الطريق إلى التوبة

ملتقى الإيمان

بيان الطريق إلي الله


يقول الله وتعالي في سورة الزمر - تلك السورة التي أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرؤها كل ليلة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) وقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وجاء رجل - كما ورد في مسند الإمام أحمد - إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم: شيخ كبير يد¹عم علي عصا له فقال: يا رسول الله، إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ فقال صلي الله عليه وسلم: (ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: بلي وأشهد أنك رسول الله . قال صلي الله عليه وسلم: قد غفر لك غدراتك وفجراتك

. إن الله سبحانه وتعالي في هذه الآية الكريمة يفتح أبواب مغفرته ورحمته علي مصارعها، إنه يرجي عباده حتى لا ييأس أحد من رحمته . (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) والجو الإسلامي كله مفعم بفتح أبواب المغفرة والرحمة . . فالحج المبرور مثلاً يخرج الإنسان من ذنوبه، حتي يصبح في البراءة منها، كيوم ولدته أمه . ومن صام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، والإسلام يجب ما قبله . وهذه الآيات الكريمة من سورة الزمر، تبدأ ببيان رحمة الله الواسعة، ومغفرته الشامله، ثم تأخذ في رسم الطريق لذلك، فيقول الله سبحانه: (وأنيبوا إلي ربكم، وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) والطريق إذن إلي مغفرة الله ورحمته إنما هو التوبة الخالصة النصوح، وهي الإنابة إلي الله سبحانه، أي التوبه في أسمي درجاتها، وإسلام الوجه لله سبحانه . (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) وأحسن ما أنزل إلينا من ربنا هو القرآن الكريم - إنه: (يهدي للتي هي أقوم) وهو مهيمن علي غيره، مبين للحق فيما يختلف فيه أهل الكتب السماوية . ثم يتلو ذلك آيات ثلاث تبين موقف الإنسان الذي لم يتب، أو الذي تاب ولم يتبع: (أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين . أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) أو تقول حين تري العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) وكل ذلك لا يجدي، والرد عليه حاسم من قبل الله سبحانه الحكيم العليم: (بلي: قد جاءتك آياتي فكذبت بها وإستكبرت وكنت من الكافرين) ويبين الله حالة هؤلاء يوم القيامة

ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مثوي للمتكبرين)
. لا شك أن فيها مثوي للمتكبرين، مثوي يختلف ويتفاوت بإختلاف درجاتهم في الكبرياء والمعاصي وتفاوتهم فيها . ويختم الله سبحانه هذه الآيات التي ترسم المنهج وتبين المآل والمصير، ببيان مآ ومصير الذين تابوا واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم، فيقول سبحانه: (وينجي اله الذين إتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السوء، ولا هم يحزنون) . لا يأس يقول الله تعالي: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) إن من علامات صدق الإيمان الثقة المطلقة في الله سبحانه وتعالي، في رحمته، في رأفته، في عدالته، في لطفه، في عنايته بالمؤمن، ورعايته له . الثقة برحمة الله وفرجه حتي ولو كانت كل الشواهد تدل علي أن لا أمل، ولو كانت كل الظروف تشعر بالضيق . والآية الكريمة التي نحن بصددها تشرح ذلك في إيجاز واضح، وفي جمال بليغ، إنه سبحانه ينزل الغيث في الوقت الذي يظن المحتاجون أن لا أمل في قطرة ماء وينشر رحمته في الأجواء اليائسة القانطة، فينقلب الجدب خضرة يانعة، ويصير القحط روضات وجنات، وذلك أن من صفاته سبحانه أنه ولي للمؤمن، حميد في جميع تصرفاته . إنه يتولي برحمته من حقق العبودية، وأفعاله سبحانه جميدةدائماً لأنه سبحانه حميد .

وهذ الصورة من الإيمان الواثق بفرج الله ورحمته هي التي عبر عنها سيدنا يعقوب عليه السلام قائلاً لبنيه: (يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلاالقوم الكافرون) وهي التي تجعل المؤمنين يلجئون إلي الله دائماً بالدعاء والتضرع فيستجيب الله لهم كلما أخلصوا وجههم له: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) والله الرحيم هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وصلة الله سبحانه وتعالي بالإنسان صلة رحمة ورأفة . ورحمته سبحانه وتعالي تتجلي في كل ما أسداه سبحانه لعباده من هذه النعم المادية التي لا تحصي: (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها) ولكنها تتجلي في أجمل مظاهرها في قواعد الهداية التي أحبها الله لعباده، والتي يدور عليها درجة سموهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهي نعمة منبثقة رأساً من رحمة الله يقول سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (إنما أنا رحمة مهداه) ورحمة الله في الهداية أجلي عند أولي الألباب من رحمته في النعم المادية، وذلك أن رحمته في الهداية نتيجتها لمن يتبعوها الأمن والطمأنينة والرضاء والسكينة . وهذه الأكمور هي السعادة التي يسعي لها من وفقهم الله للسير علي هداه . وهداية الله إذا تبعها الأفراد سعدوا في دنياهم وأخراهم، وإذا تبعها الجماعات أمنوا علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعاشوا أعزة بالله وبدينهم . وهداية الله للأفراد ليست آراء تخطئ وتصيب، وليست قوانين تظهر التجربة الخطأ فيها والصواب . وإنما هي العصمة الكاملة، لأنها تنزيل من حكيم خبير . ولقد ضمن الله سبحانه وتعالي لكل من يلتزمها أن يشملع برعايته، فلا يقع في غمرة الحزن والخوف، وإنما يسير في نور من توفيق الله، وفي أمن من حمايته: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) 00

منقول

0
358

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️