الســــوق
قبل أن تضع قدميك على أرض جديدة يلزمك أن تنظر بتمعن وتفتش بدقة متسائلاً عن طبيعة هذه الأرض وخصائصها بحيث تأخذ تصوراً عن المفاجآت التي من المحتمل أن تواجهك وتمنعك من إكمال المسيرة . الوضع من السوق بالنسبة لمنشآت الأعمال لا يختلف كثيراً فعندما تريد المنشأة أن تـنزل إلى السوق يلزمها أن تدرس بيئة السوق دراسة جيدة ودقيقة وأن تحلل الوضع في السوق بصورة سليمة خاصة وأن السوق هو المحدد الأكبر لنجاح أو فشل جهود هذه المنشأة .
دراسة السوق عمادها التفتيش والتنبؤ بمعنى التفتيش عن المعلومات الحالية عن حجم السوق وحجم الطلب وحجم المنافسة وحجم الضغوط وحجم … الخ . ونلاحظ أن كلمة ( حجم ) تكررت كثيراً مما يعطينا الانطباع عن أن المسألة كمية أو رقمية مع أنها غير ذلك بالتأكيد . فالوضع الحالي في السوق يمكن التعبير عنه كمياً أو وصفياً خاصة تلك المتغيرات التي يصعب تحويلها إلى أرقام . على أية حال يجب أن يكون المدير أو المحلل جاهزاً لقراءة وتفسير المعلومات التي تساعده في تكوين صورة واضحة عن كل ما يحيط به . التنبؤ هي المهمة الأخرى التي يجب أن يضطلع بها المديرون عند دراسة الأسواق ، وتتعدد وسائل وطرق التنبؤ ما بين كمية ووصفية بحيث يعتمد نجاح المدير في التنبؤ والتوقع على مدى نجاحه في اختيار وتطبيق أي من هذه الطرق .
من المسلمات في إدارة الأعمال أن المدير أو المستثمر يجب أن يسأل نفسه منذ البداية : ما هو سوقنا ؟ ومن هم عملاؤنا الرئيسيون ؟ لمن نبيع ؟ وعلى ضوء إجاباته لهذه الأسئلة تتحدد بدرجة كبيرة شخصية وهوية المنشأة بل وتتحدد البيئة التي تعمل فيها طوال حياتها القادمة، وهذا ما دعا كثير من كتاب إدارة الأعمال إلى ربط رسالة المنشأة بطريقتها في تقسيم السوق والنظر إليه . وليس تقسيم السوق واختيار القطاع السوقي المناسب إلا المهمة الأولى والإستراتيجية للمديرين حيث يأتي بعد ذلك الكثير من المهام الحيوية جداً والتي تدور كلها حول تصميم وتنفيذ سياسات المزيج التسويقي الشهير بدءً من التسعير والترويج وانتهاء بالتوزيع مروراً بسياسات تخطيط وتطوير المنتجات .
ثقافة التسويـق
ما هي ثقافة التسويق؟ بكل بساطة هي مفهوم حداثي يقلب كافة المفاهيم السابقة في إدارة الأعمال، ويقوم على أساس إعادة هيكلة المنشأة ليكون التسويق هو محور العمليات ولغة السوق هي اللغة السائدة و"العميل" هو "رئيس مجلس الإدارة"؟!
ليس هناك مبالغة، ولكن المنظمات العصرية تؤسس نفسها أو تؤسس (فعل مبنى للمجهول) بحيث يكون التسويق أهم وظيفة ومدير التسويق أهم "شخص" ورضا العميل أهم غاية. لقد تراجعت مفاهيم مثل القيادة بالإنتاج والربحية أولاً والنمو من الداخل وأخلت الساحة لحتمية القيادة بالتسويق والعميل أولاً والنمو من خلال "ما يطلبه ويفرضه السوق".
أهمية فلسفة ثقافة التسويق تستند على ثلاثة اعتبارات:
1- حياة المنشأة تمتد بامتداد الفرص التسويقية.
2- ربحية المنشأة تأتي من "جيب" العميل بل من عقله ومزاجه ورغباته وبطبيعة الحال سلوكياته وولاءاته الخاصة.
3- أصعب رقم في معادلة التسويق هو العميل وأرض المعركة هي السوق وقديماً قيل (الذي تكسب به، العب به)!!
ولأننا نتحدث هنا عن "ثقافة" وفلسفة" فلن ننجرف بشرح إجراءات وشكليات وهياكل ونماذج ورقيه، ولكن سنكتفي بذكر المبادئ الأساسية لهذه الفلسفة ليصبح التطبيق ممكناً حسب رؤية وأسلوب ومهنية المدير المعني بالأمر.
تقوم فلسفة أو ثقافة التسويق على ثلاثة أسس راسخة:
1- العميل أولاً في كل شيء وعند كل الاختيارات والقرارات.
2- كل العاملين في المنشأة "تسويق" فالعامل ينتج بحسب المعلومات القادمة من السوق ومدير المالية ينظم أموره بحسب معادلات السوق الرياضية، وهكذا.
3- الميزة التسويقية مفهوم شامل يغطي اعتبارات لها علاقة بالعمليات الداخلية للمنشأة وبالأبعاد الخارجية أو التسويقية للممارسات الإدارية والإنتاجية والتمويلية وغيرها.
ثقافة التسويق تتشبث حتى الرمق الأخير بـ(ميزة) تسويقية وتصبها صباً في عقلية وشخصية ونظام المنشأة فيكون التفوق في السوق مبنياً على ميزة خاصة يمكن استخدامها لتمييز المنشأة ومنتجاتها وخدماتها في عقول العملاء ونفسياتهم.
وعليه، تكون ثقافة التسويق آلية للنجاح وللتفوق وآلية للتميز وآلية لصناعة (صياغة) إستراتيجية المنشأة على المدى الطويل، أي آلية ثلاثة أغراض أساسية. من هنا يحق لنا أن نجعل عنوان هذه المقالة "ثقافة التسويق
حديث عن التسويق والمعلومات
التسويق الناجح يحتاج للمعلومات كحاجة الظمآن لجرعة من الماء وذلك لأنه يرتبط بمدى معرفة المستهلكين أو جمهور المشترين الذين يهدف التسويق إلى إقناعهم بالشراء . ولكي تنجح مجهودات التسويق يلزم المنشأة أن تتعرف بصورة جيدة على عملائها .. من هم؟
ماذا يريدون ؟ ماذا يقرؤون ؟ ماذا يشاهدون ؟ كيف نصل إليهم ؟ ما هي قيمهم وعاداتهم ؟ .. وهكذا .. أسئلة كثيرة تحدد الإجابة عليها الطريقة السليمة لتصميم الحملة الترويحية المناسبة أو لاختيار منافذ التوزيع الملائمة أو لتصميم المنتج بالاسم والعبوة والشكل واللون المناسب أو لوضع السعر الملائم للبائع والمشترى بمنطق ( لا ضرر ولا ضرار).
اليابانيون الذين أدهشوا العالم بإنتاجهم المميز وابتكاراتهم الأصلية يرجعون تفوقهم هذا إلى تقنيتهم التسويقية المدهشة والتي درج المهتمون بالتسويق على مذاكرتها و (ربما) تطبيقها عندما تبلغ المنافسة الحلقوم ويزداد قرع الطبول حول الحصة السوقية الممزقة (!!) هذا المفهوم الياباني يجعل التسويق عملية تبدأ من عند المستهلك (أو العميل) وليس من عند المنشأة (أو المنتج) كما هو سائد في الأوساط المتخلفة تسويقياً . ويقتضي هذا الأمر أن المنشأة تبدأ برنامجها التسويقي بدراسة متأنية وجمع معلومات وافرة عن (فخامة) المستهلك تدخل بها إلى عالمه الخاص وأسلوبه في الحياة وعاداته الغذائية والشرائية وتطلعاته .. وكل شئ .. قاعدة المعلومات هذه سوف توظف في تصميم السلعة وتسعيرها ورسم سياسات الترويج (دعاية وإعلان) المصاحبة لها وتحديد (أين) و(كيف) و(متى) يشتريها أو يجدها العميل . افلح اليابانيون بهذا الأسلوب واقتفى أثرهم الكثير من الشركات الرائدة في الغرب والشرق .. أما غيرهم فحدث ولا حرج ..
أن المجهودات التسويقية التي نلاحظها لدى أغلب الشركات والمؤسسات يطغي عليها التقليد وغياب الابتكار وفقدان الذاتية وغير ذلك . والمهم في هذا الموضوع هو بُعد طرق وأساليب التسويق عن (الناس) وعدم التصاقها بهم كما يجب .
ونشرت من ذلك أن لدى مصممي الحملات التسويقية جهلاً فاضحاً بعملائهم ونقصاً هائلاً في المعلومات عن ناسنا ومجتمعنا وحياتنا وقيمنا وعاداتنا مما جعل المستهلكين في واد والمسوقين في واد آخر ثم بعد ذلك يأتي السؤال الممل والمتكرر .. لماذا لم تنجح حملتنا التسويقية ؟ .
مثل هذا الكلام عن التسويق وهمومه التي لا تنتهي يتردد في مخيلتي كلما رأيت أو قرأت إعلاناً (بايخ) تبدو على ملامحه أن مصممه لا يعرف البيئة التي يعيش فيها العميل ولا يعرف المستهلكين الذين يحاول إقناعهم . بالأمس فقط سمعت إعلانا عجيباً يصور العائلة السعودية بصورة ( وش أقول بس) .. فكان رد الفعل لدى هو إغلاق المذياع إلى وقت لاحق، وقبله كانت هناك إعلانات أخرى لا طعم فيها ولا لون ولا رائحة .. مما يبين أن حملة الترويج التي لا تأتي متوافقة مع الناس ومشاعرهم وأحوالهم تذهب إدراج الرياح وتكون (صرف) أموال فقط لا غير .
يقول أحد العاملين في شركة مساهمة تعاني من مشاكل تسويقية لا يمكن حجبها بغربال أن مدير التسويق الأجنبي الذي عُين (بطلبية خاصة) لم يتمكن من معالجة هذه المشاكل ولكنه زادها بللاً وتخبطاً حتى أصبحت طيناً في طين !!
ويقول آخر من شركة مساهمة أخرى ( وقد فجعت بكلامه) أن الحملة التسويقية التي صممها فريق من الخبراء الأجانب ، اجتمعوا بليل بهيم في إحدى ردهات فندق راق يبدأ أسمه بحرف الرياض شيراتون (!!) ، قد فشلت فشلاً ذريعاً رغم ما بذل فيها من جهد وأموال ورغم ما وضع فيها من أفكار شقراء واجتهادات زرقاء وتوقعات بلغت الجوزاء .
ولا عجب في ذلك فالتسويق الناجح ينبع من الناس وينتهي بهم (كما يقول اليابانيون) .. ويتطلب معرفة أكيدة بالمجتمع وعاداته وتقاليده وأحواله (وربما) أسراره التي لا يعرفها إلا أولئك الذين عاشوا على أرض هذا المجتمع وتلظوا بشمسه وغنوا مواويله وانغمسوا فيه حتى آخر عرق ينبض لذلك يقال دائماً (أهل مكة أدري بشعابها) .
قد يتمكن الخواجة من معالجة مشاكل الحاسبات الآلية أو آلات الإنتاج أو الصيانة أو جدولة سيارات الشحن … وغيرها ولكن جميع أصحاب العيون الزرق في العالم لن يتمكنوا من إقناع الناس بمنتج أو خدمة معينة إذا كانوا لا يعرفون هؤلاء الناس جيداً فالغرباء عن مجتمع معين سيجدون صعوبة بالغة في الوصول إلى إقناع ورضا العميل أو تحقيق التسويق الناجح حتى لو التهموا كتب (كتلر) وهو في الكتابة عن التسويق أشهر من علم على رأسه (أسعار مكالمات الجوال) وصدق من قال ( ما حك جلدك مثل ظفرك ).
حكم إدارية :
أولئك الذين يعتقدون أن ((التسويق)) مهم فقط في وقت الأزمات والمنافسة الشديدة واهمون إلى أبعد الحدود مثلهم مثل الذين يعتقدون أن (الخبير الأجنبي) يصلح ما أفسدته الإدارة .
بقلم الدكتور صنهات العتيبي

أوراق الزمن @aorak_alzmn
عضوة شرف بعالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الصفحة الأخيرة
يعطيك العافيه