الـغــنـــى والـفــقـــــر

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الغنى والفقر

رأيت من أعظم حيل الشيطان ومكره
أن يحيط أرباب الأموال بالآمال
والتشاغل باللذات القاطعة من الآخرة وأعمالها
فإذا علقهم بالمال ـ تحريضاً على جمعه
وحثاً على تحصيله ـ أمرهم بحراسته بخلاً به
فذلك من متين حيله
وقوي مكره
ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية
أن خوف من جمعه المؤمنين
فنفر طالب الآخرة منه
وبادر التائب يخرج مافي يده
ولا يزال الشيطان يحرضه على الزهد
ويأمره بالترك
ويخوفه من طرقات الكسب
إظهاراً لنصحه وحفظ دينه
وفي خفايا ذلك عجائب من مكره
وربما تكلم الشيطان على لسانه بعض المشايخ الذين يقتدي بهم التائب
فيقول له : اخرج من مالك وادخل في زمرة الزهاد
ومتى كان لك غداء أو عشاء
فلست من اهل الزهد
ولا تنال مراتب العزم
وربما كرر عليه اأحاديث البعيدة من الصحة والواردة على سبب ولمعنى
فإذا اخرج مافي يده وتعطل عن مكاسبه
عاد يعلق طعمه بصلة الإخوان
أو يحسن عندصحبة السلطان لأنه لا يقوى على طريق الزهد والتراك إلا أياماً
ثم يعود الطبع فيقاضي مطلوباته
فيقع في اقبح مما فر منه
ويبدل أول السلع في التحصيل دينه وعرضه
ويصير متمندلاً به
زيقف في مقام اليد السفلى
ولو أنه نظر في سير الرجال ونبلائهم
وتأمل صحاح الأحاديث عن رؤسائهم
لعلم أن الخليل عليه الصلاة والسلام كان كثير المال
حتى ضاقت بلدته بمواشيه
وكذلك لوط عليه الصلاة والسلام
وكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
والجم الغفير من الصحابة
وإنما صبروا عند العدم
ولم يمتنعوا من كسب مايصلح لهم
ولا من تناول المباح عند الوجود
وكان ابوبكر رضي الله عنه يخرج للتجارة والرسول صلى الله عليه وسلم حي
وكان أكثرهم يخرج فاضل مايأخذ من بيت المال ويسلم من ذل الحاجة إلى الإخوان
وقد كان ابن عمر لا يرد شيئاً
ولا يسأل
وإني تأملت اكثر أهل الدين والعلم على هذة الحال
فوجدت العلم شغلهم عم مكاسب في بداياتهم
فلما احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا
وهم أحق بالعزة
وقد كانوا قديماً يكفيهم بيت المال فضلات الإخوان
فلما عدمت في هذا الأوان
لم يقدر متدين على شيء إلا ببذل شيء من دينه
وليته قدّر فربما تلف الدين ولم يحصل له شيء
فالواجب على العاقل أن يحفظ مامعه
وأن يجتهد في كسب ليربح مداراة ظالم
أو مداهنة جاهل
ولا يلتفت إلى ترهات المتصوفة
الذين يدعون الفقر مايدعون
فما الفقر إلا مرض العجز
وللصابر على الفقر ثواب على المرض
اللهم إلا أن يكون جباناً عن التصرف
مقتنعاً بالكفاف
فليس ذلك من مراتب الأبطال
بل هو من مقامات الجبناء الزهاد
وأما الكاسب ليكون المعطي لا المعطي
والمتصدق لا المتصدق عليه
فهي من مراتب الشجعان الغضلاء
ومن تأمل هذا علم شرف الغنى ومخاطرة الفقر.
1
385

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

( شمس الجنوب )
( شمس الجنوب )
شكل الموضوع ماأعجب احد