العنوسة والزواج
إعداد
رياض المحيسن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الخلق، ومدبر الأمر، في كتابه العزيز {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} (النجم: 45،46)
{فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (الطارق:5-7)
نحمده عز وجل ونشكره على إنعامه علينا بهذا الدين الحنيف، وشريعة رسوله الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ، الشاملة الجامعة المانعة.
والصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود والحوض المورود، والشفاعة العظمى يوم الدين، نبينا محمد، معلم الناس الخير بأقواله وأفعاله وأحواله، الذي هو مثلنا الأعلى وأسوتنا الحسنه في كل شأن وأمر، وعلى آل بيته وأصحابه الابرار الأخيار أجمعين أما بعد:
فإن الزواج آية من آيات الله تعالى ونعمة من نعمه، كما قال سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21) . والزواج هو السبيل ع القويم لتكاثر النوع البشري وبقائه حتى نفخة الصور الأولى ليوم القيامة، إذ به يجعل التوالد والإنجاب، وتتألف الأسر، وتتقارب العائلات والقبائل.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13)
سوف نتطرق في هذا الموضوع إن شاء الله إلى انتشار ة ظاهرة العنوسة في مجتمعنا وأسباب ذلك وتوضيحها ووضع الحلول المناسبة.
سائلين الله جل وعلا العون والتوفيق،،،
الزواج
إذا نظرنا إلى مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى لرأينا كثرة العنوسة والمطلقات. هذا من الله سبحانه، ثم من أنفسنا. الأمر فيما يبدو- أيها الفضلاء- أكبر من ذلك وأوسع، إن الناظر في أحوال المجتمعات والمراقب لتغيراتها في هذا العصر، يحس بأشياء كثيرة وكبيرة، ويدرك أمورا مخيفة ومهولة. إن هذه المشكلات وهذه العوائق راجعة إلى خلل في التصور. وزعزعة في الفكر، ولا مبالغة إذا قيل: إنها راجعة إلى ضعف في العقيدة، وخلل في تطبيق الشريعة، إنه التفكير المشوش حول المستقبل، والخوف الذي لا مسوغ له، ثم ما يرتبط بهذا التخوف من الاعتمادات على الشهادات والتعلق بالوظائف وتأمين فرص العمل، والانشغال في سلم التعليم حتى يفوت الجميع قطار الزواج، ومشاركة الوالدين في هذا التخوف. وقبول المجتمع له والرضا عن هذا المسلك يؤكد هذا الخلل في التفكير، والانقلاب في الموازين، وتزعزع الثقة بالله، وضعف النظر المتعقل: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(النور: من الآية32)، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: من الآية286) { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}(الطلاق: من الآية7)
اضطربت المقاييس، وطاشت الموازين، فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، وشريعة الحياة وزواج المستقبل يقومان بالمادة، وشبه المادة الوظيفية والشهادة والمرتب والوجاهة هي السوق الرائجة، يستوي في ذلك الشاب وأهله، والشابة وأهله، إلا ما رحم ربي، وما يثقفه الناس والشباب من معلومات وأخلاقيات في المقالات والمسلسلات والصحف والإذاعات، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة لها الأثر البين في اختلال النظرة إلى الحياة. هذا الزخم من الثقافات، وهذا الطرح من التصورات، قلب المفاهيم، وأفسد الأمزجة،وجعل علاقات الناس وروابطها منافع ذاتية ومادية بحتة، إذا انحدر الناس في هذه المقاييس وحكموها في علاقاتهم.
فقد فسد الزمان، وبطل دليل العقل، و تعطل أمر الشرع يعيرون بالفقر{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}(الطلاق الآية7)
الزواج من الفضلاء والصالحين. حتى لا يبتلى بأصهار وأنساب يتجاوزون في مطالبهم حدود المعروف فيكلفونه في حياته عسرا، ويزيدونه من أمره رهقا، لماذا كل هذا أيها الناس؟!
إن جميل الخلق أبقى من جمال الخلق، وغنى النفس مقدم على غنى المال، والعبرة كل العبرة في كريم الخصال، لا في زين الأجسام، وكثرة الأموال.
سئل سعيد بن المسيب- رحمه الله- عن حديث "خير النساء أيسرهن مهرا" كيف تكون حسناء ورخيصة المهر؟
فقال سعيد: (يا هذا انظر كيف قلت أهم يساومون في بهيمة لا تعقل؟ أتراها بضاعة طمع صاحبها يغلب على مطامع الناس). { رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }(النساء: من الآية1)
إنه إنسان مع إنسانة، وليس متاعا يطلب متاعا.
أما الحمقاء، وأهل الحمقاء فيتمسكون بالجمال والمنصب، والمال والمركز، ليزايدوا في الثمن. ترى هؤلاء من الأخيار أم من الأشرار؟!
إن المرأة للرجل نفس لنفس، وليست بضاعة لتاجر، إن ميزان الرجال لا يوزن بمال، ولكن المهر يوزن بالمعاملة. إن صاحب الجمال والجاه قليل الدين والخلق من الرجال والنساء لا يغني عنه كثرة المال شيئا. أرأيت لو كان مع الجبان مائة سيف أكان ذلك يغني عن ضعفه وجبنه وخوره؟!.
فاستكثار المال وموازين المادة، لا تستر خيبة الزوجين وصفاتهما وسوء خلقهما، ولو كان ذلك قناطير الذهب والفضة.
إن نسب الطلاق والفراق وأسباب الانفصال في هذا العصر عالية جدا.
جاء في وصية ابن جني لبنيه:
"يا بني لا يحملنكم جمال النساء على صراحة البنت وكرم العنصر، فإن الناكح الكريمة مدرجة الشرف، إن الجمال ونضارة الشباب تزيلها السنون، وإن المال غاد ورائح، ولا يبقى إلا الدين، فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
قالت الحكماء: العجلة في خمسة أشياء محمودة هي: الكريمة إذا خطبها الكفء، وفي الميت حتى يدفن، وفي عيادة المريض، وفي الصلاة إذا دخلت حتى تؤدى، وفي الضيف إذا نزل حتى يعد له الطعام.
إن تأخر زواج الفتاة يعد مدعاة لكثير من التساؤلات والاستفسارات، بل يعتبر عيبا، ومع ذلك فقد برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة ارتفاع سن الزواج لدى الرجل والمرأة عنه في السنوات السابقة، وربما يرجع هذا التأخير النسبي في سن الزواج بالنسبة للمرأة إلى انتشار التعليم العالي للبنات انتشارا كبيرا في المجتمع العربي، والملاحظ بصفة عامه أن الرجل يستطيع الزواج من المرأة مهما كان عمره، وتزداد فرصته في اختيار ما يناسبه كلما ارتفع مستواه الثقافي والاقتصادي وارتفعت مكانته الاجتماعية، وكان يتمتع بسمعة حسنة وبيئة اجتماعية ذات سمعة طيبة.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }(الروم: الآية21) . أما المرأة فعلى العكس من ذلك، فكلما ارتفع مستواها التعليمي والثقافي كلما قلت فرصتها في الزواج، إلا إذا كانت قد تزوجت قبل إتمام التعليم والحصول على الشهادة.
أما إذا بقيت دون زواج حتى حصولها على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها، أو ما بعدها، فإن فرصتها في الزواج الفتاة التي لم تنل هذا الحظ الكبير من التعليم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
إن نداء الحديث للشباب يفهم منه استحباب التبكير بالزواج وهو كما يكون للذكر يكون للأنثى، وهناك سمتان بارزتان للزواج في المجتمع المعاصر يمكن ملاحظتهما بصفة عامة وهامة: الزواج المبكر، وتفضيل الزواج من الأقرباء. اعتقادنا أن السمة الأولى ترجع إلى دافع ديني وخلقي بحكم التنشئة الدينية التي ينشأ عليها الشباب والفتيان في الأسرة والثقافة الإسلامية.
والدين الإسلامي الحنيف أعلى من قيمة الزواج وحث عليه طالما هناك إمكانية لذلك، والزواج لابد منه لأنه عصمة وحماية للشباب المسلم، خاصة في ظل ما يتعرض له الشباب حاليا من مغريات، كما أن الزواج سكن وسكينة، كما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم:الآية21). والأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع الصالح المؤمن، إن قامت على أسس سليمة، وقواعد صحيحة ، من الإيمان والسلوك، والتربية الفاضلة، والتفاهم بين الزوجين. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تنكح المرأة لأربع،لمالها، لحسبها، ولجمالها، و لدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك". ومعنى تربت يداك: أي التصقت بالتراب من الفقر والمعنى: إن تركت ذات الدين إلى غيرها خسرت، وذات الدين هي المرأة المتدينة الصالحة ذات الخلق الحسن. فينبغي أن يكون هدف الخاطب هو الظفر بامرأة ذات دين. لا خير في صاحبة مال أو جمال بغير دين. فالمرأة ذات الجمال من دون الدين مغرورة، وذات المال من دون الدين طاغية ، وذات الجاه من دون الدين متكبرة، أما ذات الدين فهي خلوقة متواضعة، مطيعة وإن كانت بارعة الجمال وفيرة المال رفيعة الحسب والنسب، وليست هذه الأحوال والصفات مخصوصة بالمرأة ومن جانبها فحسب، بل هي أيضاً تعني الرجل وتخصه، فإن على المخطوبة ألا تنخدع بجمال الشخصية، ولا بثروة العريس، ولا بنسبة وحسبه، بل عليها أن تبحث أولا عن دينه، فإن كان متدينا صالحا فقد استجمع أهم الشروط، وتكون الصفات الأخرى بعد شرط الدين في المرتبة الأدنى. إن الرجل المتدين يصون المرأة ويحفظها ويعاشرها بالمعروف ويصبر عليها – وهذا هو الأهم- فهو إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها ، وإن هي كرهت العيش معه وفضلت مفارقته فإنه لا يمسكها ضرارا، بل يسرحها سراحا جميلا.
إن الحياة الزوجية مليئة بالمتاعب والمسئولية، وعرضة لتقلب الأحوال، فإن كانت قائمة على الرغبة في المال ثم ذهب المال فماذا يحدث؟!
وإن كانت قائمة على الجمال، أو الجاه وتغير الحال، فماذا يحدث ؟ ! . لاشك في أنه سيحدث انقلابا في الحياة الزوجية ويحتدم الخلاف، لأن الزوجية لم تكن قائمة على أساس ثابت، بل على شهوة شخصية غير ثابتة الجذور و الأسس.
أما إذا كان الزواج مبنيا على مراعاة جانب الدين، فإن الدين عقيدة ثابتة راسخة في قلب المسلم (المتدين) يبني عليها أفعاله وأقواله، ومنها ينطلق في تعامله مع الآخرين،ومعلوم أن المسلم المتدين- رجلا كان أو امرأة- يشكر الله في الرخاء ،ويصبر في الشدة، ويتعامل مع الواقع بإيمان وصبر ، ويتعاون مع زوجه وشريك حياته بكل وفاء وتضحية .
* يتبين مما سبق أسباب انتشار، ظاهرة العنوسة في مجتمعنا - في النقاط التالية:
1- غلاء المهور، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج.
2- اعتذار الفتاة عن الزواج المبكر بحجة إكمال التعليم.
3- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج بأخرى.
4- وضع الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة أو العكس.
* أما طرق حلول هذه المشكلة فهي كالتالي:-
1- ينبغي على أهل الفتاة البحث عن الرجل المناسب الذي يستطيع أن يسعد ابنتهم، وعدم النظر إلى غلاء المهر، وإنما البحث عن رجل دين وأخلاق طيبة؛ يحفظ على ابنتهم دينها ويصونها ويسعدها.
2- على الفتاة ألا تعتذر عن الزواج بحجة مواصلة التعليم، فيضيع عمرها وتصل إلى مرحلة العنوسة، فلا تجد من يتزوجها. ولكن يمكن أن تتفق مع الزوج على مواصلة التعليم وهي متزوجة، وذلك ميسر والحمد لله.
3- ألا تنظر الفتاة إلى الرجل الذي تقدم لخطبتها وهو متزوج بأخرى أنه غير مناسب لها أو غير قادر على إسعادها. فكثير من الفتيات لا يقبلن بالرجل المتزوج، ثم و يضيع العمر ولا يأتي من يتزوجها. فالدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية أجازا للرجل المسلم التعدد في الزواج إلى أربع من النساء في ذمة الرجل، وبشرط أن يكون الرجل عادلا بين زوجاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
نصر @nsr_1
محرر في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نجمة الكويت
•
حياكم الرحمن ..وجزاكم الله كل خير فيما نقتم....وبارك الله فيكم
الصفحة الأخيرة