في بادية الشام، المتاخمة لمنطقة تدمر الأثرية، وعلى مدّ النظر، تتزاحم أرتال السيارات القادمة من السعودية ومن دول الخليج، بالمئات، منذ منتصف فبراير (شباط) وحتى منتصف ابريل (نيسان)، للحصول على (بنت الرعد السمرا)، وهي تسمية لأفضل أنواع الكمأة وشحنها بأكياس الخيش بواسطة هذه السيارات.
هذا المشهد يتكرر كل عام، إذ تعتبر بادية الشام من أغنى
مصادر الكمأة، خاصة الكمأة المائلة إلى السواد، التي تعرف باسم (السمرا)، فهي أفضل من الكمأة (البيضاء).
إلى جانب هذه الكميات التي تنقل مباشرة من البادية، هناك كميات اخرى تنقل إلى الأسواق، بحيث تخضع لسوق العرض والطلب ويظل سعرها مرتفعاً نسبياً، إذ يتراوح ثمن الكيلوغرام بين 6 ـ 10 دولارات للكيلو الواحد، وقد يزيد السعر بالنسبة للأنواع المتميزة منها.
* الكمأة في التراث
* والمعروف أن ذكر الكمأة ورد في كتب التراث، وكتابات الأسلاف، وهي الثمر الوحيد الذي لا يزرع.. ومن هنا يقول عنها البدو الذين يقومون باقتلاعها وجمعها من الأرض:
هي بنت البر والبر حاويها
منغنغة بالدهن وعظام ما بيها
وقد عرفت لدى العرب القدماء، وقد شبّهها ابن منظور بالفطر.
والغريب اننا في حواراتنا بالبادية مع الذين يقتلعونها، وفي أسواق دمشق مع الذين يبيعونها تبين لنا أن هؤلاء جميعاً ليست لهم معلومات مفيدة عنها، بل لا يعرفون حتى قيمتها الغذائية، كل ما يقولونه عنها انها لا تزرع، وتظهر في الربيع مع موسم الأمطار الربيعية تحت تأثير الرعد. يقولون هذا من دون أي تفسير علمي لظهور الكمأة في التراب، ويكرر الجميع معلومة واحدة وهي أن الكمأة لا تنبت إلا في الأرض البكر، أي انها لا تظهر في الأرض المفلوحة.
* الكمأة.. أم الكمأ.. الفقع؟
* في الرجوع إلى مصادر اللغة، وجدنا أنهم يطلقون اسم الفقع (جمع فقعة)، على الكمأة في بعض مناطق الخليج والجزيرة العربية، في حين أن الكمأة هو الاسم العربي العتيق، وكلمة (الكمأة) تعني الشيء المستتر، وفطر الكمأة ينمو على هيئة درنات تجتمع كل عشرين أو ثلاثين منها معاً، وتكون في حجوم تتفاوت وتختلف، وقد يصغر بعضها حتى يكون في حجم حبة البندق أو يكبر ليصل إلى حجم البرتقالة.
وهناك نوع من الكمأة يظهر في منطقة الميادين بحوض الفرات، كبير الحجم اسمر اللون، يعتبر من افضل انواع الكمأة في المنطقة العربية كلها.
وقد اختلف اللغويون حول كلمتي (كمء) و(كمأة) أيهما الفرد وأيهما الجمع.. يقول ابن منظور في (لسان العرب): الكمأة واحدة كمء، على غير قياس، وهذا من النوادر».
وقد باءت جميع محاولات زرع الكمأة حتى الآن بالفشل، خاصة لدى الزارعين الفرنسيين، ويقوم مهندس زراعي في دير الزور الآن بمحاولة استزراع الكمأة ولا يزال في بداية التجربة، على الرغم من انه يعمل فيها منذ سنوات، ويؤكد ان النتائج الأولى مبشرة.
أما التفسير العلمي الذي عرف حتى الآن لتكون درنات الكمأة في الأرض، فهو أن البرق يضع تحت تصرف الغلاف الجوي الطاقة اللازمة لتشكيل العديد من الاكاسيد والمركبات الغذائية (مركبات الأزوت)، ويعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات، إما على صورة جافة بفعل الثقالة الارضية، وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبات المطر، فتصل الطبقة السطحية للارض بعد ان رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء والغذاء اللازمين لنمو فطر الكمأة وعائلة (جردة الكمأة)، ومن المحتمل ان يكون الدور الرئيسي للرعد في ارسال بعض الموجات الصوتية التي من شأنها ان تمزق أغلفة أنواع فطر الكمأة الكامنة، فتنشط بوجود الماء والعائل والتربة الرخوة وتبدأ عملية (الفقع) إلى سطح التربة.
* مطبوخة .. ومشوية
* تقول دلال الصيرفي، من خلال خبرتها في طبخ الكمأة:
الملاحظة الأولى الضرورية هي عملية تنظيف درنات الأتربة التي تلتصق بجلدتها، وتفضل عملية (التقشير) على الغسل بالماء. وتستخدم الكمأة بعدة أنواع:
1 ـ مشوية، بحيث تقطع إلى قطع صغيرة بعد تقشيرها وغسلها بالحجم المعروف باسم (رأس العصفور)، وتشك في سيخ اللحم إلى جانب قطع اللحم والبصل الصغير وقطع الدهن (من لية الخاروف)، وتشوى على جمر الفحم بعد تتبيلها، وتؤكل بالخبز مع السلطة.
2 ـ تقطع الكمأة بعد غسلها إلى قطع يكون حجمها ايضا (رأس العصفور)، وتكمر مع قطع اللحم ومع عدد من البصل الصغير، بعد تقليتها بالسمن، حيث تتم عملية (كمر الكمأة مع البصل واللحم)، وتطبخ مكمورة على نار هادئة حتى تنضج. ويمكن ان يقدم الرز إلى جانبها.
3 ـ ويمكن أن يصنع من الكمأة نوع من السلطة بعد غسلها وغليها بالماء، حيث يضاف إليها الثوم والليمون، تماماً مثل سلطة (الارضي شوكي).
ـ هناك أقوال وأشعار كثيرة قيلت في الكمأة، في الشعر الفصيح والمحكي، واكثرها يشبّه (فقع) الكمأة على الأرض بصدور الفتيات العذارى.