العقبات التي يتدرج منها الشيطان لإغواء العبد

ملتقى الإيمان



قال العلامة ابن القيم -رحمه الله وقدس روحه-
"فإنه يريد أن يظفر به من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض لا ينزل منه من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجز عن الظفر به فيها "



العقبة الأولى:
عقبة الكفر بالله وبدينه ولقائه وبصفات كماله, وبما أخبرت به رسله عنه. فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح, فإن اقتحم هذه العقبة ونجا منها, ببصيرة الهداية وسلم معه نور الإيمان طلبه على:


العقبة الثانية:
وهي عقبة البدعة إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله, وأنزل به كتابه, وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله, من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئاً, والبدعتان في الغالب متلازمتان قل أن تنفك إحداهما عن الأخرى, كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال, فاشتغل الزوجان بالعرس فلم يفجأهم إلا وأولاد الزنا يعيثون في بلاد الإسلام, تضج منهم العباد والبلاد إلى الله تعالى .



وقال شيخنا : تزوجت الحقيقة الكافرة, بالبدعة الفاجرة, فتولد بينهما خسران الدنيا والآخرة, فإن قطع هذه العقبة وخلص منها بنور السنة واعتصم منها بحقيقة المتابعة, وما مضى عليه السلف الأخيار, من الصحابة والتابعين لهم بإحسان, وهيهات أن تسمح الأعصار المتأخرة بواحد من هذا الضرب, فإن سمحت به نصب له أهل البدع الحبائل, وبغوه الغوائل وقالوا: مبتدع محدث, فإذا وفقه الله لقطع هذه العقبة طلبه على:


العقبة الثالثة:
وهي عقبة الكبائر, فإن ظفر فيها حسنها له, وزينها في عينه وسوف به وفتح له باب الارجاء وقال له: الإيمان هو التصديق نفسه فلا تقدح فيه الأعمال (أي أعمال الفسوق والعصيان) وربما أجرى على لسنه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق وهي قوله: (لا يضر مع التوحيد ذنب, كما لا ينفع مع الشرك حسنة) . والظفر به في عقبة –البدعة- أحب إليه, لمناقضتها الدين, ودفعها لما بعث الله به رسوله, وصاحبها لا يتوب منها, ولا يرجع عنها بل يدعو الخلق إليها, ولتضمنها –القول على الله بلا علم- ومعاداة صريح السنة, ومعاداة أهلها, والاجتهاد على إطفاء نور السنة وتولية من عزله الله ورسوله, ورد ما اعتبره, وموالاة من عاداه, ومعاداة من والاه وإثبات ما نفاه, ونفي ما أثبته, وتكذيب الصادق وتصديق الكاذب, ومعارضة الحق بالباطل, وقلب الحقائق بجعل الحق باطلاً والباطل حقاً, والإلحاد في دين الله, وتعمية الحق على القلوب, وطلب العوج لصراط الله المستقيم, وفتح باب تبديل الدين جملة, فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها, حتى ينسلخ صاحبها من الدين, كما ينسل الشعرة من العجين. فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر, والعميان ضالون في ظلمة العمى (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)


فإن قطع هذه العقبة بعصمة الله أو بتوبة نصوح تنجية منها طلبه على:

العقبة الرابعة:
وهي عقبة الصغائر فكال له فيها بالقفزان,
وقال: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت اللمم أو ما علمت أنها تكفر باجتناب الكبائر, وبالحسنات, ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يصر عليها, فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه, فالإصرار على الذنب أقبح منه, ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار, ولا صغيرة مع الإصرار, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب)

ثم ضرب لذلك مثلاً بقوم نزلوا بفلاة من الأرض فأعوزهم الحطب, فجعل هذا يجيء بعود, وهذا بعود حتى جمعوا حطباً كثيراً, فأوقدا ناراً وأنضجوا خبزتهم, فكذلك فإن محقرات الذنوب تتجمع على العبد, وهو يستهين بشأنها حتى تهلكه.
فإن نجا من هذه العقبة بالتحرز والتحفظ ودوام التوبة والاستغفار وأتبع السيئة الحسنة طلبه على:
العقبة الخامسة:
وهي عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها, فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات, وعن الاجتهاد في التزود لمعاده ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن, ثم ترك السنن إلى ترك الواجبات, وأقل ما ينال منه: تفويته الأرباح والمكاسب العظيمة والمنازل العالية, ولو عرف السعر ما فوت على نفسه شيئاً من القربات, ولكنه جاهل بالسعر, فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونورها ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها وقلة المقام على الميناء وخطر التجارة وكرم المشتري, وقدر ما يعوض به التجار فبخل بأوقاته وضن بأنفاسه أن تذهب في غير ربح, العدو على

العقبة السادسة:
وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات فأمره بها وحسنها في عينه وزينها له وأراه ما فيها من الفضل والربح, ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحاً, لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله, ودرجاته العالية, فشغله بالمفضول عن الفاضل, وبالمرجوح عن الراجح, وبالمحبوب لله عن الأحب إليه, وبالمرضي عن الأرضي له, ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فهم الأفراد في العالم, والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول, فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله, ومنازلها في الفضل, ومعرفة مقاديرها والتمييز بين عاليها وسافلها, ومفضولها وفاضلها, ورئيسها ومرؤوسها, وسيدها ومسودها, فإن هذه الأعمال سيداً ومسوداً, ورئيساً ومرؤوساً, وذروة وما دونها, كما في الحديث الصحيح: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ... ) الحديث

وفي الحديث الآخر : (الجهاد ذروة سنام الأمر )
ولا يقطع هذه العقبة إلا أهل البصائر والصدق من أولي العلم السائرين على جادة التوفيق, قد أنزلوا الأعمال منازلها وأعطوا كل ذي حق حقه, فإذا نجا منها لم يبق هناك عقبة يطلبه العدو عليها سوى واحدة لابد منها, ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه وأكرم الخلق عليه.

العقبة السابعة:
وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد والقلب واللسان على حسب مرتبته في الخير, فكلما علت مرتبته أجلب عليه العدو بخيله, وظاهر عليه بجنده, وسلط عليه حزبه وأهله بأنواع التسليط, وهذه العقبة لا حيلة له في التخلص منها, فإنه كلما جد في الإستقامة والدعوة إلى الله والقيام له بأمره جد العدو في إغراء السفهاء به, فهو في هذه العقبة قد لبس لامة الحرب, وأخذ في محاربة العدو لله وبالله, فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين وهي تسمى عبودية المراغمة ولا ينتبه لها إلا أولوا البصائر التامّة, ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة ولية لعدوه وإغاظته له.
1
396

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الذاكرات
الذاكرات
جزاكِ الله خير الجزاء يا لواء التوحيد
ونفع بعلمكِ وزادكِ من فضله ،،،