القـــــــــرآن والعلم الحديث الطبيب الفرنسى المسلم / موريس بوكاي

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

لما كان عطاء القرآن متجددًا على مر العصور والدهور فإن علينا – نحن المسلمين – أن نتابع ما يقوله الباحثون والعلماء بشأن تلك العبارات التي وردت في القرآن، وتشير بوضوح إلى حقائق علمية كانت بعيدة تمامًا عن إدراك أسلافنا – رضي الله عنهم – حيث لم يتجاوز حظهم منها إدراك المعنى اللغوي الظاهري ، وإن أصبحت الآن من المعارف الأساسية .
والدكتور "موريس بوكاي" أحد أولئك العلماء الباحثين فهو جراح فرنسيّ مرموق ، وعالم محقق عرفه الناس بكتابه : "القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم"، ذلك الكتاب الذي صدر باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية، والذي تناول فيه ما توصل إليه في بحوثه من مقارنة بين الأديان السماوية الثلاثة، وهو يُعَدُّ دراسة فريدة من نوعها في تقديم الأديان السماوية من منظور العلم !
وقد بدأت رحلته العقلية من المسيحية إلى الإسلام عندما عُهد إليه كجراح مبرز بمعالجة "مومياء الفرعون منفتاح" !
وفي زيارة طبية له إلى السعودية بعد ذلك أتيح له في إحدى المناقشات أن يلم بما جاء في القرآن الكريم حول غرق فرعون موسى، ثم بقاء بدنه سليماً؛ ليكون آية لكل الأجيال من بعده!
ولما كان بوكاي على دراية سابقة برواية الكتاب المقدس عن غرق فرعون؛ فقد دهش كثيرًا عندما اكتشف أن القرآن وحده – قد قرر الحقيقة التي لم تعرفها البشرية إلا في هذا القرن، مع بداية الكشوف الأثرية، والعثور على "المومياوات" المحنطة لفراعنة مصر، ومنها مومياء "الملك منفتاح" المعروف بـ "فرعون موسى" أو "فرعون الخروج" .
نقطة التحول في حياة بوكاي :
وكانت تلك نقطة التحول في دراسات الدكتور بوكاي؛ فقرر دراسة القرآن الكريم واللغة العربية، ثم عكف على إجراء دراسة مقارنة بين نصوص القرآن الكريم، والكتاب المقدس: "التوراة والأناجيل" في ضوء المعارف الحديثة . وخرج من هذه الدراسة بما أعلنه على الدنيا من التوصل إلى التطابق التام بين الإشارات العلمية والتاريخية بالقرآن الكريم، وبين العلوم والمعارف الحديثة، بينما يتناقض الكثير مِمّا جاء بالتوراة والإنجيل مع الحقائق والمنطق!
هذا الكتيّب ! :
وهذا الكتيب هو نص محاضرة ألقاها الدكتور موريس بوكاي أمام معهد الكومنولث البريطاني في لندن حول "القرآن الكريم والعلم الحديث" ، لعلها تكون هادياً ومرشدًا للباحثين عن الحق الذي جاء به الإسلام، ونطقت به آيات كتابه العزيز !
نقدمها إلى قراء العربية مع التعليق عليها بما يقتضيه النص من إيضاح وتنقيح يدعمان ما رمى إليه المؤلف في محاضرته من نصرة الحق .

(1)




الدين والعلم



في التاسع من نوفمبر سنة 1976 م أُتيح لى أن أقدم للأكاديمية الفرنسية محاضرةً فريدة في موضوعها حول : "علوم الأَجنّة ووظائف الأعضاء في القرآن الكريم"،تناولت فيها : بعض ما جاء بالقرآن الكريم من "إشارات" تتصل بالتكاثر والفسيولوجيا البشرية .


الدافع إلى إعداد هذه المحاضرة :

وقد دفعني إلى إعداد هذه المحاضرة : انبهاري بما جاء في القرآن الكريم من إشارات إلى معارف ومفاهيم لم يكتشفها العلم إلا في العصر الحديث.
والقرآن هو الكتاب الوحيد من نوعه بين أيدينا الذي جاء بمعارف تسبق عصر تدوينه بقرون.
وقد دفعني ذلك أيضًا إلى مقارنة النص القرآني بنصوص الكتاب المقدس : (العهد القديم والجديد) المتعلقة بمثل هذه المعارف وتمخضت هذه الدراسة عن إصدار كتابي : "القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم" الذي صدرت طبعته الأولى باللغة الفرنسية في مايو سنة 1976 عن دار سيجلير بباريس ، ثم توالى ظهور طبعات إنجليزية وعربية مترجمة .
العلم والدين توأمان في الإسلام :
إن الدارس للإسلام يعرف أن العلم والدين فيه توأمان ، حتى في هذا العصر الذي قطع العلم فيه أشواطًا تبدو مذهلة!
لم يصطدم الإسلام أبدًا مع العلم؛ بل على العكس ألقت المعارف الحديثة أضواء جلت لنا معانى القرآن، وما فيه من روعة!
وفي هذا القرن الذي بدا فيه للغرب ، وللعالَم غير المسلم أن الحقائق والأفكار العلمية قد أجهزت على بقايا الفكر الديني – كان الأمر في العالم الإسلامي مختلفًا تمامًا ، فقد ساعدت هذه الكشوف والحقائق العلمية ذاتها على إثبات ما في رسالة الإسلام، والنص القرآنيّ من إعجازٍ علميّ يؤكد صدوره من قوى خارقة للطبيعة؛ أي: من وحي الخالق الأعظم!
وعلى رغم كل التيارات والدعاوَى الفكرية التي تخبطت فيها عقول البشر؛ فإن المعارف العلمية لابد أن تدفع العقل المحايد المتحرر من الأهواء إلى التأمل في قضية الإيمان؛ فكثير من البحوث في ظواهر الطبيعة والحياة تؤدي بشكل تلقائي إلى تدبر المفاهيم الدينية !
مثال على ذلك :
ونضرب مثلاً لذلك بدراسات النظم الدقيقة التي تحكم بداية الحياة ونشأتها وتطورها : فكلما تعمقت الدراسة، واتسعت المعارف أصبح من العسير علميًّا أن نتقبل فكرة "الصُّدفة" كتعليل لتلك النظم !
ومما يبعث على الأسى والإشفاق – معًا – أن ينادى عالم فرنسي حاصل على جائزة نوبل بأن الخلايا الحية قد كونت نفسها ! فجأة باتحاد عناصرها الكيميائية في ظروف مَا مواتية(1)، ثم تطورت هذه المادة الحية - بنفسها أيضًا- حتى وصلت إلى الإنسان بكل ما فيه من أنظمة معقدة، وتلك آراء لا يُقرها أى تفكير سليم؛ لأن الدراسة العلمية الجادّة لبيولوجيا الإنسان، وغيره من الكائنات العليا، إنما تؤدى إلى النقيض من هذا الادعاء تمامًا ؛ وتؤكد وجود إرادة أسمى خارقة للطبيعة وراء خلق ونشأة وترتيب نظم الحياة وخصائصها وسلوكها .









(1)كشف القرآن غرور هؤلاء وتهافت فكرهم:)أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُون* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُون، ووصفهم وصفًا دقيقًا: )لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(

وسنرى في هذه المحاضرة كيف تثبت لنا دراسة القرآن هذه المفاهيم ، وبوضوح شديد !

كما سأركز – بصفة خاصة – على ما جاء بالقرآن من حقائق علمية تتفق بمنتهى الدقة مع العلوم الحديثة !
وهو موضوع يشكل نقطة جذب كبير للدراسات العلمية المعاصرة !
القرآن والكشوف العلمية
ظل المغزى العلميّ لكثير من آيات القرآن الكريم غامضًا لقرون عدة قبل تطور أدوات البحث والتحليل العلمي إلى ما صارت إليه في هذا القرن العشرين ؛ وما صحبه من تفرع المعارف إلى تخصصات دقيقة !
واجب من يتصدى للتفسير العلمي للقرآن :
لقد أصبح واجبًا على من يتصدى للتفسير العلمي للقرآن أن يرجع إلى البحوث والدراسات المتخصصة ، وأن يستند – على الأقل – إلى دائرة معارف متسعة ، وأعنى بالمعارف العلمية هنا : ما أصبح في حكم الحقائق المؤكدة التي لا خلاف عليها ؛ فلا يدخل فيها ما لم يتحقق بعد من نظريات قد يضعها العلماء للتفسير المؤقت لظواهر محدودة، قبل أن تنقضها ظواهر أو مفاهيم جديدة (2) .
(2) يعرَّف الإعجاز العلمي بأنه "إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم".








الاقتصار على المعارف العلمية المؤكدة :


وسأقتصر في "محاضرتي" هذه على الإشارة إلى ما جاء بالقرآن الكريم من معارف علمية مؤكدة تمامًا .

أما حينما أشير إلى حقائق شبه مؤكدة ، أو آراء يُرجِّح إجماع العلماء صحتَها ، وإن لم تتحقق نهائيًا بالبحث التجريبي القاطع ، سأبين ذلك بكل وضوح ؛ ولن يتجاوز ذلك إشارة أو إشارتين مثل "نشأة الحياة في وسط مائي واحتمالات وجود الحياة في كواكب أخرى في الكون" .






حقيقة لابد من أن نؤكدها :



ينبغي أن نؤكد أولاً أن القرآن الكريم – قبل كل شيء – كتاب هداية ، لم ينزله الله مصدرًا للمعارف العلمية ، وإنما هو رسالة تستنهض العقل للتأمل في خلق الله، ونواميس الطبيعة، ليتعرف من خلالها على جلال القدرة الإلهية(3) .

وفي خلال تدبر ذلك الكتاب يجد أولو العلم والبصيرة فيه من "الإشارات العلمية" المشرقة نفحاتٍ من الله تعالى، تشدّ أزرهم في مواجهة دعاوى الإلحاد المادي المتهافتة، وإن تسربلت بعباءة العلم .
(3) والقرآن أيضًا هو البرهان الخالد والمعجزة الشاهدة إلى آخر الزمان – على صدق تنزيله من خالق الكون ، سواء في إعجاز بيانه أو صدق معارفه ، بما يقطع باستحالة صدوره من بشر .






التزام الأسلوب الموضوعي المجرد :




حاولت خلال دراستي هذه – وأظنني قد نجحت – التزام الأسلوب الموضوعي المجرد الذي يتبعه الطبيب عند فحص مريض جديد ؛ إذ يمحص كل أعراض المرض بعناية حتى يصل إلى التشخيص السليم .

وأصارحكم القول : أني عندما بدأتُ الدراسة لم يكن لدي أدنى اقتناع بالإسلام ، وكلما مضيت في الدراسة ازداد اقتناعي حتى أتاني اليقين في النهاية: أن هذا القرآن إن هو إلا وحي أوحاه الله إلى نبيه .









خطتي في هذه الدراسة :




سأستعرض في دراستي عبارات وردت في القرآن ، تشير بوضوح إلى حقائق علمية كانت بعيدة تمامًا عن إدراك أسلافنا؛ الذين لم يتجاوز حظهم منها إدراك المعنى اللغوي الظاهري – وإن أصبحت الآن من المعارف الأساسية، ولو كان القرآن- جدلاً- نصًّا بشريًّا لما نُقل إلينا بهذه العبارات التي تتجاوز فهم الأسلاف؛ ولعدّلوا وبدّلوا ألفاظها تبعًا لتطور مفاهيمهم .










الله قد تكفل بحفظ القرآن :




ولكن الله – تعالى – قد تكفل بحفظ النص القرآني قرنًا بعد قرن ، حتى يتبين للبشر يومًا بعد يوم المزيد من آيات التطابق بين التعبير القرآني ، والمعارف الحديثة.


تنتشر هذه الإشارات العلمية المعجزة في شتى سور القرآن بين دفتيه شاهدًا حيًّا على صدقه. ولما كان القرآن قد نزل مفرَّقًا عبر ثلاثة وعشرين عامًا قبل وبعد الهجرة من مكة إلى المدينة، فقد توزعت الإشارات العلمية أيضًا بين السور المكية والمدنية.
ولما كان من الضروري – في دراسة مثل هذه – جمع وتصنيف الآيات المتعلقة بكل موضوع على حِدَة ؛ فقد لجأت إلى تصنيف مبسط لهذه الموضوعات؛ بدأت فيه بموضوع: نشأة الكون ، وبيان ما جاء بآيات القرآن الكريم في هذا الصدد، وعلاقته بالمفاهيم العلمية المعاصرة .
ثم صنفت مجموعات الآيات تباعًا في موضوعات : الفلك، الأرض، المملكة الحيوانية والنباتية، الإنسان، ثم موضوع التكاثر الإنساني الذي أضفى عليه القرآن الكريم عناية خاصة.
وكان من الممكن تقسيم هذه الموضوعات إلى موضوعات فرعية أدق، ولكنى اكتفيت بتقسيمي هذا المبسط .
عقد مقارنة بين النصوص :
ثم رأيت لتمام الفائدة أن أعقد من آن لآخر مقارنة بين النصوص القرآنية ، وبين ما جاء في التوراة والأناجيل؛ من منظور العلم الحديث ، وبخاصة موضوعات نشأة الكون والطوفان وخروج بني إسرائيل .
(2)






في نشأة الكون




عندما نحلل مفهوم نشأة الكون في القرآن الكريم يتبين لنا لأول وهلة مدى التباين بين ذلك المفهوم، وبين ما جاء بالكتب السماوية الأخرى .


ادعاءات مضللة :
وهذه النتيجة - في حد ذاتها – تنفي تمامًا الادعاءات المضللة لمؤلفين غربيين عن التشابه بين القرآن الكريم والكتب السابقة، واتهامهم لمحمد – صلى الله عليه وسلم – باقتباس القرآن الكريم من التوراة والإنجيل.
كذب تلك الادعاءات :
وللتحقق من كذب هذا الادعاء تكفي مقارنة ما جاء بالتوراة من أن الله قد خلق الكون في الستة أيام ثم استراح! في اليوم "السابع" (4) – بالنص القرآني الحكيم :
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .

(4) في سفر التكوين: "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" (2 / 3) .


إيضـاح :
وينبغي أن نوضح هنا ما أكده المفَّسرون المعاصرون من أن المقصود بـ "الأيام" هنا ليس واحدها اليوم الأرضي المعروف (24 ساعة) ؛ بل هو المراحل والدهور (5) .









(5) يؤكد ذلك ما جاء في القرآن الكريم صراحة في الآيتين :




( أ )







)وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون( .








(ب) )تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَسَنَة(




. .




(ج)






)يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَمِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون( .


وهذه الآيات إشارة إلى ما لم يعرفه البشر من قبل عن نسبية الزمن في الكون، فاليوم "الأرضي" الذي نعرفه إنما تضبطه دورة الأرض حول نفسها كل 24 ساعة، وهو يختلف تماما عن "اليوم" الذي يشهده أي كوكب آخر من كواكب المجموعة الشمسية، كما يتخذ الزمن وتقسيم وحداته (أيامه) في الكون الفسيح دلالات أخرى مغايرة تماما لما تعارفنا عليه على سطح الأرض.
وأهم من ذلك – في نظرى – عند مقارنة القرآن بغيره من الكتب السماوية أنه لم يُصِرّ على ترتيب معين لخلق الأرض قبل السموات؛ كما جاء بالكتب الأخرى؛ بل إن النصوص القرآنية في مجموعها تــــدل على تزامن نشأة الأرض ونشأة السموات ؛ فأحيانًا يذكر لفظ "السماء" أو "السموات" قبل




لفظ "الأرض" وأحيانًا بعدها في الإشارات القرآنية لنشأة الكون(6) ؛ مثل ما جاء في "سورة طه":



]تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا} ، وما جاء بسورة الزّمر: ]خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ} .


(6) الواقع أن التعبير القرآني مطرد في تقديم "السموات" على "الأرض" وتكرر ذلك في 178 موضعًا في القرآن ، عدا موضعين اقتضاهما سياق المعنى : )يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات( ، وآية المذكورة التي تنطوى على تثبيت قلب الرسول الكريم بأن وحي القرآن إنما أنزل على هذه الأرض ممن خلقها كما خلق السماوات العلا على امتدادها قبلها. ويتفق ذلك مع الحقيقة الكبرى : أن الأرض ليست مركز الكون – كما ظن الأقدمون – بل هى قطرة في بحر الكون اللانهائي .

وقد أدى ذلك الانفصال إلى نشأة العديد من العوالم المختلفة )الْعَالَمِين( كما يتكرر ذكرها بهذا اللفظ مرارًا مثلما جاء بفاتحة الكتاب :
)الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين((8) .
إشارة إلى مفهوم أساسي في خلق الكون
من ناحية أخرى يشير القرآن إلى مفهوم أساسى في "نشأة الكون" هو: نشأته من "دُخَان"(7)، وابتداؤه من جسم واحد متصل (رَتْق)؛ انفصل بعد ذلك إلى أجزاء (انفتق) وهو ما تشير إليه الآية الكريمة من سورة فُصّلت : (ثم استوى إلى السماء وهى دخان..) ، مع الآية التالية من سورة الأنبياء : )أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا(

(7) "الدخان" هو خليط من غبار وغاز، ومازال ما لم يتكثف منه – في نجوم أو كواكب – يملأ فضاء "المجرات" .


اتفاق مع المفهوم السائد

ويتفق ذلك كله مع المفهوم السائد : ألا وهو وجود كتلة دخانية أولية واحدة ، ثم انفصالها إلى المجرات ، ثم إلى النجوم ، ثم نشأة الكواكب بانفصالها عن النجوم .
كما يشير القرآن إلى خلق يتوسط السموات والأرض (8) كما جاء في سورة الفرقان: )الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا( ويبدو لي أن هذا الخلق بينهما قد يشير إلى ما اكتشف مؤخرًا من كتل مادية تسبح في مسارات لا تنتمي إلى أي من الأفلاك المعروفة(9) .
(8) كما يقرر القرآن بوضوح أن ثمة عوالم من المخلوقات لا نعلمها تنتشر في أرجاء الكون الفسيح ]تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن} . ]ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة}


(9) وربما يشير أيضا إلى ما يسمى "المادة المظلمة" ، التي



هي القرين السلبي للمادة .
خلاصة هذا البحث


وفي النهاية يبين لنا هذا العرض : مدى اتفاق المعارف الحديثة وما جاء بالقرآن الكريم، وكلاهما بدوره يختلف تمامًا عما جاء بالتوراة والإنجيل عن مراحل الخلق ، وخاصة ما ذكر فيهما عن خلق الأرض في اليوم الثالث قبل خلق السموات في اليوم الرابع ، على عكس ما نعرفه من أن "الأرض نشأت بالانفصال عن الشمس" (10) ؛ فكيف بالله عليكم يستقيم الادعاء : أن محمدًا – صلى الله عليه وسلم- قد استقى معارفه من تلك الكتب "السماوية" مع ما نعرفه الآن : أن القرآن قد جاء ليصحح ويعدل ما جاء بتلك الكتب ؛ ليصبح مطابقًا للمفاهيم الصحيحة التي ما اكتشفت إلا بعد عصره بقرون ؟

(10) جاء بسفر التكوين : "في البدء خلق الله السموات والأرض، وإذ كانت الأرض مشوشة ومقفرة ... وأمر الله ليكن جَلَد يحجز بين مياه ومياه ... وسمى الله الجلد سماء"


(3)

في الفلك والضوء والحركة


مغالطة يقع فيها الكثيرون من كتاب الغرب :

ثَمّةَ مغالطة يقع فيها الكثير من كُتّاب الغرب في تعليقهم على ما جاء بالقرآن من إشارات صحيحة في مجال الفلك ؛ إذ لا يجدون ثمة غرابة في ذلك ، وكأن العرب كانوا دومًا أهل دراية بعلوم الفلك !

ويتجاهلون أن "علوم الفلك" لم تتطور إلا على أيدى العلماء المسلمين بعد نزول القرآن بعشرات السنين !
وحتى في أوْج الحضارة الإسلامية ، لم تصل المعارف الفلكية إلى الحد الذي يفسر ما أشار إليه القرآن من حقائق فلكية لم تكتشف إلا في العصر الحديث !
المفاهيم الفلكية في القرآن :
"المفاهيم الفلكية في القرآن" موضوع لا يقل اتساعًا عن سابقه : "نشأة الكون" وسأكتفي هنا ببعض نماذج للإشارات القرآنية ، وأبدأ بوصف "القرآن الكريم" لكل من الشمس والقمر؛ فبينما لا تميز نصوص التوراة بين صفات الشمس والقمر إلا من ناحية الحجم(11)، فإن القرآن يسميها بصفات مميزة : القمر جسم منير (نور) فحسب ، بينما الشمس هي (السراج) الباعث للضوء .

(11) جاء في سفر التكوين "فعمل الله النورين العظيمين : النور الأكبر لحكم النهار ، والنور الأصغر لحكم الليل والنجوم" (1 / 17) .


أي أن القمر جسم بارد يعكس الضوء الذي يتلقاه من الشمس المتوهجة ، مصداقًا لما تؤكده المعارف الحديثة(12).

(12) السراج لغة : المصباح الزاهر ، والوهاج : الشديد الوهج ، من "أوهج النار" : أوقدها. وتأمل الآيات القرآنية : )تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا( )وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا( .


نموذج آخر للإشارات القرآنية :
وفي مثال آخر يوصف النجم بكلمة "ثاقب" (13) أي




الذي يحترق ويستهلك تدريجيًا في ظلام الكون .
(13) يقصد آيات سورة الطارق : )وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِق* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِق* النَّجْمُ الثَّاقِب(.
ومن ناحية أخرى يشير القرآن إلى "الكواكب" بلفظ مستقل(14) كأجسام فلكية ذات طبيعة محددة ؛ لا يخلط بينها وبين النجوم (إذ لا تصدر بل تعكس الضوء كالقمر) .
كما يميزها عن الأقمار (التابعة للأرض أو غيرها) .

(14) في قوله تعالى : )إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب( ، وفي آيات سورة الأنعام التي تسرد تأملات سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في كوكب بزغ ثم أفل ، فعاد ليتأمل في آيات الله في خلقه للقمر وللشمس ، وصولا إلى توحيد الله خالق كل شيء: )فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الأَفِلِين( إلى آخر الآيات .




تطابق العلم الحديث مع نصوص القرآن بشأن حركة الأجرام السماوية :
ثم يشير العلم الحديث إلى حركة الأجرام السماوية في أفلاك محددة، واتزان بعضها مع بعض طبقًا لقوى الجاذبية؛ التي تحددها – بدورها – الكتل والسرعات ، ويتطابق ذلك تمامًا مع نصوص القرآن الكريم ، وعباراته الدقيقة التي لم يُدرك البشر مغزاها قبل المفاهيم الحديثة، مثل ما جاء في سورة الأنبياء : )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون( (15)

(15) جاء في المعجم الوسيط : سبح بالنهر : عامَ ، وسبح الفرس : مدّ يديه في الجرى ، وسبحت النجوم: جرت في الفلك ، وسبح فلان في الأرض : تباعد . كما قد تفهم من الآية أيضًا: الإشارة إلى حركة الأرض حول نفسها؛ والتي ينشأ عنها تعاقب الليل والنهار ، إذ أن الآية جاءت بصيغة الجمع "يسبحون" لا بصيغة التثنية "يسبحان" لو كان المقصود هو حركة الشمس والقمر فحسب .
ونلاحظ : أن حركة الأجرام يشار إليها بالفعل "سبح" الذي يشير لا إلى الحركة في الماء فحسب ، بل إلى نوع من الحركة الذاتية .
تعاقب الليل والنهار
أما تعاقب الليل والنهار فليس ثمة جديد في مجرد الإشارة إليهما ، ولكن الجديد والمثير هو التعبير القرآنى المستخدم في "سورة الزمر"(16) وهو "التكوير" الذي يشير إلى لَفٍّ وتدوير الليل حول النهار ، والنهار حول الليل .

(16) حيث يقول سبحانه : )خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل..( .
والفعل "كوّر" لغةً يعنى لفَّ العمامة حول رأسه ، وهو تشبيه في غاية الدقة(17) . وقد مرت قرون وقرون بعد نزول القرآن قبل أن تعرف البشرية شيئًا من هذه الحقائق الكونية .

(17)إذ يشير إلى كروية الأرض، وإلى دورانها في نفس الوقت.




إشارات قرآنية أخرى :
وبالقرآن إشارات أخرى إلى :
" أ " نشأة السموات(18) ووصفها(19) .

(18) أي من جسم واحد متصل، ثم من دخان، وانظر موضوع نشأة الكون.



(19) مثل وصفها بأنها طبقات في قوله سبحانه : )الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا( ، ووصفها بأنها مليئة بالشهب في قوله : )وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا( ، وأنها تعكس ما يصلها من موجات كهرومغنطيسية وبخار الماء (المطر) في قوله سبحانه : )وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع( ؛ إلى غير ذلك من الإشارات المعجزة .
"ب" وإلى اتجاه الشمس المستمر نحو اتجاه محدد "مُسْتَقَر" (20) .

(20) في آية يَس : )وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم( .
"جـ" وما إلىذلك مما يتفق مع أدق المفاهيم الحديثة، كما يبدو أن القرآن قد ألمح أيضا إلى الاتساع المستمر للكون (21).

(21) في قوله تعالى : )وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون( ، وقد تبين أن المجرات تتباعد عن بعضها بسرعة كبيرة، كما تتباعد الأجرام السماوية – في المجرة الواحدة –</spa

(4)
في الأرض وعلوم الحياة


نعود الآن إلى "كوكبنا" الأرض لنتأمل هذه الآية من سورة الزمر !

يقول الله سبحانه وتعالى : )أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُه(

إلام تشير هذه الآية :
تشير هذه الآية إلى "دورة المياه الجوفية" كما يعرفها القارئ المثقف في القرن العشرين الميلادي ؛ ولكننا يجب ألا ننسى أن البشرية لم تعرف شيئًا عن طبيعة "دورة المياه الجوفية" قبل اكتشافها على يد "برنارد بليسي" في القرن السادس عشر، لتحل محل النظريات البالية من عهد "أفلاطون" التي تفترض : أن الرياح تدفع المياه إلى باطن القارات لتعود إلى المحيطات من جديد خلال "الأخدود" الكبير الذي كان يطلق عليه أيضًا "البرزخ" .
ديكارت يردد نظرية أرسطو :
بل إن مفكرًا مرموقًا مثل "ديكارت" في القرن السابع عشر (وغيره من المفكرين حتى القرن التاسع عشر) ما فتئ يردد نظرية "أرسطو" التي تفترض أن المياه تتكثف في مغارات باردة داخل الجبال ، ثم تتجمع في بحيرات جوفية تنطلق منها العيون !
علم الهيدرولوجيا الحديث ودورة المياه :
وقد أثبت علم الهيدرولوجيا الحيث : أن دورة المياه الجوفية إنما تتم خلال عمليات تشرب التربة المسامية بالمياه ، ثم تتسرب منها إلى باطن الأرض ، وهو ما ينطبق تمامًا على التعبير القرآنى )فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ( .
كيفية تكون الجبال :
يفسر لنا علم الجيولوجيا كيفية تكون الجبال بفضل ظاهرة "الطيّ" ؛ حيث تبرز الجبال إلى الخارج لتمتص الإجهادات الناشئة عن اختلاف القشرة الأرضية (الصلبة) عن السائل (المنصهر) الذي لا يصلح لحياة حيوان أو نبات .
ومن هنا تتوازن القشرة مع القلب ، وتستقر الجبال في مواضعها بفضل "الطيات" التي تمتد كأساسات عميقة داخل الأرض .
ولنقارن هذه المفاهيم بالعديد من آيات القرآن التي تتحدث عن الجبال(23)؛ مثل هذه الآية من "سورة النبأ" التي يقول الله فيها : )أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا( .
والأوتاد هي : ما يُدَق في الأرض لتثبيت الخيمة ونحوها ، مما يتفق تمامًا مع تثبيت الجبال في الأرض بفعل الطيات العميقة الممتدة .
(23) تأمل قوله تعالى : )وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم( . وقوله تعالى : )وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم( وقوله تعالى : )وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم( .



نماذج التطابق بين حقائق العلم والآيات المتعلقة بعلوم الحياة :
في كل الأمثلة السابقة نماذج للتطابق بين النص القرآني ، وبين دقائق العلم الحديث دون أدنى تباين أو اختلاف !
ولكن أكثر ما هزني – منذ بدأت هذه الدراسة – هو تلك الآيات المتعلقة بعلوم الحياة ، سواء : المملكة الحيوانية ، أو النباتية ، خاصة تلك المتعلقة بالتكاثر !
وأؤكد ثانية أن العديد مما جاء بتلك الآيات لم يكن إطلاقًا في متناول الفهم، أو التفسير المراد ؛ قبل التقدم العلمي الحديث .
كما أن كثيرًا مما فهم الأقدمون شيئًا عنه جاء العلم الحديث ليسلط الضوء على مناحي أخرى تؤكد صدق الآيات القرآنية ، ويتضح ذلك تمامًا في شطر آية الأنبياء التي يقول الله فيها :
) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُون( (24) .




(24) وكذلك قوله تعالى: )وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاء( .
فهذه الآية الكريمة تؤكد المفهوم الحديث الذي يقول : إن الحياة قد نشأت – بشكل ما – في وسط مائيّ(25).

(25) نشأة الحياة من الأمور التي ظلت - وربما ستظل - من أمور الغيب؛أما المغزى الأقرب والمؤكِّد لإعجاز الآية فهو أن كل صور الحياة النباتية والحيوانية ، وكل العمليات الفسيولوجية،تتم في وسط مائى .


ناحية أخرى تثير العجب في علم النبات :
ومن ناحية أخرى لم تصل معارف البشر على عهد محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى الحد الذي يؤكد ما أصبح قاعدة في علم النبات: "أن كل النباتات لها أعضاء تذكير، وأعضاء تأنيث!" بينما تقرأ في ســورة طـه : )وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى( وقد ثبت لدينا الآن : أن كل الثمار تنشأ عن نباتات لها خصائص جنسية زوجية (حتى في حالة الموز الذي ينمو من زهرة غير ملقحة). ولنقرأ أيضًا في سورة الرعد : )وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْن( (26).
(26) والواقع أن كل الكائنات الحية - مهما دقت - كمكونات الخلية الحية مثل الكروموسومات التي هي "أزواج" من شرائط الأحماض الأمينية ، ومثل النطفة الملقحة التي هي تزاوج بويضة مع حيوان منوي، ومثل الحيوانات المنوية التي هي نوعان يغلب على أحدهما الصفات المؤنثة والآخر المذكرة ، بل إن كل الجمادات في تركيبها "أزواج" ، ابتداء من مكونات الذرة ، إلى أدق الجسيمات النووية في الجانب الأصغر ، إلى الأجرام السماوية التي تقترن بما يسمى "المادة المظلمة" وهي بمثابة الصورة السلبية للكون ، مصداقا لعموم الزوجية في التعبير القرآنى )وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون( .
عالم الحيوان :
أما عالم الحيوان فيتشابه كثيرًا مع الطب البشرى ، ولنستعرض أولاً نموذجًا للدقة العلمية لآيات القرآن التي تتناول جانبًا من "فسيولوجيا" تكوين الألبان في ضروع المواشي ؛ ففي سورة النحل نقرأ : )وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين( .
آية لها شأنها :
ولهذه الآية في نظري شأن كبير ؛ فقد نزلت قبل اكتشاف الدورة الدموية بألف عام على الأقل ، وكذلك قبل ثلاثة عشر قرنًا من اكتشاف "عمليات التمثيل الغذائي" في الأمعاء التي تمتص جدرها نواتج الهضم لتنقلها إلى سائر الأعضاء .
نزلت هذه الآية لتتحدث بدقة تامة عن تكوين اللبن في الضروع بما يتفق مع النظريات الحديثة !
ومن العسير تمامًا أن نفهم الآية حق فهمها دون إلمام بالتفاعلات الكيميائية داخل الأمعاء ؛ والتي يعقبها امتصاص المواد النافعة بالغذاء المهضوم إلى الأوعية الدموية، بنظام معقد محكم يمر بعضه بالكبد ، ثم ينقل الدم هذه المواد إلى الأعضاء – كل فيما يخصه – بما فيها الغدد اللبنية بالضروع ، أي أن العملية تتلخص باختصار شديد في انتقال مكونات معينة من أمعاء الأنعام إلى الأوعية الدموية (بجدر الأمعاء)، ومنها إلى مجرى الدم ، ثم إلى الضروع ، وهو ما يتفق تمامًا مع نص الآية الكريمة !
(5)
في خلْق الإنسان !

خلق الإنسان في القرآن وعند علماء الأجنة :

عندما يتحدث القرآن عن نشأة الجنين يأتي بآيات لا يُحْسِنُ تفسيرها إلا علماءُ الأجنة ؛ ولم يكن ذلك متيسّرًا للأقدمين قبل تطور "علوم البيولوجيا" ؛ وخاصة قبل اختراع المجاهر (الميكروسكوبات) ، ويستحيل أن يأتى رجل في القرن السابع الميلادس بهذه الآيات إلا بوحي فوق مستوى البشر ؛ إذْ لم تعرف البشريّة – لا في بلاد العرب ، ولا الشرق الأوسط ، ولا أوروبا حينئذ – شيئًا من هذه المعارف .

ومن حسن حظ العلماء المعاصرين الذين جمعوا بين فهم القرآن والدراية بالعلوم الحديثة أن يلمسوا بوضوح مدى التطابق بين النص القرآنى والمعارف الحديثة .
تعليق لا يُنْسى ! :
ولا أنسى تعليقًا لشابٍّ مسلم في الثانية عشرة من عمره، نشأ في السعودية، تعليقًا على ما جاء في القرآن حول "الحمل والولادة"، حيث قال : "إننا نجد في هذا القرآن – كما تعلمنا في مدارسنا – مصدرًا للمعارف الأساسية حول الحمل والولادة بدقة ووضوح لا تصل إليها المناهج الغربية المتقدمة" .
موضوع الحمل والولادة يُبرز مدى التباين بين دقة المفاهيم القرآنية وبين الأساطير والخرافات:
وموضوع الحمل والولادة – بالذات – يُبْرز لنا مدى التباين بين دقة المفاهيم العلميّة بالقرآن الكريم، وبين الأساطير والخرافات السائدة وقت نزول القرآن، بل وبعده بكثير(27)، مما يبعث على الانبهار بالقرآن لاتفاقه مع العلوم الحديثة ، ولخلوه من أي شائبة من الأفكار السائدة وقت التنزيل .

(27) وحتى يومنا هذا في بعض المجتمعات
طبيعة السائل المنوي :
وسنخص بالشرح موضوع "طبيعة السائل المنوي" وما نعرفه الآن من أن الحمل يبدأ بنقطة صغيرة (نطفة) متناهية الصِّغَر من كل السائل المنوي، لتبدأ منه السلالة(28) !!
(28) مثل قوله تعالى : )وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى* مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى( . و: )أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى( . و"النطفة" هى القليل من الماء، ومن معانيها القطرة، واللفظ يشير إلى أنه من ذلك القدر المتناهيفي الصغر ينشأ ويتحدد جنس المولود،وهو تخصيص دقيق معجز لما جاء عامًا في الآية: )خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِق( .
ثم يشير القرآن بعد ذلك إلى تعلق بويضة الأنثى المخصبة بجدار الرحم باللفظ الدقيق :
" العلق أو العلقة" (29)، في آيات عدة أشهرها: آية سورة العلق: ) خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ( .

(29) "العلق" لغة : كل ما علق ، وعلق بالشيء : نشب فيه ، والإعجاز هنا يتمثل في دقة الإشارة إلى مرحلتين من مراحل خلق الإنسان ، أولاهما عملية تلقيح البويضة الأنثى عندما ينجح حيوان منويمن آلاف الحيوانات أن "ينشب" في جدار البويضة ويتعلق بها مكونا النطفة الأولى ، ثم ثانيهما عندماتندفع البويضة الملقحة بعد ذلك إلى جدار الرحم حيث "تتعلق" بجداره بواسطة خلايا أكالة؛وتبدأ رحلة نمو الجنين وتطوره .
دقة اللفظ القرآني في وصف وضع الجنين:
ولا أعتقد أن ثمة لفظ أدق من هذه الكلمة في وصف وضع الجنين داخل الرحم بإيجاز بليغ، ووصف دقيق، وكلمات واضحة، ينطبق كل منها على مرحلة من مراحل نمو الجنين؛ مثلما نجد في "سورة المؤمنـون" : )ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَــةَ عِظَامًــا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَـرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِيـن( ولفظ "المضغة" (30) : يعبر تمامًا عن شكل الجنين في إحدى المراحل ، وفي مرحلة تالية تبدأ العظام في التشكل من داخل المضغة قبل أن تكسوها العضلات (اللحم) تدريجيًا .
(30) "المضغة" هي القطعة الصغيرة من اللحم .
وخلال نمو الجنين، يمر بمرحلة تبدو فيها بعض الأعضاء وقد اتخذت شكلها النهائي، بينما لم تتضح بقية معالم الجنين بعد، ولعل هذا هو المقصود بعبارة "مُخَلقة وغير مُخَلّقة" (31) في سورة الحج، حيث يقول ربنا سبحانه : ) فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَة( .

(31) أو هو إشارة إلى ما هو معروف من أن الخلايا نوعان : منها ما يساهم في تكوين أعضاء معينة بالجسم (أي تتخلق بها) ، ومنها ما يظل خلايا غير متميزة (عامة) تلبي احتياجات أي جزء من الجسم - دما أو لحما أو عظاما .



الإشارة إلى خلق الحوّاس والأعضاء :
وأخيرًا نجد الإشارة إلى خلق الحواسّ والأعضاء كما جاء في سورة السجدة ، حيث يقول ربنا جل وعلا : ) وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَار وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ( ؛ وفي كل هذه الآيات التي عرضناها لا نجد ثمة ما يتعارض مع العلم الحديث ؛ كما لا نجد أثرًا للمفاهيم البشرية الخاطئة ! (32)

(32) يلاحظ العلماء المعاصرون تقديم السمع على الأبصار في هذه الآية وفي العديد من الآيات القرآنية، ولذلك أيضًا مغزًى علميّ دقيق، من حيث أن السمع يسبق البصر عند الأطفال حديثي الولادة ، وكذلك بقاء السمع في النوم واليقظة، وأهمية السمع على البصر في التلقّي والتخاطب ، ويتفق ذلك الترتيب أيضًا مع دعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) : "سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشق سمعَه وبصرَه" .
6)


القــــــــــــــرآن الكريم


في مقابل الكتاب المقدس



تعالَوْا أخيرًا نعقد مقارنة بين النصوص القرآنية ونصوص الكتاب المقدس ، وقد تناولنا لمحة من ذلك في معرض الحديث عن نشأة الكون ؛ حيث ظهر بجلاء مدى تطابق النص القرآني مع المعارف الحديثة على عكس مقولات الكتاب المقدس، والتي نعرف جميعًا أنها من وضع مجامع القسس حتى القرن السادس بعد الميلاد ، ومن ثم نسبتها إلى ما يسمى المجامع المسكونية(33) .



(33) الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى - بعهديه القديم والجديد - إنما هو مجموعة من الكتب والرسائل والرؤى، ألفها عدد كبير من المؤلفين، عبر قرون عديدة بعد وفاة كل من موسى وعيسى عليهما السلام ، أما التوراة والإنجيل اللذان نزلا عليهما فلا أثر لهما الآن إلا في طيات عبارات محدودة في مواضع من الأسفار الخمسة من العهد القديم منسوبة إلى موسى عليه السلام ، وفي سيرة المسيح المعروفة باسم الأناجيل الأربعة ، ولم تسلم هذه النصوص من التحريف والتبديل عمدًا أو عفوا بفعل الخطأ والنسيان والترجمة عن لغتها الأصلية .




ولم يهتم واضعوها إلا بتقديم الموعظة، وبهدف محدد هو : الدعوة إلى مراعاة الواجبات الدينية .
وكان هذا الوضع أو "التأليف" – من وجهة نظر الواضعين – هدفًا مشروعًا تمامًا ؛ على حَدّ قول الأب "دي فو" المدير السابق لمعهد الكتاب المقدس بالقدس ، ويضم الكتاب المقدس أيضًا فقرات قصيرة أخرى عن "نشأة الكون" فيما يسمى بالنص اليهودي ، الذي يتناول الموضوع من زاوية أخرى تمامًا ، وكلا النّصين مأخوذ من سِفْر التكوين ، أى ما يسمى بالأسفار الخمسة ، العهد القديم (التوراة) ، والتي يفترض أنها جاءت على لسان موسى – عليه السلام – إلا أنه من المعروف أن هذه النصوص قد حرفت كثيرًا قبل أن تصل إلينا بصورتها الراهنة ! .
أبرز ما جاء في نصوص المجامع هذه في سفر التكوين :
ومن أبرز ما جاء في نصوص المجامع هذه في سفر التكوين : "السرد التاريخى لنسل آدم"، وهو سرد أصبح لا يُعْتَدّ به من وجهتي النظر : العلمية والتاريخية .
وقد نقل كل من "مَتَّى" و"لوقا" في إنجيليهما هذا السرد عند الحديث عن نسب عيسى – عليه السلام(34) :
أحدهما – ابتداء من آدم (إنجيل لوقا) .
والآخر – ابتداء من إبراهيم (إنجيل متى) .


(34) من المدهش أن كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا قد تناولا نسب عيسى من جهة يوسف النجار خطيب أمه العذراء البتول مريم ؛ وما هو بأبيه!!، ويختلف الإنجيلان اختلافا بينا في سردهما لسلسلة النسب حتى داود عليه السلام، سواء في طول السلسلة أو في تحديد أفرادها .
وقد أثبت العلم الخطأ الفادح في هذه النصوص فيما ذكرته عن تاريخ بدء الحياة على الأرض ، ثم تاريخ ظهور الإنسان، بما يتناقض تمامًا مع ما أكده العلم الحديث من تقديرات ، بينما سلم النص القرآني تمامًا من هذه الأخطاء والتناقضات .
عمر الحياة على الأرض :
أما بالنسبة لعمر الحياة على الأرض ، فإن التقويم اليهودي المستنتج من سلسلة نسب آدم بالكتاب المقدس – يفترض أن عمر الأرض في يومنا هذا حوالي 5738 عامًا ؛ وهو تقدير يتناقض مع الحقائق العلمية المؤكدة ، والتي تقدر عمر المجموعة الشمسية بأكثر من أربعة بلايين عام ، واكتشاف آثار لوجود الإنسان على الأرض منذ عشرات الآلاف من السنين ، وهنا يتبين لنا من جديد سلامة النص القرآني من أي إدعاءات تتناقض مع العلم والتاريخ !
اتفاق القرآن مع المفاهيم الحديثة وتناقض غيره من النصوص معها :
وقد رأينا إلى أي مَدًى يتفق القرآن مع المفاهيم الحديثة في نشأة الكون، بينما تتناقض نصوص الكتاب المقدس مع العلم ، وخاصة عندما تتحدث عن بدء خلق السموات والأرض بظهور الماء، ثم عن خلق "النور" في اليوم الأول ، قبل خلق النجوم (مصدر هذا النور) في اليوم الرابع ، ثم عن خلق الليل والنهار (قبل خلق الشمس والقمر في اليوم الثالث) ، وكذلك عن خلق الأرض في اليوم الرابع ، وعن ظهور الوحوش على الأرض في اليوم السادس، بعد ظهور الطيور في السماء في اليوم الخامس (وهو عكس الترتيب المفهوم) (35) .



(35) من العهد القديم (تكوين 1 ، 2) :في البَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ، وَإذْ كَانَتِ الأرْضُ مُشَوَّشَةٌ وَمُقْفَرَةٌ وَتَكْتَنِفُ الظُلْمَة وَجْهَ المِيَاهِ ، وَإذْ كَانَ رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلى سَطْحِ المِيَاهِ ، أمَرَ اللهُ : "لِيَكُنْ نُورٌ"، فصَارَ نُورٌ وَرَأى اللهُ النُورَ فَاسْتَحْسَنهُ وَفصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّلامِ. وَسَمَّى اللهُ النُّورَ نَهَارًا ، أمَّا الظَّلامُ فَسَمَّاهُ ليْلاً . وَهَكَذَا جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ، فَكَانَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ. ثُمَّ أَمَرَ اللهُ : "لِيَكُنْ جَلَدٌ يَحْجُزُ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاه. فَخَلَقَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الْتِي تحْمِلُهَا السُّحُبُ وَالْمِيَاهِ الْتِي تغْمُرُ الأرْضَ. وَهَكَذَا كَانَ وَسَمَّى اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الثَّانِي. ثُمَّ أَمَرَ اللهُ : "لِتتجَمَّع الْمِيَاهُ الْتي تحْتَ السَّمَاء إلى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ". وَهَكَذَا كَانَ. وَسَمَّى اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا وَالْمِيَاهَ الْمُجْتمِعَة بحَارًا . وَرَأى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتحْسَنَهُ . وأمَرَ اللهُ : "لتنبت الأرض عشبا وبقلا مبزرا، وشجراً مثمرًا فيه بزره الذي ينتجُ ثمرا كجنسه في الأرض". وهكذا كان فأنبتت الأرض كل أنواع الأعشاب والبقول التي تحمل بزورًا من جنسها، والأشجار التي تحمل أثمارًا ذات بذور من جنسها. ورأى الله ذلك فاستحسنه . وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الثالث. ثم أمر الله : "لتكن أنوار في جلد السماء لتفرق بين النهار والليل ، فتكون علامات لتحديد أزمنة وأيام وسنين. وتكون أيضا أنوارا في جلد السماء لتضيء الأرض". وهكذا كان وخلق الله نورين عظيمين، النور الأكبر ليشرق في النهار، والنور الأصغر ليضيء في الليل، كما خلق النجوم أيضا ، وجعلها الله في جلد السماء لتضيء الأرض. لتتحكم بالنهار وبالليل ولتفرق بين النور والظلام. ورأى الله ذلك فاستحسنه . وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الرابع. ثم أمر الله: "لتزخر المياه بشتى الحيوانات الحية ولتحلق الطيور فوق الأرض عبر فضاء السماء. وهكذا خلق الله الحيوانات المائية الضخمة، والكائنات الحية التي اكتظت بها المياه، كلا حسب أجناسها، وأيضا الطيور وفقا لأنواعها. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وباركها الله قائلا : "انتجي، وتكاثري واملأي مياه البحار. ولتتكاثر الطيور فوق الأرض . ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الخامس ثم أمر الله: "لتخرج الأرض كائنات حية، كلا حسب جنسها، من بهائم وزواحف ووحوش وفقا لأنواعها". وهكذا كان. فخلق الله وحوش الأرض، والبهائم والزواحف، كلا حسب نوعها. ورأى الله ذلك فاستحسنه ثم قال الله: "لنصنع الإنسان على صورتنا، كمثالنا، فيتسلط على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى الأرض، وعلى كل زاحف يزحف عليها". فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم وباركهم الله قائلا لهم: "أثمروا وتكاثروا واملئوا الأرض وأخضعوها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يتحرك على الأرض. ثم قال لهم: "إني قد أعطيتكم كل أصناف البقول المبزرة المنتشرة على كل سطح الأرض، وكل شجر مثمر مبزر، لتكون لكم طعاما أما العشب الأخضر فقد جعلته طعاما لكل من وحوش الأرض وطيور السماء والحيوانات الزاحفة، ولكل ما فيه نسمة حياة" . وهكذا كان. ورأى الله ما خلقه فاستحسنه جدا. ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم السادس وهكذا اكتملت السماوات والأرض بكل ما فيها. وفي اليوم السابع أتم الله عمله الذي قام به، فاستراح فيه من جميع ما عمله وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه استراح فيه من جميع أعمال الخلق" .



إلام ترجع هذه التناقضات ؟

وترجع هذه التناقضات إلى أن هذه المقولات إنما تمثل حصيلة الأفكار البشرية السائدة في القرن السادس الميلادي .





قصـة الطـوفـان





ويظهر التباين بشدة بين النصوص القرآنية والكتاب المقدس في موضوع : الطوفان ؛ حيث جاءت رواية الكتاب المقدس عن روايتين مختلفتين؛ وتشير إلى أن الطوفان قد عم العالم بأسره (36) قبل عهد إبراهيم – عليه السلام – بحوالي ثلاثمائة عام؛ أي حوالب القرن الحادي أو الثاني والعشرين قبل الميلاد !


وفي ذلك تناقض صارخ مع الحقائق التاريخية ؛ إذ كيف نتخيل غرق حضارات العالم بأسره في ذلك العصر الذي يناظر عصر ما قبل المملكة الوسطى بمصر، أي بين الأسرتين : العاشرة والحادية عشرة .
من هنا فإن المعارف الحديثة ترفض قبول ما جاء بالكتاب المقدس ؛ بينما نلمس صدق القرآن الكريم الذي يقرر أن الطوفان كان مقصورًا على قوم نوح – عليه السلام – عقابًا لهم على ما ارتكبوه من إصرار على الكفر والمعاصي ؛ شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الأمم في مناسبات أخرى !


(36) جاء في سفر التكوين : "فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلككل جسد فيه روح حياة من تحت السماء" (6 / 18)، ثم: "فمحى الله كل قائم كان على وجهالأرض: الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء" (7 / 34) .



ولم يذكر القرآن تاريخًا محدَّدًا لحدوث الطوفان سوى أنه كان في عهد نوح – عليه السلام – وليس فيه ثَمةَ ما يتعارض مع الدراسات التاريخية والأثرية .
(7)
قصة سيدنا موسى – عليه السلام – ووقائع خروجه من مصر :


نتطرق بعد ذلك لقصة سيدنا موسى – عليه السلام – وخاصة وقائع خروجه مع بني إسرائيل من مصر هربًا من بطش فرعون .


وألخص بسرعة ما جاء في كتابي (37) حول هذا الموضوع حيث حدَّدْت – بشيء من التفصيل- نقاط الاتفاق ، ونقاط الاختلاف بين القرآن الكريم ، والكتاب المقدس .


(37) "القرآن والإنجيل والعلم" موريس بوكاي .



وبينت أن في هذه القصة نوعًا من التكامل في التفاصيل بين ما جاء بالكتابين .
وقد ناقشت الآراء المختلفة حول "فرعون الخروج" والتي رجحت بشدة : أن خروج موسى – عليه السلام – وبني إسرائيل ، كان في عهد "الملك منفتاح" خليفة "رمسيس الثاني" .
ويؤكد ذلك مضاهاةُ النصوص التاريخية بالآثار الفرعونية، وتتفق هذه الأفكار مع ما جاء بالتوراة من نصوص تدل على أن موسى – عليه السلام – قد ولد في عهد "رمسيس الثاني" الذي مات إبّان حياة موسى – عليه السلام – بمصر ، وبالتالي فإنه يمكن الاعتداد برواية التوراة في هذا الجزء من تاريخ موسى – عليه السلام .
الفحص الطبي لمومياء منفتاح :
ومن ناحية أخرى فإن الفحص الطبي لمومياء منفتاح يلقي مزيدًا من الضوء حول ملابسات موت ذلك الفرعون ، وقد بقيت هذه المومياء حتى يومنا هذا شاهدًا تاريخيًا هامًا، منذ اكتشافها عام 1898 م .
وقد قطعت الدراسات الطبية باستحالة بقاء جثة ذلك الفرعون في الماء مدة طويلة قبل تحنيطها(38) ، وهذا دليل على مدى الاتفاق بين ما جاء بالقرآن الكريم ، وبين المعارف الحديثة ، فقد تعرض القرآن الكريم لمصير جثة فرعون حيث أكد بقاءها وحفظها – رغم غرقه – لتكون عبرة للأجيال كما جاء في سورة يونس: ) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون( .


(38) لم تكن البشرية وقت نزول القرآن الكريم تعرف شيئاً عن قيام قدماءالمصريين بتحنيط الجثث، وبالتالي عن أي احتمال لبقاء جثث سليمة وذلك أيضًا من إعجازالقرآن الكريم.



أما الكتاب المقدس فقد أكد غرق فرعون أثناء مطاردته موسى دون التعرض لمصير جثمانه(39) .


(39) في سفر الخروج : "فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر لم يبقمنهم ولا واحد" (14 / 29) .













إلام ترجع تلك التناقضات ؟





ترجع التناقضات بين الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد في جانب ، وبين القرآن والعلم الحديث في الجانب الآخر، إلى التباين في المصدر وملابسات التدوين لكلا الكتابين ؛ فبينما يضم العهد القديم مجموعات من تراث الأدب الشعبي والديني والتاريخي لبني إسرائيل ، وضعه وعدله البشر طوال تسعة قرون، كما يضم العهد الجديد الأناجيل الأربعة التي وضعها : متى ولوقا ومرقس ويوحنا، إلى جانب رسائل بولس وغيرها ؛ فإن القرآن قد سلم – منذ نزوله – من تدخلات البشر ؛ فمن بداية نزول الوحي كان النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون معه يحفظون ما ينزل منه آية آية عن ظهر قلب ، ويدونونه، قبل جمعه وترتيبه في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلينا اليوم كيوم نزل بلا تحريف ولا تعديل .
المكانة الفريدة للقرآن !
وختامًا فإن مقارنة القرآن الكريم بمستوى المعارف السائدة في القرن السابع الميلادي (عصر نزول القرآن) ليدفع أي عالم منصف إلى القطع باستحالة أن يكون القرآن من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم ، ويؤكد المكانة الفريدة للقرآن بين سائر النصوص: ككتاب تلقته البشرية نصًّا يفوق مستوى معارف عصره ؛ لم يأت بشر فيه بحرف ، أو كلمة ، أو عبارة من صنعه .


(8)
تلخيص السِّمَات التي تؤكد أن القرآن الكريم وحي من عند الله:
وألخص فيما يلي السمات التي تؤكد أن القرآن الكريم وحى من الله تعالى :
شروط صدق الوحي : متى يصح أن يكون النص الديني وحيًا من الله تعالى ؟
أي : ما الذي يثبت صدق تنزيل كتاب كالقرآن من الله الخالق ؟ وما هي المعايير التي تميز كلام الله عن كلام البشر ؟
عقليًا تتلخص هذه المعايير في الآتي :
(1) المنطقية : فقد أنعم الله علينا بنعمة العقل ، والحكمة التي نميز بها بين ما هو معقول ، وبين ما يتعارض مع مبادئ المنطق ، ولا يصدر عن الله تعالى إلا الكلام المعقول الذي يتقبله كل عقل سليم مجرد عن الهوى(40) .


(40) )وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى(.



(2) الكمال : لما كان الله الخالق الأعظم هو : "الكمال" ؛ فلابد أن يتسم كلامه وحده بالكمال والدقة ، وبالسلامة من الخطأ ، أو الحذف ، أو الإضافة ، أو تناقض العبارات ، وتضارب النُّسخ والصيغ(41) .

(41) )وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا(.
(3) العقلانية : فلا يمكن لوحي الله أن تشوبه الخرافات والأساطير التي لا تليق بعظمة الله ، أو تنحط بعقل الإنسان(42) .
(42) )وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاًمَّا تُؤْمِنُون * وَلاَبِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون( .



(4) العلمية : لما كان الله هو الخالق العليم فلابد للوحي أن يكون قبسًا من علم الله ، وأن لا يناقض العلم والمعارف الصحيحة الثابتة، في أي زمان ومكان(43) .


(43) )لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِه( .



(5) علم الغيب : استأثر الله وحده بعلم الماضي والحاضر والمستقبل معًا ؛ لذا فكل ما جاء به من أنباء الماضي ونبوءات المستقبل لابد أن يثبت صدقها(44) .


(44) )وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُو( . )قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله( . )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا( .



(6) استحالة التقليد : الوحى الصادق من الله تعالى لا يحاكيه بل ولا يدانيه كلام بشر ، وهو معجزة حية باقية ، وكتاب مفتوح لكل البشر يقرءونه ، ويمحصون صدقه على امتداد الزمان والمكان(45) .


(45) )قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( .



مفاهيم الوحي القرآني







ألخص فيما يلي المفاهيم الأساسية للعقيدة الإسلامية طبقًا للقرآن الكريم :



(1) الوجود : لم يكن خلق الكون، ووجود الإنسان على الأرض، صدفة أو حدثًا عارضًا ، بل إن كل ما في هذا الكون حتى أصغر ذرة فيه تنطق وتهتف بوجود الخالق العظيم الرءوف الرحيم ، بدونه ما كان شيء من العدم ، وكل نفس تنبض بالحياة تدرك أنها لم تصنع ذاتها ، بل أتى بها إلى هذا الوجود الخالق الأعظم : "الله" الذي تتشوق كل نفس إلى ذاته ورضاه(46) !














(46) )سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى( .






و:




)أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون( .






(2) الإنسان : الإنسان مخلوق فريد بين سائر الكائنات الأرضية ؛ جعله الله خليفة له في هذا الكوكب الأرضي ، واستخلفه على سائر الأحياء ، وكرمه بملكة العقل والحكمة التي يسمو بها على سائر الأحياء(47) .


(47) )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة( .



يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم : "لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (48) .


(48) ذكر المؤلف ما ترجمته الحرفية : "ما خلق الله تعالى شيئا أفضل منالحكمة ، ولا أكمل ولا أجمل من الحكمة"؛ ولم نعثر على تخريج لحديث كهذا، فلعلهيقصد ما بيناه من صحيح البخاري، وأخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجة (المترجم) .



وإلى جانب هذه الملكات التي يميز بها الإنسان بين الطيب والخبيث ، وبين النافع والضار، وبين الخير والشر ، وهب الله الإنسان نعمة الحرية ليختار بنفسه إما : طريقًا في الحياة يليق بخلافته لله في الأرض ، أو دَرْكًا ينحط به إلى ما دون سائر الحيوانات والمخلوقات .
لقد ولد الإنسان بريئًا طاهرًا من كل خطيئة موروثة ، وله مطلق الحرية أن يرتفع بالفضائل ، أو ينغمس في الرذائل .
(3) الهدي الإلهي : لفرط رحمة الله بعبده الإنسان وحبه الخير له ، لم يتركه تائهًا في دروب الحياة باحثًا عن الحقيقة، وحيدًا متجشمًا عناء التجربة المريرة ، والخطأ المتكرر ، بل وهبه - إلى جانب العقل والحكمة - الرسالات الهادية عن طريق الرسل والأنبياء، لتحدد له معالم الحق ، وحقائق الوجود في هذه الحياة الدنيا وما بعدها(49) .


(49) )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍرَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت( .



(4) الوحي : منذ فجر التاريخ أرسل الله رسله وأنبياءه بالوحي الإلهي(50) ، داعين إلى طريق الامتثال والطاعة لله الواحد الأحد ، وذلك جوهر الإسلام ، تلك الرسالة الواحدة التي حملها كافة الأنبياء إلى البشر جيلاً بعد جيل ، وبمضي الوقت تعرضت كل الرسالات السابقة لتحريف البشر أو الضياع ، فاختلط الوحي الإلهي بالخرافات والأساطير ، وعبادة الأوثان ، وشــطحات الفلاسفة ؛ حتى ضـاع دين الله بين ركام التصورات والمعتقدات ، فما كان تاريخ البشرية إلا دورات صعود وهبوط بين النور والظلام ، وبين الهدى والضلال ، لولا أن الله - لرحمته بالبشر - لم يتركهم بلا معين يتجدد لينقذهم من دياجير الظلام !


(50) )وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم( .



(5) خاتم الرسالات : وعندما وصل البشر إلى أسفل عهود الجاهلية والظلام ، أرسل الله خاتم المرسلين سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لينقذ البشرية من جديد ، إلا أن الرسالة هذه المرة كانت تمامًا لكل ما نزل قبلها ، ونبراسًا باقيًا للهدى إلى يوم الدين(51) .


(51) وقد كان! والتحقيق العملي لهذه النبوءة أيضا من إعجاز القرآن القائل : )مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رَّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين(
والآن رسالة إلى عزيزي القارئ !









في البدء نقول :



§لا يجبرك أحد على اعتناق مالا تفهمه وتقتنع به !


§ولكن العار - كل العار - على إنسان مثقف مثلك أن تحرم نفسك من مجرد المحاولة للبحث عن الحقيقة !
§لقد أنعم الله علينا بنعمة العقل ؛ حتى نستخدمه في التفكير والتأمل ؛ لنحكم على الأشياء حكمًا موضوعيًا منظمًا !
§وأنا لا ألح عليك أن تتعجلَ قبولَ مبادئ الإسلام ؛ فالإسلام نفسه يقرر حرية الفكر والاختيار(52) .


(52) قال تعالى : )لاَإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ..( .



§وليس هذا فحسب بل إنك إن اهتديت فعلاً إلى صدق رسالة الإسلام، لا يعني ذلك أن يُكرِِهَك أحد مباشرة على اعتناقك إياه ، والعمل بما جاء فيه .
§ولكني أنصحك - قبل الحكم على مدى صدق رسالة الإسلام - أن تسأل ضميرك : هل تعرف عن الإسلام قدرًا كافيًا يسمح لك بالحكم الموضوعى عليه؟
§وهل تلقيت مفاهيمك ومعلوماتك تلك عن مصادر يعتد بها ؟ أم ركنت إلى ما يقوله ويكتبه غير المسلمين ، أو المتظاهرون بالإسلام ، والجهلاء بدينهم من المسلمين ، وكثير من هؤلاء لم يدرسوا القرآن حق دراسته ، ولم يقرءوا في الإسلام إلا قشورًا وادعاءات ؛ ثم يتباهون بأنهم رسل التنوير والعقلانية ، والفهم الصحيح لجوهر الدين (دون البحث في نصوصه) .
§هل من العدل أن تحكم على مذاق طعام دون أن تتذوقه بنفسك ؛ بل وتهضمه جيدًا لتعرف قدره ونفعه ؟ أم تركن إلى رأي غيرك وذوقه ؟
§إن لك - عزيزي القارئ - أن تختار المنهج الذي يتفق مع احترامك لعقلك حتى تصل إلى الحق !
§وأيًا مّا كان منهجك ، وأيًّا مَّا كانت نتيجة بحثك ، فإنني أكرر ثانية أن الإسلام يؤكد تمامًا حريتك في استخدام ملكاتك الخاصة في التفكير واتخاذ القرار ، ولكل إنسان إرادته المستقلة التي لا يحق لأحد الاعتداء عليها ولا إكراهه على قبول دين أو العمل به . عليك أن تفكر وتقرر بنفسك .
وختامًا أتمنى لك - عزيزي القارئ - رحلة طيبة للبحث عن الحقيقة !
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

منقوول للفائده











4
478

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الاميرة الاصيلة
جزاك الله خير
Sultanah_est
Sultanah_est
جزاك الله خير معلومة قيمة........................
جود6667
جود6667
جزاك الله الجنة
ام عبدالرحمــــــن
جزاك الله خير ..