حال الصحابة مع الشتاء
كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يحبون الشتاء حبًّا شديدًا، كعادتهم في حب أي شيء يؤدي إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، أو يكون سببًا في تحصيلها، وليس أعظم من الشتاء في ذلك؛ إذ كانوا -التزامًا بسنة نبيهم الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif- يكثرون من قيام ليله، وصيام نهاره، وإسباغ الماء البارد على المكاره من أعضاء أجسادهم، لا سيما في الليالي الشاتية، علاوة على عبادة اجتماعية كانوا يلجئون إليها في هذا الفصل، هي التصدق بفضول ملابسهم، على الفقراء والمساكين، إعانة لهم على توقي برده الشديد، وحفظ أبدانهم من مضاره.
رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مرحبًا بالشتاء.. تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
بل كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يرون أن صيام نهار الصيف يعدل قيام ليل الشتاء في الأجر والثواب؛ ولعل هذا أحد أسباب بكاء معاذ رضي الله تعالى عنه عند موته؛ إذ قال: "إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".
وعن الحسن قال: "نِعْم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
وعن عُبيد بن عُمير أنه كان إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن: طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".
فرصة لقيام الليل
أما قيام ليل الشتاء فلطوله، إذ يمكن أن تأخذ النفس في ليله حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسه حظها من النوم، فيجتمع له نومه المُحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن الكريم، فيكمل له مصلحة دينه، وراحة بدنه.
وفي فضل قيام الليل، وضرورة اتصاف المؤمنين به، قال الله سبحانه: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ" .. وهذا الفعل (التجافي عن المضاجع) يضاعف من الثواب عليه أن تكون المشقة فيه أشد، وهو شدة البرد، لا سيما أن النفس تميل عند ذلك إلى استطابة الرقاد في الفراش، والالتذاذ بدفئه، وعدم التجافي عنه.
الله سبحانه وتعالى قال أيضًا -في وصف عباده المؤمنين-: "كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ". . وقلة "الهجع" -خصوصًا- بهدف إحياء ليالي الشتاء، هي مما لا يقدر عليه كثير من الناس في هذا الزمان، وواقعهم يدل على ذلك أبلغ الدلالة.
في السياق نفسه، رغّب رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif في قيام الليل في كثير من أحاديثه، وتوجيهاته لأمته.. ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". .
ومشجع على الصيام
أما صيام نهار الشتاء، فيصفه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فيقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة"؟ قالوا: بلى، فقال: الصيام في الشتاء"، ومعنى كونه "غنيمة باردة"، أنها غنيمة تحصل بغير قتال، ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوًا وصفوًا بغير كُلفة.
فعلينا -إذن- والأمر هكذا أن نكثر من الصيام في فصل الشتاء، لا سيما الأيام الثلاثة البيض (الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر -على القول الراجح- من أواسط كل شهر هجري).
وكذلك صيام يومي الإثنين والخميس، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif يتحرى صوم الإثنين والخميس. .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضًا، عن رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif قال - في فضل صيام الإثنين والخميس كذلك-: "تعُرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعُرض عملي وأنا صائم".
لا تنسَ الفقراء
لا شك أن إيثار الفقراء في الشتاء بما يدفع عنهم غائلة البرد خلال ذلك الفصل له فضل عظيم، وأجر كبير.. فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif قال: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif قال: "من نفّس عن مسلم (أي: فرج عنه) كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة (الكربة: ما أهم النفس وأغم القلب)، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة". (متفق عليه).
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يُحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، فمن كسا لله عز وجل كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقا لله سقاه الله، ومن عفا لله عفا الله عنه". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الأهوال" (ص/ 232).
(الجسد الواحد )
أحدهم يقسم بالله العظيم أن عنده جدّتين لأمه وأبيه تنامان في لحاف واحد من شدة البرد.
أختي -أخي الحبيب:
إن هذا الفصل نعيشه ويعيشه معنا أناس يستقبلون قبلتنا، ويصلون صلاتنا،
ويحجون حجنا فلهم حق. إن هذا الفصل وما يمر علينا فيه من الشدائد هنا وهنا فقط، لابد وأن نستشعر جميعاً أن هناك من هو أحوج بالرأفة والمساعدة منا، لابد أن نتذكر أولئك الذين لامس بل اخترق بردُ الزمهرير عظامهم.
إن هناك مسلمون لا يحلم بل لا يتصور أحدهم وإن شئت فقل لا يتوقع في الحسبان أن يصل إليه ثوب قد جعلته أنت مما فضل من ثيابك وملابسك.
أخي- أختي في الله:
قل لي بربك كم يملك أحدنا من ثوب؟ وكم يُفصِّل أحدنا من ثوب؟
وكم.. وكم.. وكم..؟ خير كثير كثير. ونِعَمٌ لا تحصى.. ولكن أين العمل؟
. إلى الله المشتكى فلا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى.
فهيا أخي امضِ وتصدق ولو بشيء يسير، فربما يكون في نظرك حقير وعند ذلك الفقير المحتاج كبير وعظيم.
من أقوال السلف
- قال الحسن " نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه "
- وقال قتادة: " إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن يقصر النهار فيصومه ويطول الليل فيقومه " ،
- وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول : " يا أهل القرآن قد طال الليل لصلاتكم وقصر النهار لصومكم "
- قال رسول الله الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " حسن رواه أحمد في مسنده وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم ( 3868 (
- ويقول عمر بن الخطاب" الشتاء غنيمة العابدين"
فرح السلف بالشتاء
- قال عمر رضي الله عنه: ( الشتاء غنيمة العابدين ).
- وقال ابن مسعود: ( مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام ).
- وقال الحسن: ( نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه ). ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.
- ورحم الله معضداً حيث قال: ( لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما بالبيت أن أكون يعسوباً ).
هذا خبر من قبلنا، أما خبر أهل زماننا فنسأل الله أن يصلح الأحوال؛ تضييع للفرائض والواجبات، واجتراء على حدود رب الأرض والسموات، وسهرٍ على ما يغضب الله، ويظلم القلب، ويطفىء نور الإيمان.
آيات الله في الشتاء
1- الصواعق :
قال تعالى: وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ .
وقد جاء في سبب نزولها أن رجلاً من عظماء الجاهلية جادل في الله تعالى فقال لرسول الله : ( أيش ربك الذي تدعوني إليه؟
من حديد هو؟ من نحاس هو؟ من فضة هو؟ من ذهب هو؟ فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه وأحرقته ).
2- الرعد والبرق :
عن ابن عباس قال: اقبلت يهود إلى النبي
فقالوا: ( يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ )
قال: { ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله }
قالوا: ( فما هذا الصوت الذي نسمع؟ )
قال: { زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر }
قالوا: ( صدقت ) .
3- المطر والبرد :
قال تعالى : أًلَمَ تَرَ أَنَ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنَ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَ بصَارِ .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : { اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها } .
فتذكري يا أخية شدة زمهرير جهنم بشدة البرد القارس في الدنيا، وإن ربط المشاهد الدنيوية بالآخرة ليزيد المرء إيماناً على إيمانه ..
يقول أحد الزهاد: ( ما رأيت الثلج يتساقط إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر).
وفي الشتاء تذكرة
من اجتهد في طاعة الله سبحانه وتعالى، كان حقًّا عليه سبحانه أن يقيه برد جهنم وحرها، فقد وصف -سبحانه وتعالى- أهل النار وما يتعرضون له من عقاب أليم بقوله: "لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا" .. والغسّاق قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه "الزمهرير البارد الذي يحرق من برده"!
وأضاف مجاهد: "الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده"!
لذلك كان من شيم المؤمنين الدعاء بهذا الدعاء: "اللهم أجرني من زمهرير جهنم". ففي حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif قال: "إذا كان يوم شديد البرد، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله.. ما أشد برد هذا اليوم.. اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم: إن عبدًا من عبيدي استجار بي من زمهريرك، وإني أشهدك أني قد أجرته" (ضعيف الإسناد، رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" برقم/ 301)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (486) بإسناد ضعيف.
تأملات في فصل الشتاء
بقلم الشيخ: كمال خطيب - نائب رئيس الحركة الإسلامية
جملة من الملاحظات أضعها بين يدي إخواني وأخواتي ونصائح ما كان لي أن أبخل بها وأنا أعلم أن النصيحة واجبة وهي كذلك حق المسلم على المسلم:
1- في فصل الشتاء ومن خلال شعورنا وإحساسنا بالبرد فليكن محصلة ذلك، الإكثار من الصدقة العينية من الملابس الدافئة أو الأغطية الصوفية لأصحاب الحاجة وما أكثرهم من أبناء شعبنا، خاصة في الضفة والقطاع وليكن ذلك عبر لجنة الإغاثة ، وحتى من عائلات ليست قليلة عندنا في الداخل ممن هم بحاجة لهذه الملابس والأغطية وعنوانكم في ذلك لجنة الزكاة القطرية.
2- في فصل الشتاء ورغم برودة الطقس فلنكثر من الطاعات التي تقربنا إليه سبحانه، ومنها الإكثار من صيام النوافل كأيام الاثنين والخميس أو الأيام البيض من كل شهر هجري كما هي سنة النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif ، خاصة وان أيام الشتاء قصيرة وباردة ومن السهل فعل ذلك.
3- وفي فصل الشتاء كذلك وحيث طول ليالي الشتاء فلنكثر من نافلة الصلاة والتطوع بها، ففي طول الليالي ما يكفي من الوقت للنوم وأخذ القسط الوافر منه ثم أن يكون لنا الوقت كذلك للتطوع والصلاة وقد علمنا عظيم الأجر والثواب لمن يتوضأ في الليل والبرد ليقوم للصلاة بين يدي ربه سبحانه ، ولقد قال عمر بن الخطاب لابنه عبد الله -رضي الله عنهما- :" يا بني عليك بخصال الإيمان ، قال : وما هي ؟ قال : الصيام في شدة الحر أيام الصيف وقتل الأعداء بالسيف ، والصبر على المعصية ، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي".
4- ثم إن في فصل الشتاء وحيث قلة النشاطات العامة والمناسبات الجماعية والجماهيرية فلتكن هذه فرصتنا لننهل من معين الكتب عبر المطالعة والاستزادة منها في فصل الشتاء، لنخرج من الشتاء بزاد وافر ، وإذا كانت النملة تدخر من الصيف للشتاء من الحب والطعام فلندخر نحن من زادنا الفكري والثقافي في الشتاء للصيف وإن كانت المطالعة يجب أن لا تتوقف بسبب أي ظرف للزمان والمكان.
فيا فصل الشتاء، يا رحمة الله المنزلة علينا غيثا ومطرا به يحيي الله الأرض بعد موتها ، يا أيام البركة بها تفتح أبواب السماء بماء منهمر وتنشق الأرض عن خيرات تتفجر بإذن الله فتصبح الأرض مخضرة فيها متاع لنا ولأنعامنا..
أنت الربيع الحقيقي يا فصل الشتاء بك تزهر قلوبنا وتتزين بالطاعات بيوتنا وتشرق شمس الإيمان التي كادت تغيب من قلوبنا ، وتتلألأ الوجوه بشرا وإيمانا كما تتلألأ الشمس تطل علينا من خلف غيوم كانون ، وتبرق ومضات البشر فينا بأجمل من بريق حبات المطر على أوراق الشجر عند صباح مشمس بعد ليلة مطيرة.
فيا ربيع المؤمن، يا فصل الشتاء، وإذا كان الله سبحانه سيسأل كل واحد منا عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه فإننا بإذن الله سنجعلك شاهدنا عند الله يوم القيامة بأننا أطعنا الله سبحانه فيك، فتوضأنا في الليلة الشاتية وقمنا وقد هجرنا مضاجعنا لنناجي مولانا سبحانه بصلاة أو بقرآن، أو أننا الذين جعلنا من ساعات يومك ساعات صيام وقربى للجليل سبحانه. نعم ، إننا سنجعلك يا فصل الشتاء يوم القيامة شاهد خير وأنت الذي ترانا ونحن في برد الشتاء نخير بين دفء الفراش وبين نداء الحق ينادينا يقول : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة خير من النوم فنختار الصلاة والفلاح على دفء الفراش والنوم , فيا نعم الشاهد يومها أنت يا فصل الشتاء .
فاللهم ربنا بصادق الدعاء ، وعظيم الرجاء وبالدمع والبكاء أن تجعل فصل الشتاء فصل دفء الإيمان وطاعة الرحمن وطريقنا إلى الجنان بصحبة محمد العدنان ، اللهم آمين.
قيام الليل في الشتاء
قصص جميلة عن قيام الصحابة والسلف في الشتاء..
.
.
قيام الليل في الشتاء لطوله، حيث يمكن للنفس أن تأخذ حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة ثم يقرأ المصلي ورده كله من القرآن وقد أخذت نفسه حظها من النوم.
أما عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- فقد قال:" مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام". وكان عبيد بن عمير إذا جاء الشتاء قال:" يا أهل القرآن ! طال ليلكم لقراءتكم فاقرأوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".
وكذلك بكى معاذ – رضي الله عنه- عند موته فلما سئل قال:" إنما ابكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".
وان القيام وصلاة الليل في الشتاء يشق على النفوس من وجهين اثنين:
أ-من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد.
ب- بما يحصل من تألم بإسباغ الوضوء على الأعضاء والجوارح، وإسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".
وفي كتاب الزهد للإمام احمد عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام: يا رب! من هم اهلك الذين تظلهم في ظل عرشك؟قال: هم البرية أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون لجلالي، الذين إذا ذكرت ذكروا بي، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى أوكارها، ويكفلون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حُرِبَ".
وروي عن داود بن رشيد قال: قام رجل ليلة باردة ليتوضأ للصلاة فأصاب ماء باردا فبكى، فنودي: أما ترضى أنا أنمناهم وأقمناك حتى تبكي علينا؟!
نعم ، إن الوضوء في جوف الليل موجب لرضا الرب سبحانه ومباهاة الملائكة وفي شدة البرد يتأكد ذلك.
وفي صحيح ابن حبان عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه- عن النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif قال:" رجلان من أمتي ، يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد ، فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه أنحلت عقدة ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الرب عز وجل للذين وراء الحجاب " يقصد الملائكة" انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ما سألني عبدي هذا فهو له".
وقال أبو سليمان الداراني:" كنت أصلي في ليلة باردة فأقلقني البرد، فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني وأخذتني سنة من النوم فهتف بي هاتف يقول : يا أبا سليمان ، قد وضعنا في هذه ما أصابها ( أي استجبنا لدعائك باليد الممدودة) ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، قال أبو سليمان : فآليت على نفسي ألا أدعو إلا ويداي خارجتان ، حراً كان أو بردا.
وكان صفوان وغيره من العباد يصلون في الشتاء بالليل في ثوب واحد ليمنعهم البرد من النوم، ومنهم من كان إذا نعس صب على رأسه الماء ويقول : هذا أهون من صديد جهنم.
وكان عطاء الخراساني ينادي أصحابه بالليل يقول: يا فلان ، ويا فلان، ويا فلان قوموا فتوضأوا فصلوا ، فقيام هذا الليل وصيام هذا النهار أهون من شرب الصديد، ومقطعات الحديد غدا في النار ، النماء النماء". والصديد كما ورد في تفسير قول الله في القرآن الكريم { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ، من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ، يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ} ( 14-17 ، إبراهيم) فالصديد هو القيح والسائل يخرج من قروح وحروق أهل النار يكون هو شرابهم يومها.
صحيح أن لبعض الناس كرامة من الله سبحانه أن حباهم أجسادا تصبر على الحر وعلى البرد كما كان علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- الذي دعا له النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif بذلك فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، وفي الصيف ثياب الشتاء ولا يجد حراً ولا برداً. لكن هذا ليس لجميع وأكثر الناس الذين يشعرون بالبرد ولعلهم يتأذون به ، هؤلاء قد من الله سبحانه عليهم وعلينا جميعا بأن خلق لنا من أصواف الأنعام وأشعارها ما فيه دفء لنا ، قال سبحانه { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون }( آية 5 ، النحل)، وقال سبحانه { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين }( آية 80، النمل).
وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- إذا حضر الشتاء كتب إلى أصحابه والى الولاة قائلا لهم :" إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعارا ودثارا ، فان البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه". وإنما كان يكتب بذلك عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن لهم عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته – رضي الله عنه-.
وروي عن كعب قال: أوصى الله تعالى إلى داوود عليه السلام: أن تأهب لعدو قد أظلك، قال: يا رب من عدوي وليس بحضرتي عدو؟ قال: بلى، الشتاء .إنه ليس المراد ولا المقصود أن يتقي من البرد فلا يصيبه منه شيء أبدا ولكن المقصود هو البرد الذي يؤذي، لأن الحر المؤذي والبرد المؤذي معدودان من جملة أعداء بني آدم.
قيل لأبي حامد الزاهد: إنك لتشدد على نفسك في العبادة، فقال: وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدوا، قيل: لك خاصة؟ قال: بل لجميع من يعقل من بني آدم، قيل له: وما هذه الأعداء؟ قال: أما أربعة:فمؤمن يحسدني، ومنافق يبغضني، وكافر يقاتلني، وشيطان يغويني ويضلني, وأما العشرة: فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والمرض والفاقة والهرم والموت والنار ، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ، ولا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى، فعد الحر والبرد من جملة أعدائه . ولقد وصف الله سبحانه أهل الجنة بقوله{متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } ( آية 13، الإنسان) فنفى عنهم شدة الحر والبرد ، قال قتادة في تفسيره تلك الآية الكريمة " إن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا".
بلغ أحد الوزراء الصالحين من السلف الصالح أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام وهم عراة جياع ، فأمر رجلا أن يمضي إليهم ويحمل معه ما يصلحهم من كسوة وطعام ثم نزع ثيابه وحلف : لا لبستها ولا دفيت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم ، فمضى وعاد واخبره أنهم اكتسوا وشبعوا وهو يرعد من البرد فلبس حينئذ ثيابه . وفي هذا قال النبي الشتـــاء ربيـــع المـؤمـــــن أرجو التثبيت salla-allah.gif :" من أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، ومن سقاه على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كساه على عري كساه الله من خضر الجنة".
منقوووول
من : منتديات شبكة نحن العرب ملتقى كل العرب - في قسم: الدين الإسلامي الحنيف
اخت الصبر @akht_alsbr
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وقد امتن الله على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لهم قال الله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} وروى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: (( كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعارا ودثارا فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه )) وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه.
وروي عن كعب قال: (( أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن تأهب لعدو قد أظلك قال: يا رب من عدوي وليس بحضرتي عدو؟ قال: بلى الشتاء ))
وليس المأمور به أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر أيضا وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر والبرد بالكلية حتى لا يحس بهما بدنه فتلف باطنه وتعجل موته فإن الله بحكمته جعل الحر والبرد في الدنيا لمصالح عباده فالحر لتحلل الأخلاط والبرد لجمودها فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر والبرد تعجل فسادها ولكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من الحر المؤذي والبرد المؤذي المعدودان من جملة أعداء ابن آدم.
قيل لأبي حازم الزاهد: إنك لتشدد يعني في العبادة؟ فقال: (( وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدوا قيل له: لك خاصة؟ قال بل لجميع من يعقل قيل له: وما هذه الأعداء قال: أما أربعة: فمؤمن يحسدني ومنافق يبغضني وكافر يقاتلني وشيطان يغويني ويضلني وأما العشرة: فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والمرض والفاقة والهرم والموت والنار ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ولا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى )) فعد الحر ولبرد من جملة أعدائه.
وقال الأصمعي: (( كانت العرب تسمي الشتاء: الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم القيظ أم القر؟ قالت: سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى ))
قال بعض السلف: (( إن الله وصف الجنة بصفة الصيف لا بصفة الشتاء فقال: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} فنفى عنهم شدة الحر والبرد ))
قال قتادة: (( علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا )) .
قال أبو عمرو بن العلاء: (( إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الفقراء ))
وقد روي في حديث مرفوع: ( إن الملائكة تفرح بذهاب الشتاء لما يدخل فيه على فقراء المؤمنين من الشدة ) ولكن لا يصح إسناده ، وروي أيضا مرفوعا: ( خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم ) وإسناده أيضا باطل .
وقال بعض السلف: (( البرد عدو الدين )) يشير إلى أنه يفتر عن كثير من الأعمال ويثبط عنها فتكسل النفوس بذلك .
وقال بعضهم: (( خلقت القلوب من طين فهي تلين في الشتاء كما يلين الطين فيه )) .
قال الحسن: (( الشتاء ذكر فيه اللقاح والصيف انثى فيه النتاج )) يشير إلى أن الصيف تنتج فيه المواشي والشجر والصيف عند العرب هو الربيع وأما الذي تسميه الناس: الصيف فالعرب يسمونه القيظ ففي الشتاء تفور الحرارة إلى باطن الشجر فتنعقد مواد الثمر فتظهر في الربيع مباديها فتزهر الشجر ثم تورق ثم إذا ظهرت الثمار قوي حر الشمس لإنضاجها الإيثار في الشتاء للفقراء بما يدفع عنهم البرد له فضل عظيم .