
يعاني الإنسان الحالي من مشاكلٍ
لم تكن منتشرة بهذا الشكل في السابق.
ففي ظل التطوّر والتكنولوجيا، وخصوصًا
بعد انتشار وباء كورونا قبل عِدَّة
سنوات حصلت تغييرات كبيرة في
نوعيّة العلاقات، وأيضًا قبل هذهِ
الجائحة بسبب الإنترنت، ومواقع التواصل
الاجتماعي، واكتفاء الناس بالعالم
الرقمي عن عالم المجتمع. كل هذهِ
العوامل خلقت لنا موجةً جديدة، عانى منها
الإنسان المعاصر، ولم تكن موجودة
في السابق، إذ أنَّ الإنسان القديم كان
يعيش الحياة الطبيعيّة كما هي، ولا سبيل
له لغيرها.
في هذا الزمان الوِحْدَة صارت شيئًا سائدًا
ولا يُشترط للإحساس بالاغتراب أن تكون خارج
أسوار الوطن، أو بعيدًا عن العائلة والأصدقاء.
يكفي أن تشعر أنّ لا أحد يفهمك،
وأنَّ قلبك متعب وتعرّض للأذى من الناس،
وحتى مع ظهور الذكاء الإصطناعي هذا
زاد الوضع سوءًا، فكثير من الناس
جعلوا التكنولوجيا بديلًا لهم عن الواقع.
وهذهِ من أكبر الخسائر الفادحة، حتى طريقة
تكوين العلاقات تغيّرت، والأهم أن
المشاعر ما عادت كما كانت تكون...
بل هي باردة، مُتَغَيِّرة.
ولا ننسى أن العالم الرقمي أصبح إدمانًا،
وقد يكون بخطورة الإدمان على
التدخين والمخدرات، فهو يسرق من
الطفل طفولته، ويسرق من الشاب طموحه،
ويسرق من الكهل ساعات وأيام وسنين
عمره، ويسرق من الإنسان إنسانيّته،
فالإنسان لم تعد له قيمة، ولا
طموح، وأصبح ضعيفًا.
فهو أضعف مِمَّا مضى في سائر الأزمان.
حتى أنّ ظهور هذهِ الكوارث جعل
ما سبقها من مصائب بسيطة،
فمشاهدة التلفاز في زمننا تعتبر
شيئًا محمودًا، وأخف وطأةً من استعمال
الهاتف، أو استخدام اليوتيوب بما
أنّه أقرب شيٍ له في الوقت الحالي.
فالمصائب تُهَوِّن بعضها البعض،
والكوارث تختلف درجاتها على البشريّة.
فكم من إنسانٍ وحيدٍ ومغترب
وهو في أحضان عائلته، وبصحبة
الأصحاب.