مقالة من عبد الرحمن السيد :
الفرق بين زيارة الشيخ سليمان الدويش؛ وزيارة جمال خاشقجي لتبوك !
إنّ للعلماء وأهلِ العلمِ منزلةٌ عظيمةٌ في الدين ، فهُم ورثةُ الأنبياء ،
ومصابيحُ الدجى ، وزينةُ البلد ، بهم يُرفعُ الجهل ، وتُكشَفُ الغُمة ، وتنجلي
الظُّلمة ، وهم المفزعُ بعد اللهِ عند نزولِ الحوادث والفتن ، وهم حصنُ الإسلام
وقلعته ، يدرءون عن الإسلام وأهله كيد الأعداء وفجور المنافقين وجهل السفهاء ،
بذلوا أموالهم وأوقاتهم وأعراضهم لله في سبيل نشر الحق والذب عنه ..
وفي مُقابلِ ذلك : فإنّ لِدعاةَ الإفسادِ بمسمّى الإصلاح حظوةٌ وقربٌ من
الشيطانِ الرجيم ، يؤزّهم إلى السوءِ أزاً ، ويدعوهم إلى فعلِ المنكرِ والآثامِ
ليلاً ونهاراً ، إنهم معاولُ الهدم ، وأفراخُ الصليبِ والإفرنج ، ومطايا أعداءِ
الدينِ للنيلِ من شريعةِ اللهِ وإسقاطِ عبادهِ الصالحين ..
بالأمس القريب .. نزلَ بمنطقةِ تبوك داعيَتينِ من أبرزِ الدعاةِ في بلادنا ..
الأولُ منهما : داعيةٌ على أبوابِ الشرِّ والمساسِ بثوابتِ الشريعةِ وإسقاطِ
العلماءِ والكذِبِ عليهم والنيلِ من أعراضهم ، وهوَ الأستاذ / جمال خاشقجي رئيس
تحرير ما يُسمى بجريدة الوطن .
والثاني : هو الشيخُ الفاضل ، والداعية الصادق ، ورافعُ لِواءِ الاِحتسابِ
وقولِ الحقّ في زمنٍ عزّ فيه ذلك .. أحسبهُ كذلكَ واللهُ حسيبُه - فضيلة الشيخ
/ سليمان بن أحمد الدويش ، وفقه الله وثبّتهُ على الحق ..
ومن العجيبِ المُصادف أن فارقَ الوقتِ بينَ زيارتهما ما يقاربُ الأسبوعين أو
أقلّ من ذلك ، وهذا مُصادفٌ غيرُ مرتّبٍ له ..
وقد أحدثت زيارةٌ كلٍ منهما جلَبةً وحراكاً فكرياً على مستوى المنطقة ، بل
تجاوزَ ذلك إلى متابعينَ من شتّى المدن يُراقبونَ من خلفِ الكواليس ، فمنهمُ
الفرِحُ المستبشِر ، ومنهمُ النائحُ اللاطمُ لخدِّه ..
وكوْني قريبٌ من الحدثيْنِ ومُعايشٌ لهما .. لاحظتُ كثيراً من الفروقِ الواضحة
لزيارةِ هذيْنِ الرجلين ، فآثرتُ تسويدها ، وإطلاعَ المُتابعينَ عليها .. ربّما
تدلُّ على شيءٍ معين ، أو ترمِزُ إلى مقاصدَ معروفة ..
أولاً / قبلَ زيارة خاشقجي بأيام كُتِبَ في الكثير من منتدياتِ الإنترنت وبعض
الصحفِ الالكترونية مقالاتٍ تفيدُ بعدمِ الترحيبِ بهذا الرجل ، وأنها لا تتمنّى
زيارتهُ ولا تتشرفُ بمجيئهِ إلى المنطقة ، وبعض المنتديات الدعوية تنادت بحضورِ
الدعاة من أجلِ الإنكارِ عليهِ وإلجامهِ إذا ما حاولَ التشويشَ وإثارةَ الغبار
، في حين أنهُ قبل زيارة الشيخ الدويش بأيام اِستبشرَت بذلك العديد من المواقع
والمنتديات ، بل وامتلأت مساجد وجوامع المنطقة بإعلاناتِ محاضراته ، وتواصى
الكثير من أبناء المنطقة بالحضور عن طريق رسائل الجوال ، وقد وصلتني شخصياً
عشرات الرسائل تحثُّ على الحضور .. فقولوا لي باللهِ عليكم ماذا يُفيدُ ذلك ؟
وأيهما الأحبُّ والأقربُ إلى قلوبِ المجتمع ؟ وأيهما الأكثرُ تأثيراً ونفوذاً ؟
ثانياً / بدأ جمال محاضرتهُ المعنون لها بـ ( العنف السياسي ) في نادي تبوك
الأدبي ، وسطَ حضورٍ عادي ، ثلاثةُ أرباعه من فئةِ الشباب الدعاة الذين جاءوا
لإبداءِ مشاعرهم حولَ عدمِ رغبتهم في مجيئه ، والربع الباقي من موظّفي النادي
الأدبي ومصوّري جريدة الوطن الذين جاءوا طبعاً لأداءِ مهمّتهم بحضورِ رئيسهم ،
وهذا عكس ما صوّرته جريدة الوطن من أنّ الحضور كان كثيفاً وأن هناك أرضية
مشتركة .. الخ تلك الخرابيط ، في حين أن محاضرة الشيخ سليمان التي عنوانها (
حدود حرية الرأي ) حضرها مجموعةٌ طيبة من بعض الدعاة وطلبة العلم والشباب منهم
القاضي والأكاديمي والمعلم والقائد العسكري ، إلى غير ذلك من بقية أطياف
المجتمع ، في حضورٍ تحفّهُ المحبةُ والمودّة ..
ثالثاً / استفتح جمال محاضرته بلا حمدلةٍ ولا صلاةٍ على رسول الله عليه الصلاةُ
والسلام ، ولا ترضٍ عن صحابتهِ الأكارم ، كما هوَ المعهود عن متحدّثينا عندَ
بداية حديثهم ، ثم أخذَ يتكلم بشيءٍ من العُجب عن صحيفةِ الوطن وأنها صحيفة
متميزة ، وأنه كان يودّ الحديث عنها ، إلا أن إدارة النادي قد طلبت منه الحديث
في موضوعٍ آخر ، ولا أدري كيف يسمحُ لنفسهِ أن يُثني على شيءٍ هوَ يقومُ عليه ،
زاعماً فيه التميز ، في حين أنّ كلمات سموّ النائب الثاني في ذات الصحيفة لا
زال يرددها أطفالنا ولمّا ينسوْنها بعد! ثمّ أخذَ يتكلّم بكلامٍ من ورقةٍ معهُ
ينظرُ إليها ، فأخذَ يرفعُ المجرورَ وينصِبُ المكسور ، ويتكلّمُ بكلامٍ عاميٍ
هزيلٍ متخبِّط ، حتى أنه لم يستطع أن يُكمل بعض الآيات التي أراد أن يستشهِدَ
بها ملتفتاً إلى الجمهور مبدياً رغبتهُ في الإنقاذ .. فقلت في نفسي : كيف سيكون
إذاً لو لَم يُحضر أوراقهُ التي معه ؟! ، أما الشيخ سليمان فقد بدأ محاضرتهُ
بكلامٍ فيه من الذلِّ والاِنكسار بينَ يديْ الله ، فضلاً عن البسملةِ
والحمدلَةِ وغيرِ ذلك .. ثمّ أخذَ يرتجلُ كلاماً سلِساً جميلاً ويْكأنهُ يغرفُ
من بحر .. ما شاء الله لا قوةَ إلا بالله .. فقولوا لي بالله عليكم : من الذي
يستحقُّ أن يُسمّى بالمثقّفِ ؟ أهوَ الذي يخبِطُ خبطَ عشواءٍ ولا يستطيع تجميعَ
عبارتينِ على بعضهما مع أنهُ قد جاءَ بأوراقهِ معه ، أم هوَ الذي يتحدّثُ
بفصاحةٍ وبلاغةٍ واتِّزان ؟!
رابعاً / في نهاية محاضرة جمال اِتجهَ خارجاً إلى باب النادي في شيءٍ من الكبرِ
والاستعلاء ، وحولهُ مجموعةُ من طلبة العلم منهم الناصح المذكِّر ، وارجعوا إلى
الصورةِ التي نُشِرت في الوطن ، التي زعمَ فيها موظّفوا جمال أنهُ يُحاور أحد
الحاضرين بينا هوَ يتلقّى بعضَ النصائح من أحد الغيورين، ومنهم من مدّ إليه
جمال يدهُ فلم يمدّ ولم يرُدّ ، في دلالةٍ واضحة على أن هذا الرجل وأفكارهُ
وأعماله غيرُ مرحِّبٍ بها في بلدٍ رضعَ أبناءهُ العقيدةَ والإيمان ، وأما حالُ
الشيخ سليمان حينَ انتهاءِ المحاضرةِ فهوَ عجيب ، إذ أقبل إليهِ غالبُ من حضر ،
مسلِّمينَ مرحِّبين ، منهم من قبّل رأسه ، ومنهم من ودّ أن لو قبّل يده .. ولا
أدلّ على ذلك : إلا الحبُّ في الله تعالى بينَ هذا الشيخ ومحبيه الذين حضروا ..
خامساً / في نهايةِ محاضرة النادي الأدبي ناولَ مقدِّم المحاضرة ظرفاً للشيخ
سليمان ، ومع ضيقِ الوقت وضعه الشيخ في جيْبه وخرج ، فلما ذهبنا أخرجَ الشيخ
سليمان ذلكَ الظرف وفتحهُ أمامنا فإذ به مبلغ 1000 ريال مقدّم من إدارة النادي
، تعجّب الشيخ وناولني إياها مباشرة قائلاً : اِصرفوها في حلقات تحفيظ القرآن ،
نعم ، هوَ ليسَ باحثاً عن ذلك ، ولا تُقدِّم أو تأخِّر هذهِ الأموال شيئاً عنده
، مكذِّباً بفعلهِ هذا ما اتّهمهُ بهِ خصومه من أنهُ باحثٌ لاهثٌ وراءَ الدنيا
والمال .. أما جمال فلا أدري ماذا فعلَ بتلكَ الريالات .. بالهناء والعافية يا
أبو صلاح!
سادساً / كانَ جدول الشيخ سليمان أثناء زيارته لتبوك مليئاً ومزدحماً جداً ،
فلم يكن فيهِ وقتٌ للراحةِ والدّعة .. إذ اِستمرّت زيارة الشيخ لمدة أربعة أيام
، يبدأ البرنامج اليومي من بعد صلاة الفجر حتّى الساعة الثانية عشر ليلاً
تقريباً .. هذا مع ما يُعانيه الشيخ من آلامٍ في ظهره بعد العملية الجراحية
التي أجريَت لهُ مؤخراً – عافاهُ الله وجمعَ لهُ بين الأجر والشفاء – فقد تم
الترتيبٌ لإلقاء 3 محاضرات في تبوك ، ومحاضرة في محافظة حقل التابعة لتبوك ،
وتبعد عنها 250 كم ، كما قام الشيخ بزيارة وإلقاء كلمات في بعض القطاعات
العسكرية كـ ( اللواء المظلِّي ) ، و ( قيادة حرس الحدود ) ، كم ترتيب زيارة
للسجن العام في تبوك ، حيثُ ألقى الشيخ كلماتٍ مليئة بالشفقة والمحبة في
عنبريْنِ من عنابره ، كما أيضاً ترتيب زيارة وكلِمة في ( دار الملاحظة
الاِجتماعية ) .. إضافةً إلى اللقاءات الجانبية بمجموعة من طلبة العلم والدعاة
العاملين في الميْدان .. إلى غيْر ذلك .. وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدلّ على
حرص هذا الرجل وأمثاله من الدعاة وطلبة العلم على تبليغ الخير وبذْل المعروف ،
والحرص على توجيه العاملين في مؤسسات هذا البلد ودعمهم وتشجيعهم ..
أخيراً .. أثناء محاضرة الشيخ سليمان الدويش بأدبي ، وفي سؤالٍ مفاجئ وغريب ..
ناولَ مقدم المحاضرة ورقةَ سؤالٍ ورَدت للدويش ، إذ يبدو أن المقدم اِستحى من
قراءتها .. فما أنِ اطّلع عليها الشيخ حتّى تبسّم ، ثم بادر بقراءتها للجمهور
..
يقول السؤال : فضيلة الشيخ : ذكرت على لِسانك في أحد البرامج الفضائية التي
ظهرتَ فيها ما معناه : أنك مستعد للبصق على أحد المثقفين المخالفين لك ؛ السؤال
: هل تقبل أن يُقال لك مثل هذه العبارة ؟
فأجاب الشيخ في عزةِ المؤمنِ بالله المُبغِضِ لأعداءهِ والمُتطاولينَ عليه :
إذا نُقِلَ لك ، أو سمعتَ عني أنني قلت : إن الله والشيطان وجهان لعملة واحدة
فابصُق في وجهي حيثُ لقيتني ولا تبالي!
في إشارةٍ منهُ إلى كلمة الكفر التي نطقَ بها تركي الحمد ..
.. ختاماً .. أعلم أن هذا الكلام لا يرضاه الشيخ سليمان الدويش ، ولا يسُرّ
الأستاذ جمال خاشقجي أيضاً .. ولكن .. هذه شهادة لله ثمّ للتاريخ .. فالتيّار
الذي يُمثِّله الشيخ سليمان هوَ السوادُ الأعظمُ في هذهِ البلاد .. وهوَ
التيّارُ المرحّبُ به والمقبولُ بين أبناءِ المجتمع ، والمواقفِ التي حصلت مع
الشيخ سليمان لا تخصّهُ وحده ، بل تنسحِبُ على غيره من العلماء والدعاة الذينَ
يجوبون البلاد للدعوةِ إلى الله ، وكذا الفئة التي يمثّلها جمال هيَ فئةٌ غيرُ
مقبولةٍ ولا مُرحّبٌ بها ، وما حصل مع جمال ينسحِبُ على غيرهِ من إخوانه ..
والتاريخُ سيُثبِت ، والأيامُ ستشهدُ بذلك ..
عبد الرحمن بن محمد السيد – تبوك
2/11/1430 هـ

حروف العز @hrof_alaaz
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
أعجبني الموضوع جدا