الظلـم ظلمـات يـوم القيـامـة

ملتقى الإيمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه


أما بعد:

فإن ظاهرةً انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها.

إنها ظاهرة الظلم، وما أدراك ما الظلم، الذي حرمه الله - سبحانه وتعالى- على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله عليه وسلم في الحديث القدسي: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ) .

وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) .

والظلـم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة.

وهـو ثـلاثـة أنـواع:

النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون ﴾ . ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ

النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصٍ لله ورسوله. قال جل شأنه: ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.

صور من ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته:

غصب الأرض: عن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين) .

مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ : ( مطل الغني ظلم ) .

منع أجر الأجير: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) .

وأذكر هنا قصة ذكرها أحد المشايخ في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: « كان رجل يعمل عند كفيله فلم يعطه راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردد إليه ويلح وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجب له وكأن في أذنيه وقراً- والعياذ بالله- فقال له المظلوم: حسبي الله بيني وبينك، والله سأدعو عليك، فقال له: اذهب وادعو علي عند الكعبة.


وفعلا استجاب لرغبته ودعا عليه عند الكعبة بتحري أوقات الإجابة، على حسب طلبه، ويريد الله - عز وجل- أن تكون تلك الأيام من أيام رمضان المبارك﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ ومرت الأيام، فإذا بالكفيل مرض مرضاً شديداً لا يستطيع تحريك جسده وانصب عليه الألم صباً حتى تنوم في إحدى المستشفيات فترة من الزمن. فعلم المظلوم بما حصل له، وذهب يعوده مع الناس. فلما رآه قال: أدعوت علي؟ قال له: نعم وفي المكان الذي طلبته مني. فنادى على ابنه وقال: أعطه جميع حقوقه، وطلب منه السماح وأن يدعو له بالشفاء»

الحلف كذباً لاغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال:
( من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيبًا من أراك )


السحر بجميع أنواعه: وأخص سحر التفريق بين الزوجين، قال تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِِ ﴾ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ فال:الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) .


عدم العدل بين الأبناء: عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- أنه قال( نحلني أبى نحلاً فقالت أمى عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم –، فجاءه ليشهده على صدقتى فقال: "أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا، فقال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة) .

حبس الحيوانات والطيور حتى تموت: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار ) حبستها أي بدون طعام.

شهادة الزور: أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر فقال: ( الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: "شهادة الزور) .



وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم.. والسرقة ظلم.. وأذية المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعرض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفي.

فيـا أيهـا الظـالـم لغيـره:

اعلـم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب ) فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى،
فتذكر أيها الظالم قول الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴿42﴾ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾، وقوله سبحانه : ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾، وقوله تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿44﴾ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .

وتـذكـر أيهـا الظـالـم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله.

تـذكـر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.

وتـذكـر أيهـا الظـالـم: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) .

والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال( أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار ).

ولكـن أبشـر أيهـا الظـالـم:

فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال - صلى الله عليه وسلم -( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) ، وفي رواية للترمذي وحسنه( إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغرر)



وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين


7
589

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم عبد المنعم
أم عبد المنعم
جزاك الله خيراً واثابك ونفع بك


وجعلها الله فى ميزان حسناتك
أم سلطان؟
أم سلطان؟
*هبة
*هبة
جزاكـٍ الله خير الجزاء
وجعلها ربــي في ميزان حسناااتكـ
وان تكوووون شاااهدهـ لكـٍ لا عليكـٍ يوم القياااامه

امين

أم كريم و ياسمين
أم عبد المنعم


جزانا الله واياك
أم كريم و ياسمين
أم عبد المنعم جزانا الله واياك
أم عبد المنعم جزانا الله واياك
أم سلطان؟


سلمت يداك