟
يختلف الناس في استجاباتهم وردود أفعالهم تجاه النقد إلى أربعة فرق، كل فريق يتبني استراتيجية خاصة به في التعامل مع النقد، وذلك كما يلي:
1. استراتيجية الهجوم:
وتعتمد تلك الاستراتيجية على الرد المضاد وبشكل مباشر، وبنفس لغة الناقد؛ وهذا قد يزيد الطين بِلة، فهذا النوع يُورث جدلًا عقيمًا، ولن يزيد أطرافه إلا عنادًا واستكبارًا؛ حتى ولو كنت تملك من الحجج والبراهين المؤيدة لوجهة نظرك؛ فإن خصمك لن يستمع ولن ينصت لما تقول.
ومصداق ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا).
2. استراتيجية التجاهل:
بمعنى أن يَصُم كل واحد منا أذنه عن سماع النقد، وكأن شيئًا لم يحصل, وهذا النوع من التصرف قد يكون ذا جدوى مع الناقد العنيد الذي لا همَّ له إلا النقد وحسب، ولكن ذلك لا يعفينا من أن نُبيِّن وجهة نظرنا، فإن التجاهل المستمر لهؤلاء، قد ينفع في بعض الأحيان، ولكنه مع كثرة النقد سيؤثر في انفعالاتنا سواءً مع أنفسنا وأحبابنا أو تجاه أولئك الأشخاص.
وقد تكون الحكمة العربية عن الجمل خير استشهاد لنا في ذلك؛ فإن الجمل يراكم المشاكل والأحقاد السنين تلو السنين؛ وبعد ذلك ينفجر غاضبًا.
3. استراتيجية التأني والتمهل:
وتعني التريث في الرد على الناقد، والتفكير مليًا، وربما مشاورة الآخرين بما يمكنك أن تفعله مع الناقد؛ حتى ترى أنك قد أعددت شيئًا جيدًا للرد عليه، وبشكل مناسب ومعقول؛ وربما تكتشف بتريثك أنك على خطأ فعلًا؛ فيمكننا مراجعة أنفسنا، واستشارة أناس حياديين تجاه الموضوع، عندها ستتضح لنا الصورة كاملة وبكل موضوعية.
4. استراتيجية الأرض المشتركة:
وشعارها هو (الحكمة في إيقاف النقد والهجوم)، هادفًا بذلك إلى تلطيف الجو، والجلوس مع الناقد في جوٍّ أخويٍّ حواريٍّ؛ الهدف منه هو الوصول إلى الحق، وبيان وجهات النظر بعيدًا عن التعصب.
فالحكيم هو من يجد له من رأي الطرف الآخر مدخلًا حتى ولو كان صغيرًا؛ كي يتفق مع الناقد فيه، حتى يسهل وييسر الحوار الهادف, وقد يكون هذا الخيار أصعبها؛ ولكنه من أفضل الخيارات في الوصول إلى الحق، وتربية النفوس على المحبة والإخاء، والبعد عن الفرقة والعداوة؛ فكل نقد نتعامل معه بهذه الطريقة سيجعل منَّا مجتمعًا متآلفًا متحابًا.
الوسائل السبعة للتعامل مع النقد:
وإليك عزيزي القارئ سبعة وسائل مفيدة للتعامل مع النقد بحكمة وروية؛ من أجل الاستفادة منه، والابتعاد عن آثاره السلبية:
1. سل نفسك: ما الذي أتعلمه من النقد؟ وحتى وإن كان النقد جارحًا، فيجب على الأقل أن أتعلم منه شيئًا، وقد يكون به شيءٌ من الحقيقة؛ فأنا أدرى وأعلم بنفسي من غيري.
2. ركِّز على الحقيقة والمحتوى في النقد، لا على لغة الخطاب ونبرة الكلام؛ فهذا كفيل بأن يجعلنا مدركين لموضوع ومغزى النقد.
3. علِّم نفسك دومًا بأن النقد له قيمة؛ حتى ولو بنسبة ضئيلة, فالنقد في كثير من الأحيان يعلمنا كيف نسير في الاتجاه الصحيح، فلو أننا نتبع دومًا كل مدَّاح ومصفِّق، فلن نتعلم أبدًا، وسنقع في إخفاقات كثيرة.
4. لا تأخذ النقد بحساسية وبشكل شخصي، فغالبًا ما يسبب هذا السلوك الكثير من المشاكل التي تزيد النقد تعقيدًا.
5. تجاهل الكلمات والعبارات الجارحة في النقد؛ فإن هذا يساعد على فهم حقيقة النقد بوضوح، كما أنه كفيلٌ بأن يبعدنا عن الهبوط إلى مستوى لا يليق بنا.
6. لا تتعجل في الرد، وخذ وقتك في التفكير، ولا تقلق ممن يستهزأ بك أو بضعف شخصيتك، وكن دومًا واثقًا بنفسك؛ فإن الانتصار الحقيقي، ليس إسكات وإفحام الطرف الآخر؛ بل هو السعي في بيان الحق.
7. تبسم، فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وإن هذه الصدقة حتمًا ستُساعدك على الصبر والاسترخاء، وستساعد منتقدك على الهدوء قليلًا.
روتين مميز @rotyn_mmyz
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
ودي وتقديري ...