تصديق كل خبر! تلك العبادة التي حفّها التقصير من بين يديها ومن خلفها !
تلك العبادة العظيمة التي رفعت الصديق وجعلته سابقا، فهو رضي الله عنه لم يسبق بكثير صلاة ولا صيام، إنما سبق بشيء وقر في قلبه، وهذا الشيء هو أنه كان يعرض على نفسه الأخبار التي وردت في القرآن والسنة ويعيشها على أنها حقائق! هذه هي درجة الصديقية، وهذا ماقصرنا فيه على مرّ أعمارنا لدرجة أنه لو طُلب من أحدنا أن يكتب في وصف الجنة صفحة واحدة لما استطاع ملأها !
صحيح أننا جميعا مصدقون بحمد الله بما ورد في القرآن والسنة من أخبار، لكنه الإيمان الإجمالي الذي لا يُعزى إليه الترقي في سلالم الرفعة المعنوية والمادية، ونحن الآن في معرض الكلام عن مؤمن يريد الترقي في درجات الصديقية، وطريق هذا الترقي هو الغَرْفُ من معرفة التفاصيل; فكلما ازددت معرفة بالتفاصيل ازددت درجة في الصديقية، فهذه هي ميزة الصّدّيقين، ومن أراد أن يتحلّى بميزة الصّدّيقين فعليه أن يعرض على نفسه الأخبار الغيبية خبرا خبرا ويعيشها على أنها حقائق، ومن سأل عن الحرمان ما أمّه وما أبوه; لكان جوابه: إن الحرمان هو الحرمان من هذا; وذاك لأنه شيء لايكلف المؤمن أي حركة بدنية، إنما هو عرض وتصديق وتفكير ومعايشة لأمور نحن بالأصل مؤمنون بها !
وتلك أمثلة على ذلك:
••التفاصيل التي وردت عن غزوة بدر، والتفاصيل التي وردت عن غزوة أحد في القرآن وفي السنة، كلما عرضتها على نفسك بتفاصيلها ازددت في درجات الصديقية.
••أوصاف الجنة: فضتها وذهبها، أرضها وحصباءها، أنهارها وأشجارها، كؤوسها وقطوفها وكل ماورد عنها، أين أنت من كل هذا لتجعله في فؤادك حقا يقينا كأنك تعيشه; فترتفع به في درجات الصديقية؟!
•• وأعظم من هذا كله: التصديق بالأخبار التي وردت عن الله: اسما اسما، ووصفا وصفا، وفعلا فعل، كلما ازددت غرفا من تفاصيلها كلما سمت روحك وحلقت في سماء الصديقية!
المؤسف أن كل هذه أبواب يسيرة يمكن السبق من خلالها إلى الله; فما الذي أغلقها دوننا؟
الجواب: أغلقها دوننا التفاصيل التافهة الكثيرة التي أشغلنا أنفسنا بها، فأصبحنا لا من الذين شغلهم أمرٌ نافعٌ لمجتمعهم عن أمر نافعٍ لأنفسهم كحال خالد رضي الله عنه حين شغله الجهاد عن القرآن، ولا من الذين شغلهم القرآن فرقّاهم في الدرجات!
الاستاذه اناهيد السميري
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️