للشيخ جاسم المطوع
ما هو التدين؟
وإذا عرفنا ابتداء ما هو الدين؟ وما هو التدين؟ كان ذلك أدعى إلى معرفة النتائج المرجوة من وراء هذا الأمر عموماً.
الدين تشريع سماوي موجه للبشر للعمل والتقيد به في حياتهم، ويتكون من مجموعة كبيرة من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، فهو بهذا العموم ضابط أخلاقي ونفسي واجتماعي، بل وضابط قانوني يوضح لكل من الزوجين حقوقه وواجباته ويمنعه بالتالي من التجاوز والشطط على الطرف الآخر، ويدعوه دائماً إلى الإحسان والبر بشريك العمر ورفيق الحياة، ويحثه على تحمل أخطائه والتغاضي عن هفواته، ويفضل له إصلاحها باللين والرفق والتدرج.
وإذن فالدين أحد أهم مكونات شخصية الزوجين، بل هو بالنسبة للمتدين عمود الشخصية الفقري ومبدؤها ومنتاها، الدين بالنسبة للزوج أو الزوجة هو الآمر الناهي، والآخذ المعطي، والمحسن والمقبح، والمحلل والمحرم، والمحرم والمثبط.. إنه عنصر مؤثر تأثيراً عميقاً لا مثيل له.. وليس مجرد انتماء أو ادعاء أو صورة أو قشرة، أو حجاب أو جلباب أو لحية أو ثوب، أو ركعات سريعة وكلمات باهتة.
سأل الحسن البصري رجل فقال: لقد كثر خطاب ابنتي فملن أزوجها.. قال: زوجها صاحب دين، إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها، وهذا مختصر مفيد.
تدين متجدد
وانطلاقاً من هذا المفهوم الواسع للدين فإن تدين الزوج أو تدين الزوجة بحاجة دائماً وأبداً إلى تعزيز وتجديد، وتوسيع وتوضيح، حتى يكون متجدداً، مواكباً للحياة، فاهماً للواقع، عميقاً في النظرة والموقف، لا يرتبط بمظاهر محددة أو صورة معينة أو أشكال جامدة.
إن التدين هو نوع من السلوك الراقي يفجر طاقات الإنسان العقلية ويبرز مواهبه العاطفية، ويعيد ترتيب قدراته الذهنية ويعطيه مخزوناً كبيراً من التاريخ البعيد وقصصه ورموزه وأعلامه، ليكون سنداً له في حياته وواقعه وهمومه.. وهو بذلك من أفضل الصفات التي يتحلى ويتخلق بها إنسان ويكون مكسباً كبيراً لشريكه ومغنماً واضحاً للزوج الآخر.
ويتم عادة تعزيز مفهوم التدين بين الزوجين بوسائل عديدة منها القراءة في كتب منتقاة، أو الاستماع لأشرطة مختارة، أو المشاركة في أنشطة دينية هادفة، أو حضور دروس إيمانية عميقة، أو القيام بزيارات لبعض الرفقة الصالحة أو دراسة حالة أناس ناجحين أسرياً واجتماعياً.
إننا ينبغي أن نعيد نظرتنا إلى التدين، تلك النظرة السطحية البسيطة والتي لا ترى التدين في الشاب إلا ثوباً قصيراً أو لحية طويلة أو مجرد انتماء إلى جماعة أو ممارسة أفعال معينة، كما أنها لا ترى في الفتاة إلا جلباباً فضفاضاً أو نقاباً ساتراً أو تشدقاً بالانتماء إلى أسرة متدينة أو أبوين صالحين فقط.. إن تلك الأمور من التدين بلا شك في الفتى والفتاة.. وهي مطلوبة مرغوبة.. إلا أنها لا تعبر عن أكثر من حدودها المحدودة .. ولربما كانت الأمور الدينية الأخرى من القيام بالواجبات الحياتية المختلفة، وأداء الحقوق المتنوعة، والوقوف عند الحدود، ورعاية المحارم، وتحقيق الغايات النبيلة.. ربما كانت تلك الأمور أعمق أثراً وأبعد غوراً، وأنفع للأسرة وأجدى في المجتمع.
إن التعزيز في الزوجين ليكون الاختيار سليماً ابتداء، والحياة رغيدة استمراراً فالتدين نصوص مأثورة وحياة سعيدة وتطلع مستقبلي وفهم وتفهم، وخلق وصورة حسنة.
مشكلة ملحة
وتبرز هنا في التدين مشكلة ملحة.. وهي ماذا لو كان أحد الزوجين غير متدين؟ أو ما هو الواجب على أحد الزوجين إذا أظهر الآخر نوعاً من التقصير أو الإهمال في المسائل الدينية عموماً والتعبدية خصوصاً.
وهل يستطيع الزوج أن يسكت وهو يرى زوجته لا تصلي أو تخرج دون حجاب أو تتفوه ببعض الكلمات البذيئة أو لا تكف عن الغيبة والنميمة أو تبدو لا مبالة تجاه القضايا التي تهز المشاعر الإيمانية..
وهذه المشكلة تؤرق أذهان المتدينين أنفسهم وذلك عندما يفاجأ الزوج بانحراف في زوجته، أو تطلع الزوجة على سطحية في تدين زوجها.. إنّ القضية تحتاج إلى وقفة مع النفس أولاً لمعرفة إمكانية توليها علاج تلك الحالة في الطرف الآخر، وهل هي مؤهلة كفؤة أم أنها غير مؤهلة لذلك؟.. إن من لا يتمتع بأخلاق عالية رفيعة مثلاً ليس بكفء أبداً ولا يستطيع مهما حاول أن يصلح شريكاً ضعيف التوجه نحو الأخلاق الإسلامية الصحيحة.
والشيء نفسه يقال عن ضعف الوازع الديني، فإن لم يكن الطرف الآخر على مستوى عال فيه فلن يفلح في الوصول إلى حل ناجح.
وتحتاج هذه المشكلة أيضاً- إضافة إلى الوقفة مع النفس – إلى توصيف صحيح لها دون مغالاة فيها أو تهاون.. دون تضخيم أو استهتار، فبعض الجوانب أهم من بعض في الدين نفسه، وما لا يمكن السكوت عليه نجد في مقابله أشياء كثيرة لا تعدو كونها فضائل أو مستحبات أو مظاهر بسيطة يمكن التغاضي عنها أو تأجيل حلها.
وحسب الزوجين المتدينين خيراً، إن الدين رادع عن كل تجاوز في الحقوق ودافع إلى أداء كل واجب، وداع إلى كل خلق كريم ومحرض على كل صبر جميل، ومصلح لكل اعوجاج وانحراف وجامع للزوجين على قاعدة الاتفاق في الرأي والمشاعر والآمال والآلام.
وحسب الزوجين المتدينين بشارة عظمى من الله سبحانه وتعالى أن يحشرهما يوم القيامة مع بعضهما البعض يشد كل منهما أزر الآخر في ذلك الموقف العصيب، ويتنعمان سوية في جنات الخلد بجوار الرحمن، قال تعالى : ﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم﴾.
العدد (16) يناير 1998 ـ ص : 40
الشامخة الخالدي @alshamkh_alkhaldy
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الغالية الله يحفظ اولادي كلامج صحيح لكن الزوجة بعد لها تاثيرها خاصة ان كان زوجها يحبها بس تاثير الزوج اقوى
هلا وغلا بنسيم الود نورتي الموضوع :26:
هلا وغلا بنسيم الود نورتي الموضوع :26:
الصفحة الأخيرة
مشكوره مره ثانيه:26: