الفرقُ بينَ الخلعِ والطلاقِ ؟

ملتقى الإيمان

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ
أولاً : في الْخُلْعِ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _ رضِي اللهُ عنهُما _ أنَّ امْرَاةَ ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ _ صلى الله عليهِ وسلمَ _ فقالتْ : يارسُولَ اللهِ ، ثابتُ بنُ قَيْسٍ ما أعِيبُ عليهِ في خُلُقٍ ولادينٍ ، ولكِنّي أكْرَهُ
الكُفْر َفي الإِسْلامِ، فقال رسول الله
_ صلى الله عليه وسلمَ _ : " أترُدينَ عليهِ حديقَتَهُ " ؟
فقالتْ : نعمْ، فقال رسُولُ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم_
" اقبلِ الحديقةَ وطلّقْهاتطْليقةً " .
رَوَاهُ البُخَارِي ُّ.
ولأبي دَوُادَ والتّرْمِذِي ، وحَسّنَهُ : أَنَّ امْراةَ ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ
اخْتَلعَتْ منه ، فجعلَ رسُولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _
"عدتها حَيْضَةً
".
خلافُ العلماءِ ، والراجحُ من أقوالهم .
القولُ الأولُ :
ذهبَ عطاءُ ، وطاووسُ ، وأحمدُ ، والهادويةُ وآخرونَ إلى
أنَّ
للزّوجِ أخْذُ ما أعطاها من غيرِ زيادةٍ .
مستدلينَ : بروايةٍ عندَ الدارَ قطنيّ بإسنادٍ جيدٍ، أنَّها قالتْ :
" لما قال لها النبي _ صلى الله عليه وسلمِ _ أتردّينَ عليهِ
حديقتهُ قالتْ : وزيادةً ، فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم_
" أمَّا الزيادةُ فلا " والحديثُ رجالهُ ثقاتٌ إلاَّ أنَّهُ مُرْسَلٌ .
وذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى أنَّ للزوجِ أخْذ الزيادةِ إذا كان
النُّشُوزُ من المرأةِ .
مستدلين بقولهِ تعالى :{ فلاجناح عليهما فيما افتدت به } .
وأنَّ حديثَ " الزيادةِ " مرسلٌ لايحتجُ به .
وعلى فرضيةِ أنَّهُ لو ثبتَتْ رفعُ هذه الروايةِ فلعلّهُ خرجَ مخرجَ المشورةِ والرأي ، وأنَّهُ لايلزمها، لأنَّهُ خرجَ مخْرج َالإخبارِ
عن تحريمها على الزوجِ .
تنبيه :
هذه من الأمور الاجتهادية فينظر القاضي فيها ويجتهدُويسمعُ
من الطرفينِ ثم يقررُ بعدَ أن يسوقَ ادلتهُ في الحكم الذي سيصدرهُ ، والأولى أن يصلحَ بينهما صلحاً بطيبِ نفسٍ
من الزوجين فيما يتعلق بالفدّية .
المسألةُ الثانيةُ هل الخلعُ طلاقٌ؟:
ذهبَ الهادويةُ وجمهورُ العلماءِ إلى أنَّ الخُلعَ " طلاقٌ" لافسخٌ .
مستدلينَ بأنَّه لفظٌ لايملكهُ إلاَّ الزوجَ ، فكانَ طلاقاً ولو كانَ فسخاً لما جازَ على غيرِ الصداقِ كالإقالةِ وهذا دليلٌ من القياسِ.
وذهبَ ابن عباسٍ وآخرونَ إلى أنَّ الخلعَ فسخٌ لاطلاقٌ وهو
المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمدَ .
مستدلينَ بحديثِ امرأة ثابتِ بنِ قيسٍ حينَ أمرها النبي أنْ تعتدَ "بحيضةٍ واحدةٍ " ولو كان طلاقاً لأمرها أن تعتدَ بثلاثِ حيضٍ. واستدلَوا أيضاً بأنَّهُ فسخٌ بقولهِ تعالى :{ الطلاقُ مرتانِ } ثمَ ذكر الله الإفتداءبعدقوله { الطلاق مرتان } وقالَ في الاية التي بعدها :
{فإن طلقها فلاتحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيرهُ}
فلو كانَ الإفتداءُ طلاقاً لكان الطلاقَ الذي لاتحلُّ فيه
الزوجةُ طلاقاً رابعاً.وهو قول ابن عباس .
وهو الراجحُ لقوةِ أدلتهِ من الكتابِ والسنةِ ، وأمَّا قولُ الجمهور
فهو قياسٌ لايقوى على معارضةِ النص كما هو مقررٌ عندَ الأصوليَّينَ.
ثانياً : في الطلاقِ .
عنْ ابْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهُ أنَّهُ طلَّقَ امرأتهُ وهي حائضٌ في عهدِ رسُول اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _ فسألَ عُمرُ رسُولَ اللهِ
_ صلى الله عليه وسلم_ عن ذلك ، فقال :
" مُرْهُ فلْيُرَاجِعْها ، ثم لِيُمْسِكَها حتى تَطْهُر َ، ثم تحِيضَ ، ثمْ
تَطْهُرَ ، ثم إنْ شاءَ أمْسَكَ بعدُ ، وإن شاءَ طلَّقَ قبلَ أنْ يمسَ ، فتلكَ العِدَّةُ التي أمر َاللهُ أنْ تُطلَّقَ لها النّسَاءُ" متفقٌ عليه .
وِلمُسْلِمٍ " فلْيُراجِعْها ، ثم ليُطلَّقْها طاهِراً أوْ حَامِلاً .
ولِلْبُخَارِيّ : " وحُسِبَتْ تطْلِيقَةً " .
وِلمُسْلِمٍ من روايةٍ أُخْرى فرَدَّها عليّ ولمْ يرَ ها شيئاً ، وقال :
" إذا طَهُرَتْ فلْيُطلَّقْ أوْ لِيُمْسِكْ ".

من هذهِ الأحاديثِ نأخذُ أحكامَ الطلاقِ البدعيّ والسُنيّ
فالبدعيُّ هو :
1- طلاقُ الحائضِ .
2- طلاقُ النُّفَاسِ .
3-
الطلاقُ ثلاثاً دفعةً واحدةً .
4- الطلاقُ في طهرٍ جامعها فيهِ .
بمعنى أنْ ينتظرَ زوجته حتى تَطْهُر َإنْ أرادَ طلاقها ،فإذا طَهُرتْ فهو مخيرٌ بينَ إمساكها أوْ طلاقها قبل أن يجامعها، فإن جامعها وطلَّقَ فهو الطْلاقُ البدْعيُّ المقصودُ في الحديثِ .
أمَّا الطلاقُ السُنيَّ فهو:
1- طلاقُ الحاملِ .
2- الطلاقُ في طهرٍ لم يجامعْ فيهِ .
3- الطلاقُ بطلقةٍ واحدةٍ أوْ اثنتينِ لا ثلاث .
ثالثاً :
هل تحسبُ الطلقةُ في الطلاق البدعي ؟ خلافٌ بين َ العلماءِ .
القولُ الأولُ :
أنَّ الطلاقَ البدعيَّ يقعُ ويحسبُ على الزوج وهو قولُ جمهورِ
العلماءِ .
مستدلينَ بقوله ،
ولِلْبُخَارِيّ : " وحُسِبَتْ تطْلِيقَةً " .
القولُ الثاني :
لايقعُ الطلاقُ البدعيُّ ولايحْسبُ وهو قولُ ابنُ حزمٍ ورجّّحهُ ابنُ تيميةَ وابنُ القيّمِ .
مستدلينَ
بروايةٍ أُخْرى لمُِسْلمٍ
"فرَدَّها عليّ ولمْ يرَ ها شيئاً ، وقال :
" إذا طَهُرَتْ فلْيُطلَّقْ أوْ لِيُمْسِكْ ".
وقد أطالَ ابن القيمِ _ رحمه الله _ في كتابه " الهدي "
في نصرةِ قولِ من قالَ أنَّ طلاقَ البدعةِ لايقعُ ولايحسبُ ،
وسرد الإمامُ محمدُ الوزيرُ ستةَ عشرَ حجةً في عدمِ وقوعِ
هذا الطلاقِ البدعيّ، ليسَ هذا محلُّ ذكرها.
رابعاً :
عدةُ المُطَلَّقةٍ طلاقاً رجعياً وهي التي طُلَّقتْ طَلقةً أو طُلقتينِ .
فعِدةُ المُطَلَّقةِ : ثلاثُ حيضٍ وقبل أنْ تغتسلَ من الحيضة الثالثةِ فإن اغتسلتْ قبلَ إرجاعِ زوجها لها، فقدْ بانتْ بينونةً صغرى
فلاترجعُ إلاَّ بعقدٍ ومهرٍ جديدٍ، والرجعةُ تكون بالقولِ أوْ الفعلِ ويُسَنُ الإشهادُ في الطلاقِ والرَّجعةِ ، ولايشترطُ رضى
الزوجةِ ولاعلمها قبلَ أن تغتسلَ من الحيضةِ الثالثةِ.
ويستثى من ذلك المطلقةُ
قبل الدخولِ بها فإنَّها تبينُ بينونةً صغرى فورَ تطليقها .
خامساً : الفرقُ بينَ الطلاقِ والخُلْعِ .
1- أنَّ الطلاقَ فيهِ رجعةٌ للزوج ، والخلعُ لارجعةَ فيه إلاَّ برضاها وبعقدٍ جديدٍ .
2- أنَّ الطلاقَ تحسبُ فيه عددُ الطلقاتِ ، والخلعُ لايحسبُ فيه
شيءٌ من ذلكَ ولو خالعها ألفَ مرَّةٍ .
3- أنَّ الطلاقَ عدتهُ ثلاثُ حيضٍ ،والخلعُ عدتهُ حيضةً واحدةً .
4- أنَّ الطلاقَ في حالِ الحيضِ والنُّفاسِ وطُهْر ِجامعها فيه محرمٌ وأمّا الخلعُ ففي أيَّ وقتٍ .
وقدْ كففتُ يدي عن مسائل كثيرةٍ خشيتَ المَلَلِ مِمَّا
كتبتُ وهذا البابُ من الفقهِ وهو "بابُ النكاحِ والطلاقِ والرجعةِ "لهو من العلومِ المهمةِ والتي تُشَمَّرُ لها السواعدُ، وتثنى
لها الرَّكُبُ وتُضْرَبُ لها آباطُ الأبلِ في طلبها.
فمنْ عَلِمها وحَفِظَهافقدْ نالَ حظاً وفيراً من دينهِ ومن فرَّطَ فيها
فقدْ فرَّطَ في أحكامٍ لايُعذرُ بجهلها كُلُ مُكَلَّفٍ .
ختاماً :إنْ أصبتُ فمنْ اللهِ ،وأنْ أسئتُ فمنْ نفسي والشَّيطَانِ .
كُتِبَ في السَابعَ عَشَرَ من رَجَبٍ لِعَامِ اثْنَينِ وثَلاثِينَ
وأرْبَعِ مِئَةٍ وألْفٍ مِنْ الهِجْرَةِ .
وصلى الله على نبينا محمدٍ .
كتبه وأملاهُ / أبو العباس الحسني
9
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

جـــسـ بلاروح ـــد
للاستفادة .
عاشقة الحرمين11
نفع الله بك الأمه ....
وجزآك الله خيرآ وكثر الله من امثالك ...
لاتحرمينا من هذه المواضيع النافعه ..
كل الشكر لك.......
وأسعدك الله في الدارين....
جـــسـ بلاروح ـــد
نفع الله بك الأمه .... وجزآك الله خيرآ وكثر الله من امثالك ... لاتحرمينا من هذه المواضيع النافعه .. كل الشكر لك....... وأسعدك الله في الدارين....
نفع الله بك الأمه .... وجزآك الله خيرآ وكثر الله من امثالك ... لاتحرمينا من هذه المواضيع النافعه...
باركَ اللهُ فيكِ ، ولكِ بمثلِ ماقلتِ .
جـــسـ بلاروح ـــد
شكرَ اللهُ لكِ أُمَّ مجاهدٍ .
جـــسـ بلاروح ـــد
للفائدة والأجر .