بسم الله الرحمن الرحيم
الريح والرياح في القرآن الكريم
اقترن الفعل (أرسل) في صيغتي الماضي والمضارع بالرياح والريح في اثني عشر موضعاً(1)
وتوزعت على سياقي العذاب والرحمة، نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ، وقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} . وقد أشار غير مصدر إلى أن الرياح قد وردت في سياق الرحمة، وأن الريح قد وردت في سياق العذاب(2) إلا في مواضع قليلة لها مسوغاتها التي سنأتي على ذكرها.
واختصاص الرياح بسياق الرحمة يعود إلى أن "رياح الرحمة مختلفة الصفات والماهيات والمنافع، وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها، فينشأ من بينها ريح لطيفة، تنفع الحيوان والنبات وكانت في الرحمة رياحاً"(3). وقد وعى العرب هذه الحقيقة المناخية فربطوا بين نزول المطر واختلاف جهات الرياح فقالوا: "لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة"(4) وأما اختصاص الريح بسياق العذاب فيعود إلى أنها "تأتي من وجه واحد ولا معارض ولا دافع"(5).
وقد تحقق الفرق بين الرياح والريح في القرآن الكريم من حيث الإفراد والجمع، فجاءت جمعاً في سياق الرحمة، ومفرداً في سياق العذاب. وقد خرج عن هذا النسق قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} ، والحكمة في ذلك أن الرحمة في البحر "إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها؛ فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد، فإذا اختلفت عليها الرياح وتصادمت كان سبب الهلاك والغرق. فالمطلوب هناك ريح واحدة، ولهذا أكد هذا المعنى فوصفها بالطيب دفعاً لتوهم أن تكون عاصفة، بل هي ريح يفرح بطيبها(6).
وعليه يمكن توجيه قوله تعالى:{فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ} ، فقد ورد لفظ الريح مفرداً في سياق البحر والسفن والمقصود به العذاب، وتعليل ذلك أن الفعل (يرسل) لم يسند إلى الريح وإنما إلى المعمول (قاصفاً)، وهذا يعني أن الريح وإن كانت باتجاه واحد كما تشتهي السفن إلا أنها إذا كانت شديدة قاصفة فإنها تؤدي إلى إغراق السفينة ولهذا لم يقل يرسل عليكم ريحاً في سياق البحر والعذاب، وإنما قال: {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ}.
بقلم الدكتور: عمر عبد الهادي عتيق
منقول
استغفر الله و لاحول ولاقوة الا بالله
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
موضوع قيم