الفرد السعودي ينتج من النفايات المنزلية أعلى المعدلات في العالم
دراسة حديثة تكشف تسجيل الرياض نسبة ضوضاء عالية وتطالب بتصميمات خاصة للطرق والمباني وزيادة نسبة التشجير
طالبت دراسة حديثة صدرت في العاصمة السعودية بوضع الاعتبارات المناسبة لضمان استمرار نمو الرياض بيئياً في الطريق الصحيح. وكشفت الدراسة عن تسجيل المدينة لنسبة عالية من تلوث الهواء بالغبار، ووصول نسبة الضوضاء فيها الى معدلات عالية، كما أشارت الدراسة الى أن انتاج الفرد من النفايات المنزلية في السعودية هو أعلى المعدلات العالمية. وشددت الدراسة على ضرورة أن يتم تصميم الطرق والمساكن بشكل يقضي على الضوضاء والتلوث، وأن تتم زيادة التشجير في المدن لتعديل مكونات الهواء وتنقيته من الغبار وصد العواصف الترابية وتلطيف حرارة الجو وعزل الضوضاء مع توجيه عمليات ترشيد المياه الى أساليب أكثر فعالية.
وأوضحت الدراسة، التي أنجزها الدكتور علي بن سالم باهمام من كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود والمستشار بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، حول البيئة والنمو السكاني المتوقع في مدينة الرياض، أن المدينة شهدت خلال العقود الماضية نهضة معمارية وعمرانية تميزت بنموها القياسي في زمن قصير، فقد تحولت من مجرد بلدة صغيرة الى مدينة من أكبر المدن بالمقياس العالمي للمساحة وعدد السكان، تغطي المناطق السكنية فيها الغالبية العظمى من المساحة المبنية مشكلة بذلك أكثر من 80 في المائة من استعمالات الأراضي. وبناءً على معدل النمو السكاني المتأثر بالنمو الاقتصادي، فان عدد سكان الرياض سوف يتضاعف كل عشر سنوات، لذا يلزم توفير 350 ألف وحدة سكنية اضافية لاستيعاب النمو السكاني المتوقع خلال السنوات العشر المقبلة. ومما لا شك فيه أن نمواً عمرانياً بهذا المقياس وفي فترة زمنية قصيرة سوف يكون له تأثير على البيئة، مما يتطلب وضع الاعتبارات المناسبة لضمان استمرار نمو المدينة بيئياً في الطريق الصحيح.
وشددت الدراسة على أن التلوث هو أي تغير غير مرغوب فيه في الخواص الطبيعية أوالكيميائية أو البيولوجية للبيئة المحيطة ـ هواء، ماء، تربة ـ والذي قد يسبب أضراراً لحياة الانسان ويسبب أيضاً تلفاً للمباني والمنشآت واضطراباً في الظروف المعيشية بوجه عام. موضحة أن تلوث الهواء يعني أحتواءه على مواد مختلفة غازية أو صلبة أوسائلة، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الكائنات الحية، أو تسيء الى الظروف التي تعيش فيها، أو تؤدي الى خسائر مادية، ويبلغ وزن الهواء الذي يستهلكه الانسان نحو 15 كيلوجراما، وهي كمية تفوق كل ما يستهلكه الانسان من الماء في اليوم الواحد.
السيارات وذكرت ان السيارات تمثل المصدر الرئيسي لتلوث الهواء داخل المدن، حيث أن 66 في المائة من أول أكسيد الكربون و50 في المائة من كمية الهيدروكربونات وأكسيد النيتروز التي تلوث الهواء، يرجع مصدرها الى السيارات، كما أن هذه الغازات قد تكون مصحوبة ببعض مركبات ودقائق الرصاص الشديدة السمية ويمثل هذا المصدر بمفرده حوالي 94 في المائة من نسبة الرصاص المنبعثة في الهواء الجوي. وأوضحت الدراسة أن حركة المرور مع النمو العمراني لمدينة الرياض ازدادت خلال السنوات الماضية، ففي عام 1414هـ بلغ عدد الرحلات اليومية داخل المدينة 4.5 مليون رحلة تتم خلالها قطع 50 مليون كيلومتر لكل يوم، وأن من بين الاتجاهات العالمية طويلة المدى لتخفيض الانبعاثات الملوثة، استخدام أنواع بديلة من الوقود، كما يجب أن يكون تخطيط وتصميم الأحياء مشجعاً للسكان على المشي ويقلل من احتياجهم للتنقل بالسيارات حيث يلزم توفير متطلبات السكان اليومية من مرافق وخدمات ضمن مسافة مشي آمنة ومقبولة جسمياً ونفسياً للتقليل من استخدامهم للسيارات.
وأكدت الدراسة أن محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالبترول تعتبر المصدر الثاني لتلوث الهواء في المدن بعد السيارات، وتوجد في مدينة الرياض خمس محطات لتوليد الكهرباء جميعها تعمل بالبترول، كما أن النمو الاسكاني واتساع المدينة سوف يؤديان الى اضافة أربع محطات أخرى لمواكبة الاحتياجات المتزايدة للطاقة، كما يلزم البحث أيضاً عن مصادر جديدة للطاقة مثل الطاقة الشمسية التي تنعم بها السعودية.
الغبار والمياه وبينت الدراسة أن الغبار يعتبر من المصادر المستمرة لتلوث الهواء في العديد من المدن الصحراوية ووصلت نسبة تركيز المواد الصلبة العالقة في الهواء خارج الوحدة السكنية في أحد المواقع غرب مدينة الرياض الى 1892 ميكروجراما لكل متر مكعب). متعدية الى حد كبير مقياس حماية البيئة (340 ميكروجراما لكل متر مكعب)، كما أثبتت الدراسة أن للزوابع الترابية والرملية تأثيراً على الصحة العامة، وللاقلال من تلوث الهواء بالغبار في المناطق السكنية بالمدينة فانه يلزم الاهتمام بتشجير الأحياء الجديدة والتوسع في انشاء الحدائق واقامة مصدات الرياح وتشجير جوانب الطرق، ويلزم أيضاً وضع التنظيمات التي تحد من بقاء الأراضي البيضاء «غير مطورة» داخل الأحياء السكنية.
وتناولت الدراسة تلوث المياه موضحة أن متوسط استهلاك الفرد من المياه يومياً يختلف بدرجة كبيرة فيبلغ 75 إلى 900 لتر لكل يوم للفرد، وأكدت أن استخدام المياه بهذه الكمية تنتج عنه كميات من الصرف الصحي التي تجب معالجتها والتخلص منها. ونجد أن نظام الصرف الصحي يغطي حوالي 56 في المائة من سكان مدينة الرياض بينما بقية المناطق السكنية تستخدم نظام الحفر الامتصاصي (البيارات)، وتعتمد في كفاءة تصريفها على طبيعة التربة ومنسوب المياه السطحية في المنطقة، فقد دلت أبحاث أجريت في عام 1993 على وجود مياه في 41 في المائة من شوارع مدينة الرياض. وأشارت الدراسة الى أن ارتفاع منسوب المياه تتضرر منه الطرق والمرافق العامة، كما تهبط المباني وتظهر بها التشققات ويحدث التآكل في الخرسانة وحديد التسليح الى جانب تسرب المياه الى الأقبية وتلوث خزانات مياه الشرب الأرضية. وذكرت في هذا الصدد ان احدى الدراسات التي أجريت على الوحدات السكنية في مدينة الرياض أظهرت أن عدد الفلل السكنية المتضررة بسبب ارتفاع منسوب المياه الأرضية يعادل 35 في المائة من مجموع الفلل، موزعة بنسب متفاوتة على مختلف الأحياء السكنية بالمدينة مشددة على أن العمل على ترشيد استهلاك المياه من خلال توعية وتوجيه السكان لاستخدام مخارج المياه الرذاذية في الغسيل والوضوء والاستحمام، واستخدام نظام التنقيط في ري الحدائق المنزلية سوف يقلل من كمية الصرف ويساهم بالتالي في خفض منسوب المياه الأرضية في الأحياء السكنية الجديدة، كما أن اعادة تدوير استخدام المياه عن طريق فصل مياه الغسيل والاستحمام ومعالجتها محلياً في المجمعات والعمائر السكنية الكبيرة واعادة استخدامها في صناديق الطرد، سوف يساهم في تخفيف المشكلة بشكل ايجابي.
الضوضاء وأضافت الدراسة أن الأبحاث التي أجريت في المملكة العربية السعودية تشير الى أن مستوى الضوضاء في مدينة الرياض بلغ 80 الى 92 ديسبل، التي تعتبر نسبة ضوضاء عالية، والسبب هو السيارات ووسائل النقل الأخرى. ويزداد معدل الضوضاء سنوياً بمعدل واحد ديسبل بسبب الزيادة في وسائل المواصلات، معتبرة أن الضوضاء تسبب أضراراً نفسية وعصبية وفسيولوجية كثيرة للانسان. ورأت أن للتقليل من الضوضاء الخارجية ومكافحتها يقتضي الأمر في المقام الأول التوعية بأخطارها والتوجيه الى تغيير السلوك والتصرفات الخاطئة، كما يلزم القضاء على مراكز الضوضاء ومصادرها أو ابعادها على الأقل والعمل على تصميم شبكات الطرق التي تمنع دخول السيارات العابرة الى داخل الأحياء السكنية ووضع المعالجات اللازمة لحماية السكان من التلوث الضوضائي من خلال زيادة المسطحات الخضراء حول المناطق السكنية وعلى جوانب الطرق الرئيسية للتقليل من شدة الأصوات وامتصاصها، وكذلك العناية باستخدام المواد العازلة للصوت بقدر الامكان في الحوائط الخارجية للوحدات السكنية.
وفي ما يتعلق بالنفايات المنزلية تشير الاحصائيات المتوفرة الى ان انتاج الفرد الواحد منها في السعودية يبلغ حوالي 2.20 كيلوجرام لكل يوم، وهو أعلى المعدلات في العالم. أما في مدينة الرياض فان المعدل يبلغ حوالي 8.5 كيلوجرام لكل يوم للفرد الواحد (محملاً عليه النفايات المنزلية والصناعية والتجارية وأنقاض البناء وغيرها)، وهو معدل مرتفع جداً. وثبت من خلال تجربة أمانة مدينة الرياض أن عملية النظافة يسيرها عنصران متلازمان البلدية والساكن ويعد وعي الساكن واحساسه بالانتماء الى مدينته والحي الذي يعيش فيه ومعرفته بالطرق السليمة للتخلص من النفايات من الأمور الحيوية والهامة في انجاح عمليات النظافة العامة. كما يلعب الساكن بصفته المنتج الرئيسي للنفايات، دوراً مهماً في مدى نجاح الاسلوب والطريقة المتبعة في اخراج وجمع النفايات المنزلية، كما أن نوع وحجم الحاويات وتصميمها وتوزيعها على أبعاد مناسبة وقريبة من الوحدات السكنية يسهل عملية استخدامها من قبل السكان وبالتالي يسهم في انجاح عملية جمع النفايات.
وذكرت الدراسة ان الانسان العامل يقضي داخل مسكنه ما بين 12 إلى 16 ساعة لكل يوم وتزداد هذه الساعات بالنسبة لربات البيوت والأطفال والشيوخ بحيث تصل في بعض الأحيان الى 24 ساعة لكل يوم، ولقد انتشرت خلال الأعوام الماضية ظاهرة أمراض الحساسية، والمسماة بأمراض المباني المغلقة مما يتوجب أن يعمل المسكن كحاجز بين مؤثرات المناخ الخارجية وأنشطة السكان الداخلية، وأن يستجيب تصميمه لكل حالة البيئة الخارجية ومتطلبات الراحة الخاصة بالسكان، كما يجب أن يقوى الاتجاه البيئي الذي يستوعب الطبيعة ويوظف عناصرها (من شمس ورياح وأرض وماء) للحصول على الراحة الحرارية داخل المسكن بالاسلوب الطبيعي، كما أن على المعماريين تصميم مساكن تستفيد ايجابياً من المناخ وتتجنب مشاكله وأضراره. وطرحت الدراسة نقاطاً عن ما يمكن أن يساهم به التشجير من تعديل لمكونات الهواء وتنقيته من المركبات الضارة والغبار، وصد العواصف الترابية وتلطيف حرارة الجو وعزل الضوضاء، مشيرة الى أن الدراسات دلت على أن بامكان كل كيلومتر مربع واحد من الأشجار أن يحرر في نهار واحد بين طن الى ثلاثة أطنان من الأوكسجين، كما أن الشجرة الواحدة يمكنها امتصاص ما تطلقه سيارة ذات محرك احتراق داخلي تسير مسافة 25 ألف كيلومتر لكل سنة، فقد ثبت أن بامكان شجرة واحدة كاملة النمو صد وامتصاص 978 كيلوجراما من الأتربة سنوياً تترسب على اوراقها وغصونها وجذعها ثم تنـزل هذه الكميات الى الأرض عند سقوط الأمطار، مؤكدةً أن توفر المسطحات الخضراء يساهم أيضاً في تخفيض درجة حرارة الجو صيفاً بمقدار 5 الى 6 درجات مئوية ورفع درجة الحرارة شتاء وكذلك رفع درجة الرطوبة النسبية في المناطق الجافة بمقدار 15 الى 20 درجة. وتوصي كافة المؤسسات الدولية بزيادة التشجير في المدن بحيث تكون مساحة المنطقة الخضراء في الأحياء السكنية وحولها حوالي 40 في المائة من المساحة الكلية.
ورأت الدراسة أن حماية البيئة قضية انسانية واسلامية، لذا تلزم توعية أفراد المجتمع للالتزام بالآداب الاسلامية في التعامل مع البيئة ومواردها المختلفة وتذكيرهم جميعاً والنشء بشكل خاص، بواجباتهم من عدم تعطيل الموارد أو التبذير والاسراف، وتعمير الأرض واستصلاحها والاسهام في تحسين الموارد الطبيعية وحمايتها وعدم الإضرار بالبيئة، كما يجب ألا يكون الهدف من التوعية فقط الزام السكان بتنفيذ التشريعات والقوانين ولكن الوصول بها الى درجة من التقبل النفسي التي تجعل منهم أفراداً غيورين على بيئتهم ضمن اطار تكافلي متين يستمد قوته من قوة الوازع الديني كما كان المنهج التطبيقي لدى المسلمين في العصور الأولى.
--
الشرق الاوسط
سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️