العِلمُ مِيراثُ التقوى
لو قلتُ لك: إنَّ هذا العِلمَ.. ليس بكثرةِ الاجتهادِ والحفظِ والقراءةِ فحسب؛ وإنما هو هِبَةٌ من الله لِمَن علم الله فيه الصدقَ والإخلاص والصلاح! أتُصَدِّقني؟!
انظرْ إلى حالِ الخوارجِ وشدة اجتهادِهم؛ حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يحقرون صلاتَهم إلى صلاتِهم! ومَن على شاكلتِهم مِن الغُواةِ والغُلاة؛ كيف ضَلُّوا وأضَلُّوا مع كثرةِ تعبِهم ونَصَبِهم!
فالله عزَّ وجلَّ يؤتِي العِلمَ مَن يشاء ويُلقي الفهمَ في قلبِ من يشاء من عبادِه المتقين، وقد قال جلَّ جَلالُه: (وداود وسليمان إذْ يحكمان في الحرثِ إذْ نفَشَتْ فيه غَنَمُ القومِ وكنَّا لِحُكْمِهم شاهِدِين ففهَّمْناها سُليمان وكلا آتَينا حُكْماً وعِلماً). قال القرطبي رحمه الله: "يكون في أهلِ التقوى فراسةٌ دِينيةٌ وتوسُّماتٌ نُورِيةٌ؛ وذلك فَضلُ الله يؤتيهِ مَن يشاء... وعلى الجملةِ فقضاءُ سليمان في هذه القصة تضمَّنها مَدحُه تعالى له بقوله: (ففهَّمْناها سليمان)".
فهذا وَعْدٌ من الله عزَّ وجلَّ وبشارةٌ لأهلِ التقوى أن يهبَهم الله منه علماً وفرقاناً ومخرجاً ويهديهم إلى ما اختلِفَ فيه من الحق، كما قال جَلَّ جلالُه: (إنْ تَتقُوا الله يَجْعَلْ لكم فُرْقاناً). (ومَن يَتقِ الله يَجْعَلْ له مَخرَجاً ويَرْزقْه مِن حيث لا يحتسب). وقال تعالى: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله). قال ابنُ كثير رحمه الله: "قوله (واتقوا الله): أي خافُوه وراقِبُوه واتبعُوا أمرَه واتركُوا زَجْرَه. (ويُعلِّمُكم الله): كقوله: (يا أيها الذين آمنوا إنْ تتقُوا الله يَجعَلْ لكم فُرقاناً)، وكقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمِنُوا برسولِه يُؤتِكم كِفْلَيْن مِن رَحْمَتِه ويَجْعلْ لكم نُوراً تَمشُون به). وقوله: (والله بكل شيء عليم): أي هو عالِمٌ بحقائقِ الأمورِ ومصالِحِها وعَواقبِها؛ فلا يخفى عليه شيءٌ من الأشياء، بل عِلمُه مُحِيطٌ بجميعِ الكائنات".
قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله والله بكلِّ شيءٍ عَلِيم) وَعْدٌ من الله تعالى بأن من اتقاه علمه: أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فُرقاناً: أي فَيْصَلا يفصل به بين الحق والباطل. ومنه قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يَجْعلْ لكم فُرقاناً)".
ورحمَ الله الرملي حيث قرَّرَ أنَّ التقوى سِرُّ زيادةِ المعرفة والرسوخِ في العلم، فقال: "التوفيقُ خلقُ قدرةِ الطاعةِ في العبدِ؛ قال تعالى: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله)... ومعناه: وعد منه بأن من اتقاه علمه: بأن يجعل في قلبِه نوراً يفهم به ما يُلقَى إليه وفرقاناً: أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقُوا الله يَجْعَلْ لكم فُرقاناً)؛ فبتقوى الله تزدادُ المعارف".
فمن جاهدَ نفسَه وقهرَ هواه وقمعَ شَهواتِه واتقى الله عز وجلَّ؛ هداه الله عز وجلَّ إلى ذخائرِ العلمِ ونفائسِ المعرفة، فقد قال عزَّ وجلَّ: (والذين جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا). قال القرطبي: "قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العُبَّاد، وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (من عَمل بما عَلِم؛ علَّمَه الله ما لم يعلم)، ونزعَ بعضُ العلماء إلى قوله: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله)، وقال عمر بن عبد العزيز: إنَّما قصَّرَ بنا عن عِلمِ ما جَهِلْنا تقصيرُنا في العملِ بِما عَلِمْناه ولو عَمِلْنا ببعضِ ما علِمنا؛ لأوْرَثَنا عِلماً لا تقومُ به أبدانُنا؛ قال الله تعالى: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله)... وقال عبدُ الله بن عباس: (والذين جاهَدُوا في طاعَتِنا لِنَهْدِيَنَّهم سُبلَ ثَوابِنا، وهذا يتناوَلُ بِعُمُومِ الطاعةِ جميعَ الأقوالِ، ونحوه قولُ عبدِ الله بن الزبير قال: تقول الحكمةُ: مَن طلبَنِي فلم يجدني؛ فلْيَطْلُبْنِي في مَوضِعَين: أنْ يَعمَلَ بأحْسَنِ ما يعلَمُه ويَجتنِبَ أسوأ ما يَعلَمُه ".
فرَحِمَ الله عَبداً لم يُعَوِّلْ على عقلِه؛ بل استَعانَ بربِّه ونَصَبَ بين عَينيه قولَ الفقهاءِ وأهلِ العلمِ: "إنَّ أْولَى ما يُستَنْزَلُ به فَيضُ الرحمةِ الإلهية في تحققِ الواقعاتِ الشرعيةِ طاعةُ الله عز وجلَّ والتمسكُ بحبلِ التقوى قال الله تعالى: (واتقوا الله ويُعلِّمُكم الله)؛ ومن اعتمدَ على رأيِه وذِهنِه في استخراجِ دقائقِ الفِقهِ وكُنُوزِه وهو في المعاصي حَقِيقٌ بإنزال الخذلان عليه؛ فقد اعتَمدَ على ما لا يُعتَمَدُ عليه! (ومَن لم يَجعَل الله له نُوراً فما له مِن نُور)".
----------
الأنبياء 78-79.
الجامع لأحكام القرآن 11/314.
الأنفال 29.
الطلاق 2-3.
نفسير القرآن العظيم 1/338.
البقرة 282.
الجامع لأحكام القرآن 3/406.
شرح زبد ابن رسلان ص 4، دار المعرفة بيروت.
العنكبوت 69.
الجامع لأحكام القرآن 13/364.
النور 40.
البحر الرائق لزين بن إبراهيم 6/286. دار المعرفة بيروت. وحاشية ابن عابدين 5/359. دار الفكر بيروت، ط2، 1386 هـ.
-----------
* باحث إسلامي
منقول
موقع طالبة العلم الشرعي
http://www.t-elm.com/main/index.php
salam80 @salam80
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكور
مشكورةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة
حقـــوق الطبع محفوظه لدى موتى ولا دمعه امى يرجى عدم التقليد
شكرا على الموضوع الجميل والى الامام بدون توقـــــف