قال ابن القيم في كتابه «الفوائد» ص74-75:
«سبحان الله! في النفس كبر إبليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجرأة نمرود, واستطالة فرعون, وبغي قارون, وقحّة هامان , وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت, وتمرّد الوليد, وجهل أبي جهل.
وفيها من أخلاق البهائم: حرصُ الغراب, وشره الكلب, ورعونة الطاووس, ودناءة الجعل, وعقوق الضَّبِّ, وحقد الجمل, ووثوب الفهد, وصولة الأسد, وفسق الفأرة, وخبث الحية, وعبث القرد, وجمع النملة, ومكر الثعلب, وخفة الفراش, ونوم الضبع.
غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك. فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند, ولا تصلح سلعته لعقد{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } .فما اشترى إلا سلعة هذبها الإيمان, فخرجت من طبعها إلى بلد سكانه التائبون العابدون».
وقال أيضاً -رحمه الله-: «ومن الناس من طبعه طبع خنزير، يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمَّه، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف المساوئ، فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله.ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان، وأغلظه كبداً، ومنهم من هو على طبيعة الدُبًّ أبكم خبيث، وعلى طبيعة القرد.
وأحمد طبائع الحيوانات: طبائع الخيل، التي هي اشرف الحيوانات نفوسا، وأكرمها طبعا، وكذلك الغنم، وكل من ألف ضربا من ضروب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، فان تغذى بلحمه كان الشبه أقوى، فان الغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرّم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير، لما تورث أكلها من شبه نفوسها بها». انتهى كلامه رحمه الله في مدارج السالكين (403/1).
فهذه النفس فيها الكثير والكثير من العلل: حقد, وعُجْبٌ, وحسد, وبغي, وهوى, ...إلخ, كلها أمراض وعلل فتاكة، تقعد بصاحبها وتسلمه إلى ما تؤدي إليه هذه الأمراض من الأضرار والمخاطر، إلا أن يتداركها بمعرفة الله - عز وجل - أولاً، والاستقامة على أمره ثانياً ، والاستعانة به ثالثا. وسياسة النفس صعبة، وقيادتها شاقة، وأمر تهذيبها لا ينتهي إلى حدّ، ولا يتوقف عند زمان بعينه، ولا يمكن أن يصل فيها المرء إلى مرتبة ثم يتمكن منها ويستمر عليها، بل كما قال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .جهاد مستمر، وتهذيب متواصل، وقيادة دائمة ، وعسى أن ننجو من هذه المخاطر العظيم.

زها الروح @zha_alroh
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
يجزاك الله خير