منذ أن كبر قليلا وأصبح في سن يفهم فيها ويعي
الكثير من الأشياء من حوله (سن السادسة عشر) ،
أول ما كان يشعر به ويلامس أعماق جراح قلبه،أنه
كان يفتقد والداه المتوفيان كثيرا،واللذان لا يملك شيء
من ذكراهما سوى صورة قديمة ومهترئة يحتفظ بها
ويعود ليتأملها كلما قاده حنينه إليهما،فقد توفيا منذ
أن كان طفلا في سن الرابعة من عمره،وتولت تربيته
والعناية به عمته القاسية،الأنانية،البارعة في تسليط
لسانها عليه،وتوييخه مرارا وتكرارا،وتحطيمه ،والتقليل
من قيمته،وذنبه الوحيد أنه خلق بعيب خلقي(أي فاقدا
ليد واحدة وقدم واحدة) فكان يعتمد في عمله على
يده الأخرى،ولكي يتحرك من مكان لآخر كان يتحرك
قفزا،وبالرغم من كل هذه المعاناة كان شخصا متقد
الذكاء،طموحه لا يعرف الحدود،بشوشا،مقبلا على
الحياة،فكان يرى الأمل في كل ألم،ويرى الهدوء في
كل ضجيج وتقلب في الحياة،وبينما هو كان جالسا
يشاهد التلفاز صرخت عليه عمته تناديه بلقب اعتاد
عليه منذ صغره:أيها المعاق الفاشل!
أين أنت؟
قم تحرك!
اذهب إلى البقالة واشتر لي ملحا،وصلصلة.
اسرع أيها المعاق الفاشل!
قام وهو معتاد على أن يسمع هذا اللقب وكأنها تناديه
باسمه المعتاد،وفي الطريق رأى رجلا يقود عجلته
وكله نشاط وسعادة،شعر بطل قصتنا بشعور غريب
اعتراه في أعماق قلبه،حيث طار قلبه لتلك العجلة
وتاق إلى أن يجرب ركوبها يوما،وفعلا ذهب إلى
البقالة مسرعا واشترى ماطلبته منه عمته،وعاد سريعا
بعد أن أعطاها ما طلبته،وغادر المنزل مرة أخرى
وهو متحمس جدا بقفزاته المتتالية القصيرة،وبعد أن
خطرت في باله فكرة،ذهب إلى جارهم ليطلب منه
تلك العجلة المحطمة والصدأة الخاصة بابنه الصغير،و
التي كانوا قد رموها في قبو المنزل لعدم حاجتهم إليها
،فلم يتردد الجار للحظة وأعطاه إياها،أخذها بطل
قصتنا وبكل حماس عاد بها إلى غرفته وتأملها جيدا،
ظل في غرفته لوقت طويل منذ ثلاثة أيام،لا يخرج
إلا إذا أراد أن يأكل،أو يشرب،أو يقضي حاجة لعمته
ويعود،فانقضت مدة الثلاث أيام،أعاد خلالها صناعة
تلك العجلة الصغيرة المهترئة لتكون ذات لون أسود
جميل،وعجلات تتحرك من خلال زر تشغيل،ومكبح
واحد بجانب قدمه التي يعتمد عليها،إذا داس عليه
زادت سرعة العجلة،خرج بها وكانت المفاجأة لكل
سكان الحي بأنه بهذه العبقرية،وبكل تأكيد أول من
تفاجأ هي عمته،التي حاولت صده وتحطيم العجلة
،إلا أنه ولأول مرة في حياته صرخ في وجهها قائلا:لا
لا!
لن تستطيعي تحطيم حلمي!
أنا إنسان لي حلم ولي مستقبل باهر.
عادت بخطوات متتابعة للوراء اندهاشا مما سمعته،و
من بعدها تركها وانطلق ليجرب اختراعه،ويتسابق مع
أبناء الحي،رحب الجميع بالفكرة ،واصطف الناس ليروا
هذا الحدث الفريد من نوعه،وفعلا في وسط ذهول من
الجميع يفاجأهم الدراج العبقري بأنه قد سبق الجميع
وفاز عليهم،فصفق له الجميع احتراما واندهاشا مما
قدمه رغم اعاقته وقلة حيلته،واخذه طموحه الذي
بلا حدود للمشاركة في مسابقات دولية للدراجين
كان قد فاز في أكثرها،مما جعله يحتل المركز الأول
لعدة مرات عالميا.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله بك
وجزاك خيراً 🌷