الشريط الثاني من شرح عمدة الأحكام
الوجه الأول
يقول فضيلة الشيخ : محمد المختار الشنقيطي ـ حفظه الله تعالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين و على آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين و من سار على نهجهم إلي يوم الدين
أما بعد
فيقول المصنف ـ رحمه الله :
كتاب الطهارة
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمرَ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعتُ رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ــى ـ يقول : " إنما الأعمال بالنيات ـ و في رواية بالنية ـ و إنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يُصِبُها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه " متفقٌ عليه .
الكلام في هذا الموضع في ثلاث مسائل :
المسألةُ الأولى : في وجه تقديمِ المصنف ـ رحمه الله ـ لكتاب الطهارة و استفتاحِ تأليفه به .
و المسألة الثانية : في تقديمِ حديثِ عمر ـ رضي الله عنه ـ على غيره .
والمسألة الثالثة : في شرح الحديثِ وبيان معانيه و ما يُستنبط منه .
أما المسألةُ الأولى : فمن المعلومِ أنّ المُصنف ـ رحمه الله ـ قد خصّ هذا الكتاب بالأحكام
وقد تقدم أنّ أحكام الشريعةِ تنقسم إلي قسمين : عباداتٍ ومعاملات
فلما بيّن ـ رحمه الله أنه سيتكلم على الأحاديثِ المتعلقةِ بالأحكام ، فإنّ معنى ذلك أن يُقدم الكلام على العبادات و يجعله أساسا لأننا قلنا أن الأحكام على قسمين : عباداتٍ ومعاملات ، و إذا ثبت هذا فإن العبادات مقدمة ٌ على المعاملات لأن العبادات متمحضة ٌ في مقصدِ الشرع كما دلّ على ذلك قولُه تعالى : { وما خلقتُ الجنَ والإنسَ إلا ليعبدون } وليس معنى هذا أنّ المعاملات لا تُنسبُ إلى الشريعة بل المراد أنّ العبادات ألصق منها من المعاملات بأصول الشرع لأن المعاملات تشوبها شائبة الدنيا كما هو معلوم
إذا ثبت هذا .. وهو أنّ العبادات ينبغي أنّ يتقدم الكلام عليها .. فإنّ العبادات تنقسمُ إلى ثلاثة أقسام :
عبادة ٌ بدنية ٌ محضة
وعبادة ٌ مالية ٌ محضة
و عبادة ٌ جامعة ٌ بين الوصفين بدنية و مالية
أمّا العبادات البدنية المحضة فمنها : الصلاة والصوم
و أمّا العبادات المالية المحضة : فالزكاة
و أما العبادة التي جمعت بينهما : كالحج
إذا تقرر هذا فإنهُ يتبين لنا أنّ العبادات على هذه الأقسام ، و عليه فإن الصلاةَ عبادة ٌ بدنية ومن عادة أهل العلم ـ رحمهم الله ـ أنهم إذا أرادوا بيان أحكام العبادات قدموا الكلام على الصلاة على سائر الأركان الباقية لما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمعاذٍ لما بعثه إلي اليمن : " إنك تأتي قوماً أهل كتابٍ فليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده ورسوله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات "
فقدم الصلاة على الزكاة على بقية أركان الإسلام فدلّ هذا على أنها آكدُ من غيرها ولذلك هي عمود الإسلام كما ورد بذلك الخبر
إذا تبين لنا أنه ينبغي أن يبتدئ المصنف بالعبادات و أنّ العبادات على أقسام و أهمها عبادة الصلاة فإنه ينبغي أن يُعلم أنّ العبادة تتضمن أمرين :
المقصد و الوسيلة
فالمقصد من عبادة الصلاة فعلُ أركانها المتعلقة بذات الصلاة
و أمّا الوسيلة فهي الشروط التي تسبق الصلاة كالطهارة ونحو ذلك من الأمور التي ينبغي أن يستجمعها المصلى لكي يُحكم بصحةِ صلاته
إذاً ثبت أن الصلاة فيها أمران : الوسيلة والمقصد
وبناءاً على ذلك فإننا إذا أردنا أن نتكلم على أحكام الصلاة فينبغي أنّ نُقدم الكلام على الوسائل على الكلام على الكلام على المقاصد كل هذا الكلام نريدُ أنّ نُقرر به أنّ المصنف ـ رحمه الله ـ ابتدأ بكتاب الطهارة قبل كتاب صفة الصلاة لأن الإنسان يُخاطب بالوضوء قبل الصلاة فكان في ذلك جريان ٌ مع أصلِ الشرع الذي دلت عليه نصوص الكتابِ و السنة من قوله جل و علا : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم }
فأمر بالوضوءِ قبل القيامِ إلى الصلاة
وبناءاً على ذلك فإنه يتبينُ لنا لماذا أهلُ العلمِ يقدمون كتابَ الطهارةِ على كتابِ الصلاة ، لأنه لرُبما قال قائل : قد كان من المنبغي أن يستفتحَ كتابَهُ بكتابِ الصلاة
لكن تبين أن الحديثَ عن الطهارة المقصود منه التمهيدُ لبيانِ أحكام الصلاة

جمانة الروح @gman_alroh
عضوة فعالة
الشريط الثاني من شرح عمدة الأحكام للعلامة : محمد المختار الشنقيطي ـ حفظه الله تعالى
10
752
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

يقول ـ رحمه الله :
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمرَ بن الخطاب ـ رضي الله عنه
هو أميرُ المؤمنين و ثاني الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن الخطاب بن نـُفيل بن عبد العزى بن رِياح بن عبد الله بن قـُرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي يلتقي مع النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ في جده كعب بن لؤي
ولد ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه بمكة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة و نشأ ـ رضي الله عنه ـ عزيزاً في قومه حتى كانت قريش تبعثه في شأن السفارة بينها وبين القبائل
فيما يقعُ بينهم من أمور فكانت له جلالة قدره وعزة المكانة بين قومه
ولما أراد الله عز وجل بعثة نبيه شاء سبحانه أن يكون لهذا الدين مُفارقا و لأصحاب رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ مُجانبا
ولكن أصابته دعوة رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ حيث ُ قال : " اللهم أعزّ الإسلام بأحدِ العمرين " يعنيه ويعنى عمرو بن هشام أبا جهل ٍ ـ لعنه الله .
فأصابت الدعوة عمر بن الخطاب ـ رضي الله وأرضاه ـ و قصة إسلامه معروفة مشهورة لكن فيها حكمة بالغة وعظة عظيمة
ذلك أن هذا الرجل جاء حاملاً سيفه لقتلِ رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ الذي سفـّه الأحلام و سبّ الأصنام و لكن يأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يجعل ذلك الغيظ الموجود في صدر عمر سبباً في رجوعه إلى الإسلام وتوبته
وهذا يدل دلالة واضحة على أن الهداية مردها إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ و أن الرجل قد تراه كأشد ما ترى من رجلٍ معادٍ لدينِ الله وشرع الله و يشاء الله عز وجل أن ينقلب على خلاف ذلك
ومن ثم ذهب طائفة من أهل العلم ـ رحمهم الله ـ إلى أنه لا يجوز لعنُ الكافر المعينِ أو الدعاء ِ عليه لاحتمال أن يتوب فيتوب الله عز وجل عليه
و احتجوا بقوله تعالى لما قنط رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ يدعو على رِعْلٍ و ذكوان وعُصَيـّة عصت الله ورسوله ، أنزل الله عز وجل عليه : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }
فمحل الشاهد : أن الله تبارك وتعالى تداركه
ولما سأله عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ متى سُميتَ الفاروق فقصّ عليه الخبر وهو أنه ـ رضي الله عنه ـ لما دخل قلبَه الإسلام مضى إلى رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ في دارِ الأرقم فتشهد وأعلن إسلامه فقال :يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا و إن حيينا
قال صـلـ الله عليه وسلم ــى : و الذي نفسي بيده أنتم على الحق إن متم أو حييتم
فقال : يا رسول الله اخرج بنا فاصدع بما أمرك الله
فخرج رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ و المسلمون معه صفين وكانت تلك أول حادثة يجهر فيها أمام قريش ببعض شرائع الإسلام ، فسمي الفاروق من ذلك اليوم
وشاءَ اللهُ عز وجل له أن يكون مع رسوله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ من خِيارِ أصحابه ، وكان ـ رضي الله عنه ـ له مواقفه في الصدعِ بالحق وكان سديداً في رأيه
و في الصحيحِ عنه عليه الصلاة والسلام في بيانِ مناقب هذا الرجل وهذا الإمام من أئمة المسلمين أنه قال : " إنه قد كان فيمن قبلكم مُحـَدّثـُون ( أي مُلهَمُون للصواب ) إن يكن في أمتي فعمر "
كان ـ رضي الله عنه ـ مُحدّثاً مُلهما حتى قال عبد الله بن عمر :والله ما رأيت أبي قال للشيء أُراه كذا أو أظنُه كذا إلا كان كما قال .
وقد نزل الوحي بلسانه في أكثر من موضع ومن أشهرها قصته ـ رضي الله عنه ـ في أسرى بدر فإنه أشار على النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ فيهم برأيه فأخذ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ برأي أبي بكر ، فنزل القرآن برأي عمر حتى قال ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " لو نزل من السماءِ عذابٌ ما نجا منه إلا عمر " وهذا يدل على فضله وعلو منزلته في الإسلام
ثم شاءَ الله عز وجل له أن يكون خليفة لخليفة رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ فسار بالمسلمين سيرةً حسنة وكانت خلافته رحمة للمسلمين ، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه وأرضاه
وكان كأحسن ماءٍ ثراءٍ من عدلٍ و استكانةٍ و ذلةٍ للهِ تبارك وتعالى
وحجّ آخر حجة حجها ـ رضي الله عنه ـ فنزل بالأبطح وجمع كوماً من التراب فقال :
قد كنتُ أرعى لأبى الخطاب في هذا الموضع إبلاً وكان رجلاً فظاً غليظاً يضربني ، ثم لم تزل يا ابن الخطاب حتى أسلمتَ وصحبتَ رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ ثم لم تزل يا ابن الخطاب حتى صرت إماماً للمسلمين ، ويحك يا عمر إن لم تعدل ، ويحك يا عمر إن لم تعدل
فيأخذه البكاءُ ـ رضي الله عنه و أرضاه .
و في آخرِ حجة حجها صدع في ذلك الموقفِ بدعوته المشهورة :
اللهم كبرت سني ورقّ عظمي وانتشرت رعيتي ، اللهم اقبضني إليك غير مُفـرّطٍ ولا مُضيّع
فرجع إلى المدينة فما عاش بعدها إلا أياماً ثم قُتل ـ رضي الله عنه وأرضاه .
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمرَ بن الخطاب ـ رضي الله عنه
هو أميرُ المؤمنين و ثاني الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن الخطاب بن نـُفيل بن عبد العزى بن رِياح بن عبد الله بن قـُرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي يلتقي مع النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ في جده كعب بن لؤي
ولد ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه بمكة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة و نشأ ـ رضي الله عنه ـ عزيزاً في قومه حتى كانت قريش تبعثه في شأن السفارة بينها وبين القبائل
فيما يقعُ بينهم من أمور فكانت له جلالة قدره وعزة المكانة بين قومه
ولما أراد الله عز وجل بعثة نبيه شاء سبحانه أن يكون لهذا الدين مُفارقا و لأصحاب رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ مُجانبا
ولكن أصابته دعوة رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ حيث ُ قال : " اللهم أعزّ الإسلام بأحدِ العمرين " يعنيه ويعنى عمرو بن هشام أبا جهل ٍ ـ لعنه الله .
فأصابت الدعوة عمر بن الخطاب ـ رضي الله وأرضاه ـ و قصة إسلامه معروفة مشهورة لكن فيها حكمة بالغة وعظة عظيمة
ذلك أن هذا الرجل جاء حاملاً سيفه لقتلِ رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ الذي سفـّه الأحلام و سبّ الأصنام و لكن يأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يجعل ذلك الغيظ الموجود في صدر عمر سبباً في رجوعه إلى الإسلام وتوبته
وهذا يدل دلالة واضحة على أن الهداية مردها إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ و أن الرجل قد تراه كأشد ما ترى من رجلٍ معادٍ لدينِ الله وشرع الله و يشاء الله عز وجل أن ينقلب على خلاف ذلك
ومن ثم ذهب طائفة من أهل العلم ـ رحمهم الله ـ إلى أنه لا يجوز لعنُ الكافر المعينِ أو الدعاء ِ عليه لاحتمال أن يتوب فيتوب الله عز وجل عليه
و احتجوا بقوله تعالى لما قنط رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ يدعو على رِعْلٍ و ذكوان وعُصَيـّة عصت الله ورسوله ، أنزل الله عز وجل عليه : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }
فمحل الشاهد : أن الله تبارك وتعالى تداركه
ولما سأله عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ متى سُميتَ الفاروق فقصّ عليه الخبر وهو أنه ـ رضي الله عنه ـ لما دخل قلبَه الإسلام مضى إلى رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ في دارِ الأرقم فتشهد وأعلن إسلامه فقال :يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا و إن حيينا
قال صـلـ الله عليه وسلم ــى : و الذي نفسي بيده أنتم على الحق إن متم أو حييتم
فقال : يا رسول الله اخرج بنا فاصدع بما أمرك الله
فخرج رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ و المسلمون معه صفين وكانت تلك أول حادثة يجهر فيها أمام قريش ببعض شرائع الإسلام ، فسمي الفاروق من ذلك اليوم
وشاءَ اللهُ عز وجل له أن يكون مع رسوله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ من خِيارِ أصحابه ، وكان ـ رضي الله عنه ـ له مواقفه في الصدعِ بالحق وكان سديداً في رأيه
و في الصحيحِ عنه عليه الصلاة والسلام في بيانِ مناقب هذا الرجل وهذا الإمام من أئمة المسلمين أنه قال : " إنه قد كان فيمن قبلكم مُحـَدّثـُون ( أي مُلهَمُون للصواب ) إن يكن في أمتي فعمر "
كان ـ رضي الله عنه ـ مُحدّثاً مُلهما حتى قال عبد الله بن عمر :والله ما رأيت أبي قال للشيء أُراه كذا أو أظنُه كذا إلا كان كما قال .
وقد نزل الوحي بلسانه في أكثر من موضع ومن أشهرها قصته ـ رضي الله عنه ـ في أسرى بدر فإنه أشار على النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ فيهم برأيه فأخذ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ برأي أبي بكر ، فنزل القرآن برأي عمر حتى قال ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " لو نزل من السماءِ عذابٌ ما نجا منه إلا عمر " وهذا يدل على فضله وعلو منزلته في الإسلام
ثم شاءَ الله عز وجل له أن يكون خليفة لخليفة رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ فسار بالمسلمين سيرةً حسنة وكانت خلافته رحمة للمسلمين ، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه وأرضاه
وكان كأحسن ماءٍ ثراءٍ من عدلٍ و استكانةٍ و ذلةٍ للهِ تبارك وتعالى
وحجّ آخر حجة حجها ـ رضي الله عنه ـ فنزل بالأبطح وجمع كوماً من التراب فقال :
قد كنتُ أرعى لأبى الخطاب في هذا الموضع إبلاً وكان رجلاً فظاً غليظاً يضربني ، ثم لم تزل يا ابن الخطاب حتى أسلمتَ وصحبتَ رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ ثم لم تزل يا ابن الخطاب حتى صرت إماماً للمسلمين ، ويحك يا عمر إن لم تعدل ، ويحك يا عمر إن لم تعدل
فيأخذه البكاءُ ـ رضي الله عنه و أرضاه .
و في آخرِ حجة حجها صدع في ذلك الموقفِ بدعوته المشهورة :
اللهم كبرت سني ورقّ عظمي وانتشرت رعيتي ، اللهم اقبضني إليك غير مُفـرّطٍ ولا مُضيّع
فرجع إلى المدينة فما عاش بعدها إلا أياماً ثم قُتل ـ رضي الله عنه وأرضاه .

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمرَ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعتُ رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ــى ـ
السماع هو أقوى ألفاظ الرواية و النقل و أعلاها مرتبة وهو أقوى من قولِ المحدِّث :
حدثنا ، و هو شرط ُ الاتصال كما أشار إلى ذلك صاحبُ البيقونية ـ رحمه الله ـ بقوله :
وما بسمعِ كلُ راوي ٍ يتصل
إسنادُه للمصطفى فالمُتصل
فإذا صرّح الراوي بالسماع فقد نفى الواسطة َ بينه وبين من روى عنه ، ولذلك هذه الصيغة لا يدخلها الاحتمال
وإذا تعارضت روايتان إحداهما صرح الراوي فيها بالسماع ورواية أخرى قال فيها حدثنا أو عن فلان ، فإن راوية السماعِ أقوى وهي مقدمة ٌ على رواية العنعنة وغيرها
يقولُ :
سمعتُ رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ــى ـ يقول : " إنما الأعمال بالنيات
قال الإمامُ ابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ : إنما كلمة إنما للحصرِ كما تقرر في الأصول .
الحصر في اللغة : الحبس
ومنه قول الحق تبارك وتعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } أي مُنعتم عن الوصولِ إلى البيت في الحج و العمرة
وقولُهُ تدلُ على الحصر : الحصرُ في اصطلاحِ أهل البلاغة : تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بطريق ٍ مخصوص ، أو تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بأداةٍ مخصوصة
والمراد أو يعبرُ بعضهم بالقصر ، والقصرُ والحصرُ كلٌ منهما بمعنى
يقولُ عليه الصلاةُ و السلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
الأعمال : جمع عمل ، و العمل يشمل القولَ و الفعل ، لأن ما صدر من الجوارح يشملُ اللسان و يُصطلحُ على تسميتهُ بالقول و اللفظ
و يشمل ما كان بالجوارح كاليد من أخذٍ و إعطاء ، والرجل كالمشي .. كل هذا يُسمى عملا ويدخل في مسمى العمل فيشمل القولَ و الفعل
يقول عليه الصلاة و السلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
و النيات جمع نية و النيـّة بالتشديد والتخفيف : نيّـة و نِيَـة في اللغة : القصد
تقولُ : نويتُ كذا إذا قصدتَه ، أين أنتَ ذاهب ؟
تقول : أنوى مكة أي قاصدٌ إلي مكة
وأما في الاصطلاح فهو : قصدُ القربة ِ بالعبادة ، قصدُ التقرب إلى الله بالعبادة .
وهذا هو الاصطلاح الشرعي يُبينُ لنا رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ بهذه الجملة أن اعتبار الأعمال ِ عند اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ مرتبطٌ بالنية ، فإذا كان العمل قـُصِدَ منه وجه الله ـ عز وجل ـ كان ذلك العمل عبادة ً و طاعة ً و قربة ً للإنسان بشرطِ أن يكون ذلك العمل مشروعا
فقوله عليه الصلاة والسلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
مقيدٌ بقوله : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
ولذلك فإن العمل الذي يقوم به الإنسان لا يخلو من أمور :
الأمرُ الأول : أن يكون العملُ مشروعاً ، والنية ُ مشروعة
هذه الحالة الأولى ، أو كما يُعبّرُ العلماء يقولون :
أن يكون العملُ مشروعاً و القصدُ موافقا .
وهذه الحالة لا إشكال فيها ، أي أن العمل عبادة ٌ وقربة ٌ إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ و من أمثلةِ هذه الحالة : إذا صليتَ الظهرَ أو العصرَ قاصداً وجه الله ، فالعملُ مشروع و النية معتبرة ٌ شرعا فيصحُ العمل وتصحُ النية
ويترتبُ على صحة العمل ما يترتب من حصول الثواب لصاحبه
الأمر الثاني : أن يكون العملُ مشروعاً و النية ُمخالفة أو القصدُ مخالفا .
ومن أمثلةِ ذلك : من دخلَ يصلى العصر وقصدُه الرياءُ والسمعة ، فصلاة ُ العصرِ مشروعة ولكن قصدَ الرياء غيرُ مشروعٍ شرعا .. غير معتبرٍ شرعا
وحكم هذه الحالة : أن العملَ لا يُقبلُ من الإنسان ِ ، ولا يُعتبرُ موجباً لحصول ِ الثوابِ له في الآخرة
الحالة الثالثة : أن يكون القصدُ موافقا و العملُ مخالفا
كأن يأتي إنسان ويُحدث بدعة يقصد بها التقرب بها إلى الله عز وجل ، فالقصد موافق بأن يقصد التقرب إلى الله و التحبب إلى الله ، و لكن العملَ مخالفٌ لمقصودِ الشرع
وهذا هو الذي لبّس على كثيرٍ من العامة أنهم ينظرون إلى القصد و لا ينظرون إلى شرط اعتبار الشرعِ للعمل .
فلابد لكي يكون العملُ صحيحاً مقبولا من تحقق الأمرين :
ـ أن يكون القصدُ موافقـاً أي تقصدُ وجه الله ـ عز وجل ـ و مرضاة اللهِ بالعبادة
ـ وأن تكون تلك العبادة قد أذِنَ بها الشرع ودلت عليها نصوصُ الشرع
فإذا استجمعَ الأمرُ هاذين الوصفين فإنه يعتبرُ عملاً شرعيا وتترتبُ عليه الآثارُ الشرعية من القبولِ عند الله ـ سبحانه وتعالى .
قال بعضهم : أن الإنسان إذا كان قصدُهُ موافقـاً و العملُ مخالفا ـ كمن أحدث بدعة المولدِ مثلاً ـ فإنه يقول : قصدي محبة ُ رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ
قال البعض : إنه يؤجرُ من قصدِه ـ أنهُ قصدُه محبة النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ وهي معتبرة ٌ شرعا ـ ويأثمُ في فعله لأن الفعلَ مخالفٌ للشرع
و هذا القول مركبٌ على التفريقِ بين القصد ِ والعمل
و الصحيح : أن هناك ملازمة ً بين القصدِ و العمل ِ
ونقول : إنّ من قصدَ بتلك القربة ـ ولو قصدَ وجه الله ـ وكان ذلك العمل بدعة ٌوحدث فإنه لا يؤجر ، لا من قصدِهِ و لا من عملِهِ ، لقول اللهِ تبارك وتعالى : { فمن كان يرجو لقاءَ ربه فليعمل عملاً صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا } فاشترط الأمرين : صحة ُ العمل وأن يكون العبدُ غير مشركٍ لله تبارك وتعالى في نيته .
فهذا يدل على أنه ينبغي أن يستجمع العمل الأمرين : صحة ُ المقصد ، وصوابُ العمل ولذلك
قال الفضيلُ بن عِياض ٍ ـ رحمه الله ـ :إنّ العملَ لا يكونُ صالحاً إلا إذا كان خالصاً صوابا .
خالصاً : أي تقصدُ وجه الله عز وجل به .
وصواباً : أي على منهج الشرع
لأنه لا يُقالُ للإنسان أو لا يوصف العبد بكونِه مصيباً إلا إذا كان على جادةِ الحقّ و الصراطِ المستقيم فيقالُ أصابَ يعنى : أصابَ الطريق المستقيم .
فالمقصود لابد من الأمرين ودليلنا على ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ " أي مردودٌ عليه
وإذا كان العملُ ردّ فإن النية وجودها صالحة ً أو غير صالحة كلُهُ على حدٍ سواء
السماع هو أقوى ألفاظ الرواية و النقل و أعلاها مرتبة وهو أقوى من قولِ المحدِّث :
حدثنا ، و هو شرط ُ الاتصال كما أشار إلى ذلك صاحبُ البيقونية ـ رحمه الله ـ بقوله :
وما بسمعِ كلُ راوي ٍ يتصل
إسنادُه للمصطفى فالمُتصل
فإذا صرّح الراوي بالسماع فقد نفى الواسطة َ بينه وبين من روى عنه ، ولذلك هذه الصيغة لا يدخلها الاحتمال
وإذا تعارضت روايتان إحداهما صرح الراوي فيها بالسماع ورواية أخرى قال فيها حدثنا أو عن فلان ، فإن راوية السماعِ أقوى وهي مقدمة ٌ على رواية العنعنة وغيرها
يقولُ :
سمعتُ رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ــى ـ يقول : " إنما الأعمال بالنيات
قال الإمامُ ابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ : إنما كلمة إنما للحصرِ كما تقرر في الأصول .
الحصر في اللغة : الحبس
ومنه قول الحق تبارك وتعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } أي مُنعتم عن الوصولِ إلى البيت في الحج و العمرة
وقولُهُ تدلُ على الحصر : الحصرُ في اصطلاحِ أهل البلاغة : تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بطريق ٍ مخصوص ، أو تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بأداةٍ مخصوصة
والمراد أو يعبرُ بعضهم بالقصر ، والقصرُ والحصرُ كلٌ منهما بمعنى
يقولُ عليه الصلاةُ و السلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
الأعمال : جمع عمل ، و العمل يشمل القولَ و الفعل ، لأن ما صدر من الجوارح يشملُ اللسان و يُصطلحُ على تسميتهُ بالقول و اللفظ
و يشمل ما كان بالجوارح كاليد من أخذٍ و إعطاء ، والرجل كالمشي .. كل هذا يُسمى عملا ويدخل في مسمى العمل فيشمل القولَ و الفعل
يقول عليه الصلاة و السلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
و النيات جمع نية و النيـّة بالتشديد والتخفيف : نيّـة و نِيَـة في اللغة : القصد
تقولُ : نويتُ كذا إذا قصدتَه ، أين أنتَ ذاهب ؟
تقول : أنوى مكة أي قاصدٌ إلي مكة
وأما في الاصطلاح فهو : قصدُ القربة ِ بالعبادة ، قصدُ التقرب إلى الله بالعبادة .
وهذا هو الاصطلاح الشرعي يُبينُ لنا رسول الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ بهذه الجملة أن اعتبار الأعمال ِ عند اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ مرتبطٌ بالنية ، فإذا كان العمل قـُصِدَ منه وجه الله ـ عز وجل ـ كان ذلك العمل عبادة ً و طاعة ً و قربة ً للإنسان بشرطِ أن يكون ذلك العمل مشروعا
فقوله عليه الصلاة والسلام :
" إنما الأعمال بالنيات .. "
مقيدٌ بقوله : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
ولذلك فإن العمل الذي يقوم به الإنسان لا يخلو من أمور :
الأمرُ الأول : أن يكون العملُ مشروعاً ، والنية ُ مشروعة
هذه الحالة الأولى ، أو كما يُعبّرُ العلماء يقولون :
أن يكون العملُ مشروعاً و القصدُ موافقا .
وهذه الحالة لا إشكال فيها ، أي أن العمل عبادة ٌ وقربة ٌ إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ و من أمثلةِ هذه الحالة : إذا صليتَ الظهرَ أو العصرَ قاصداً وجه الله ، فالعملُ مشروع و النية معتبرة ٌ شرعا فيصحُ العمل وتصحُ النية
ويترتبُ على صحة العمل ما يترتب من حصول الثواب لصاحبه
الأمر الثاني : أن يكون العملُ مشروعاً و النية ُمخالفة أو القصدُ مخالفا .
ومن أمثلةِ ذلك : من دخلَ يصلى العصر وقصدُه الرياءُ والسمعة ، فصلاة ُ العصرِ مشروعة ولكن قصدَ الرياء غيرُ مشروعٍ شرعا .. غير معتبرٍ شرعا
وحكم هذه الحالة : أن العملَ لا يُقبلُ من الإنسان ِ ، ولا يُعتبرُ موجباً لحصول ِ الثوابِ له في الآخرة
الحالة الثالثة : أن يكون القصدُ موافقا و العملُ مخالفا
كأن يأتي إنسان ويُحدث بدعة يقصد بها التقرب بها إلى الله عز وجل ، فالقصد موافق بأن يقصد التقرب إلى الله و التحبب إلى الله ، و لكن العملَ مخالفٌ لمقصودِ الشرع
وهذا هو الذي لبّس على كثيرٍ من العامة أنهم ينظرون إلى القصد و لا ينظرون إلى شرط اعتبار الشرعِ للعمل .
فلابد لكي يكون العملُ صحيحاً مقبولا من تحقق الأمرين :
ـ أن يكون القصدُ موافقـاً أي تقصدُ وجه الله ـ عز وجل ـ و مرضاة اللهِ بالعبادة
ـ وأن تكون تلك العبادة قد أذِنَ بها الشرع ودلت عليها نصوصُ الشرع
فإذا استجمعَ الأمرُ هاذين الوصفين فإنه يعتبرُ عملاً شرعيا وتترتبُ عليه الآثارُ الشرعية من القبولِ عند الله ـ سبحانه وتعالى .
قال بعضهم : أن الإنسان إذا كان قصدُهُ موافقـاً و العملُ مخالفا ـ كمن أحدث بدعة المولدِ مثلاً ـ فإنه يقول : قصدي محبة ُ رسولِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ
قال البعض : إنه يؤجرُ من قصدِه ـ أنهُ قصدُه محبة النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ وهي معتبرة ٌ شرعا ـ ويأثمُ في فعله لأن الفعلَ مخالفٌ للشرع
و هذا القول مركبٌ على التفريقِ بين القصد ِ والعمل
و الصحيح : أن هناك ملازمة ً بين القصدِ و العمل ِ
ونقول : إنّ من قصدَ بتلك القربة ـ ولو قصدَ وجه الله ـ وكان ذلك العمل بدعة ٌوحدث فإنه لا يؤجر ، لا من قصدِهِ و لا من عملِهِ ، لقول اللهِ تبارك وتعالى : { فمن كان يرجو لقاءَ ربه فليعمل عملاً صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا } فاشترط الأمرين : صحة ُ العمل وأن يكون العبدُ غير مشركٍ لله تبارك وتعالى في نيته .
فهذا يدل على أنه ينبغي أن يستجمع العمل الأمرين : صحة ُ المقصد ، وصوابُ العمل ولذلك
قال الفضيلُ بن عِياض ٍ ـ رحمه الله ـ :إنّ العملَ لا يكونُ صالحاً إلا إذا كان خالصاً صوابا .
خالصاً : أي تقصدُ وجه الله عز وجل به .
وصواباً : أي على منهج الشرع
لأنه لا يُقالُ للإنسان أو لا يوصف العبد بكونِه مصيباً إلا إذا كان على جادةِ الحقّ و الصراطِ المستقيم فيقالُ أصابَ يعنى : أصابَ الطريق المستقيم .
فالمقصود لابد من الأمرين ودليلنا على ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ " أي مردودٌ عليه
وإذا كان العملُ ردّ فإن النية وجودها صالحة ً أو غير صالحة كلُهُ على حدٍ سواء

يقول عليه الصلاة والسلام :
" إنما الأعمال بالنيات ـ و في رواية بالنية ـ و إنما لكل امرئ ما نوى ... "
قوله عليه الصلاة والسلام : إنما لكل امرئ ما نوى : أي يقعُ للإنسانِ ما نواهُ بعمله .
فمن صلى الصلاة قاصداً بها الظهر وقعتْ عن صلاةِ الظهر ، ومن قصد العصر وقعت عن صلاة ِ العصر
فلو أنّ إنساناً فاتته صلاة ُ العصر فجاء ونوى أن يصلى فنسي أنه في العصرِ و نوى الظهر ، فإنه تقع تلك الصلاة ُ منه نافلة ً و لا تجزؤه عن العصر لقوله : " و إنما لكل امرئ ما نوى "
فما مدامَ أنه نوى غيرَ المقصودِ شرعا لم يقع له إلا ما نواه
و قولُه عليه الصلاة والسلام : " فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه " هذا يسميه العلماء : التفصيلُ بعدَ الإجمال أو البيان بعدَ الإجمال ، وهو أسلوب محمودٌ من أساليب البلاغةِ والبيان أن تأتي بالشيء ِ مُجمَلا ثم تـُفصلُه ، سواءً فصّلتـَهُ بجميعِ أفراده أو ذكرتَ أمثلة ً تدلُ على ما يُعينُ على تصوّرِ ذلك الشيء وهو أسلوب الكتاب و أسلوبُ السنة
فالكتابُ قد يأتي بالشيء مُجمَلا ً ثم يُفـَصّلِه قال تعالى : { الحاقة ُ . ما الحاقة ُ . وما أدراك ما الحاقة . كذبت ثمودُ }
وقد كان بالامكانِ أن يقول : الحاقة . كذبت ثمود
لكن هذا الأسلوب محمود لأنه يوجـِدُ عند الإنسان نوعاً من الشوقِ والتلهفِ إلى معرفة الشيء المذكور وكذلك قول : { القارعة ُ . ما القارعة . و ما أدراكَ ما القارعة } ومنه قوله تعالى : { بل قالوا مثلما قال الأولون ، قالوا : أئذا مِتنا } قد كان بالامكان أن يقول : قالوا : أئذا متنا ، و لكن هذا أسلوبٌ من أساليب البيان
فقوله :
فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه
هذا فيه تفصيلٌ لما تقدم من إجمال أي : إذا ثبتَ ذلك فإن الإنسانَ لا يخلو : إما أن ينوي وجه الله ، وإما أن ينوي وجه غيره .
و في هذه الجملةِ دليل ..و في هذه العبارةِ وما بعدها دليل على أنّ الناسَ في أعمالِهم ينقسمون إلى قسمين :
القسمُ الأول : أرادَ وجه الله ِ عز وجل و الدارَ الآخرة .
والقسمُ الثاني : أرادَ الدنيا وحظوظها
وقد بيّن الله ُ تبارك وتعالى في كتابِه في أكثر من موضع أنّ من أرادَ الدنيا فإن الله يُسهّلُ له ما أراده و قصدَه
وأنّ من أرادَ الآخرة فإنّ اللهُ يجمعُ له بين الحظين : حظّ الدنيا العاجل ، وحظّ الآخرة الآجل
فلذلك بيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ بقوله :
" فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يُصِبُها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه "
دلّ على أنّ الناسَ منهم من يقصدُ بالعبادةِ وجه الله ومنهم من يقصدُ بها حظوظ الدنيا
وقوله عليه الصلاة والسلام :
" فمن كانت هِجرتُه "
الهجرة في اللغة : المفارقة ُ للشيء و الترك
ومنه الهِجران : تركُ الكلامِ مع الشخص ِ المهجور
و أما في الاصطلاح : فإنها تطلقُ على عدة هِجَرْ ، منها هجرة ُ المسلمين َ الأولى التي كانت من مكة إلى بلاد الحبشة حينما أشتد أذي المشركين على المسلمين وأصحابِ رسول ِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى .
ومنها هجرة ُ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ من مكة إلى المدينة .
ومنها هجرة الوفودِ إليه عليه الصلاة و السلام من غيرِ مكة إلى المدينة
فبيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ أن ّ هذه الطاعة َـ أعنى الهجرة ـ من الناس ِ من قصد َ بها وجه الله ومنهم من قصد َ غير َ ذلك
قال العلماء : السبب ُ في هذه العبارة ِ أن ّ امرأة ً يُقالُ لها أمُ قيس عرض رجل ٌ عليها النكاح ، فقالت له : لا أتزوجك حتى تهاجر ، فهاجر لنكاحها فسمي مهاجرَ أم ِ قيس
و الصحيح : أن هذه القصة ـ أعنى قصة َ مهاجرِ أم ِ قيس ـ قصة ٌ منفكة ٌ وردت في روايةٍ منفصلة ٍ عن الحديث
فيحتمل ُ أن يكون َ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ قصدَ بهذه العبارة هذه القصة
و يحتمل ُ أنه أرادَ معنىً عاما ـ وهذا هو الذي مالَ إليه بعضُ شـُرّاحِ الحديث
ويُفهم من كلامِ الحافظِ ابن حجر ـ رحمه الله .
" إنما الأعمال بالنيات ـ و في رواية بالنية ـ و إنما لكل امرئ ما نوى ... "
قوله عليه الصلاة والسلام : إنما لكل امرئ ما نوى : أي يقعُ للإنسانِ ما نواهُ بعمله .
فمن صلى الصلاة قاصداً بها الظهر وقعتْ عن صلاةِ الظهر ، ومن قصد العصر وقعت عن صلاة ِ العصر
فلو أنّ إنساناً فاتته صلاة ُ العصر فجاء ونوى أن يصلى فنسي أنه في العصرِ و نوى الظهر ، فإنه تقع تلك الصلاة ُ منه نافلة ً و لا تجزؤه عن العصر لقوله : " و إنما لكل امرئ ما نوى "
فما مدامَ أنه نوى غيرَ المقصودِ شرعا لم يقع له إلا ما نواه
و قولُه عليه الصلاة والسلام : " فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه " هذا يسميه العلماء : التفصيلُ بعدَ الإجمال أو البيان بعدَ الإجمال ، وهو أسلوب محمودٌ من أساليب البلاغةِ والبيان أن تأتي بالشيء ِ مُجمَلا ثم تـُفصلُه ، سواءً فصّلتـَهُ بجميعِ أفراده أو ذكرتَ أمثلة ً تدلُ على ما يُعينُ على تصوّرِ ذلك الشيء وهو أسلوب الكتاب و أسلوبُ السنة
فالكتابُ قد يأتي بالشيء مُجمَلا ً ثم يُفـَصّلِه قال تعالى : { الحاقة ُ . ما الحاقة ُ . وما أدراك ما الحاقة . كذبت ثمودُ }
وقد كان بالامكانِ أن يقول : الحاقة . كذبت ثمود
لكن هذا الأسلوب محمود لأنه يوجـِدُ عند الإنسان نوعاً من الشوقِ والتلهفِ إلى معرفة الشيء المذكور وكذلك قول : { القارعة ُ . ما القارعة . و ما أدراكَ ما القارعة } ومنه قوله تعالى : { بل قالوا مثلما قال الأولون ، قالوا : أئذا مِتنا } قد كان بالامكان أن يقول : قالوا : أئذا متنا ، و لكن هذا أسلوبٌ من أساليب البيان
فقوله :
فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه
هذا فيه تفصيلٌ لما تقدم من إجمال أي : إذا ثبتَ ذلك فإن الإنسانَ لا يخلو : إما أن ينوي وجه الله ، وإما أن ينوي وجه غيره .
و في هذه الجملةِ دليل ..و في هذه العبارةِ وما بعدها دليل على أنّ الناسَ في أعمالِهم ينقسمون إلى قسمين :
القسمُ الأول : أرادَ وجه الله ِ عز وجل و الدارَ الآخرة .
والقسمُ الثاني : أرادَ الدنيا وحظوظها
وقد بيّن الله ُ تبارك وتعالى في كتابِه في أكثر من موضع أنّ من أرادَ الدنيا فإن الله يُسهّلُ له ما أراده و قصدَه
وأنّ من أرادَ الآخرة فإنّ اللهُ يجمعُ له بين الحظين : حظّ الدنيا العاجل ، وحظّ الآخرة الآجل
فلذلك بيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ بقوله :
" فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يُصِبُها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه "
دلّ على أنّ الناسَ منهم من يقصدُ بالعبادةِ وجه الله ومنهم من يقصدُ بها حظوظ الدنيا
وقوله عليه الصلاة والسلام :
" فمن كانت هِجرتُه "
الهجرة في اللغة : المفارقة ُ للشيء و الترك
ومنه الهِجران : تركُ الكلامِ مع الشخص ِ المهجور
و أما في الاصطلاح : فإنها تطلقُ على عدة هِجَرْ ، منها هجرة ُ المسلمين َ الأولى التي كانت من مكة إلى بلاد الحبشة حينما أشتد أذي المشركين على المسلمين وأصحابِ رسول ِ الله ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى .
ومنها هجرة ُ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ من مكة إلى المدينة .
ومنها هجرة الوفودِ إليه عليه الصلاة و السلام من غيرِ مكة إلى المدينة
فبيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ أن ّ هذه الطاعة َـ أعنى الهجرة ـ من الناس ِ من قصد َ بها وجه الله ومنهم من قصد َ غير َ ذلك
قال العلماء : السبب ُ في هذه العبارة ِ أن ّ امرأة ً يُقالُ لها أمُ قيس عرض رجل ٌ عليها النكاح ، فقالت له : لا أتزوجك حتى تهاجر ، فهاجر لنكاحها فسمي مهاجرَ أم ِ قيس
و الصحيح : أن هذه القصة ـ أعنى قصة َ مهاجرِ أم ِ قيس ـ قصة ٌ منفكة ٌ وردت في روايةٍ منفصلة ٍ عن الحديث
فيحتمل ُ أن يكون َ النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ قصدَ بهذه العبارة هذه القصة
و يحتمل ُ أنه أرادَ معنىً عاما ـ وهذا هو الذي مالَ إليه بعضُ شـُرّاحِ الحديث
ويُفهم من كلامِ الحافظِ ابن حجر ـ رحمه الله .

يقولُ صـلـ الله عليه وسلم ــى :
" فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يُصِبُها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه "
هذا الحديث ـ أعنى حديث عمر بن الخطاب ـ حديث ٌ عظيم ، هو قاعدة ٌ من قواعدِ الإسلام ، و قد اعتنى به الأئمة ُ الأعلام حتى قال الحافظ ُ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : تواترَ النقل ُ عنِ الأئمة ِ في تعظيمِ شأن ِ هذا الحديث .
و قال الإمامُ أحمد و مالك والشافعي وغيرهم من أئمة الإسلام ِ و حفـّاظه : إنّ حديث عمر بن الخطابِ ـ رضي الله عنه ـ يُعتبر ثلث الإسلام .
وللعلماء في تفسيرِ هذه العبارة ِ وجهان :
الوجه الأول : أنه وصفَ هذا الحديثَ بكونه ثلث الإسلام ، لأن شرائع الإسلام إما أن تتعلقَ بالقلب أو تتعلقَ بالقول أو تتعلقَ ببقية الجوارح
فأصبحَ المتعلقُ بالقلبِ ثلثاً من هذا الوجه ، وهذا الحديثُ متعلقٌ بالقلب فكان ثلثَ شرائعِ الإسلامِ من هذا الوجه .
وأما الوجه الثاني : فهو أنّ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ ردّ شرائعَ الإسلامِ على ثلاثةِ أحاديث ؛ الحديثُ الأول : حديثـُنا " إنما العمالُ بالنيّات و إنما لكلِ امرئ ٍ ما نوى " والحديثُ الثاني : " من عمِلَ عملا ً ليسَ عليهِ أمرنا فهو ردّ " و في روايةٍ " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " ، وأما الحديثُ الثالث : فهو قوله عليه الصلاة والسلام " إنّ الحلالَ بيّن وإن الحرام بيّن و بينهما أمورٌ مشتبهات "
وهذا الكلام ـ أعنى كونَ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يعتبرُ شرائعَ الإسلام راجعة ً إلى هذه الأحاديثِ الثلاثة هذا من كمالِ علمهِ وفقههِ رحمه الله .
ووجهُ ذلك : أنّ شرائع الإسلام التي تتعلق بالأحكامِ العملية لا تخلو من حالتين :
إما أن تكون عبادة و إما أن تكون معاملة
فأما العبادة : فكما قلنا يُشترطُ فيها صحة ُ المقصدِ وصحة ُ العمل و هذان الأمران دلّ عليهما حديثُ عمر هذا ، وحديث : " من أحدث في أمرنا هذا "
فانتظمَ ذلك ركن العبادات أو القسم الأول من الدين وهو العبادات .
و أما القسم الثاني من المعاملات : منها ما هو حلالٌ و منها ما هو حرام فبيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ كلا القسمين ، ثم بيّن المتردِدَ في النظرِ بينهما .
وبذلك جمعت هذه الأحاديثُ الثلاثة شرائعُ الإسلام المتعلقة ِ بالعبادات و المعاملات
هذا الحديث يُقرر لنا أصلا ً ينبغي للمسلم أن يلتزمه وهو : أنه إذا أراد أن يتقربَ إلى الله ـ عز وجل ـ بعبادة فينبغي عليه بعد أن يلتمسَ ثوابَ تلك العبادة أن يقصدَ وجه الله ـ عز وجل ـ بتلك العبادة ، وأنه إذا عمل أي عملاً سواءً كان قولاً أو كان عملا فإنه يؤجر في ذلك العمل على قدر نيته .
ولذلك عظّم العلماءُ رحمهمُ الله أمرَ النية حتى قالوا : نية ُ المؤمن خيرٌ من عمله
وهو حديث ٌ مرفوعٌ إلى النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ وذلك لأن الإنسان قد يُصيبُ بنيته ما لا يُصيبه بعمله
فقد ترى رجلاً صالحا يقومُ الليل و يصومُ النهار فتتمنى أن عندك من العزمِ على الطاعة و الجدِ في محبة ِ اللهِ ما عنده فتؤجرُ معه و يكونُ أجرك كأجره
وهذا من فضلِ الله تبارك وتعالى حتى صحّ في الحديثِ عن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " أن الله تعالى يعطى الدنيا لأربعة نفر ؛ منهم من أعطاهُ الله علماً ومالا فأما العلم فيعلمه الناس وينفع به الخلق وأما المال فسلطه الله على هلكتهِ في الحق "
يقول ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " فهو بخيرِ المنازلِ يومَ القيامة ، ورجلٌ لم يُعطه الله علماً ولا مالا فيقول : لو أن عندي مثل علم فلان وماله لعملت مثل عمله ، فهما في الأجر سواء ، هذا بعمله وهذا بنيّتِه "
ثم بيّن النفرُ الثالث : وهو من أعطاهُ الله علماً ولم يُعطه مالا فيتمنى أن عنده مالاً لكي يعمل بعملِ من وفقه الله عز وجل لإنفاقِ المالِ في طاعة الله
قال ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " فهما في الأجر سواء هذا بعملِه و هذا بنيتِه " وكما أنّ النية مؤثرةٌ في حصولِ الخيرِ للإنسان فكذلكِ العكسُ و العياذ ُ بالله ، وهو أنّ الإنسانَ إذا قصدَ تمنى أن يعملَ من العمل ِ ما لا يُرضي الله فإنه يكون ومن تمنى في منزلة ٍ واحدة ٍ و العياذ بالله
فقد يرى إنساناً يُصيبُ حداً من حدودِ الله فيتمنى أنه مثلَه و أنه يُصيبُ لذة الحرامِ التي أصابها فيُبتلى بالوزر والعياذ بالله معه
وقد يرى مغني أو يرى زاني أو يرى شاربَ خمرٍ فينظر إلى لذة المعصية فيتمنى أنه مكانه وأنه عنده من المال ما عند ذلك الرجل فيتمنى أن يكون معه فهُما ـ و العياذ بالله ـ في الوزرِ سواء .
و لذلك ينبغي للإنسان ألا يميل إلا إلى الخير و ألا تسمو نفسه لنيّة ٍ إلا إذا كانت نية يحبها الله عز وجل و يرضاها
فالمقصود أن هذا الحديث عظم به النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ شأنَ النية و فيه دليل ٌ على ما ينبغي أن يكون عليه الإنسانُ من الإخلاصِ لله تبارك وتعالى
ولذلك كان السلفُ الصالحُ ـ رحمهم الله ـ يغتمّون كثيرا و يحملون الهمّ ويحملُ الواحدُ منهم الهم أن يُوَفـّقَ للإخلاص
كان بعضُ السلف واعظاً مُذكراً بالله عز وجل وكان إذا استفتحَ موعظته أبكى العيون
وأخشع القلوبَ ـ رحمه الله ـ فقال بعضُ أهلِ العلمِ في زمانِه : وَدِدتُ أنّ لي مجلساً أخلصتُ فيه لله عز وجل بين يديّ فلان .
لــــــــــــمـــــــــــــاذا ؟
لأنه علم أنه لو اخلص في ذلك المجلس أن له عند الله عز وجل من الأجرِ شيءٌ كثير
فالمقصود أن الإنسان ينبغي له أن يُجاهد قدرَ استطاعتِه في النية ، قال بعضُ العلماء : الإخلاص أن يستوي عندك مدحُ الناس ِ وذمهم
وقال بعضُ العلماء : الإخلاص أن يكون إطلاع الناسِ على عمل الإنسان و خفاؤه عنهم عند الإنسان بمنزلة ٍ واحدة .
" فمن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يُصِبُها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه "
هذا الحديث ـ أعنى حديث عمر بن الخطاب ـ حديث ٌ عظيم ، هو قاعدة ٌ من قواعدِ الإسلام ، و قد اعتنى به الأئمة ُ الأعلام حتى قال الحافظ ُ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : تواترَ النقل ُ عنِ الأئمة ِ في تعظيمِ شأن ِ هذا الحديث .
و قال الإمامُ أحمد و مالك والشافعي وغيرهم من أئمة الإسلام ِ و حفـّاظه : إنّ حديث عمر بن الخطابِ ـ رضي الله عنه ـ يُعتبر ثلث الإسلام .
وللعلماء في تفسيرِ هذه العبارة ِ وجهان :
الوجه الأول : أنه وصفَ هذا الحديثَ بكونه ثلث الإسلام ، لأن شرائع الإسلام إما أن تتعلقَ بالقلب أو تتعلقَ بالقول أو تتعلقَ ببقية الجوارح
فأصبحَ المتعلقُ بالقلبِ ثلثاً من هذا الوجه ، وهذا الحديثُ متعلقٌ بالقلب فكان ثلثَ شرائعِ الإسلامِ من هذا الوجه .
وأما الوجه الثاني : فهو أنّ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ ردّ شرائعَ الإسلامِ على ثلاثةِ أحاديث ؛ الحديثُ الأول : حديثـُنا " إنما العمالُ بالنيّات و إنما لكلِ امرئ ٍ ما نوى " والحديثُ الثاني : " من عمِلَ عملا ً ليسَ عليهِ أمرنا فهو ردّ " و في روايةٍ " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " ، وأما الحديثُ الثالث : فهو قوله عليه الصلاة والسلام " إنّ الحلالَ بيّن وإن الحرام بيّن و بينهما أمورٌ مشتبهات "
وهذا الكلام ـ أعنى كونَ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يعتبرُ شرائعَ الإسلام راجعة ً إلى هذه الأحاديثِ الثلاثة هذا من كمالِ علمهِ وفقههِ رحمه الله .
ووجهُ ذلك : أنّ شرائع الإسلام التي تتعلق بالأحكامِ العملية لا تخلو من حالتين :
إما أن تكون عبادة و إما أن تكون معاملة
فأما العبادة : فكما قلنا يُشترطُ فيها صحة ُ المقصدِ وصحة ُ العمل و هذان الأمران دلّ عليهما حديثُ عمر هذا ، وحديث : " من أحدث في أمرنا هذا "
فانتظمَ ذلك ركن العبادات أو القسم الأول من الدين وهو العبادات .
و أما القسم الثاني من المعاملات : منها ما هو حلالٌ و منها ما هو حرام فبيّن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ كلا القسمين ، ثم بيّن المتردِدَ في النظرِ بينهما .
وبذلك جمعت هذه الأحاديثُ الثلاثة شرائعُ الإسلام المتعلقة ِ بالعبادات و المعاملات
هذا الحديث يُقرر لنا أصلا ً ينبغي للمسلم أن يلتزمه وهو : أنه إذا أراد أن يتقربَ إلى الله ـ عز وجل ـ بعبادة فينبغي عليه بعد أن يلتمسَ ثوابَ تلك العبادة أن يقصدَ وجه الله ـ عز وجل ـ بتلك العبادة ، وأنه إذا عمل أي عملاً سواءً كان قولاً أو كان عملا فإنه يؤجر في ذلك العمل على قدر نيته .
ولذلك عظّم العلماءُ رحمهمُ الله أمرَ النية حتى قالوا : نية ُ المؤمن خيرٌ من عمله
وهو حديث ٌ مرفوعٌ إلى النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ وذلك لأن الإنسان قد يُصيبُ بنيته ما لا يُصيبه بعمله
فقد ترى رجلاً صالحا يقومُ الليل و يصومُ النهار فتتمنى أن عندك من العزمِ على الطاعة و الجدِ في محبة ِ اللهِ ما عنده فتؤجرُ معه و يكونُ أجرك كأجره
وهذا من فضلِ الله تبارك وتعالى حتى صحّ في الحديثِ عن النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " أن الله تعالى يعطى الدنيا لأربعة نفر ؛ منهم من أعطاهُ الله علماً ومالا فأما العلم فيعلمه الناس وينفع به الخلق وأما المال فسلطه الله على هلكتهِ في الحق "
يقول ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " فهو بخيرِ المنازلِ يومَ القيامة ، ورجلٌ لم يُعطه الله علماً ولا مالا فيقول : لو أن عندي مثل علم فلان وماله لعملت مثل عمله ، فهما في الأجر سواء ، هذا بعمله وهذا بنيّتِه "
ثم بيّن النفرُ الثالث : وهو من أعطاهُ الله علماً ولم يُعطه مالا فيتمنى أن عنده مالاً لكي يعمل بعملِ من وفقه الله عز وجل لإنفاقِ المالِ في طاعة الله
قال ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ : " فهما في الأجر سواء هذا بعملِه و هذا بنيتِه " وكما أنّ النية مؤثرةٌ في حصولِ الخيرِ للإنسان فكذلكِ العكسُ و العياذ ُ بالله ، وهو أنّ الإنسانَ إذا قصدَ تمنى أن يعملَ من العمل ِ ما لا يُرضي الله فإنه يكون ومن تمنى في منزلة ٍ واحدة ٍ و العياذ بالله
فقد يرى إنساناً يُصيبُ حداً من حدودِ الله فيتمنى أنه مثلَه و أنه يُصيبُ لذة الحرامِ التي أصابها فيُبتلى بالوزر والعياذ بالله معه
وقد يرى مغني أو يرى زاني أو يرى شاربَ خمرٍ فينظر إلى لذة المعصية فيتمنى أنه مكانه وأنه عنده من المال ما عند ذلك الرجل فيتمنى أن يكون معه فهُما ـ و العياذ بالله ـ في الوزرِ سواء .
و لذلك ينبغي للإنسان ألا يميل إلا إلى الخير و ألا تسمو نفسه لنيّة ٍ إلا إذا كانت نية يحبها الله عز وجل و يرضاها
فالمقصود أن هذا الحديث عظم به النبي ـ صـلـ الله عليه وسلم ــى ـ شأنَ النية و فيه دليل ٌ على ما ينبغي أن يكون عليه الإنسانُ من الإخلاصِ لله تبارك وتعالى
ولذلك كان السلفُ الصالحُ ـ رحمهم الله ـ يغتمّون كثيرا و يحملون الهمّ ويحملُ الواحدُ منهم الهم أن يُوَفـّقَ للإخلاص
كان بعضُ السلف واعظاً مُذكراً بالله عز وجل وكان إذا استفتحَ موعظته أبكى العيون
وأخشع القلوبَ ـ رحمه الله ـ فقال بعضُ أهلِ العلمِ في زمانِه : وَدِدتُ أنّ لي مجلساً أخلصتُ فيه لله عز وجل بين يديّ فلان .
لــــــــــــمـــــــــــــاذا ؟
لأنه علم أنه لو اخلص في ذلك المجلس أن له عند الله عز وجل من الأجرِ شيءٌ كثير
فالمقصود أن الإنسان ينبغي له أن يُجاهد قدرَ استطاعتِه في النية ، قال بعضُ العلماء : الإخلاص أن يستوي عندك مدحُ الناس ِ وذمهم
وقال بعضُ العلماء : الإخلاص أن يكون إطلاع الناسِ على عمل الإنسان و خفاؤه عنهم عند الإنسان بمنزلة ٍ واحدة .
الصفحة الأخيرة
و هي تتعلق في ذِكرِ المصنف لحديثِ أميرِ المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ و ابتداء تصنيفهِ به
ابتداءُ هذا الكتابُ المبارك بهذا الحديث ينتظِمُ فائدتين :
الفائدة الأولى : أنه أشار ـ رحمه الله ـ على ما ينبغي أن يكون عليه طالبُ العلم ِفي بداية طلبه للعلم وهو قصدُ وجه الله تعالى بطلبهِ للعلم
فذكرَ حديث عمر بن الخطابِ ـ رضي الله عنه ـ في شأن النية لكي يُبينَ لطالبِ العلم الذي يُريدُ أن يقرأ هذا الكتابَ و ينتفعَ به أنه مُخيرٌ بين سبيلين :
سبيلُ الدين الذي فيه رضاءُ ربِ العالمين
وسبيلُ الدنيا الذي لا ينالُ الإنسانُ فيه إلا حظٌ عاجل
فبيّن ـ رحمه الله ـ ما ينبغي أن يكون عليه من أراد أن يقرأ هذا الكتابَ أو ينتفعَ به من قصدِ وجهِ الله ِ الكريم ولذلكَ بيّن شيخُ الإسلامِ ـ رحمهُ الله ـ في شرحهِ لحديثِ عمر ـ رضي الله عنه ـ أنّ العلماءَ و السلفَ الصالح اعتنوا بذكرِ هذا الحديث في بداية ُ مصنَفَاتِهِم
لــــــمــــــــــــــــــاذا ؟
لكي يُنبهوا قارئ المصنفات على أنهُ ينبغي أن يكونَ على نيةِ الآخرةِ و قصدِ مرضاةِ اللهِ عز وجل
ولذلك قال الإمامُ الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعب السِجسْتـَاني ـ رحمه الله ـ قال : ينبغي أن يكون هذا الحديث رأسُ كلِ بابٍ في العلم
لـــــــــــمـــــــــــــــــاذا ؟
لأنهُ يدعو طالبَ العلم إلى ما يُعينه على الفوز بمرضاةِ الله في علمه
وأما الفائدةُ الثانية التي ينتظمها ذكرُ هذا الحديث في هذا الموضع فهو : أنّ المصنف ـ رحمه الله ـ أشار إلى مسألةٍ خلافيةٍ بين أهلِِ العلمِ في الوضوء وهي : هل يُشترطُ لصحةِ الوضوءِ أن ينوى الإنسانُ قبل فعله ؟
بمعنى أنّ الإنسان إذا أراد أن يتوضأ هل يُشترط أن يسبقَ وضوؤه قصد القربة بذلك الوضوء وقصدُ التعبد ، أم لا يُشترط ؟
فذهب جمهورِ العلماءِ ـ رحمهم الله ـ و منهم الإمامُ مالك و الشافعي و أحمد ـ رحم الله الجميع ـ إلى أنّ النية شرط في صحة الوضوء
* واحتجوا بقولِ الله تبارك و تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
ووجهُ الدلالة من هذه الآية الكريمة أنها دلت على وجوبِ الإخلاص في العبادة { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
أي : أن يُخلِصُوا إذا أرادوا عبادة الله
وإذا تقرر أن الآية دلت على وجوبِ نية الإنسان قبل العبادة فإن الوضوء عبادة من العبادات فيدخل تحت عمومِ هذه الآية الكريمة
* واحتجوا بالسنةِ بقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : " إنما الأعمالُ بالنيات و إنما لكلِ امرئٍ ما نوى "
قالوا : وجه الدلالة أنّ الحديثَ دلّ على أنّ صحة َ الأعمالِ مرتبطة ٌ بالنية
وإذا ثبت هذا فالوضوء عمل لذلك يتركب منه أن الوضوء لا يصح إلا بالنية
وذهب الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ و طائفة من أهل العلم إلى أنه : لا يشترط في الوضوء أن ينويه الإنسان
و قال : إنّ الوضوء وسيلة ٌ من الوسائل و ليس بمقصد
و قد اتفق العلماءُ على أنّ النيات إنما تجبُ في المقاصد لا في الوسائل
وتوضيح ذلك أن الوسائل التي يُتوصل بها للعبادة كالطهارة مثلاً
يقول إنّ الطهارة وسيلة و لا تعتبر مقصدا ، وإذا كانت وسيلة ً فإن الوسائل لا يُشترطُ فيها النية ، ألا ترى أنك لو أردت أن تـزيل الخبث بقضاء الحاجة و الإستجمار بعد ذلك أنه لا يشترط في صحة ِ انقائكَ للموضع أن تنوى ذلك
فقالوا : إنّ هذا يدل على أنه لا تشترطُ النية في الوسائل
ومثلاً إذا أراد الإنسان أن يذهب إلى المسجد إلى الصلاة و ركب دابة ً أو سيارة فإنه لا يُشترط له أن ينوى في ركوبه للسيارة القصد لتلك العبادة
فالمقصود أن العلماء ـ رحمهم الله ـ يقولون : إنّ الوسائل لا تشترط لها النية و المقاصد تشترط لها النية
و أصحُ القولين ، قول الجمهور : أن الوضوء عبادة
و قوله ـ رحمه الله ـ أنه لا تشترط له النية ، يُرد عليه : بأن الوضوء عبادة بدليل أنه غسلٌ و مسحٌ لأعضاء مخصوصة فكونها تـُخَصُّ هذه الأعضاء ، هذا التخصيص يدل على أنها عبادة
و لأنه قال بوجوبِ النية في التيمم ، و التيمم بدل عن الوضوء ، فإذا وجدت النية في التيمم وهو بدل فمن باب أولى و أحرى أن تجب في المبدلِ منه
فالمقصود الذي نريدُ أن نصل إليه : أن المصنف ـ رحمه الله ـ لما ذكر لنا هذا الحديث في هذا الموضع أراد أن يُشير إلى أنّ الوضوء تشترط له النية كما هو ظاهرٌ من ذكره