
دمي ولادمعة أمي @dmy_oladmaa_amy
كبيرة محررات
(الصبر مفتاح الجهاد والانتصار)
(الصبر مفتاح الجهاد والانتصار)
لعل من أهم القيم النفسية التي تدخل في تركيبة الشخصية المسلمة. الصبر. وقد حفلت آيات القرآن الكريم بالصبر حتى بلغ تعداد ورودها مع مشتقاتها تسعاً وتسعين. توزعت على جل سور القرآن الكريم.
والصبر بمعناه الشمولي تحمّل النفس البشرية ما لم تستطع عليه في الأمور الطبيعية فهو زيادة في التحمل قد تصل حداً عالياً يُظن أن النفس البشرية غير قادرة على التماسك والتوازن إذا ما تعرضت لضغط.
وقد ركز القرآن الكريم على الصبر باعتباره أحد أهم الأسباب في نجاح الأمور الدينية والدنيوية. فإذا ما تمتعت الشخصية بالصبر كانت أقرب إلى الفوز والانتصار. وإذا ما فقدت الصبر كانت أقرب إلى الفشل والاندحار. ولذلك كان الخطاب القرآني للرسول محمد صلى الله عليه وسلم مركزاً على الصبر والتحمل. وكذلك كانت سيرة الأنبياء جميعهم. حيث ضرب القرآن الكريم أمثالاً عديدة عن صبرهم.
يقول تعالى: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) "الأحقاف: 35".
ويقول تعالى: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله) "يونس: 109".
ويقول تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم) "النحل: 127".
وقد تكرر الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم مطالباً إياه بالصبر.
وباعتبار أن الصبر هو القدرة على التحمل أولاً وهو العامل الحاسم في الانتصار فقد ربطه القرآن الكريم بالعلاقة مع الله سبحانه وتعالى. ولذلك قالت الآية الكريمة وما صبرك إلا بالله. وهذا يعني أن جزاء الصابر مزدوج. فهو جزاء في الدنيا وهو الانتصار وجزاء عند الله وهو الجنة ورضا رب العالمين.
يقول تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) "الزمر: 15".
ويقول تعالى: (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) "يوسف: 90".
ويرتبط الصبر بالجهاد ارتباطاً وثيقاً. فمن الناحية النفسية والعقلية يعني الجهاد بذل الجهد وفيه من حركة النفس والروح والجسد ما يشير إلى تحمل التعب الجسدي والمشقة النفسية. وهنا تكمن أسرار العلاقة بين الجهد والصبر فبذل الجهد لا يمكن أن يستمر حتى يبلغ غايته إلا إذا رافقه الصبر. وبذل الجهد يتداخل مع التحمل الفائق أي الصبر. والواقع أن الصبر وبذل الجهد مسألتان نفسيتان في جوهرهما. لكنهما تنعكسان بشكل بدهي على الجسد الذي هو حامل للنفس ومظهر من مظاهر حركة الروح.
وعندما نسير في الأفق الواسع لهذين المعنيين نجد أن الجهاد باب واسع في الحياة. فهو جهاد النفس والهوى. وهو الجهاد ضد العدوان والظلم. وكذلك الصبر فهو صبر على المكاره، صبر على ظلم الناس، صبر على الابتلاءات. وصبر على المرض والفقر وما شابه ذلك.
وعندما تضيق الدائرة وتُحدد في الجهاد بمعناه القتالي أي الجهاد في سبيل الله من خلال معارك الصدام مع أعداء الإسلام يبرز الصبر كأهم عامل من عوامل الثبات والانتصار. وهنا لابد من وقفة متأنية عند الأبعاد النفسية التي ترتبط بمزيج الجهاد والصبر وكيف ربطت آيات القرآن الكريم كل عنصر بالآخر يقول تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (محمد: 30) فالابتلاء من الله سبحانه للمؤمنين، وهو المحك الذي يبين معدن هؤلاء المؤمنين لكن المحك يظهر صنفين من المؤمنين، الصنف الأول المجاهدين والصنف الثاني الصابرين ولكن المجاهدين يزدادون درجة إذا ما صبروا فلذلك كان المجاهد الصابر أعظم درجة عند الله من المجاهد الذي قد يمل أو يفقد صبره في ساعة من الساعات.
وإذا حصرنا مفهوم الجهاد في الجانب القتالي. وجدنا أن الصدام المسلح في المعركة يحمل من احتمالات القتل والجرح وبتر الأطراف الكثير. وهو لا شك كحالة مستقلة عن مفهوم الاستشهاد مكروه. أي أن القتل والجرح وما إلى ذلك ليس أمراً مستحباً. يقول تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) "البقرة: 216".
وهنا يبرز الصمود في وجه العدو. وهذا الصمود يعود إلى عامل الصبر. فالصبر يثبت الأقدام. يزيد من الإصرار للتصدي. لأن النفس المجاهدة في أتون المعركة تتحمل كل الاحتمالات من قتل أو جرح أو سقوط أو أسر. فإذا ما دخل عنصر الصبر في هذه النفس المجاهدة أصبحت الاحتمالات تتلاشى من النفس ولا يبقى فيها سوى دافع نفسي واحد. وهو الانتصار على العدو. والانتصار على التردد في الإقدام. وفي حالة صبر المجاهد تصبح قوته مضاعفة. فالمقاتل يصبح بعشرة رجال لأن الصبر جعل منه إنساناً آخر.
يقول تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) "الأنفال: 25" ولم يقل إن يكن منكم عشرون مجاهدون. لأن الصبر للمجاهد في المعركة هو العنصر الحاسم في الغلبة والنصر.
ولذلك أيضاً ربط القرآن الكريم بين الصبر وبين حالتين نفسيتين هما عدم الضعف وعدم الاستكانة فقال تعالى: (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) "آل عمران: 146". وقد جاءت الآية هذه في سياق الحديث القرآني عن المجاهدين الذين يقاتلون مع الأنبياء دفاعاً في سبيل الله عن دينهم وعن العدل والحرية وإعلاء كلمة الله. قال تعالى: (وكأيٍ من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (آل عمران 146).
وقد ربط القرآن الكريم الصبر بالتقوى. ومنزل التقوى القلب. فإذا امتلأ القلب بالتقوى دفع صاحبه للصبر ومن كان الصبر صاحبه كان النصر حيلفه يقول تعالى: (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) "آل عمران: 124 ـ 126".
فارتبط إمداد الملائكة للمؤمنين بناحيتين نفسيتين هما الصبر والتقوى. فإن توفرتا فإن الله سبحانه قادر على أن يمد أصحابهما بالملائكة منتصرين لهم ويقول تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) "آل عمران: 120". وهذه الآية أيضاً جاءت في سياق قوله تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) "آل عمران: 120".
فنرى أن الأمور جميعها في هذه الآية ترتبط بقضايا نفسية صرفة. فالكفار يستاؤون إذا أصابت المؤمنين النعماء ويفرحون إن أصابت المؤمنين المصائب وفي هاتين الحالتين قد تتجلى ردة الفعل عند المؤمنين وينسون فيهما التقوى والصبر. ولكن هذا الصبر وهذه التقوى إذا تجليتا في نفوس المؤمنين فإن كيد الكفار لن يضر المؤمنين شيئاً.
وقد ربط القرآن الكريم غلبة الفئة القليلة على الفئة الكثيرة بالصبر. لأن في ذلك قدرة فائقة على التحمل. فالمجاهد الصابر عندما يرى عدوه أكبر منه وأكثر عدة وعدداً لا تهتز مشاعره ولا يدخل الخوف قلبه. فيتضاعف جهده بالصبر ويستطيع التغلب على عدوه وإن كان أقل منه قوة وعدداً.
يقول تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) "البقرة: 249".
ويقول تعالى: (فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مائتين) "الأنفال: 66.
وقد أمر الله سبحانه أمة الإيمان بالصبر والمصابرة والمرابطة في سبيل الله والتقوى. وهذه الأمور ترتبط ببعضها من حيث النجاح والانتصار كنتيجة حتمية لهذا المزيج من الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى.
وقد جاءت هذه الآية ليختم الله سبحانه بها سورة آل عمران جاءت لتقول لأمة الإيمان اصبروا وغالبوا أعداءكم بالصبر على شدائد الحروب ثم رابطوا في الثغور مترصدين للغزو ولصد هجمات الأعداء والمعتدين. ومع كل هذه المعاني عليكم بالمخافة والخوف من الله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإن كل ذلك يعني الفوز برضا الله وجنته التي عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
اسال الله ان يجعل يلهمنا الصبر ويرزقنا الانتصار على اعداء الاسلام
2
3K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
زائرة
•
جزاتس الله خير

الصفحة الأخيرة