الغيبة وأضرارها وأنواعها وعلاجها
جامع المصطفي : المنصورة في :17/3/2003 م
الحمد لله يربي أحبابه علي موائد آدابه يسدل ثوابه علي من يشاء بغير حساب . أحمد الله وأشكره أتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأرجوه الحكمة وفصل الخطاب . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان خيرة خلق الله . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين . أما بعد : فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم
ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير : يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين "َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ " .
عباد الله أيها المسلمون :
الغيبة هي : أن تذكر أخاك بما يكره سواء كان ما ذكرته في نفسه أو بدنه . أو قوله أو فعله . أو دينه أو خلقه. وهذا ما عبر عنه النبي فيما رواه الدارامي وأبو يعلي رحمهما الله عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قالوا يا رسول الله وإن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته". وقال الإمام الحسن ذكر الغير في غيبته علي ثلاث حالات " غيبة وبهتان وأفك : الغيبة :هي أن تذكره بما يكره ويكون فيه . والبهتان : تذكره بما يكره وليس فيه . والإفك : تذكره بما بلغك عنه من كلام الناس ".
وللغيبة أضرار كثيرة : فهي أشد من الزنا. وأشد من الربا. ورأي النبي عذاب المغتاب في رحلة الإسراء والمعراج . كما أن المغتاب يعذب في قبره . وللغيبة أثرها علي الحسنات . وضرب الله للمغتاب أقبح مثل . فهي أشد من الزنا : قال صلي الله عليه وسلم " إياكم والغيبة فإنها أشد من الزنا فقد يزني المؤمن ويتوب فيتوب الله عليه وصاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفر له صاحبه " كما أنها أشد من الربا: قال صلي الله عليه وسلم " درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية وإن أربي الربا عرض المسلم ". ورأي الرسول المغتاب يعذب وهو في رحلة الإسراء والمعراج: فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه رأي قوما لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم فقلت من هؤلاء يا أخي يا جبريل فقال هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم " . والمغتاب يعذب في قبره " مر رسول الله علي قبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الثاني فكان يمشي بين الناس بالنميمة فأمر النبي بجريدة رطبة وكسرها أمر بهما فغرستا وقال يخفف عنهما مالم تيبسا "وذكر أن عذاب القبر علي ثلاثة أثلاث " ثلث للغيبة وثلث للنميمة وثلث للبول ". وللغيبة أثرها علي الحسنات فيؤخذ من حسنات المغتاب ويعطي للذي اغتابه فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئات الذين اغتابهم وطرحت علي سيئاته ثم طرح في النار " . وقد ضرب الله للمغتاب اقبح مثل فقال ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه "فمثل الذي يغتاب الناس كمثل رجل يأكل لم أخيه المسلم وهو ميت ولا شك أن هذا شيء مستقذر تأنف منه النفس وتشمئز . من أجل هذه الأضرار كلها وقف النبي صلي الله عليه وسلم ناصحا ومرشدا : فقال "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله إخوانا "وقال يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته ".
وللغيبة أنواع كثيرة : غيبة اللسان وغيبة الإشارة وغيبة التقليد والمحاكاة وغيبة الكتابة وغيبة القلب ولاستماع إلى المغتاب أما غيبة اللسان : فهي الغيبة المعروفة لدينا وهي أن تذكر أخاك المسلم بما فيه ويكرهه ونهي الإسلام عنها قال تعالي ولا يغتب بعضكم بعضا وقال صلي الله عليه وسلم "إياكم والغيبة "وأما غيبة الإشارة : فهي أن تغتاب عن طريق الإشارة جاءت امرأة إلى بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعدما مشت أشارت عائشة عليها أنها قصيرة فقال الرسول لقد اغتبتيها ". وأما غيبة التقليد والمحاكاة : فهي الغيبة عن طريق تقليد الآخرين فيما فيهم من العيوب علي نحو السخرية والاستهزاء وهو ما نهي عنه القرآن " ويل لكل همزة لمزة " قال المفسرون : نزلت في الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف فقد كانوا يغتابون النبي صلي الله عليه وسلم والمؤمنين . وأما غيبة القلم : فقد صح في الخبر " القلم أحد اللسانين " وأما غيبة القلب : فهي سوء الظن بالناس وميل القلب لغيبة الناس واحتقارهم فقد نهي الرسول عنه فقال " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " أما حيث النفس دون ميل قلبي فهذا معفو عنه قال صالي الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي عن ما حدثت به نفسها ". وأما الاستماع إلى المغتاب : فهذه غيبة أيضا فبمجرد أن تسمع له وتوافقه فيما يقول تصبح شريكا له في الإثم قال صلي الله عليه وسلم " المستمع أحد المغتابين " فعليك أن تذب عن عرض أخيك . قال صلي الله عليه وسلم " من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه يوم القيامة " . أو تنصرف عن الموقف في الحال واسمع لربك " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكري مع القوم الظالمين ".
وللغيبة أسباب منها : الغيظ والتشفي ومجاملة الأقران أو قد تظن أن أحدا يغتابك فتغتابه وقد تبلغ أن أحدا يغتابك فتغتابه وقد يكون السبب هو الهزل واللعب وقد يكون الغضب والانتقام وقد يكون الحسد والسخرية والاستهزاء .
وتباح الغيبة في حالات : عند التظلم وعن الاستفتاء وعند تغيير المنكر وإذا كان الشخص لا يعرف إلا بهذا الاسم وعند التحذير وعند المجاهرة بالمعاصي أما عند التظلم : فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " إن لصاحب الحق مقالا " وعند الاستفتاء : يروي أن زوجة أبى سفيان قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال الرسول خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وعند تغيير المنكر: يروي أن عمر مر علي طلحة فسلم عليه فلم يرد فراح يشتكيه لأبي بكر ثم بدأ يصلح المنكر. وإذا كان الشخص لا يعرف إلا بهذا الاسم : مثل الأعرج والأعمش وغيرها وعند التحذير: قال صلي الله عليه وسلم " اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس "وعند المجاهرة بالمعاصي : قال صلي الله عليه وسلم " ثلاثة لا غيبة لهم الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه " .
علاج الغيبة : أن تعلم أنها تعرضك لغضب الله . كما أنها تأكل حسناتك قال صلي الله عليه وسلم " ما النار في اليبس بأسرع منها في حسنات العبد ". كما يؤخذ من سيئات الذين اغتبتهم ويطرح علي سيئاتك . وأن تنشغل بعيبك عن عيوب الناس: قال صلي الله عليه وسلم " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس " . وان تعالج الغيبة بعلاج أسبابها. ومن جميل ما يروي أن الإمام الحسن بلغه أن أحدا قد اغتابه فأعد طبقا فيه تمر وأهداه إليه وقال له أتانا انك قلت عنا كذا وكذا أما انك بذلك أهديتنا من حسناتك فأهديناك هذا التمر ". أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الثانية :
كفارة الغيبة : توبة وندم حتى يخرج من حق الله . يستحل من صاحبها حتى يخرج من حق العباد . ثم يستغفر لصاحبها . قال صلي الله عليه وسلم "كفارة الغيبة أن يستغفر لمن اغتابه " . وأن يسارع في ذلك قال صلي الله عليه وسلم " من كانت له مظلمة عند أخيه في عرض أو مال فليتحلله منه قبل أن يأتي يوم لا دينار فيه ولا درهم " وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم " من أصبت من ماله فهذا مالي فليقتص منه ومن أصبت ظهره فهذا ظهري فليقتص منه " ...
منقوووووول
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الصفحة الأخيرة
وجعله في ميزان حسناتك