إشراق 55

إشراق 55 @ashrak_55

عضوة شرف في عالم حواء

العشر الأواخر من رمضان أيام الاجتهاد .

ملتقى الإيمان

أ. حسن عبد الحميد

عندما يأتي شهر رمضان المبارك؛ يبادر الناس لاستقباله والاحتفاء به كضيف كريم ووافد عزيز. وككل أمر جديد يكون النشاط والمبادرة إلى فعل الخيرات ملاحظاً في الأيام الأولى فتكثر حلقات التلاوة وتمتلئ المساجد بالمصلين ليلاً ونهاراً وينشط الناس في القيام والإنفاق. ولكن بعد منتصف الشهر يلاحظ أن الناس غالباً ما تفتر هممهم ويضعف نشاطهم ـ إلا من رحم الله ـ وتنقص طاعاتهم وينشغلون بالترتيب لقضايا العيد. وهذا مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهتم بأواخر شهر رمضان بدرجة أكبر ويوليها عناية زائدة أكثر مما كان يفعل في أوله. فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ولم يكن ينفرد وحده صلى الله عليه وسلم بهذا الاجتهاد وتلك العناية فقد كان يثير في أهله هذا الاهتمام ويحدث حالة من الاستنفار العام والحركة الدائبة للعبادة داخل بيته صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها "كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره" والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحي الليل كل العام ولكن في العشر الأواخر يجتهد في ذلك أكثر من غيره وشد المئزر فيه كناية عن التشمير والاستعداد والهمة, وفيه معنى اعتزال النساء في هذه الأيام.
وفي العشر الأواخر ليلة خير من ألف شهر هي ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن, قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر), وفي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها في العشر الأواخر في الوتر)) وفي فضلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ولليلة القدر علامات جاءت بها النصوص الصحيحة, ففي مسلم من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها, وروى الطيالسي في مسنده بسند صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله وسلم قال: ((ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة)) وثبت عند الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليلة القدر بَلْجَة لا حارة ولا باردة ولا يُرمى فيها بنجم)) ومعنى بَلْجَة: مضيئة ولا يرمى فيها بنجم أي لا تُرسل فيها الشهب.
ومن السنة الاعتاف في العشر الأواخر, ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر ـ من رمضان ـ حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده). وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية. وفي الاعتكاف راحة للقلب وطمأنينة للنفس, ومدار الأعمال على القلب ففي البخاري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)), والقلب تفسده الملهيات وفضول الطعام والكلام والمنام والصحبة والمناكح, والصيام يصرف عن بعضها فينعكس ذلك الامتناع على القلب, وفي الاعتكاف تقليل للكلام والنوم والصحبة فيكون ذلك ـ مع الصيام ـ أدعى لصفاء القلب وطمأنينة النفس وزيادة الإيمان, ومما يجدر التنبيه له أن الاعتكاف ليس موسماً للقاء الأصدقاء والحديث والسمر كما يفعل بعض الناس فهؤلاء أضاعوا روح الاعتكاف, كما يجب الحذر من ترك الناس لأعمالهم وإهمالها بحجة الاعتكاف فهؤلاء أضاعوا واجباً ليقيموا سنة فمن وجد وقتاً فليعتكف دون تفريط في واجب؛ وإلا فالواجبات أولى.
العشر الأواخر موسم من مواسم الخيرات ونفحة من نفحات الله تعالى على أهل الأرض والمسلمون أولى الناس بالتعرض لها, والسعيد من اغتنم هذه السوانح وفاز بجوائز هذا الموسم, والمجتهد ينال كل الخير بتوفيق الله وعونه.
1
565

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

abeer najd
abeer najd
جزاك الله الف خير
:26: