
يروي روجر فان اويخ في كتابه الرائع (ضربة على جانب الرأس) قصة ظريفة تقول ان ضفدعين سقطا في دلو املس عميق مليء بالحليب, وحالما استشعر الضفدع الاول عمق الدلو ظن ان لا امل له في الخلاص من هذا البحر الابيض الذي لا قرار له! فاستسلم لقدره تاركا نفسه يغوص رويدا رويدا في الاعماق السحيقة ليموت غرقا, لكن صاحبه كان ذا قلب شجاع، فعلى الرغم من وقوعه في نفس الكارثة الحليبية، ابت نفسه هذه النهاية المذلة، الموت غرقا في شربة حليب!! فأخذ يتحرك بكل ما اوتي من قوة، مجدفا بيديه ورجليه بلا هوادة ليبقى طافيا، وبعد وقت ليس بالقصير من المعاناة (الضفادعية) اذا بالحليب يبدأ بالتخثر والتحول الى زبدة من فعل حركة الضفدع المستمرة، حينها وجد الضفدع ما حوله وقد تماسك وتصلب، وبقفزة بهلوانية رشيقة فاذا به خارج الدلو!
سادتي ,,, الان وبعد تجاوز الابتسامات التي ارجو ان تكون القصة انتزعتها منكم، وبعد الرد على ذلك السؤال الذي قد يقفز به بعض الشطار من ان الضفادع تجيد السباحة، فكيف لها ان تغرق في مقالتي, والرد عليهم، بانها، والعلم عند الله، ضفادع من فصيلة لا تجيد السباحة! بعد تجاوز هذا كله، ماذا اريد يا ترى من هذه القصة؟ هل تراني اضيع وقتكم ووقتي بما لا فائدة منه من الهذر, ابدا ايها الكرام,, ان الامر ليس كذلك فتابعوا.
قرائي ,,, الحياة ليست حلما ورديا جميلا لاي كان, ومخطئ جدا من يظن ان هناك من يعيشها كذلك حتى من اولئك الذين رزقوا بالمال الوفير والملك العظيم، فمتاعب الدنيا قدر كل الناس، والابتلاء مكتوب على جميع البشر منذ بدء الخليقة, ومنذ تلك اللحظة التي عاقب الله تعالى فيها سيدنا آدم عليه السلام فطرده من الجنة، تعاقبت المتاعب والابتلاءات على بنيه من بعده، وبالاخص من الرسل والنبيين عليهم الصلاة والسلام، فقد كانوا اعظم الناس ابتلاء, ها هو سيدنا نوح عليه السلام اغرق ابنه فلذة كبده امام عينيه في الطوفان العظيم، وسيدنا ابراهيم عليه السلام القاه قومه في النار، وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لقي من قومه من انواع العذاب ما لا طاقة لبشر على احتماله, ونحن اتباع الانبياء والمرسلين، قد وعدنا الله تعالى جميعا في القرآن الكريم بالابتلاء حين قال «احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون»، وما نراه هذه الايام من الابتلاءات والكوارث المتلاحقة التي تتساقط على رؤوسنا كقطع الليل المظلم ما هي الا مصداق هذا الوعد الرباني من الله الذي لا يخلف وعده.
لكن، وعودا على بدء، اقول إن الناس وان تشابهت في الرخاء فانها تتمايز عند محك البلاء, فمنهم من يقنط ويفقد الامل ويستسلم لما يظنه قدره المحتوم، ليغرق في بلائه وتأخذ منه الحياة كل مأخذ,,, بينما البعض الآخر، لا يعرف لهم اليأس طريقا، وما مصاعب الحياة وابتلاءاتها بالنسبة لهم الا دروس يتعلمون منها طريق النجاح، يقاومونها بكل ما لديهم من طاقة، ليصلوا في النهاية الى السعادة، وهؤلاء هم اصحاب القلوب الشجاعة!
لذلك فاعلم قارئي ان الامر بيدك ,,, حدد طريقك بعناية من هذه اللحظة، والا غرقت في شربة حليب كذلك الضفدع!
منقول
وفي النهاية يجبرنا على العزم على العمل لمقاومة مصاعب الحياة التي لا تخلو حياتنا منها ..
جزاك الله خيرا ...