الشيخ كمال خطيب - نائب رئيس الحركة الإسلامية
يحكى أن أصل هذا المثل الشعبي يعود الى أحداث قصة مأساوية تمثلت بحريق شبّ في أحد الحمامات الشعبية، ومعروف أن هذه الحمامات تكون على عمق لافت بهدف الوصول الى المياه الساخنة الطبيعية، وكان الناس ينزلون الى هذه الحمامات بعد خلع ملابسهم، اللهم الا ما يستر عورتهم...
وكان القادرون منهم يستأجرون غرفا صغيرة داخل الحمام، فلما شبّ الحريق قام نفر ممن هم في داخل الحمام بالخروج الى الشوارع والأسواق خوفا من النار والدخان منهم من لا يستر عورته الا قطعة قماش صغيرة، ومنهم من خرج كيوم ولدته أمه ليعيش الناس في السوق في حالة ذهول وصراخ بل سباب وشتم لهم وهم يقولون لهم «بتستحوش على حالكم» فكان جواب هؤلاء لهم «اللي بستحوا ماتوا»، يقصدون بذلك أن كثيرين من روّاد ونزلاء ذلك الحمام ومن كانوا بداخله ممن شعروا باندلاع الحريق راحوا يبحثون عن ثيابهم في حالة من الهلع والتدافع فكانوا بين نارين: نار الحريق ونار الخجل من أن يروا وقد تكشفت عوراتهم، وهم على تلك الحالة من الإرتباك والبحث عن الملابس واذا بالنيران تحاصرهم والدخان يخنقهم فماتوا، وأمّا من لم يعبأوا بكونهم بدون ملابس فخرجوا الى الشارع يبغون السلامة والنجاة، فكان لهم ذلك دون أخذ أي اعتبار للحياء ومعانيه والناس وكلامهم ومن يومها راح هذا المثل يتردد على ألسنة الناس «اللي بستحوا ماتوا».
وان الناظر الى حال الأمة هذه الأيام وما عليه قياداتها وحالة الخدَر والهوان والذل التي يعيشونها ليدرك أن هؤلاء فعلا ما عادوا يخجلون ولا يستحون وانهم قد تلبّدت مشاعرهم ليس الى حد غياب الخجل واحمرار الوجه عند أي موقف ومشهد يستدعي ذلك وحسب، وإنما وصلوا الى حالة من اللامبالاة، لا بل انهم الأحياء الأموات {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}.
أن تقوم آلة الدمار الأمريكية بمذبحة في الفلوجة تتقزم عندها مذبحة حلبجة التي قام بها نظام صدام حسين ضد أكراد العراق، فيقتل الآلاف في الفلوجة وتهدم المساجد ويشرد ثلاثمائة ألف مواطن وتغتصب النساء وتلقى الجثث في الشوارع تنهشها الكلاب ويمنع من ادخال الطعام والماء وانقاذ الجرحى والمرضى، كل هذا يحدث ومجموعة من الدول العربية والاسلامية تشارك عبر وزراء خارجيتها في مؤتمر شرم الشيخ من أجل العراق دون أن ينبس أحد منهم ولو بشطر كلمة مشيرا الى الفلوجة وما يحدث فيها من مجازر ودمار.
إن موقف هؤلاء اذا ما قورن بمواقف قادة الأمة وعظمائها ممن كانت تستفزهم صرخة امرأة واحدة تنادي عن بعد مسيرة أيام واإسلاماه وامعتصماه، فكان يلبّي لها معتصم يقول لها لبيك ومعه تسعون ألفا كآساد الشرى كما وصفهم أبو تمام في قصيدته عن فتح عموريّة.
إنهم القادة ومنهم العلماء اليوم من الذين راحوا يفتون بأن انتقال الشباب العربي الى العراق لقتال ومنازلة الأمريكيين دفاعا عن شرف وعرض العراقيات، وعن حرمة المساجد والكرامة العربية إنما هو كمن يلقي بنفسه الى التهلكة.
حقا مات المعتصم وهو الذي كان يقول لها لبيك لبيك يا أخت العروبة والاسلام، يستحي من الله أن يُمس شرف مسلمة وفيه عين تطرف، وهو يرسل الى ملك الروم الذي أسرها جنوده برسالة يقول له فيها ( أطلق سراح المرأة المسلمة وإلا فوالذي بعث محمدا بالحق لأسيّرنّ لك جيشا أوله عندك وآخره عندي في بغداد).
مات المعتصم الذي يخجل ويستحي من رؤية امرأة مسلمة واحدة ينتهك شرفها وهي في الأسر وبقي مهازيل وجبناء لا يستحون من الذين لا تحرك نخوتهم آلاف الأعراض تنتهك في أبو غريب والفلوجة وبغداد.
وحقا فلقد مات عبد الله بن المبارك فقيه الشام، الذي كان يعشق الجهاد والرباط على الثغور الاسلامية في مواجهة جيوش الروم وهو يعتبرها أفضل العبادات وهو الذي ردّ على أحد علماء زمانه يومها من الذين عابوا عليه ذلك واعتبروا أن أعظم العبادات هي العبادة والصلاة وملازمة المسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم لقد رد عليه ابن المبارك بأبيات من الشعر أرسلها اليه يقول له فيها:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خدّه بدموعه
فخدودنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يُتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
فلقد مات ابن المبارك الذي يستحي أن تكون عبادته الصلاة والبكاء والدموع عند الكعبة، بينما جيوش الكفر توشك أن تغزو الديار، وبقي اليوم علماء أو أشباه علماء من الذين ما عادوا يستحون وهم يصدرون فتاوى سلطانية وملوكية وأميرية تعتبر أن مشاركة شباب الحجاز والكويت والأردن ومصر والمغرب لإخوانهم في العراق في دفع العدوان الأمريكي هي نوع من الهلاك، وما هذه الفتاوى الا ارضاء لأصحاب الجلالة والفخامة والسيادة من حملة الإسلام الأمريكاني الذي يجيز الحديث والإفتاء عن الحيض والنفاس وهل دم البرغوث يفسد الوضوء أم لا؟!
وما كل هذا إلا ردّا على فتاوى مجموعة الستة والعشرين من العلماء السعوديين ثم مجموعة الستة والعشرين من العلماء اليمنيين الذين أفتوا بجواز ذلك الانتقال والقتال بل ودعوا اليه ومعهم فتاوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ومعه الكوكبة المباركة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الذين رفضوا أن يكونوا من علماء السلاطين الذين يبيعون دينهم بدنيا الملوك فأعادوا بفقههم وعلمهم فقه وعلم ابن المبارك:
يا أمتي عاد المغول فجرّدي
سيف الجهاد لردعهم وتقدمي
لا تسمعي فتوى التخاذل انها
عزّ العلوج وذل للمسلم
يا مفتي الحرمين لو أبصرتنا
والعلج يعبث بالصبايا اليُتّم
لعرفت أنك عن مصائب أمتي
وهمومها لمن الغفاة النوّم
بغداد يا أمّ الحضارة والإباء
يا قبلة التاريخ لا لن تُهزمي
فالموت في ظل السيوف كرامة
وتبسم الشهداء خير تبسّم
ولقد مات البطل الكردي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي اشتهر عنه قوله لما كان يُسأل لماذا لا نراك تضحك يا صلاح الدين فكان يقول (إني أستحيي من الله أن أضحك وما يزال المسجد الأقصى بيد الصليبيين)، نعم مات صلاح الدين الذي يستحي من الله أن تبقى أمته والمسجد الأقصى خصوصا في قيد الذل، واليوم نرى وللأسف الشديد قوم صلاح الدين من الأكراد العلمانيين في العراق ممن يعادون العروبة بل ويتحالفون مع الصليبيين الجدد «الأمريكان» لا بل إنهم جعلوا من كردستان العراق قاعدة متقدمة للموساد الاسرائيلي الجاثم فوق المسجد الأقصى من جديد يعبث من خلالها بالعراق وايران وسوريا.
مات صلاح الدين الذي حرّم على نفسه الابتسامة الى أن يردّ الأذان الى المسجد الأقصى بعد إذ منع الصليبيون الأُول «الفرنجة من أهل أوروبا» رفع الأذان فيه مدة 94 سنة وكان له ذلك منذ معركة حطين الخالدة عام 1187, ولله وللتاريخ فقد مات كذلك من رفض التوقيع على تقسيم المسجد الأقصى خلال مفاوضات الكامب ديفيد في العام 1998 خلال المفاوضات مع باراك والرئيس كلنتون، مع أنه الذي أقرّ بحق اليهود في حائط البراق وأنه حائط المبكى، إنه الرئيس ياسر عرفات أعطى ما لا يملكه لمن لا يستحقه، أقول وأنا تنتابني مشاعر الخوف والشك من أن ورثة الرئيس عرفات قد لا يكونون بنفس صلابته، لا بل ان الخطر الحقيقي يكمن اذا استمر مرشح حركة فتح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية محمود عباس - أبو مازن بالسعي لتحقيق قناعاته السابقة والتي لأجلها اختلف مع الرئيس عرفات، بل وكانت القطيعة بينهما سنة ونصف السنة، ولعل منها الموقف من المسجد الأقصى وحق العودة واللاجئين وغيرها، ولا تهدِّئ من مخاوفي تصريحاته الأخيرة بالمحافظة على الثوابت الفلسطينية التي حافظ عليها الرئيس ياسر عرفات.
نعم لقد مات الذين يستحون من الذين حملوا همّ أمتهم وبقي في زماننا الذين لا يستحون وهم همٌّ تحمله الأمة على كاهلها، بقي الذين أصبحت قبلتهم واشنطن بدل مكة المكرمة، وأصبح قرآنهم قرارات مجلس الأمن الظالمة التي تعتبر المقاومة في العراق وفلسطين إرهابا، بينما هي في جنوب السودان وتيمور الشرقية مقاومة شرعية يجب مساندتها حتى تنال حقوقها لتكون في تيمور الشرقية دولة سكانها مليون ونصف من المسيحيين ينفصلون عن أندونيسيا ذات الـ 200 مليون من المسلمين ولينال النصارى جنوب السودان حكما ذاتيا يتقاسمون الثروة بقوة السلاح تدعمهم أمريكا وبريطانيا وغيرها، بينما يعتبر العراقي الذي يدافع عن شرفه ارهابيا والفلسطيني الذي يسعى لنيل استقلاله وطرد الاحتلال مجرما ومخربا، وللأسف ان الذين لا يستحون من قادة الأمة يبصمون على ذلك لأن أوامر سيدهم لا تخالف.
ذهب الذين يستحون وبقي المهازيل من الرويبضات والسفهاء الذين يتكلمون في أمر الأمة وهم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قال :«ان بين يدي الساعة سنين خداعة، فيها يخوّن الأمين ويُؤتمن الخائن، ويُصدَّق الكاذب ويُكذَّب الصادق، ويتكلم في الناس الرويبضة، قالوا وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة».
اللي بِستحوا ماتوا، وبقي لكع بن لكع من الذين رضا أمريكا واسرائيل أهمُّ اليهم من رضا الله سبحانه ونيل الحظوة عند بوش أحب اليهم من نيل الشفاعة عند رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
اللي بستحوا ماتوا وبقي ورثة إبليس رؤساء وأمراء باعوا أنفسهم لأعداء أمتهم وعلماء متملقون جعلوا أنفسهم ضمن قافلة العبيد التي يجلدها سيد البيت الأبيض بمنساسه وهم الذين لم يظلمهم الشاعر أحمد مطر لما قال عنهم في قصيدته:
قم يا صلاح الدين قم
حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة
كم مرة في العام توقظونه؟
كم مرة على جدار الجبن تجلدونه؟!
أيطلبُ الأحياء من أمواتهم معونة؟
دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه
لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه
وكيف لا يقتلون صلاح الدين اليوم وهم الذين تآمر أجدادهم بالأمس على صلاح الدين مع الصليبيين الأُول كما فعل الصالح اسماعيل ملك حلب، وعز الدين ملك الموصل وشاور المصري، فجعلوا من أنفسهم جنودا في خدمة فرنجة أوروبا في مواجهة المد الاسلامي الصاعد يقوده يومها صلاح الدين يريدون قتل صلاح الدين والإجهاز على مشروعه المبارك.
يا ورثة ابليس، ويا ورثة الصالح اسماعيل وعز الدين آيبك وشاور، يا أحفاد من لا يستحون إعملوا ما شئتم فإن الذين يستحون ويخجلون من الله ومن أمتهم ومن أعراض أخواتهم التي تنتهك في الفلوجة وبغداد وجباليا وغيرها ومن مآذن الفلوجة التي تقصف ومن شباب سجن أبو غريب الذين تنتهك كرامتهم، ان هؤلاء الذين يستحون من الله لم يموتوا وانهم هم الذين كانوا بالأمس وكانوا اليوم من الذين أخذوا على أنفسهم العهد أن يموتوا هم ليحيا الاسلام.
ومن الذين عزموا أن تظل راية محمد بن عبد الله مرفوعة وأن تقوم دولة الخلافة الاسلامية الراشدة يراها الناس بعيدة ونراها قريبة باذن الله وسواء قال عنهم الذين لا يستحون بأنهم ارهابيون ومارقون وظلاميون وأصوليون، فإنهم عازمون أن يمضوا في قافلة الحق ولن يعبأوا بنباح وأبواق من لا يستحون، لسان حالهم يقول:
حكموا علي بأنني ارهابي
زعموا بأني قد فقدت صوابي
زعموا بأني مسلم متطرف
والويل كل الويل للإرهابي
حكموا بسجني حيث أني مسلم
يبغي الكرامة أو يهال ترابي
ان كان عز القدس صار تطرفا
فأنا أبيح تطرفي لصحابي
يا أيها الدخلاء هذا موقفي
لن يدخل الجبناء من أبوابي
يا أيها الغرباء هذا مذهبي
أمشي بهدي محمد وكتاب
وإني لفرد من أسود محمد
والأسد تُخشى في نظام الغاب
وإنها المرحلة القريبة سترينا باذن الله انتصار حقنا على باطلهم، وخيرنا على شرّهم، وجمالنا على قبحهم، وفضيلتنا على رذيلتهم، وانتصار تبعيتنا الحقيقية لرسالة موسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، وتبعيتهم هم للشيطان وجنوده من بوش وحاشيته وان غدا لناظره لقريب.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولإخواني رهائن الأقصى بالمغفرة.
{ .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.

mwa6nh @mwa6nh
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


الفجر
•
الشخص الوحيد الذي تمنيت عودته بعد سماع أستنجاد الأخوات العراقيات في سجن أبو غريب ياترى لو كان في زماننا هذا رجل به نخوة المعتصم هل كان هذا حال المسلمات
وآه معتصماه أنطلقت ملىء أفواه اليتامى والثكلي
لامست أسماعهم لكن لم تلامس نخوة المعتصم
وآه معتصماه أنطلقت ملىء أفواه اليتامى والثكلي
لامست أسماعهم لكن لم تلامس نخوة المعتصم

الصفحة الأخيرة
احب استفسر منك هل الصوره التي موجوده فعلا لشيخ عبدالله عزام