بسم الله الرحمن الرحيم
إن من النعم التي امتن الله بها على عباده نعمة الزواج فقد قال تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فالحياة الزوجة :مودة ورحمة ...
وقد يعتري هذه الحياة أو هذه المرحلة من عمر الإنسان ما يعتري غيرها من وجود بعض المنغصات أو المكدرات فكيف يتغلب عليها الإنسان ؟وكيف يوصل السفينة إلى بر الأمان؟
أحلام وردية كانت تداعب خيال كل إنسان قبل الزواج ثم إذا به يفاجأ أن هذه الأحلام قد تكسرت على شواطئ الحياة الزوجية فهو لم يدخل في عمق هذه الحياة بل إنه في الأسابيع الأول منها فأحببت أن أكتب بعض الكلمات التي قد ينفع الله بها مع الاعتراف بالعجز والتقصير فالخوض في هذا البحر المتلاطم يحتاج إلى متخصص نحرير ولكن أستمد العون والمدد من الله العلي القدير متذكرا تلك الآية العظيمة ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ فاللهم إني أسألك الإعانة والتيسير والإخلاص في القول والعمل – اللهم آمين - .
وقد وسمت هذه الكتابة بعنوان (( القواعد الأساسية لحل المشاكل الزوجية )) وقد رتبت هذه القواعد على شكل نقاط ثم أعقبها بتفسير يسير ...
وقد آن أوان الشروع في المقصود فأقول وبعون الله الباري أصول وأجول:
1- حياة بلا منغصات ضرب من الخيال:فإن من صفات هذا الدار أن دار منغصات ومكدرات بل هي دار الأحزان فهي سجن المؤمن جنة الكافر ...
دار بها المرء لا تبقى سعادته == فاعمل لدار بها الإنسان مسرورُ
فالإنسان في هذه الدنيا في كبد يبتليه رب العالمين فيمحصه ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾... فإياك أخي الكر يم وأختي الكريمة أن تصاب بالانهيار إذا واجتهك المشاكل ...
تُحسن فيُجهل عليك وتَصل فتقاطع وتعامل الناس بالحسنى فيجحدوا فضلك ... هذه هي الدنيا فلا تحزن ...
بعض الناس يتصور الزواج بالمرحلة التي لا هم فيها أبدا فإذا به بعد مدة يندب حظه ويعض أصابع الندم ويرفع شعار العوام:
ليتني صغير كل همومي لعبتي == أبكي وأصيح والكيك يرجع ضحكتي
أما علمت حال الدنيا؟
سميت بالدنيا لأنها دار دنية فوطن قلبك وفكرك ونفسك وأخلاقك وطبائعك على تحمل هذه الدار فإنما هي أيام والرحيل قريب .
فإذا حصلت أي مشكلة زوجية فاعلم أن هذه المشكلة ابتلاء وامتحان من الله تعالى فهل تصبر أم يكون حالك العكس؟...
2- عالج مشاكلك بهدوء:انفعال وغضب وتوتر وتشنج وصوت مرتفع أنّى بذلك نحل المشاكل الزوجية ... اجلس مع نفسك حاول أن تهدئ ... تعوذ بالله من الشيطان فإن الغضب منه هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم والغضب لا خير فيه ألم يوص النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة :لا تغضب... فكن هادئاً متماسكاً ... لا يُشترط أن تعالج المشكلة في نفس الوقت ... خاصة إذا وجدت من الطرف الآخر انفعالاً وعصبية ... فاخرج من المنزل أو من المكان الذي حصل فيه ما حصل ... وخذ نفسا عميقا وادع رب العالمين أن يوفقك لكل خير ... فلحظة غضب منك أخي الكريم أو أختي الكريمة قد تندم عليها طول عمرك وقد لا ينفع الندم ...فوقت الغضب قد يتخذ المرء قرارات غير مدروسة إطلاقا ثم النتيجة إما إيلام الطرف الآخر أو جرحه بجروح لا تندمل – أعني جرح القلب والمشاعر – وأحيانا والعياذ بالله طلاق وخراب للبيت وتشتيت للأبناء ... فإياك والغضب.
3- حاسب نفسك:أنا البريء وهو المتهم , أنا على صواب وهو على خطأ , أنا أنا أنا ... ما هذا أخي الكريم وأختي الكريمة ...
فهل هكذا نحل المشاكل ...
إن من الأعظم الأمور التي لا بد أن تكون صادقا في الإجابة عنها مع نفسك : ما هو الذنب الذي فعلته فابتلاني الله عزوجل بعده بهذا البلاء ... أتعلم أن كثيرا من الناس لا يتوقعون أن للذنوب أثراً على الحياة الزوجية – وللأسف الشديد – فإذا ناصحته قال لك :الحمد لله لا أعلم أني قد فعلتُ ذنباً قد ابُتلى بعده بهذا البلاء ...
فكري أخي الكريم وفكري أختي الكريمة : لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
الله أكبر ما أروع هذه العبارة هكذا كان السلف , محاسبة دقيقة واتهام للنفس ...
رجل يتعامل بالربا وينسى أن لهذا الذنب أثر على الحياة عموما ومنها الحياة الزوجية ويتناسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعل آكل الربا ...
قف معي وتأمل :لعن ...
أتعلم ما معنى اللعن :إنه الطرد والإبعاد عن رحمة الله فهل بعد هذا لم تعرف السبب ...
أختي الكريمة :لقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة ...لاحظي لعن ... فهل بعد هذا لم تعرفي السبب ...
تهاون في الصلاة ... أو نظرة محرمة أو ذنب غفلتَ عنه أو غفلتِ عنه قد يكون له أثر عظيم جدا على الحياة ... انظر إلى حال السلف : إني لأعصي الله فأجد أثر ذلك في دابتي وزوجتي ...
جاءني مرة أحد الشباب وقال لي :عندي بيت وسيارة ومركز مرموق وزوجة وكل ما تتوقعه ولكن لا أشعر بالسعادة .... فقلت له :تُصلي؟! قال :أحيانا ... عُرف السبب فزاد العجب ...
فاعرف هذا الأمر حق المعرفة فإنه أمر قد يتناساه كثير من الناس والله المستعان.
4- ارفع راية الأمل ودع عنك اليأس والألم:مستحيل لا يوجد مجال لا تحاول أبدا ما يمكن ... عبارات نسمعها وبكثرة خاصة عند حصول بعض المشاكل الزوجية الكبيرة أو الخلافات العميقة ... فلم اليأس؟
ارفع راية الأمل وعلق قلبك بالله ...فما تراه مستحيلا هو يسير عند الله سبحانه وتعالى..
ما بين طرفة عين وانتباهتها == يغير الله من حالٍ إلى حالِ
كفار قريش كانوا على الكفر بل ويحاربون النبي صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا ومع هذا غير الله حالهم ودخلوا في الإسلام فغير الله حالهم من رعاة للغنم إلى قادة للأمم ...فإياك واليأس ... تأمل في قصة يوسف :حزن عميق ولكن الفرج قريب فهو بيد السميع المجيب ... فإياك واليأس فقد تعيش أياما عصيبة وأوقاتا مريرة فارفع راية الأمل وقل سأنتصر بحول الله تعالى فهو الكريم المنان الرزاق ...
حدثني أحد إخواني وقال لي :زوجتي غير ملتزمة ,تعمل في مكان مختلط ,تكشف وجهها , تشاهد الأفلام وتسمع الأغاني ...حاولت معها وحاولت وتعبت وتعبت ولكن وصلت إلى ما أريد فقد استقامت والتزمت وتنقبت وتركت الأغاني والأفلام , صحيح لقد تعبت ولكن وصلت إلى ما أريد ...
5- الصراحة راحة:لا تجعل قلبك مخزنا للأحزان , تكلم وصارح وعبر عما بداخلك ,أرح فؤادك ,لا تحمل هما كالجبال وحدك , اجعل شريك الحياة شريك حياة بالفعل ولا تجعله كأحد قطع الأثاث في المنزل ...كلمه وأخبره بما في قلبك ... لا تجعل قلبك مخزنا للأحزان ... إن لم تستطع الكلام فيمكنك أن تكتب وتعبر عما في قلبك من الأسى والحزن أو توجه الطرف الآخر برسالة جميلة هادئة فإن وجدت إعراضا منه وصدا فأكتب ما في قلبك في دفتر خاص وبح بهمومك في هذا الدفتر ... ولا بد أن تنتبه إلى اغتنام الوقت المناسب للحديث فليس كل وقت مناسب للحديث عن بعض المواضيع ...
6- ثقف نفسك :يعاني بعض الناس من (( الأمية الأسرية )) فالثقافة الأسرية عنده متدنية لأبعد الحدود , يلتهم يوميا صفحات كثيرة قراءة وتأملا ولكن لا يفكر كيف يطور حياته الأسرية وهذا خطأ كبير فالتعامل مع الحياة علم خاص لا بد أن تتقنه ... ولا بد أن أنبه أن أصول الثقافة الأسرية موجودة في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فللأسف الشديد تجد بعض الناس يُعجب بكتب الغرب في الحياة وينبهر بأساليبهم في ذلك ولو كلف نفسه أن يتأمل في القرآن أو في الأحاديث النبوية لوجد ما يبهر الألباب فالنبي صلى الله عليه وسلم مدرسة بل جامعة علّم أمته التوحيد والعبادات والمعاملات والأخلاق لم يترك شاردة ولا واردة إلا وأشار إليها صلى الله عليه وسلم إما تأصيلا وإما تفصيلاً... واعذرني أخي الكريم وأختي الكريمة على الاستطراد هنا قليلا حتى يعرف الجميع أن في السيرة النبوية حكم ودرر في باب الثقافة الأسرية تأمل معي قليلا في قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لنبينا صلى الله عليه وسلم عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم فزعا مذعورا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم فقالت له خديجة : ((كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق... ))
ففي عبارات أم المؤمنين رضي الله عنها :تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم ...كم من رجل يأتي إلى امرأته فيخبرها بموقف أو خبر فتقول له :موقف سخيف ...ألست برجل ...يا جبان .... وكم من رجل عندما تخبره زوجته بموقف يقول لها مقاطعا:هذه أخلاقك ...دائما هكذا ...يا جبانة وغير ذلك من الألفاظ الجارحة والعبارات القاسية ... ولو تأملنا في السيرة النبوية لعرفنا كيف نتعامل مع هذه المواقف...
7- لا تصاحب إلا مؤمنا :هذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم فإياك وقرين السوء الذي لا هم له إلا إفساد بيتك شعر أم لا يشعر ... فرجل خفيف العقل وقليل الدين كيف تحدثه بما في قلبك فهو في الغالب سيشير عليك بأمر لا ينفعك فاحذر من هذه الفئة واصحب الكرام الذي إذا نصحوا صدقوا وكذلك المرأة المسلمة عندما تحكي بعض مشاكلها لصديقة لا تتقي الله تسمع منها :لو كنت مكانك لطلبت الطلاق والله زوجي لا يمكن أن يفعل مثل هذا ... ثم النهاية خراب للبيوت والعياذ بالله ... أخشى على هذه الفئة أن يصيبهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (( ليس منا من حلف بالأمانة و من خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا )) .
8- إياك والعجلة: فقليل دائم خير من كثير منقطع ولن تغير الطرف الآخر بين يوم وليلة فعليك بالتؤدة ومن تأنى نال ما تمنى فبعضهم يريد حلولا سريعة :كلمة واحدة تغير كل شيء ...أنّى يكون هذا إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى فعليك بالحكمة والموعظة الحسنة ...لقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وأخبر الله أنه ما آمن معه إلا قليل ... فالصبر الصبر والرفق الرفق والحكمة الحكمة ...
9- كن ذكيا في النصيحة:فالنصيحة لها آداب وطرق وأساليب :فمن الممكن أن تنصح بشريط أو كتاب أو ابتسامة أو رفق أو حنان أو أي أسلوب تراه مناسبا – ولكن لا بد أن لا يخالف الشرع- فكن ذكيا متفننا في النصيحة ومتى خرجت النصيحة من القلب وقرت في القلب بإذن الله .
10- خيانة بشعة:أيها الزوج الكريم ليس لك إلا زوجتك أو زوجة أخرى بطريق مشروع وأيتها الزوجة الكريمة ليس لك إلا زوجك فإياكم ومصيدة الشيطان :سأفضفض أريد من يشاركني همومي أو غير ذلك ... فالخيانة الزوجة وزرها عظيم جدا فاحذر من هذا أشد الحذر إياك أن تقع فيها فإنها والله تفسد البيوت وكذلك أختي الكريمة :لا يغرنك رجل آخر فزوجك هو جنتك ونارك فاحذري غضب الله تعالى والذئاب لا تعرف الوفاء والطبع يغلب التطبع ومن خان دينه سهل عليه خيانة أي شيء آخر ...
11- من تعلق بغير الله خذل:بعضهم يبتلى بشيء المنغصات فتجده يقول مباشرة :أنا محسود أنا مسحور ... طيب والحل :لا بد أن أذهب إلى فلان فعنده علاج سريع وممتاز ...
أعوذ بالله شرك بالله
ألا تخاف الله ... ألا تتقي الله ... قد تذهب إلى الساحر الفلاني أو الكاهن الفلاني فتجد أن الطرف الآخر يحبك ولكن ثق تماما بأنك ستخسر حب الله تعالى وأي خسارة تعدل هذه الخسارة فالله تعالى خلقنا لعبادته فلا تتوجه بأي عبادة إلا لله الواحد القهار , وزيارة هؤلاء وتصديقهم كفر بالله العظيم (( من أتى عرافا أو كاهنا فسأله عن شيء فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد )) .
12- سهام الليل : فالدعاء له شأن عظيم ... عليك بالدعاء والتوجه إلى الله فالخير بيده قال تعالى : ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ وقال تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ فالجأ إلى الله وعلق قلبك بالله وتذكر ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ﴾.
هذه بعض القواعد أسأل الله أن ينفع بها والله أعلم
أبومزنة كان الله
من دار زايد
بومزنة @bomzn
الداعـي المتميـز
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
^*راما*^
•
الله يثيبك يااختي.....
الصفحة الأخيرة