بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:--
أما بعد:--
أيها المستقبلون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:--
إن هناك فرقاً عظيماً بين نَفْعِ الله تعالى لنا وإنعامه علينا وإحسانه إلينا، وبين نَفْعِ الخلق لنا _إحسانهم إلينا.
فالله عز وجل يُنْعِمُ علينا ويُحْسِنُ إلينا لا لمعاوضة أو مقابل، بل لأنه كريم لِذاته حليم لِذاته مُحْسِن لِذاته رحيم لِذاته غنيٌ لِذاته.
وأما الخلق فإنهم لا ينفعوننا ولا يُحْسِنون إلينا إلا لِعِوَضٍ ومقابلٍ ماديٍ أو معنوي، إلا من فعل ذلك طلباً لرضا الله وثوابه.
وحتى الذين يفعلون ذلك ابتغاء رضوان الله -مع قِّلَتِهِم- يفعلونه ليثيبهم الله، وهذا مع فضله، فإنه عملٌ في مقابل عِوَض.
ومرادي من هذا الكلام أننا في حاجة ماّسةٍ إلى محاسبة أنفسنا على ضعف محبتنا لله بالقياس إلى قوة محبتنا لمن ينفعنا من الخلق، مع أن نَفْعَهُم لم يقع إلا بإذن الله.
وحتى لا أطيل عليكم، أترككم مع كلمات نافعة في هذا المعنى لابن القيم -رحمه الله- من كتابه "طريق الهجرتين":--
وهذا أمر معلوم بالاعتبار والاستقراء أن كل من أحب شيئا دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته وعذابه أعظم من نعيمه. ويزيد ذلك إيضاحا أن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته، فإنه يُخْذَلُ من تلك الجهة، وهذا أيضا معلوم بالاعتبار والاستقراء أنه ما عَّلَقَ العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغيره إلا خُذِلَ.
قال تعالى: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا. كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا" مريم 81-82.
وقال تعالى: "واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون" ياسين 74-75.
وقال سبحانه عن إمام الحنفاء -أي إبراهيم عليه السلام- أنه قال للمشركين: "إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا" العنكبوت 25.
ولما كان غاية صلاح العبد في عبادة الله وحده واستعانته وحده: كان في عبادة غيره والاستعانة بغيره غاية مضرته.
ومما يوضح الأمر في ذلك ويبينه أن الله سبحانه غني حميد كريم رحيم، فهو محسن إلى عبده مع غناه عنه يريد به الخير ويكشف عنه الضر لا لجلب منفعة إليه سبحانه ولا لدفع مضرة، بل رحمة وإحسانا وَجودا محضا، فإنه رحيم لذاته محسن لذاته جواد لذاته كريم لذاته كما أنه غني لذاته قادر لذاته حي لذاته. فإحسانه وَجوده وبره ورحمته من لوازم ذاته لا يكون إلا كذلك، كما أن قدرته وغناه من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك.
وأما العباد فلا يتصور أن يحسنوا إلا لحظوظهم، فأكثر ما عندهم للعبد أن يحبوه ويعظموه ليجلبوا
له منفعة ويدفعوا عنه مضرة، وذلك من تيسير الله وإذنه لهم به، فهو في الحقيقة ولي هذه النعمة ومسديها ومجريها على أيديهم، ومع هذا فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لحظوظهم من العبد، فإنهم إذا أحبوه طلبوا أن ينالوا غرضهم من محبته سواء أحبوه لجماله الباطن أو الظاهر، فمن أحب إنسانا لشجاعته أو رياسته أو جماله أو كرمه فهو يحب أن ينال حظه من تلك المحبة، ولولا التذاذه بها لما أحب ذلك، وإن جلبوا له منفعة أو دفعوا عنه مضرة كمرض وعدو ولو بالدعاء فهم يطلبون العوض إذا لم يكن العمل لله.
فأجناد الملوك وعبيد المماليك وأجراء المستأجر وأعوان الرئيس كلهم إنما يسعون في نيل أغراضهم به لا يُعَّرِجُ أكثرهم على قصد منفعة المخدوم إلا أن يكون من الجهة الدينية أو يكون فيه طبع عدل وإحسان من باب المكافأة والرحمة، وإلا فالمقصود بالقصد الأول هو منفعة نفسه.
وهذا من حكمة الله التي أقام بها مصالح خلقه إذ قسم بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سُخْرِّيا.
وفقنا الله جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح، آمين.
كتبه: سعيد شعلان.
أم البنيين @am_albnyyn
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
مهاد
•
جزاك الله خيرا
الصفحة الأخيرة