الضغط الاجتماعي على المرأة
التاريخ: الاثنين 2004/02/16 م
عبدالله الجعيثن
الضغط يولِّد الضعف..
والضعف عيب صعب العلاج..
فإذا تَزَاوجَ هذان المشؤومان: الضغط والضعف.. انسلا أولاداً مشوَّهين مزعجين منهم البؤس والقلق والتوتر وانعدام التمييز وانطماس البصيرة والبصرة والعجز عن اتخاذ القرار السليم، فضلاً عن الاستمتاع بالحياة الذي يذهب في خبر كان..
والمرأة لدينا تواجه ضغوطاً اجتماعية قوية، متعددة القبضات، تفقدها - في كثير من الأحيان - قوة صبرها، ونفاذ ذكائها، وحسن تصرفها، فضلاً عن الاستمتاع بحياتها..
وتلك الضغوط كثيرة.. نعد منها ولا نعددها.. ونجملها ولا نفصلها.. ونشير إليها ولا نشرحها كاملة.. لأنها تحتاج إلى مساحة أكبر وأكثر تفهماً ورحابة..
فمن تلك الضغوط الاجتماعية ما يواجه المرأة وهي فتاة في سن الزواج، وهي ضغوط تلح عليها بسرعة الزواج على الإطلاق تقريباً، وتُخَوِّفها من شبح العنوسة، وتتلف أعصابها بالنظرات والتلميحات والتساؤلات المباشرة والفضول القاتل.
لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟!!
هل تصلح المرأة بلا زواج؟!
لو فيه خير ما رماه الطير!!
البنات في سنك لهن أولاد وبنات!!
بايرة!!
حظها واقف!!
ما بغاها أحد!!
مسكينة!
(ود أهلها يزوجونها اليوم قبل.. باكر!)
وقس على هذا من الضغوط الاجتماعية التي تصب على رأس الفتاة في سن الزواج صبّ الرصاص المغلي على الرأس!
هذه الضغوط تفقدها صوابها..
وتفقدها ثقتها في نفسها..
وتزعزع توازنها..
وتسلب ذكاءها..
وتطمس عقلها..
وتعطل قدرتها على اتخاذ القرار السليم..
وتوقعها - في كثير من الأحيان - في زوج لا يستأهلها.. ولا يستأهل غيرها.. تقبل به قبول الفريق باللوح.. مع أنها ليست غريقة.. وليست في حاجة إلى (لوح).
ولكن الضغوط الاجتماعية المتواصلة - حتى من الأم نفسها مع الأسف - تجعلها تتصور نفسها غريقة في بحر الحياة تتلاطمها الأمواج..
فتقبل ولو بلوح!
ويصبح الزواج هدفاً بغض النظر عن أي تفكير عميق أو دراسة متأنية أو معرفة دقيقة بمن سوف تتزوجه.. هنا كثيراً ما توقع الضغوط الاجتماعية الفتاة في زواج سيئ.. التأخر أفضل منه بكثير.. بل عدم الزواج أفضل منه إذا كان الزوج وغداً.. والأوغاد كثيرون.. ولولا تلك الضغوط لحصلت تلك الفتاة - بإذن الله - على فرصة أفضل وأجمل.. ولكن تلك الضغوط الكريهة أفقدتها قدرة المقاومة وقوة الصبر وأنستها جميع شروطها ومتطلباتها وداست على كل أحلامها ومواصفاتها..
ومما يؤسف له أن تلك الضغوط المدمرة على الفتاة.. تكون من النساء لا من الرجال في معظم الأحوال..
ضغوط بالكلمات..
وضغوط بالنظرات..
وضغوط بالهمسات..
وباللمز والتساؤلات.. وبإظهار الشفقة والرحمة!
وباطنها العذاب..
والعذاب عيون الآخرين كما قال سارتر
@@@
وهناك ضغوط اجتماعية أعنف.. على المرأة المطلقة..
ولو لم يكن لها أي ذنب في الطلاق.. ولو كان طليقها لا يمكن أن تعاشره امرأة.. المهم أنها مطلقة!
الرجل المطلق يتزوج بسرعة وسهولة.. وإن قرر الانتظار لم يجد ضغوطاً ولا تعنيفاً ولا تعذيباً..
ولكن المرأة حين تطلَّق تجد الضغوط والتعنيف والتعذيب..
وتحس أنها حالة (شاذة)..
وهو إحساس أليم..
مع أنها ليست شاذة، فالإسلام شرع الزواج وأباح الطلاق..
والطلاق من رجل وغد لئيم أسهل من استمرار العشرة معه على مثل الجمر.. علماً أن المرأة - في الغالب - أحرص من الرجل على دوام العشرة والحفاظ على عش الزوجية وأصبر..
ولكن للصبر حدود..
فلا تكاد المرأة تستنفد كل وسائلها وتستفرغ كل صبرها وتضحي وتتجلد وتعمل كل ما تستطيع للحفاظ على زوجها رغم كل ما فيه من عيوب هائلة.. ثم تفشل في كل هذا.. ويتضح لها جلياً استحالة العيش معه فتطلب الطلاق.. وتحصل عليه بعد عذاب.. حتى تدخل في دوامة عذاب اجتماعي آخر من النظرة الظالمة للمرأة المطلقة..
كذلك لو طلقها الرجل من تلقاء نفسه لسبب من الأسباب فلا يعني هذا أن يكون الناس عليها مع الزمان.. ولكن ذلك ما يحصل في غالب الأحيان.. ضغوط تلد ضغوطاً.. فالغالب في حالات الطلاق - نظرياً على الأقل - أن الزواج نفسه تم بناء على ضغوط اجتماعية على الفتاة لكي تتزوج وتهرب من شبح العنوسة مما يجعلها (تتخيل) أن الخلاص من هذه الضغوط هو النجاة فتتزوج متنازلة عن الكثير مما تريد وما تستحق فعلاً ثم تصدم أن ما تنازلت عنه لا يساوي شيئاً أمام سوء ما وجدته في هذا الزوج الذي قبلت به لمجرد الهرب من الضغط الاجتماعي فتدخل دوامة شقاء سوداء أسوأ من الضغوط الاجتماعية السابقة على زواجها فتطلب الطلاق لتدخل في دوامة أخرى أعتى من الضغوط الاجتماعية الجديدة بعد أن أصبحت مطلقة!
@@@
وحتى المرأة العاملة تواجه ضغوطاً اجتماعية رهيبة تهب من كل الجهات:
ضغوط العمل..
وبيئة العمل النسائية فيها من التحاسد والنميمة والوشاية ما الله به عليم!
وتواجه ضغوط الزوج الذي لا يهمه أن تكون عاملة بل يريدها - مع مرتبها - أن تكون فارغة له تدلله وتراعيه وتقف حياتها عليه!
والنساء الفارغات - من معارفها وقريباتها - يضغطن عليها بالزيارات المفاجئة والمكالمات الفارغة مع أنها مشغولة القلب بالعمل.. والتحضير.. والتصحيح.. والزوج.. والبيت.. والأولاد.. والمشغول لا يُشغل.. ولكن ما القول وهناك من يشغله فإن لم يرض شوّه سمعته ووصمه بالتعقيد والكبر وكراهية الناس والتنكر للأقارب والمعارف والجيران والأصدقاء!
@@@
وهناك ضغوط اجتماعية تسحق المرأة من عدة جهات.. من بينها الرجال الجهلاء الذين يعتبرون المرأة عاراً.. وشراً.. ومشكلة تمشي على الأرض.. ومصيبة حلت بهم.. هؤلاء الرجال.. وفيهم آباء للنساء.. وإخوان.. وأزواج.. دائمو الضغط على المرأة.. ينهرونها.. ويزجرونها.. ويحقرونها.. ويكسرون قلبها.. ويشعرونها أنها إثم..
وما يفعل هذا إلا جاهل مركب..
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ويقول عليه السلام: "استوصوا بالنساء خيراً".
قالها ثلاثاً.
الرياض
شمعة مضيئة @shmaa_mdyy_1
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ونه ألم
•
:26:
الصفحة الأخيرة