ورد مذهب @ord_mthhb
محررة
الشهيدة الكريمة أم أيمن
تشربت حب بنان من صغري
وقرأت سيرتها بعمق
وتلوتها للاجيال من بعدي
هي فخري في اليقين وقدوتي ، وجالبة أسقامي وآهاتي وحسْرتي !
بالله ماذا أقول عن امرأة ضُرِبتْ بجهادها الأمثال ؟ وسارتْ بصلاحها وجميل هدْيها الأجيال ؟
حتى صارتْ قدوةً لبنات جنسها في الدعوة إلى الله وقوْلِ الحق ، وأصبحتْ أُسْوة للجميع في اعْتلاء عرش الثبات واليقين والصدق .
هي حرقة القلب ، وفقيدة الإخلاص والحب .
هي بائعة الدنيا بالدين ، وناشرة أعلام التضحية في ربوع المؤمنين .
قد شاء الله لها أن يتمزَّق جسدها وهي لم تتجاوز بضعًا وثلاثين من الأعوام ! لكنه أحيا ذكرها في سالف الأوقات وغابر الأيام .
هي بَنَان ؟ وما أدراك ما بَنَان ؟ بهجة العيون وعبير الأزمان .
هي الفتاة العفيفة ، والمرأة الشريفة ، والسيدة المصونة ، وجوهرة الإخلاص المكنونة .
هي ربَّةُ الآداب والأخلاق ، وتاج الفضائل ونسائم الإشراق.
هي أُنْشودة الكمال في احتمال الأذَى وتجرُّعِ كُئوس المرار .
هي قَصِيدُ الاتصال بيننا وبين السلف الصالح في الصبر على النكبات ومجابهة الأشرار !
هي تلك الصابرة على شقائها وشقاء زوجها ! هي تلك المقتولة في غير أرضها، والمضرَّجةُ في دمائها ! هي هذه المدفونة في بلاد بعيدة غير بلادها !
كانت تتبسَّم للزمان وهي لا تدري أن اسمها قد خرج في قائمة شهداء تلك الأمَّة ؟!
كانت إذا أسبل الليل رداء ظلامه على الأنام ، ورقدتْ عيون الناس تَسْبَح في بحور الأحلام ! قامت هي لإحياء الليل بالصلاة وقرآءة القرآن ، وجهرتْ بتراتيل المناجاة وتسبيح الرحمن .
تقول عنها ابنتها هادية : ( كانت أمي - رحمها الله تعالى- تُكْثِر من قراءة القرآن، وتكثر من الدعاء، وكانت تقرأ بفهمٍ وتدبُّر، وخشوعٍ وتأثُّر، وكنّا نراها أحياناً وهي مستغرقة في تلاوة القرآن، فنرى الدموع تفيض من عينيها على خَدّيها وصدرها...)
هي المناضلة الكبيرة ، والمجاهدة الشريفة ، والداعية العظيمة : أم أيمن بَنَان بنت الشيخ الداعية الكبير : علي الطنطاوي
نشأت الفتاة في بيت أبيها حيث العلم والأدب والحكمة والتربية الحسنة، فرضَعتْ أخلاق الإسلام ، ونهلتْ من معارف الشريعة ، ورفَلَتْ في حُلَل الوقار والكمال، وتربَّتْ على جميل القِيَم وشريف الخصال.
وكان أبوها لم يُرْزق بولد ذَكَر ! بل كان رزَقه الله خمسًا من الإناث ، وكانت بَنَان هي أحبهنَّ إلى قلبه ،
وتمرُّ الأيام ، وتكرُّ الأعوام إلى أنْ كبرتْ الفتاة وصارتْ في أوْجِ الشباب والنُضْرة .
وهنا يقوم أبوها بتزويجها من تلميذه الشيخ المجاهد الصابر الشاكر عصام العطار، ذلك الشاب الصالح التي كانت تربطه به علاقة قوية.
كان زوجها عصام العطار هو المراقب العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في سورية،
فكان عصام مرصودًا دائمًا من قِبَل النِّظَام السوري واللبناني في حركاته وسكناته، وكم كانوا يَطْرُقون بيته في ظلمات الليالي، ويسوقونه إلى غياهب السجون والمعتقلات !
وكانت كل هاتيك الأحداث الجسام تدور على مَرْأىً من زوجته بنان ومسمع! فكانت تتجرَّع مع زوجها ويْلات الأيام والاضطهاد، وتكتوي بنار اللوعة التي تَفْرِي الأكباد ! وكم كانت تعيش في خوف وقلقل في كل ساعة ؟ وهي ثابتة الجأْش مقيمة على الابتهال والطاعة ، فلم تكن كغيرها من النسوة اللاتي يصرخن ويَنْدبْن ويَلْطمنَ إذا مسهنَّ السوء والبأساء ؟
كلا ! بل كانت تضرب بجميل صبرها الأمثال ، وتتجشَّم الخوض فيما يحجم عنه كثير من الرجال ! لم تُضْعِف من عزيمة زوجها ، ولا تنكَّبتْ عن مؤازرته في محنته العصيبة البائسة ! فكانت تضمد جروحه ، وتُخَفِّف آلامه ، وتُداوي بروعة كلامها أسقامَه، وتسعى جاهدة للنهوض به إلى ما يُرضي الله والرسول في كل لحظة !
كانت تمتلك قوة شخصيّة ، ولباقة، وحُسْن تصرُّف، وحكمة في حديثها، ما يدعو إلى اعجاب كل من عرفها
من اجمل مواقفها التي أتمنى أن ننهل منها
ونستفيد
عندما كان زوجها في السجن وتذهب لزيارته
تأملوا !
خلف شباك الحديد داخل السجن، ، كانت بنان تقول لزوجها: « يا عصام، أنا والأولاد بخير وسلامة، فلا تقلقْ علينا، كنْ قوياً كما عرفتُكَ دائماً، ولا تُرِ هؤلاء الأنذالَ من نفسك إلا القوة والصلابة واستعلاءَ الحق على الباطل.»
فبكى من بجانبها عندما سمع هذه الكلمات من شابةٍ في مقتبل العمر، كان قلقُ زوجها عليها وعلى أسرته، أكبر من قلقها عليه وهو في السّجن! )
( وبعد خروجها من زيارة زوجها في السجن وركوب السيارة أجهشَتْ بنانُ بالبكاء !
إنّما كانت تتجلّد وتتصبّر؛ لِتُري زوجها من نفسها خيرًا، ولتربط على قلبه في موقف هو أشدّ ما يكون حاجة إلى من يربط على قلبه لا من يمزّقه ...).
فانظري إلى هذا المثال النادر من النساء في زمن الغربة الثانية !
أيُّ قلب كان يسكن صدر تلك المرأة الشريفة ؟ وأيُّ صبرٍ وجلَدٍ وعزيمة جعلها تنتصر على شديد أحزانها ، وتكتم عزيز دموعها حتى عن زوجها !
وكم كانت تُكاتب زوجها وهو في سجنه ومنْفاه، وتحثُّه على الثبات على الحق، وعدم الخضوع لرغبات أهل الفساد، وتُذكِّره بما أعدَّه الله للصابرين والشاكرين، وتُطْمئنه على أهله وولده ؟
وكانت قد أرسلت إليه مرة رسالة تقول له فيها:
« لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا –والله- لا نطلب منك شيئًا يخصُّنا، وإنما نطلبك في الموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم، يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم.».
وأرسلتْ إليه مرة أخرى رسالة تقول فيها: ( نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله، حيثما كنتَ وعلى أي حال كنت، والله معك «يا عصام» وما يكتبه الله لنا هو الخير ).
ولمـَّا قرَّرتْ الحكومة السورية طرد زوجها من البلاد ، سافر إلى بروكسل ، وهناك أصيب عصام بالشلل ! فكان يعاني من مرارة الغربة مع عذاب المرض !
فكانت زوجته بنان ترسل إليه الرسائل تُبشِّره فيها بجزاء الصابرين ، وتُواسيه على ما هو فيه من البلاء المبين .
فكانت تقول له : ( لا تحزن يا عصام.. إنك إنْ عجزتَ عن السير سرتَ بأقدامنا.. وإن عجزتَ عن الكتابة كتبتَ بأيدينا.. تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكَّلتَه وآمنتَ به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك ـ وإن اضطررنا ـ الخبزَ اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام ! ).
انه الصدق وكفى !
تقول ابنتها هادية عصام العطار عن أمها بنان :
( وكانت -رحمها الله- تُعلّمني وأخي - ومَنْ لعلّه يكون معنا - الدعاءَ ونحن صغار .
وكانت تُشعِرنا دوماً بوجود الله، وقدرة الله، وفضل الله عز وجل.
وإذا مرضنا علَّمتنا أن نطلب -مع تناول الدواء- من الله الشفاء.
وإذا أردنا أمراً واجباً، أو محبوباً ممكناً، علَّمتنا أن نستعين عليه - مع الجهد الضروري للحصول عليه- بالدعاء.
وكانت تعلّمنا أنَّ الله أقربُ إلينا، وأحْنَى علينا، وأرحم بنا، وأقدر على عوننا من الآباء والأمهات وكلّ مخلوق، وأن نتوجه إلى الله في السرّاء والضرّاء وسائر الأمور قبل أن نتوجه إلى أيّ مخلوق، وأن نحبّه، ونطيعه، ونثق به، ونرضى بقضائه وقدره.. أكثر مما نحب ونطيع أيّ مخلوق..
فيقول عنها زوجها عصام العطار: ( كانت -رحمها الله- قادرة رغم حساسيتها الشديدة ، وتأثُّرِها الشديد ، بكلّ ما يعرض لنا ، أو ينـزل بنا
قادرةً على أن تَسْتَنْبِتَ أزاهيرَ سُرورٍ في أراضي الأحزان ، وتُوَفِّرَ لنا لحظاتِ مُتَعٍ بريئةٍ في زحمة الواجبات والأعمال
وأن تُحَوِّلَ غُرَفاً حقيرةً سَكنَّاها إلى ما هو أحلى من قصور ، وأن تجعلَ سعادةً غريبةً تسكنُ معنا وتعيش بيننا حيثُ سَكَنّا من البلدان
وكثيراً ما شعرنا في غُرَفِنا الحقيرة بهذه السعادة الغامرة ، وبِنَشْوَةِ الاستعلاءِ على الشدائدِ والمغرياتِ في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، فردَّدْنا أو أنشدنا - بنان وأنا وطفلانا الصغيران : هادية وأيمن - فُرادَى ومُجتمعين هذه الأبياتَ القديمة الرائعة التي كانت وما تزال تهزّنا هزّاً ،
والتي كانت تُعَبّرُ وما تزال تُعَبّرُ عنّا وعن حالِنا وخيارِنا الجميل النبيل الأليم :
فإن تكُنِ الأيّامُ فينا تبدلتْ *** بِبُؤْسَى ونُعْمَى والحوادثُ تفعَلُ
فَمَا لَيّنَتْ مِنّا قناةً صَليبَةً *** وَلا ذَلَّلَتْنا لِلَّتي لَيْسَ تَجْمُلُ
ولكنْ رَحَلْناها نُفوساً كَريمةً *** تُحَمَّلُ ما لا يُسْتطاعُ فَتَحْمِلُ
وكانت إذا أحَسّتْ في نفسها ، أو أحَسّتْ منّي في حِوارِنا ونقاشِنا في بعض الحالاتِ النادرةِ بَوَادِرَ زَعَلٍ أو غضب؛ لم تسمح لهذا الحوار والنقاش أن يستمرَّ ويشتدّ ، وانفردتْ بنفسها ساعةً - تطولُ أو تقصر- تقرأ القرآن -كما تَعَوَّدَتْ- بقلبها وعقلها ولسانها ودموعها ... ثم تنهض أَهْدَأَ ما تكونُ حالاً ، وأرضى ما تكونُ نفساً ، وأكثرَ ما تكونُ انشراحاً ونشاطاً .. لِلّهِ هذه المرأةُ المسلمةُ ما كان أَوْثَقَ ارتباطَها بكتاب الله عزَّ وجلَّ ، كان القرآن العظيم حقيقةً لا كلاماً ولا وهماً ربيعَ قلبِها ، ونورَ صدرِها ، وجَلاءَ حُزنِها ، وذَهابَ همّها .. كان القرآن حياتها وباعِثَها ، ودليلَها وهاديها في مختلف مشاعرها ومواقفها وخطواتها ، وكان حِصْنَها الحصين ، وملجأها الأمين ، عندما كانت تُطْبِقُ علينا في بعض أيامنا الظلمات ، وتعصفُ حولَنا العواصف ، وتطرُقُ أبوابَنا المخاوفُ والمخاطر ، فلا يكونُ أحدٌ في الدنيا أكثرَ مها وهي تعتصم بالإيمانِ والقرآنِ طُمَأْنينةً وأمناً ، ولا قدرةً على الثبات والصبر ، وعلى تحدّي الطاغوتِ ولو ملأ بطغيانه الدنيا ... )
كانت الشهيدة الكريمة «أم أيمن» - رحمها الله- تقول: «لا يكفي أن يسمعَ الناسُ منّا عن الإسلام؛ بلْ يجب أن يَرَوْهُ فينا ويُحِسّوه ويَلْمسوه لَمْسَ الأيدي.. يجب أن يَرَوْه دَمْعَةً لاهِبَةً في أعيننا لآلام المصابين،
ويداً حانيةً تمسح جراحاتِ المعذّبين،
وصَرْخَةً مُدَوِّيةً في وجه الظلم والظالمين،
كانت تقول:
«كم أَسْعَدُ عندما أحمل إلى أخت حزينة شيئاً من العزاء والأمل، وأرُدُّ إليها ابتسامةَ القلبِ والشّفَتَيْنِ ، والأَسارير!
لقد أراد الله لي أن أَسْعَدَ بسعادةِ غيري، وأشقى بشقائهم، كما أسعدُ وأشقى من خلال زوجي وأولادي وأسرتي ونفسي؛ فما أعظمَ سعادتي وأوسعَها، وما أشدَّ ما ينطوي عليه صدري من آلام الأشقياء والبؤساء»
لما كان زوجها طريدًا شريدًا في عدة بلدان إلى أن استقرَّ مقامه في ألمانيا ، وهناك أصيب بالشلل وغيره من أنماط البلاء ، لم تطب للزوجة الصالحة نفسها عن أن تعيش بعيدة عن زوجها ، وهو هناك وحيد لا أهل ولا مال ! يعاني الآلام ويشاهد الأهوال !
فلم تلبث حتى سلكتْ شتى السبل للالتحاق به هناك ، وقد أتمَّ الله لها ما أرادت ، فغادرت الديار الشامية حتى هبطت البلاد الألمانية .
ولم تكن تدري أنها تسافر إلى أرض مصرعها ! وتنزل في تلك الديار التي سوف تجري دمائها على صفحتها !
وهناك في مدينة ( آخن ) الألمانية قامت بنان لترفع لواء الإسلام في تلك الديار الكافرة، فأنشأتْ – بمساعدة أهل الخير - المركز الإسلامي النسائي للمسلمات، ... وظلت دائبة على نشر الإسلام من هذا المركز، حتى اهتدى على يديها جمعٌ غفير من النساء ؛ وارتفعت راية التوحيد حتى كادت أن تلمس السماء.
وكانت قبل ذلك تكتب المقالات الإسلامية وتنشرها في الصحف والجرائد .
وصدر لها كتاب بعنوان : « دور المرأة المسلمة ». طُبع مرتين في ألمانيا،
رسالة : «كلمات صغيرة»
رسالة: «قبسات»
كانت تلك المرأة تلهج دائمًا بطلب الشهادة من الله .
فكانت تقول في بعض مناجاتها لربها :
« في سبيلك وحدك وحدك جاهدنا وعملنا
في سبيلك وحدك وحدك أُخْرجنا وشُرِّدنا
في سبيلك وحدك وحدك عُودِينا وحُورِبْنا
في سبيلك وحدك عشنا
وفي سبيلك وحدك نعيش
وفي سبيلك وحدك نرجو أن تكتب لنا الشهادة يا ألله »
وكأن الله قد استجاب لها دعائها .
فبعد رحلة طويلة من العناء والسفر ومغادرة الأوطان ، والتشريد في البلدان الأجنبية، طيلة سبعة عشر عامًا من الأحزان والآلام ، ومعاناة الغربة و تجرُّع الأحزان والأسقام ، استقرَّ المقام بالمجاهدة بنان وزوجها في مدينة ( آخن ) الألمانية ، بعد أن مَنَعتْه السلطات السورية من دخول أراضيها !
وهناك كان قد صدرتْ الأوامر الظالمة الجائرة – من قِبَل المخابرات السورية - بتصفية جسد المجاهد الصابر عصام العطار !
فخرج ثلاثة من المجرمين الآثمين يقتفون أَثَره في أرجاء مدينة : ( آخن ) الألمانية ، وجعلوا يبحثون عنه في كل مكان !
وكانت السلطات الألمانية قد جاءتها الأخبار بأن هناك جماعة من الـمُسَلَّحين يتربَّصون للسيد عصام ويريدون إراقة دمه بأي وسيلة !
فأسرعتْ تلك السلطات بتنبيه السيد عصام إلى هذا المكر الذي يكاد يحيق به وهو لا يدري ! فكانتْ تأمره بالترحال والتنقُّل عبَرَ البلدان الألمانية في كل وقت ! حتى لا تلحقه تلك الأيادي الباطشة التي لا تجد لذتها إلا في إزهاق أرواح الأبرياء !
يقول السيد عصام العطار: ( عندما فُرِضَ عليَّ فَرْضاً مِنْ سُلُطاتٍ ألمانية ألاّ أستقرَّ في مكان ، فهناك -كما قالوا- قَتَلةٌ مُسَلَّحون يقتفون أثري ، ويريدون قتلي ، فيجب أن يتغيّر عنواني وسَكَني باستمرار ..
قلت لهم :
دعوني أُقْتَل فأنا لا أخافُ القتلَ ، ولا أرهبُ الموت ، ولا أُحَمِّلُكُم ولا أُحَمِّلُ أحداً غيري مسؤولية ما يصيبني !
قالوا :
إنّ وجودك في مكانٍ دائم يُهَدِّدُ حياةَ غيرك من السُّكّان وينشُرُ القلقَ والفزع في الشارع الذي تسكن فيه ، ويصنع كذا وكذا وكذا من الأخطار والأضرار ، فلا بدّ لك -كما طلبنا - من تغيير عنوانك وسكنك باستمرار!
وجمعتُ أوراقاً مهمةً لي ، أثيرةً عندي ، ومن أهمّها رسائل أم أيمن القديمة والحديثة ، ووضعتُها مع المصحف الشريف في حقيبة خاصّة ، وأسلمت نفسي لقضاء الله وقدره .
سَنَةٌ ونصفُ السنة ، لا يكادُ يستقرُّ جنبي في بلد أو سَكَن حتى يُقالَ لي : إرحلْ فقد عُرِفَ مكانك! إرحلْ .. إرحلْ .. إرحلْ
وفي هذا الرحيل المتواصل في الصيف وفي الشتاء ، وفي الربيع والخريف ، بين مدنٍ وقُرىً ، وفنادقَ ومنازلَ منقطعة عن العمران ، يباعد بعضَها عن بعضٍ أحياناً مئاتُ الكيلومترات ، وأنا مُتعَبٌ مُرْهَقٌ مَريضٌ مَريض ... ).
قلت: وكان السيد عصام في هذه الأوقات يترك زوجته : ( بنان ) وحيدة في بيتها ! غريبة في غير أوطانها ! يتألَّم قلبها في لحظة ! وينزف كبدها في كل ساعة !
وهي لا تفتأ أبدًا عن قراءة كتاب الله ، والاستغاثة به في كشف تلك النكبات التي أُصِيبتْ بها وزوجها.
وكان السيد عصام يتفقد أخبارها حسبما تيسَّر له ذلك عن طريق المراسلة ونحوها.
لكنه لم يكن يخطر على باله وبال مؤمن : أن هؤلاء المجرمين الذين يتعقبونه إذا لم يعثروا عليه في بيت زوجته ، فإنهم سوف يشفون غيظهم بتصْفية جسد زوجته بنان ! تلك المرأة الضعيفة الوحيدة دون أن يكون لها ناصر سوى رب العالمين وحده.
وحدث ما لم يكن في حُسْبان أحد إلا حُسْبان الشيطان !
ففي يوم الخميس 17/3/1981مـ) الموافق لعام ألف وأربعمائة وواحد للهجرة النبوية: (1401هـ )
جاء موعد السماء مع الام المجاهدة ، والداعية الراشدة : ( بَنَان الطنطاوي ).
فقد جاءت الأخبار المشئومة إلى هؤلاء المجرمين بأن عصام العطار ربما كان مختبأً في بيت زوجته ( بنان الطنطاوي) .
فأسرع هؤلاء السفَّاكون للدماء إلى ذلك البيت المتواضع الواقع في شارع « هِرِسْتالَر » الذي تقيم فيه بنان وحيدة بلا أهل ولا زوج !
وقاموا باقتحام منزل جارتها المسكينة، وأجبروها على الاتصال هاتفيًا بالمجاهدة بنان ، تخبرها أنها آتية إليها لتجالسها بعض الوقت، وتُؤانسها وحْدتها !
وسَرَعَان ما سمعَتْ بنانُ دقَّاتِ الباب تضرب في سمعها، فقامت كي تفتح الباب وتستقبل جارتها ، ولم تكن تعلم أن الموت ينتظرها خلف هذا الباب ، وأن الوعد الحق إذا نزل فُتِّحَتْ له الأبواب !
ولم تكن تدري أن جنات الخلد قد ازَّيَّنَتْ لها – إن شاء الله – وتعطَّرتْ.
وأن شموع الأفراح قد أُوقِدَتْ ، وشموس الأنوار قد أشرقتْ ، وأن الصبايا الحور قد حضرتْ لزفاف العروس وهم في صفوف، وجاءت لتصعد بروحها الطاهرة إلى معارج السماء وهي بها تطوف.
وأن ملائكة الرحمن قد أعدَّت موكبًا – إن شاء الله – لاسْتقبالها عندهم هناك؟
وما أدراك ما هناك ؟ حيث ما لا عينٌ رأتْ ! ولا أذنٌ سمعتْ ! ولا خَطَر على قلب بَشَر !
نعم: قد آنَ للجسد الضعيف أن يستريح ، ويسْكنَ منه ذلك القلب الجريح !
وهنا: جاء ميقات الأجل المحدود، ودقَّت ساعات ذلك اليوم الموعود المشهود.
وقامت المجاهدة بنان ، وفتحت بيدها مغاليق الباب
فهجم عليها أولئك الأنْذال الأرْذال ! وقلبوا البيت رأسًا على عقِبَ في الحال ؛ بحثًا عن زوجها عصام ليقتلوه أمام عين امرأته التي لا تجد لها من دون الله موئلا ولا ناصرًا !
ولـمَّا لم يجد هؤلاء القَتَلة عِصَامهم ! عمدوا بأيديهم إلى تمزيق بَنَانِهم !
وأحاطوا بالمرأة الضعيفة وقد أسدلوا عليها أستار الأحقاد ! وغفلوا عن أنَّ عين الله تراقب أمثالهم من ظالمي العباد !
ثم تقدم إليها أشقى القوم ، وشَهَر مسدسه في وجه المرأة الوحيدة وهي تنظر إليه نظرة المظلوم إلى ظالمه ، والمقتول إلى قاتله !
وهنا : أطلق هذا المجرم الأثيم خمسَ طلقات متتابعات على جسد تلك المرأة المجاهدة .
فاخْتَرَقَتْ بعض الطلقات: وجهها الأسيل الجميل ،
واخْتَرَقَتْ بعض الطلقات: جَنْبها وما تحت إبطها ، ذلك الإبط الشريف الذي طالما تأبَّطَ المعونات والحوائج إلى تلك الأُسَر البائسة التي لا عائل لها !
وذلك الجنْب الرقيق الذي كان يتجَافَى عن المضاجع والناس نيام في سُبَاتٍ عميق !
واخْتَرَقتْ بعض الطلقات: صدرَها الحنون الحزين ، ذلك الصدر الذي كانت تشتعل فيه دائمًا نيران الحسْرة على المشرَّدين والمطاردين هنا وهناك من أبناء المسلمين
وبعد أن فرغ هذا القاتل الأجير من إنفاذ طلقات مسدسه في جسد ضحيته المغْتَرِبة الوحيدة ، وشاهدها وهي تسقط أمامه والدماء تفور منها كما يفور ماء القِدْرِ إذا أوْقَدتَّ عليه النار !
لم يكْفِه ما اقترفتْه يداه مما لا تغسله مياه الأنهار ! فقام يطَأُ ويدوس على قتيلة الإسلام بقدميه شديدًا ! كأنه يظن نفسه يطأُ كلَّ جسد باع نفسه لله ! وبذل مُهْجته ابتغاء مرضات الإله .
وما زال هذا القاتل الأثيم يطأ جسد القتيلة المظلومة حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها تشتكي له ظلم عباده لها ولزوجها ! وتُخْبره – وهو أعلم – بقصة آلامها وأحزانها .
بَكَتْ عيني وحُقَّ لها بُكاها *** وما يُغْني البكاءُ ولا العويلُ ؟
ثم تأملي معي اقوالها النابضة بالصدق والعزة
1- قالت هذه الشريفة الصادقة : « ... فما علينا إذنْ لنفوزَ بالجنّةِ والخلودِ في نعيمِها الْمُقيم إلاّ أن نَصْدُقَ الإيمانَ، ونُحْسِنَ العملَ، ونَمْضِيَ على طريق اللهِ، مُنِيبِينَ إليهِ خاشِعين له، مُطْمَئِنِّين كلَّ الاطْمِئْنانِ لعدلِه وحكمِه في كلِّ أمرٍ يُصيبُنا ويقعُ بنا أو من حولنا.. لا نَنْحَرِف عن صراطه المستقيم، ولا نتوقّفُ ولا نُبالي ولو اجتمعتْ علينا قُوَى الأرض ! .» .
2- وقالت أيضًا: « اللهمّ إنّا راضونَ راضونَ بقضائك وقدرك، وبكلّ ما يُصيبُنا في سبيلك.. فهل أنتَ راضٍ عَنّا يا ألله!
إذا صَحَّ منكَ الوُدُّ فالكُلُّ هيّنٌ * * * وكلُّ الذي فوقَ التّرابِ تُرابُ !
نعوذُ بنور وجهك الذي أشْرَقَتْ له الظُّلُمات، وصَلَح عليه أمرُ الدّنيا والآخرة، من أن تُنْزِلَ بنا غضبَك، أو يَحُلّ علينا سَخَطُك، لك الْعُتْبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك »
3- وقالت : « كم مرّةٍ تذكّرتُ وأنا أُبْصِرُ ما يَنْزِل بالمسلمين من نَكَبات، وما يُعانونَه من وَيْلات، وما يَتَرَبَّصُ بهم من أخطار ومهالك.
كم مرّةٍ تذكّرتُ وأنا أبصر هذا وأبصر في ذات الوقت غفلتهم، وتَقَطُّعَ وَشائِجِهِمْ، وقِلَّةَ تَناصُرِهم، وانشِغالَ كلَّ فرد أو فريق منهم بنفسه عن غيره، وبيومه عن غده، وبدنياه عن آخرته.. وهم في سِنَتَهِمْ لا يستيقظون على ضَرَبات الدهر، ولا ينتفعون بتجارِبِه ومواعظِه!
كم مرّة تذكّرت وأنا أشهد هذا كلّه قصيدةَ أبي البقاءِ الرُّنْدي الأندلسي:
لِكُلِّ شَيْءٍ إذا ما تَمَّ نُقْصانُ * * * فلا يُغَرَّ بطيبِ الْعَيْشِ إنسانُ »
* * * * *
4- وقالت أيضًا: « ...كيف لا أكون متفائلة ونور الله يعمر قلبي،ويضيء عيني ودربي, وأنا أحس وأوقن – مهما ضاقت الدنيا واشتدت الظروف - أن الله معنا, يسمعنا ويرانا... وأن الحق الذي نؤمن به, ونجاهد من أجله, لا بد أن يكون له النصر على الباطل... وأننا سنفوز – إن صدقنا وصبرنا - بإحدى الحسنيين: النصر أوالجنة. »
5- وقالتْ وهي صادقة : « يارب إن ضاقت بنا الدنيا فليس لنا سواك.
وإن انسدَّتْ في وجوهنا السبل فليس لنا سواك
وإن ظلمنا الأعداء والأصدقاء فليس لنا سواك
وإن تـنكرت لنا كل موجود فليس لنا سواك
يارب الوجود يا ألله
***
يارب إن طالت بنا الغربة فليس لنا سواك
وإن اشتدت بنا الوحشة فليس لنا سواك
وإن فتك بأجسامنا المرض فليس لنا سواك
وإن تنكرت لنا الأرض فليس لنا سواك
يارب السماء والأرض يا ألله
***
في سبيلك وحدك وحدك جاهدنا وعملنا
في سبيلك وحدك وحدك أُخْرجنا وشُرِّدنا
في سبيلك وحدك وحدك عُودِينا وحُورِبْنا
في سبيلك وحدك عشنا
وفي سبيلك وحدك نعيش
وفي سبيلك وحدك نرجو أن تكتب لنا الشهادة يا ألله
بقوة إيمانها انتصرت على الرغبات الدنيوية الدنيئة، وسارت بِخُطَىً حثيثة ثابتة في طريق الدعوة الشائك، وعبَرتْه بكل صبر ويقين، حتى فازت بالشهادة ـ نحسب ذلك ـ والله حسيبها وكفيله
واني ارى الجبار ينتقم لها وللمظلومين امثالها في سوريا الحبيبة
فقد آن زوال نظام الطاغوت الاسد
ينعقد لساني
ويقشعر بدني
وتتساقط الدمعات
امام هذا الشموخ
الذي لم اقرا عنه
سوى في الجيل الاول
فيالله
لقيا المنابر
اجمل من كتب عنها الاخ أبي المظفر السناري فقمت باختصار ماكتبه
والاشارة الى بعض سيرتها باسلوبي
لعلي اكون قدمت شيئا لحبيبتي بنان
فيارب تقبل
وانصر اخواننا في سوريا واحقن دماءهم وانتقم للشهداء ياجبار
6
962
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الله يرحمها و يسكنها فسيح جناته حتى ان زوجها عصام مازال الى اليوم اذا ذكرها يبكي حزنا عليها بعد هذا العمر وكانها ماتت لتوها
الله يرحمها و يجمع بينها و بين زوجها و ابيها في الجنه
الله يرحمها و يجمع بينها و بين زوجها و ابيها في الجنه
الله يرحمه ويرزقنا الشهاده كما رزقه
ويجزاكي الخير على النقل المميز
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
ويجزاكي الخير على النقل المميز
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
الصفحة الأخيرة
لآإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،
سبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما أحصى كتابة سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله عدد ما خلق الحمد لله ملء ما خلق الحمد لله عدد ما في الأرض والسماء والحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله ملء ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل
شيء والحمد لله ملء كل شيء
سبحآن الله وبحمده عدد خلقه ورضة نفسه وزنة عرشه ومدآد كلمآته