السلام عليكم ورحمه الله و بركاته
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
شرع الله العبادات وجعلها لصحة قلب الإنسان كالأدوية لصحة بدنه وليس كل إنسان يعرف خواص الدواء وسر تركيبه إلا الطبيب الذي اختص بمعرفته وبذل غاية جهده في معرفة أسراره ولذا فالمريض يقلد الطبيب فيما يصف لهم من دواء ولا يناقشه، بل يسمع لكلامه ويطيع لما قام بالمريض من الحاجة الملحة للدواء ولثقته بالطبيب المعالج وكما أن اختلاف الأدوية في المقدار والوزن والنوع لا يخلو من سر، فكذلك العبادات التي هي أدوية القلوب فيها من الأسرار ما يحار عنده أولو الألباب فيدركون أشياء منها وتغيب عنهم تفاصيلها وجزيئاتها، ومن هنا فإننا نجد الصوم جنة يستجن بها العبد من النار حيث يصحح المسير إلى حيث يحب أن يكون المصير ويبعد بالعبد عن الشهوات والدنايات ويترفع به إلى آفاق رحبة عالية إنه حصانة للجسد بالتهذيب والإصلاح وطرد الفضلات والعلو عن سفاسف الأمور ومحقراتها وحصانة للروح بإبراز خصائصها وانتصار فضائلها وتعلقها بالله جل وعلا طيلة يومها، فالحياة لا بد فيها مهن عزيمة صادقة تصدع غوائل الهوى وتحفظ النفس من الوقوع في المخاطر وتطرد هواجس الشر وتتغلب على نزغات الشيطان ودواعي الهوى الكذوب.
الصوم يمد المسلم بالعزيمة الصادقة والإرادة الحرة والتحرر من سيطرة الشهوة التي تربط المسلم بالأرض وتزين له المطاعم والمشارب وتخوفه من حرارة الجوع والظمأ.
وأي عزيمة أصدق وأي إرادة أقوى من أن يمسك المسلم زمام نفسه بأن تذل لشهوة أو تضعف لصبوة أو تنجرف خلف تيار الهوى الذي يوردها المهالك.
ليس هناك أقوى ولا أصدق من إرادة العبد المتجرد لربه المتجه لخالقه المتبع لنبيه الممتنع عن الشهوة رغبة فيما عند الله.
إن حياة الإنسان صراع بين الخير والشر والعلم والجهل والنور والظلام وان هذا الصراع يضعف ويقوى ويعلو ويهبط خلال أحد عشر شهر، من السنة حتى يأتي رمضان الذي حدده الباري جل وعلا شهراً للصيام لا يتم إسلام المرء إلا إذا صامه ما لم يكن معذوراً.
وفي هذا الشهر المبارك تنتصر الروح على المادة ويقوى الخير على الشر وتسعد القلوب بالصيام الذي تشرق عليها أنواره وتتجلى بعض حكمه وأسراره ويلتحق المؤمن يركب المؤمنين الصائمين وأساس ذلك كله التقوى الجامعة كل خصال البر والمعروف والتي هي مفتاح كل خير وآية كل مؤمن وصدق الله العظيم { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
إنها التقوى التي تحرك القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة طاعة لله ورغبة في مرضاته وطمعاً في جناته، التقوى التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، التقوى التي هي غاية يتطلع إليها المؤمنون بأرواحهم والصوم واحد من الطرق الموصلة إليها فهو يمسح عن جبين المؤمن عناء الحياة ويقيم التوازن بين المادة والروح ويدفعه إلى المكانة اللائقة به، التقوى التي تنبعث من الجنان كما تنبعث من اللسان، التقوى التي ترفرف على المشاعر والخواطر والجوارح والجوانح، التقوى التي تسكب في قلب المؤمن الثقة واليقين وتجعله يعيش في ملاذ أمين.
والتعبير في الآية- بلعل- فيه معنى الإعداد والتهيئة لتقوى الله وطاعته ومراقبته وخشيته.
ويتمثل ذلك واضحاً في الصوم فالمؤمن يمتنع مدة محددة عن رغبة الجسد وحاجته موقناً بأنه لولا إطلاع الله عليه ومراقبته له حين يعرض عن هذه الرغبة لما صبر عن هذا الكف وهو يرى نعم الله من المآكل والمشارب أمامه في نهار رمضان ولكنه لا يتناولها مع أنه بأمس الحاجة لها لكنه يمتنع طاعة لله وتقرباً إليه وطلباً لما عنده من الثواب العظيم والأجر الجزيل.
وكما أن للطريق أشواكاً ضارة تؤذي من تعرض لها فكت لك طريق الإيمان تنبت على جنباته الذنوب والآثام وتتوزع الرغائب والشهوات ومطالب المال والجاه ومغريات الحياة والمفاتن بكل أشكالها وأنواعها كل ذلك يعرض بل يعترض طريق السالكين إلى ربهم الراغبين في التقوى سلاحاً، المتخذين من الصيام وغيره من العبادات زاداً وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات )) رواه مسلم.
وللتقوى إشعاعات تتضمن من الأسرار والأنوار ما لا يعلم مداها إلا الله فما أشبهها بمرآة مجلوة ترسل الضوء في كل اتجاه وتعكس النور في كل ناحية وصدق الله العظيم {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } وقال تعالى:{ ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}
إنها التقوى التي تهون في سبيلها المتاعب وتزول المصاعب وتبذل النفوس والأرواح لأنها المطمح الأسمى للنفوس المؤمنة التي تتجاوب مع التكاليف وتنصاع لجلال الحكمة برغبة واشتياق لأنها حددت الهدف ورسمت المسار وتبينت الطريق ولا أجمل من التقوى التي يتنافس فيها المتنافسون ويشمر إليها العاملون ويتسابق فيها المؤمنون إنها الميزان الذي يتفاضل فيه الناس ويشرف به بعضهم على بعض وصدق الله العظيم {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} إنها حين تتوهج في أفق الصائمين يجتهدون ليلبسوا لباسها الجميل الفضفاض {ولباس التقوى ذلك خير}
أسأل الله بمنه وكرمه أن يلبسنا لباس التقوى وأن يأخذ بأيدينا لليسرى ويجنبنا العسرى وصلى الله على نبينا محمد.
منقول
طمطومه @tmtomh
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️