الطلاق ..انفصال الارواح

الأسرة والمجتمع

العلاقةُ الزوجية علاقةٌ عظيمةٌ ووثيقةٌ، والله سبحانه سمَّى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ، فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ،وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» (رواه مسلم). والأصل في عقد الزواج الدوام والتأبيد، ولكن قد يحدث ما يوجب تفرق الزوجين، فأباح الإسلام الطلاق إذا انسدت طرق الإصلاح بينهما، وتعذر استمرار الحياة الزوجية، فيكون الطلاق هو آخر العلاج للمشكلات الزوجية وليس أولها. ثانياً: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في الطلاق الإباحة، وقال فريقٌ آخر من الفقهاء الأصل في الطلاق الحظر، وهو الراجح، قال السرخسي: المبسوط6/2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: مجموع الفتاوى32/293. وقال أيضاً: مجموع الفتاوى3/74. ومما يؤيد أن الأصل في الطلاق الحظر والمنع، ما ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأةٍ سألت زوجها الطلاق من غير بأسٍ،فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة» (رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة1/349). ثالثاً:لا شك أن آثار الطلاق سيئةٌ على الأسرة والمجتمع، وأكثر المتضررين من الطلاق هم الزوجة والأطفال، ونظراً لخطورة الطلاق على الأسرة وعلى الأطفال وعلى المجتمع، فقد جعل الإسلامُ الطلاقَ على مراحل، حتى لا يكون معولاً لهدم الحياة الزوجية، فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، فالطلاق الموافق للسنة هو أن يوقع المطلق على زوجته طلقةً واحدةً رجعيةً في طهرٍ لم يطأها فيه، ثم يتركها حتى تنتهي عدتُها. روى الإمام البخاري بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» فإذا طلقها في طهرٍ جامعها فيه، أو وهي حائض أو نفساء،فهذا الطلاق البدعي المحرم شرعاً، ويقع على الصحيح من قولي العلماء، وهو المعمول في المحاكم الشرعية في بلادنا، والقول بأن الطلاق البدعي لا يقع، قولٌ ضعيفٌ مخالفٌ لما قرره جماهير علماء الأمة. رابعاً: يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} .قال الشيخ ابن عاشور في تفسير قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} تحذيرٌ من التساهل في أحكام الطلاق والعدة.ذلك أن أهل الجاهلية لم يكونوا يقيمون للنساء وزناً،وكان قرابة المطلقات قلما يدافعن عنهن فتناسى الناس تلك الحقوق وغمصوها، فلذلك كانت هذه الآيات شديدة اللهجة في التحدِّي، وعبر عن تلك الحقوق بالتقوى وبحدود الله، ولزيادة الحرص على التقوى أتبع اسم الجلالة بوصف {رَبَّكُمْ} للتذكير بأنه حقيقٌ بأن يُتقى غضبُهُ] تفسير التحرير والتنوير1/4452. خامساً: التساهل في الطلاق واقعٌ من كثيرٍ من الأزواج، فيطلقون زوجاتهم لأتفه الأسباب، كالخلافات البسيطة على الطعام أو الشراب أو الخروج من البيت ونحوها من الأسباب التافهة، فيخربون بيوتهم بأيديهم بانفعالاتٍ وقتيةٍ، ومن ثمَّ يندمون على ما فعلوا، ويصير الواحد منهم يتنقل من شيخٍ إلى آخر ليحصل على فتوى تعيدُ له زوجته،وكأن ورقة المفتي أو الشيخ هي التي تسمح له باستمرار زواجه، ولا يدرك هؤلاء الإثم الذي وقعوا فيه، فمن طلق زوجته بدعياً فهو آثمٌ لوقوعه في الحرام، وكذلك فإنهم يتحملون تبعات الطلاق المالية والاجتماعية كتفكك الأسرة وتشريد الأطفال. ومن أوضح الأمثلة على تساهل بعض الأزواج في الطلاق تلاعبهم بألفاظ الطلاق وادعاؤهم أنهم لا يقصدون الطلاق، ومن المعلوم أن جماهير أهل العلم قد اتفقوا على وقوع الطلاق عند صدور لفظ الطلاق عن الزوج، وإن لم يكن قاصداً للطلاق، كأن يكون هازلاً، وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثٌ جِدُهنَّ جِدٌ وهزلهُنَّ جِد،النكاحُ والطلاقُ والرجعةُ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل6/228). ومن أمثلة التساهل في الطلاق الحلفُ بالطلاق، فإن هذه الصيغة ليست طلاقاً عند جماعة من الفقهاء واعتبروها من لغو الكلام، ومن الفقهاء من اعتبرها يميناً، فإذا وقع الحنث فيه تلزم كفارةُ يمينٍ، وقد اعتبر قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية أن الحلف بالطلاق لا يقع به طلاقٌ، إذا كان يُقصد به الحملُ على فعل شيءٍ أو تركه، وأما جمهور الفقهاء بما فيهم الأئمة الأربعة في المعتمد عندهم، فقالوا إن الحلف بالطلاق يُعتبر طلاقاً. وعلى كل حالٍ فإن صور التساهل في الطلاق من الأزواج كثيرة، سواء كانت في العدد أو في الأحوال وغيرها، ومعلوم أن الطلاق مبغوضٌ كما روي في الحديث «أبغض الحلال عند الله الطلاق» (رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
8
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كارايل0
كارايل0
جزاك الله خير
لكن هل تحرم المرأه من الجنه لانها طلبت الطلاق فقط
ولا اذا طلقها فعلا
والرجل يحرم من الجنه اذا طلق بدون سبب
الورده المميزه
الورده المميزه
جزاك الله خير ونفع بك 🌹
R.....R
R.....R
ماشا ء الله عليكي تبارك الرحمن كلامك واضح وعين العقل احسنتي
اميرة بيتي 999
اميرة بيتي 999
رفع
العبير الطائفي
العبير الطائفي
جزاك الله خير لكن هل تحرم المرأه من الجنه لانها طلبت الطلاق فقط ولا اذا طلقها فعلا والرجل يحرم من الجنه اذا طلق بدون سبب
جزاك الله خير لكن هل تحرم المرأه من الجنه لانها طلبت الطلاق فقط ولا اذا طلقها فعلا والرجل يحرم من...
والله ماعندي علم
لكن كوني على يقين ان الله اسمه الحق فعنده لاتضيع الحقوق
واسمه العدل فعنده لايظلم احد
واسمه الرووف الرحيم فرحمته وسعت كل شي