كنت قبل سنوات في مجلس أحد طلبة العلم ، وكان متيما في دراسة أخبار المسيح الدجال حتى بين ماهي " الدابة " التي سوف يأتي عليها ، وما نوع القنابل التي سوف يضرب بها المدينة حتى ترجف ، وماهي الرابية بالضبط والتحديد التي سوف يجلس عليها ، وأخبرنا بانه قد انتهى من تأليف كتاب من ستة مجلدات كلها في أحاديث الفتن وفهمها وتاويلها ، ثم قابلته في مجلس بعد عشر سنوات تقريبا من المجلس الاول ، فإذا بي أفاجأ بتقريره بأن كل ما جاء في المسيج الدجال والمهدي هو كذب ووضع ودجل وتلفيق من رواة الحديث ..وهكذا يؤدي الانحراف في الطريقة العلمية إلى ردود أفعال كبيرة في الرفض والإثبات .
في منتدى الوسطية كتب " زائر الوسطية " مقالا يتاول فيه أخبار المسيح الدجال وأنها هي الحضارة الغربية المعاصرة ، ودار بيني وبينه جدل ونقاش حول منهجية الفضاء الواسع للتاويل وقد كتب نفس مقالاته في الساحة العربية باسم سعيد الكثيري ، وتكلف أيما تكلف في بيان أن " الدجال " ليس رجلا فردا كما جاء في الأخبار ، بل هو يشكل مجمل الحضارة الغربية المعاصرة ، وقد سبقه إلى هذا الشيخ ابراهيم الجبهان رحمه الله ، فقد جالسته قبل سنوات طويلة وكان يقرر هذا بحدة وعنف ، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته ..
في الساحة العربية الحرة نشط موضوع التأويل نشاطا كبيرا على أيدي بعض الأعضاء حتى أصبح موضة وحرفة متناهية في ايقاع الاخبار على أحاد الأشخاص المعاصرين أضافة إلى الموافقة على ان " الدجال " هو الغرب المعاصر ، وقد لاحظت خللا كبيرا في منهجية " التأويل " الذي هو في الأساس باب شر كبير على الامة من يوم عرفته على أيدي أهل الكلام والفلاسفة ..
المشكلة أن حركة " المؤولين الجدد " هي أقرب إلى الشعوذة منها إلى المعالم العلمية الراسخة والواضحة ، وهي لعب وعبث بنصوص الشرع ، لأن باب التأويل لا حد له يحده إذا تناولناه بهذه الطريقة الغريبة ، حتى أصبح الخطاب الشرعي مجرد ألغاز ورموز وإشارات لا يفهمها إلا من يجيد حل طلاسم السحر والمشعوذين ، ولم يعد للغة العربية الفصحى دور في فهم مراد الشارع ، وهذا المنهج أشبه بمنهج المدرسة التلفيقية التي تتكئ على المعاني العامة والمقاصد الكلية للشريعة ضاربة بالنصوص الشرعية والأحكام التفصيلية عرض الحائط ، وهي مدرسة لا شك تقوض أسس العقيدة وأحكام الإسلام وتأتي عليها بالإبطال واللعب ..
لقد بدأ هذا التأويل الإشاري والسيميائية السلفية منذ أن خرجت علينا بعض تلك الكتب التي تحدد عمر أمة الإسلام ، وتبين معالم الملاحم الكبرى في آخر الزمان ، وتتحدث عن الطالقان والعمائم السود والمهدوية ، حتى أصبحت المهدوية فتنة كبرى لكثير من شباب المسلمين ، وما فتنة الحرم المكي عام 1400 هجرية إلا دليل على كيف يلعب الشيطان بالأمة ليلبس عليها دينها ويصرفها عن المجالات النافعة للتعلق بقضايا لم نطلب شرعا بالتعلق بها ولا بانتظارها وترقبها ، حتى أصبحت فكرة المهدوية في التفكير القتالي والجهادي المعاصر أشبه بفكرة الانتظار للمهدي عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية .
لقد أصبحت دراسة الفتن الكبرى وملاحم آخر الزمان وسيلة لنهنهة النفس ووعدها بالأماني الكاذبة وصولا إلى تحقيق النصر بأبسط الطرق وأيسرها ، فما علينا وحتى تتنصر على " المسيح الدجال = الغرب " إلا أن يخرج المهدي وينزل المسيح ، وليس بيننا وبين هذا إلا ظهور بعض علامات ، وهذا يعني اننا نوقف كل شي بأيدينا حتى تتنظر بنوءة في علم الغيب ، حتى ان بعض المفكرين الغربيين المهووسين بانتظار المهدي وفناء العالم كان ينصح أبناءه بعدم الدراسة لأنهم لن يتمكنوا من تحقيق التخرج قبل قيام الساعة ونزول المسيح ، فانتقلت إلينا شعوذات الغرب من خلال هذا المنهج التأويلي الإشاري والرمزي العجيب ..
أذكر في سنة 2000 م وقد كنت في الطائرة متوجها من مانيسوتا إلى دنفر كولورادو وهو اليوم الذي كان المسيحيين اليمينين المتطرفين بترقبونه ويعتقدون انه هو يوم خراب العالم وفناء الدنيا ونزول المسيح وكانوا يعتقدون أن هذا لن يحدث إلا عند فعل حدث عظيم في العالم ينزل على إثره المسيح ابن مريم ، وكان في دنفر كولولادو سد كبير وعظيم على سفاح جبال الروكي ، وكان الصهاينة المسيحيين قد هددوا بنفسه حتى تقع الكارثة وينزل المسيح ، وهو سد لو فجر لأغرق وسط امريكا كله ، ووجدنا في ذلك اليوم المرابطات على مساجد المسلمين في الولاية والحراسات والمناوبات تحسبا لمثل هذه الهجمات من البرابرة الخلوصيين .
إن أخبار الفتن والملاحم مدخل وأي مدخل للشيطان في إضلال البشرية وخاصة اهل الدعوة والخير والجهاد حين يصرف الناس عن إصلاح واقعهم بالمنهج الشرعي إلى زرع الأوهام وانتظار الغائب وإيكال الإصلاح إلى أمر في ظهر الغيب ، وهو بهذا يعطل القدرات على العمل المنتج البناء ، ويوهم الناس بالوعود الكاذبة ، حتى انقلبت الآية عند الناس ، فبدلا من " الاستعاذة بالله من شر فتنة المسيح الدجال " أصبحنا نلتفت يمينا وشمالا نترقب المسيح الدجال ونتابعه لحظة بلحظة ، ولا يدري هؤلاء بأن الاستعاذة منه يعني تمني عدم رؤيته ، وهذا يقطع الطريق على المهدويين الذين يترقبون خروج المهدي ولا يدري هؤلاء بأن المهدي لا يخرج إلا في زمن الدجال ، فمن يضمن لهؤلاء ان لا يكونوا جندا من جنود الدجال يقاتلون المهدي وعيسى ابن مريم ؟
وفق الله الجميع !
ام دندوووووون @am_dndoooooon
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نور القمر....$
•
مشكوره
الصفحة الأخيرة